×

  بحوث و دراسات

  واشنطن بوست: مهمة إسرائيل في إيران تتجه إلى تغيير النظام



*ديفيد إغناتيوس

صحيفة"واشنطن بوست"/ الترجمة والتحرير: محمد شيخ عثمان

لحروب إسرائيل تاريخٌ من توسع نطاق المهام. وفي هذا التقليد من التصعيد المتواصل، تتجه الحملة الإسرائيلية التي بدأت صباح الجمعة ضد البرنامج النووي الإيراني بلا هوادة نحو تغيير النظام.

بمشاهدة الصور التلفزيونية من طهران، ترى أن إسرائيل توسّع نطاق رؤيتها. يوم الأحد، كانت النيران المتصاعدة تحيط بقيادة شرطة طهران الكبرى، التي يكرهها الكثيرون باعتبارها مركزا للقمع. ويوم الاثنين، كان الهجوم على مقر التلفزيون الحكومي الإيراني، ناشر الدعاية الحكومية، ما دفع المذيعة الجامدة ذات الحجاب الداكن والشادور إلى ترك مقعدها في منتصف البث.

جاءت أوضح إشارة على توجه إسرائيل نحو قلب النظام في تعليق أدلى به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الاثنين. وعندما سألته قناة ABC News عما إذا كانت إسرائيل تخطط لاستهداف المرشد الأعلى علي خامنئي، أجاب نتنياهو: "نحن نفعل ما يلزم".

الاغتيال ليس الطريق إلى دولة قوية، لكن من الواضح أننا في مرحلة جديدة، كما وصفها أفضل مراقبي الشؤون الإيرانية الذين أعرفهم. قال كريم سجادبور من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي خلال مقابلة يوم الاثنين: "لقد أمضت الجمهورية الإسلامية عقودا في السعي للقضاء على إسرائيل. والآن، يبدو أن إسرائيل تسعى إلى القضاء عليها". ووافق بهنام بن طالبلو، مدير الشؤون الإيرانية في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، على ذلك قائلا: "تتمتع إسرائيل بحرية العمل في سماء إيران. والآن يمكنها قيادة حملة مضادة للنظام".

لن تجد مني أي نقاش حول أن الوقت قد حان للتغيير السياسي في طهران. منذ الثورة الإسلامية عام ١٩٧٩، يسفك النظام الديني دماء الإسرائيليين والأمريكيين والسعوديين وكل من عارض أوامره. السؤال هو: كيف سيأتي التغيير؟ ما هو الطريق نحو دولة ديناميكية تليق بشعب إيران المبدع والمثقف؟

 

إليكم حقيقة واضحة:

 لا يمكن لإسرائيل أن تشق طريقها إلى إيران الجديدة بالقصف. فحملة قصف كهذه التي تشهدها طهران تدفع الناس إلى الاحتماء والانطواء، وكثيرا ما تدفعهم إلى القتال بشراسة. لم يكسر القصف الاستراتيجي إرادة الشعب البريطاني أو الألماني أو الياباني خلال الحرب العالمية الثانية. كما أنه لم يدمر حماس في غزة بعد.

قال لي علي رضا نادر، المحلل الإيراني المخضرم في مؤسسة راند والمستشار المستقل حاليا: "إيران في وضع ما قبل الثورة. لكنني أتساءل عما إذا كان الناس قادرين على الانتفاض أثناء القصف الجوي. أخشى أنه لا توجد خطة. سيصمد النظام، وستزداد الأمور سوءا".

لقد خاطرت إسرائيل بهذا الهجوم، ولا أقصد التقليل من شأن الخطر عليها أو على المنطقة. يصف سجادبور هذين الخطرين بإيجاز: "قد يؤدي هذا إلى زعزعة استقرار النظام أو ترسيخه. قد يوقف البرنامج النووي أو يسرّعه".

خلال حديثي مع خبراء في الشؤون الإيرانية، سمعت شعارا واحدا متسقا: أفضل طريقة لحشد الإيرانيين هي مساعدتهم على بناء دولة أكثر ثراء وتقدما وتكاملا. في كثير من الأحيان في الماضي، فعل مخططو الاستخبارات الإسرائيليون والأمريكيون عكس ذلك. حاولوا استغلال الانقسامات العرقية في إيران - خليطها من الكرد والأذريين والعرب والبلوش - ضد طهران.

كثيرا ما سخرت إسرائيل من جيرانها في الشرق الأوسط ووصفتهم بأنهم مجرد "قبائل ذات أعلام" وحاولت استغلال التوتر الطائفي. هذا خطأ، كما يجادل بن طالبلو. "لا تنظروا إلى إيران كدولة متعددة الأعراق قابلة للتفتيت. لا تنخرطوا في عملية بلقنة".

وأود أن أضيف، لا تحاولوا إعادة فرض نظام ملكي قديم. بعض دعاة التغيير في إيران يلتفون حول رضا بهلوي، نجل الشاه المخلوع في ثورة ١٩٧٩. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وبريطانيا ارتكبتا هذا الخطأ من قبل، في انقلاب ١٩٥٣ الذي نصّب الشاه مكان محمد مصدق، رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيا. قد يكون رضا مفيدا في المرحلة الانتقالية، لكن الإيرانيين يستحقون ما هو أفضل من العودة إلى الوراء.

الرسالة التي ستتردد صداها لدى الإيرانيين هي أن هذا النظام قد وصل إلى طريق مسدود عنيف - بسبب أخطائه بقدر ما هو بسبب أفعال إسرائيل. ضعفه وفساده يشكلان إحراجا وطنيا.

ينشر الإيرانيون رسائل ساخرة حتى في خضم الفوضى منذ أن بدأت إسرائيل هجومها صباح الجمعة، وفقا لأصدقاء يتصلون بطهران ويطلعون على وسائل التواصل الاجتماعي الإيرانية. بعد اغتيال عدد من العلماء النوويين، صرّح طالب مجهول الهوية بأن أستاذه المتطفل يجب أن يكون على القائمة. عندما قتل كبار القادة العسكريين في شققهم، سأل إيراني غاضب: لماذا يعيشون جميعا في شقق فاخرة؟

ما يغضب الإيرانيين هو أن النظام بدّد الأموال لدعم قوى عميلة معادية لإسرائيل، مثل حماس في غزة وحزب الله في لبنان، بدلا من إنفاق المزيد في الداخل. اعتقلت الشرطة النساء لعدم ارتدائهن الحجاب، حتى في الوقت الذي كان فيه عملاء الموساد يهرّبون الطائرات المسيّرة التي قتلت كبار القادة العسكريين يوم الجمعة. جادل بن طالبلو، معبّرا عن رأي قال إنه يعبّر عنه على نطاق واسع في طهران بعد الهجوم الإسرائيلي: "بينما كان المنظّرون يؤمّنون النوافذ، تركوا الباب الأمامي مفتوحا على مصراعيه".

وجادل سجادبور بأن النهج الصحيح في التفكير في تغيير النظام هو تشجيع القومية الوطنية، بعيدا عن الملالي. وقال لي: "ما يجب أن يأتي بعد ذلك هو مجموعة من القادة الذين لا يكون مبدأهم التنظيمي الثورة الإسلامية، بل المصلحة الوطنية". "بدلا من شعار "الموت لأمريكا"، يجب أن يكون الشعار "تحيا إيران".

كانت الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩ بمثابة زلزال لا تزال توابعه تدوّي في جميع أنحاء الشرق الأوسط. كانت إسرائيل والولايات المتحدة الهدفين الرئيسيين، لكن المنطقة بأسرها عانت. إن فكرة أن أذى إيران وتدخلها قد يكسبها مظلة نووية دائمة أمرٌ لا يطاق.

فترات عدم الاستقرار الثوري تفضي حتما إلى التوطيد والبناء. هذا ما حدث في أوروبا عام ١٨١٤ مع مؤتمر فيينا، الذي أنهى قرنا من الاضطرابات العنيفة وجلب ما يقرب من قرن من السلام إلى أوروبا. قبل وفاة وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر، الذي كان تلميذا لدبلوماسية الكونت مترنيخ في فيينا، سألته بين الحين والآخر عما إذا كانت لحظة التحول هذه ستأتي إلى إيران والشرق الأوسط.

كثيرا ما كان كيسنجر يهز كتفيه. من يستطيع الجزم؟ بمراقبة الكارثة التي تتكشف الآن لإيران، لا يسع المرء إلا أن يأمل في أن ينبثق من هذه اللحظة مسارٌ يتيح للإيرانيين فرصة لبناء شيء جديد.


22/06/2025