×

  المرصد الايراني

  تحليل شامل: الانهيار الإيراني درس وتحذير مباشر لتركيا



 

*موسوعة بوابة تركيا

العملية العسكرية الإسرائيلية ضد إيران ليست مجرد معركة محدودة، بل تحوّل استراتيجي كامل في المنطقة. ووفق جوهري جوفين، فإن انهيار إيران هو نتاج تراكمات سياسية داخلية فاسدة، وينذر بمصير مشابه لتركيا ما لم تتدارك مؤسساتها الخلل العميق في بنيتها الحاكمة.

في ضوء التطورات المتسارعة في الشرق الأوسط، تواجه المنطقة خطر اندلاع حرب إقليمية شاملة، في مركزها إيران وإسرائيل، بينما تمر تركيا عبر “حلقة من نار” تهدد أمنها القومي. في هذا السياق، يحلل الكاتب الصحفي والمحلل السياسي التركي جوهري جوفين أبعاد الهجوم الإسرائيلي واسع النطاق على إيران، وتداعياته الاستراتيجية، وتحول موازين القوى في الإقليم، بالإضافة إلى ما يحمله من دروس وتحذيرات لتجربة تركيا الداخلية.

 

أول الشرر: من غزة إلى طهران

جوفين الذي يتابعه نحو 750 ألف شخص على يوتيوب فقط، رغم تقييد الوصول إلى حسابه، يرى أن جذور الحرب الحالية تعود إلى هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، والذي اعتبرته تل أبيب “ذريعة استراتيجية” لتدشين مشروعها الإقليمي الجديد. منذ ذلك اليوم، كان من المتوقع أن تتحول إيران، الداعم الرئيسي لحركات المقاومة كحزب الله وحماس، إلى هدف مباشر.

إيران التي طالما تغنت بسيطرتها على أربع عواصم عربية (بغداد، دمشق، بيروت، وصنعاء)، خسرت كل تلك الأوراق خلال عام ونصف فقط، نتيجة سلسلة من الضربات المنسقة.

 

الضربة الكبرى: عملية “الأسد الصاعد“

أطلقت إسرائيل على عمليتها العسكرية في إيران اسم “الأسد الصاعد“، تعبيرا عن طموحها في قيادة المنطقة. وفق جوفين، تم التخطيط للعملية على مدار 8 أشهر، وشملت مراحل تمهيد استخباري، واختراق أمني، وضربات دقيقة. أبرز ما ميز العملية هو اختراق عمق الأراضي الإيرانية، وتأسيس قواعد لطائرات مسيّرة إسرائيلية متنقلة داخل إيران، واستخدام طائرات مسيّرة صغيرة لتدمير أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية على الحدود، ثم في العمق. بالإضافة إلى تنفيذ ضربات جوية بطائرات F-35  على أكثر من 300 هدف داخل إيران، شملت منشآت نووية، وقواعد عسكرية، ومراكز قيادة عليا، مما أسفر عن اغتيال رئيس الأركان الإيراني، وقادة بارزين في الحرس الثوري وفيلق القدس، ومقتل أكثر من 25 مسؤولا رفيعا، بينهم مستشارون أمنيون وعلماء نوويون.

جوفين يعتبر هذه الضربة “إهانة تاريخية” لإيران و”إذلالا غير مسبوق لحضارة فارسية عمرها آلاف السنين”.

 

كيف انهارت المنظومة الأمنية الإيرانية؟

يربط جوفين الانهيار الأمني الإيراني بـ”فساد النظام الحاكم” وهيمنته على الدولة بمؤسساتها المدنية والعسكرية، موضحا أن “البيروقراطية الفاسدة، أي النظام الذي اعتمد على جهاز بيروقراطي مطيع، قائم على الولاء الأعمى لا على الكفاءة، وقمع المعارضة بما يشمل إسكات الفنانين، المثقفين، والسياسيين المعارضين، وتغوّل الأجهزة الأمنية حتى على الشارع، وتفشي الولاءات الخارجية بسبب الفساد الداخلي، حيث أصبح من السهل شراء ولاءات المسؤولين وتجنيدهم لصالح أجهزة استخبارات أجنبية.. كل هذه الأنواع من الفساد سهّل اختراق إيران أمنيا من قبل إسرائيل.”

ويحذر جوفين من أن تركيا تسير على نفس الطريق، عبر تأسيس نظام سياسي مفرغ من المؤسسات، قائم على الولاء لا الكفاءة، ويحتضن طبقة بيروقراطية مصلحية قابلة للاختراق.

 

إسرائيل تفرض هيمنتها الجوية

يشير جوفين إلى أن العملية الإسرائيلية أعادت تشكيل البيئة العسكرية في الشرق الأوسط، حيث أصبحت إيران “عاجزة عن حماية أجوائها” بعد الضربات التي شملت شملت 300 منشأة حيوية بينها قواعد نووية وعسكرية، وطرق إمداد، كما أصبحتالأجواء من لبنان حتى حدود تركيا تحت السيطرة الإسرائيلية، بينما فقدت إيران أدواتها في سوريا ولبنان واليمن، ويلفت جوفين كذلك إلى أن المجال الجوي السوري (شمالا)، والخاضع جزئيا للنفوذ التركي، بات أيضا يُستخدم لأغراض إسرائيلية، بمساعدة بريطانية من قاعدة “أكروتيري” في قبرص.

 

هل تكرّر إيران تجربة سوريا؟

يلفت جوفين إلى أن الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا، تسعى لتجنب تكرار “الخطأ السوري” في تعاملها مع إيران. إذ أدّت الحرب الشاملة التي اجتاحت سوريا إلى تفكك البلاد، وتهجير ملايين اللاجئين نحو الدول المجاورة، ومنها تركيا، وخلق بيئة فوضى استمرت لسنوات.

 

الخط الأحمر: تجنب سيناريو اللاجئين

وفقا لجوفين، فإن أحد أهم الدروس المستفادة من التجربة السورية يتمثل في ضرورة عدم نشر الحرب على كامل التراب الإيراني، إذ إن تفكك دولة بحجم إيران (100 مليون نسمة) سيؤدي إلى موجة لجوء قد تصل إلى عشرات الملايين، ما يهدد أمن واستقرار دول الجوار، خصوصا تركيا.

ولهذا، فإن الاستراتيجية الغربية تركز على “الضربات الدقيقة” بدلا من حرب شاملة، من خلال استهداف البُنى التحتية الحساسة، واغتيال شخصيات محورية في النظام الإيراني، وضرب مراكز الإنتاج والطاقة، وإبقاء الضغط الاقتصادي والعسكري دون دخول بري شامل.

 

السؤال الجوهري: هل يسقط النظام الإيراني؟

يرى جوفين أن الانهيار الكامل للنظام الإيراني غير مرجح حاليا، لكن تماسكه لم يعد مضمونا. الوضع بلغ حدا جعل كبار قادة الدولة، مثل رئيس الأركان والمرشد الأعلى، لا يستطيعون النوم في منازلهم ولا يتحركون علنا داخل بلدهم خشية الاغتيالات أو تسريب مواقعهم من قبل عناصر داخلية قد تكون مخترقة من الموساد أو الـ CIA.

ويحذر من أن النظام وصل إلى درجة من الفساد والانغلاق جعل “المواطن الإيراني أسيرا لدى نخبة حاكمة فاسدة”، على حد تعبيره.

 

مستقبل إيران المجهول: هل تقترب من الانفجار الداخلي؟

يتوقع جوفين أن استمرار الضربات الجوية الإسرائيلية لإيران قد يؤدي إلى انهيارات داخلية على المستوى الاجتماعي والإثني، واحتمال تفجر الصراعات الداخلية نتيجة الفقر المدقع، مؤكدا أن ضرب مصانع، مثل مصنع السيارات الرئيسي في إيران سيعمق أزمة المعيشة، وأن تكرار سيناريو سوريا ممكن إذا استمرت الغارات لأشهر. وفي حالة حدوث أي تفكك داخلي في إيران، فإن تركيا – بوصفها الجار الأقرب – ستكون أول المتأثرين.

 

الورقة الكردية: اصطفافات جديدة تهدد استقرار الإقليم

يتطرق جوفين إلى تطور بالغ الأهمية، يتمثل في إعلان حزب الحياة الحرة الكردستاني (PJAK) –  الجناح الإيراني لحزب العمال الكردستاني (PKK) – استعداده للمشاركة في القتال ضد النظام الإيراني، وهو ما يعزز احتمال اتساع رقعة الصراع داخليا.

كما سبق ذلك إعلان مشابِه من الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني (KDP-I) وباك (PAK)، ما يشير إلى تنامي حراك كردي منظم داخل إيران، قد يُستغل لإعادة رسم خريطة المنطقة.

ويُحذر جوفين من أن أي تفكك داخلي في إيران سيؤدي حتما إلى ارتدادات في تركيا، خصوصا مع الغموض الذي يلف ملف “الحل الكردي” أو “مكافحة الإرهاب”، على حد وصف الحكومة التركية.

 

الورقة النووية: آخر أمل إيراني؟

يدافع جوفين أن إيران تمتلك ورقة أخيرة لمحاولة فرض توازن جديد، وهي الورقة النووية، لكن فعاليتها أصبحت محدودة، إذ إن إيران فقدت مصداقيتها في امتلاك أو استخدام سلاح نووي، مما أفقد الحديث عن “الردع النووي” قيمته بعد فشلها في حماية منشآتها الأساسية. ويرجع سبب ذلك إلى أن النظام الإيراني يعتمد على “البروباغندا” وليس على القدرات الحقيقية، تماما كما في واقعة عرض “نموذج” لطائرة شبحية مزعومة، لم يظهر لها أي أثر في الواقع.

 

ترامب والملف الإيراني: مناورة تفاوضية لا أكثر

يرد جوفين على أطروحة تقول إن إسرائيل استعجلت الحرب لإفشال مفاوضات كانت مقررة في 15 يونيو بين إيران وإدارة ترامب. ويؤكد أن هذه الفرضية غير مدعومة بمصادر موثوقة، بل إن ترامب نفسه يستخدم التصعيد الإسرائيلي للضغط على إيران للقبول بشروط أكثر تشددا من الاتفاق النووي السابق.

ويؤكد جوفين أن ترامب يطالب إيران بـ”وقف كامل لتخصيب اليورانيوم”، حتى على مستوى الطاقة المدنية، لكن إيران ترفض ذلك، وتعتبره اعتداء على سيادتها الوطنية، مرجحا أن التصعيد العسكري هو أداة تفاوض بيد واشنطن، وليس عقبة.

 

مخاطر ارتداد الحصار: هل يطيل عمر النظام الإيراني؟

يشير جوفين إلى مفارقة خطيرة: “الضغوط الخارجية قد توحّد الشارع الإيراني خلف النظام بدل أن تضعفه”. فالنظام قد يستخدم الهجمات لتشديد قبضته الداخلية، وتبرير القمع باسم “الوطنية”. ويُرجّح أن يُطيل النظام عمره من خلال اتفاقات خلف الكواليس مع واشنطن أو تل أبيب، بينما يدفع الشعب الثمن.

 

امريكا و”مشروع الزعامة الإقليمية”: تركيا خارج اللعبة

وفق جوفين، الحرب لا تهدف فقط لإسقاط النظام الإيراني، بل ترتبط بمحاولة الولايات المتحدة إعادة تشكيل زعامة المنطقة، ويقول بأن إسرائيل تقدمت لتكون “الزعيم الإقليمي”، نتيجة قوتها العسكرية والدعم الامريكي غير المحدود، أما تركيا، التي كانت مرشحة لزعامة المنطقة ضمن “مشروع الشرق الأوسط الكبير”، خسرت مكانتها نتيجة السياسات “المرتبكة” للرئيس رجب طيب أردوغان، بسبب علاقاته المتوترة مع الغرب، وتنقله بين المحاور (روسيا، الصين، الغرب)، واستخدامه ورقة اللاجئين لابتزاز أوروبا، وشبهات فساد وتعاون مع جماعات متطرفة.

يرى جوفين أن “أردوغان أهدر فرصة تاريخية” لجعل تركيا زعيمة للمنطقة، وأدخلها في حالة من التبعية والتخبط.

 

التحذير الأهم: تركيا على طريق إيران؟

يصل جوفين إلى محور تحليله الأبرز: إيران لم تنهزم فقط عسكريا، بل أخلاقيا ونظاميا، فنظامها القمعي قتل أي مقاومة داخلية، وأصبحت بيروقراطيتها مرتعا للفساد والخيانة، وأصبح قادة الأمن أدوات سهلة في يد القوى الأجنبية، ثم يحذر “تركيا تتبع النموذج الإيراني خطوة بخطوة: دولة تقمع معارضيها، وتفرّغ مؤسساتها من الكفاءات، وتزرع الولاء بدلا من القانون… وهذا أخطر من أي تهديد خارجي”.

 

دروس من إيران.. وتحذير لتركيا

يؤكد الصحفي والمحلل السياسي جوفين أن على تركيا أن تستخلص من الواقع الإيراني الراهن درسا عميقا وحاسما. فالنظام الإيراني الذي يعاني اليوم من انهيار أمني شامل، نتيجة ضربات جوية دقيقة، وسلسلة اختراقات استخباراتية خطيرة، يشبه في بنيته الداخلية والنظامية، النموذج السياسي الذي يرسخه أردوغان في العقد الأخير، وهو ما يجعله – وفقا لجوفين – نموذجا تحذيريا لا ينبغي تجاهله.

 

النظام التركي: استنساخ للنموذج الإيراني؟

يشدد جوفين على أن تركيا اليوم تحكمها سلطة وصفها بـ”الديكتاتورية”، تحارب كل معارضة شرعية وتقوم بتجريم وتهميش كل خصم سياسي. ومن أبرز ملامح هذا النظام سجن ثلاثة من قادة المعارضة، وتحويل الانتخابات إلى “مراسم شكلية” بلا مضمون ديمقراطي حقيقي، والتحكم الكامل في الإعلام، وإغلاق حسابات رموز المعارضة على وسائل التواصل، وإدارة البلاد عبر شبكة من البيروقراطيين الفاسدين والرُشى، عديمي الكفاءة أو النزاهة.

ويحذر جوفين من أن هذه التركيبة الفاسدة في أجهزة الدولة تجعل تركيا معرضة لاختراق استخباراتي واسع، شبيه بما تعرضت له إيران، حيث تم اغتيال رئيس الأركان الإيراني في غرفته الخاصة.

 

الفساد والديكتاتورية.. تهديد للأمن القومي

يطرح جوفين معادلة واضحة: “الدكتاتورية + الفساد = انهيار أمني ووطني”، ويؤكد أن ما أوصل إيران إلى هذه المرحلة ليس نقص التكنولوجيا ولا العقوبات الغربية فحسب، بل انحدار الدولة إلى أداة في يد “نظام مافيوي”، يحوّل شخصيات مثل “بابك زنجاني” و”رضا ضراب” إلى مليارديرات عبر التلاعب بالعقوبات المفروضة على إيران. ويضيف: “النموذج التركي يشبه نظيره الإيراني، حتى في تفاصيل الفساد، فتركيا شهدت وزراء ومسؤولين يتلقون الرشى من نفس الأسماء”، في إشارة منه إلى تحقيقات الفساد والرشوة التي انطلقت في 2013 لكن أغلقها أردوغان دون استكمال العملية القضائية في سيرها الطبيعي.

 

تركيا أمام كارثة محتملة: جهاز الدولة قابل للاختراق

يحذر جوفين من أن كبار مسؤولي الأمن والدفاع والمخابرات في تركيا اليوم، يفتقرون إلى المهنية، ويغلب عليهم الفساد والسعي للثروة. وهذا ما يجعلهم، وفق رأيه، “لقمة سائغة” للأجهزة الاستخباراتية الأجنبية: “في ظل تصدع الإقليم واحتمالات اندلاع حروب في أي لحظة، لا يمكن لجنرال في تركيا أن ينام مطمئنا، ما دامت الدولة تدار بهذا الشكل”.

 

فرصة تركيا الضائعة: من شريك إلى معزول

 

يستعرض جوفين كيف ضيّعت تركيا فرصة أن تكون الزعيم الإقليمي للشرق الأوسط، فالولايات المتحدة كانت قد وضعت تركيا، ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير، لتكون القوة الإقليمية البديلة، باعتراف أردوغان الذي صرح في 2003 أنه “شريك رئيسي في هذا المشروع”. لكن، بسبب السياسات المرتبكة – وفق جوفين – من فساد، وتقلبات في المواقف، واللعب على الحبال بين روسيا والغرب، واستخدام ورقة اللاجئين كابتزاز… تحوّلت تركيا من شريك استراتيجي إلى عبء إقليمي.

ويشير جوفين إلى أن دولا مثل إسرائيل واليونان استغلت هذا الفراغ جيدا لتعزيز نفوذها.

 

تركيا والتخلف العسكري: بين F-35 والفساد

يعرض جوفين مقارنة لافتة بين مستوى التحديث في القوات الجوية التركية مقارنة بنظرائها: “تركيا ما زالت تستخدم طائرات F-16 بتكنولوجيا تعود لعام 2005 (بلوك 50+). في حين أكملت اليونان تحديث أسطولها إلى F-16 بلوك 70، وهي النسخة الأقرب لإمكانيات الـ F-35. تركيا لا تملك ميزانية كافية لشراء F-35، حتى لو وافقت واشنطن على بيعه. 100 مليار دولار كان يجب أن تُصرف على تحديث الدفاع، لكنها أُهدرت في رشى، ومشاريع غير مجدية، وضمانات مرور فاشلة”.

كما أشار إلى أن قرارات مثل محاكمة إكرم إمام أوغلو كلفت البلاد خسائر اقتصادية تقارب 60 مليار دولار، ما يعادل نصف تكلفة تحديث سلاح الجو.

يرى جوهري جوفين أن النظام القائم في تركيا لا يشكل تهديدا سياسيا فقط، بل خطرا مباشرا على أمن الدولة القومي. ويشير إلى أن ما جرى في إيران اليوم قد يكون “البروفة” لما قد تواجهه تركيا غدا، إذا استمرت على هذا المسار.


22/06/2025