*سوران الداوودي
في التاريخ، ثمة شخصيات تصنعها اللحظة، تولد من رحم الظروف، فتسير على طريق ممهّد، مرصوف بأفعال السابقين. وهناك من يتجاوزون اللحظة، ويصنعون التاريخ نفسه، يرسمون المسار، ويغيّرون الموازين. لا ينتظرون الفرصة بل يخلقونها. وهيرو إبراهيم أحمد واحدة من هؤلاء.
لقد عرف الكرد عبر تاريخهم الطويل رجالا ونساء واجهوا الاستبداد، ودفعوا ثمنا باهظا في سبيل الكرامة والهوية. لكن قلة هم من جمعوا بين الحنكة السياسية والاتزان الأخلاقي، بين العاطفة الصادقة تجاه شعبهم والقدرة على صناعة القرار في أوقات المحن.
هيرو إبراهيم أحمد، ابنة المفكر والزعيم الكردي الكبير إبراهيم أحمد، لم تكن مجرد وريثة لاسم كبير، بل كانت امتدادا واعيا وفعّالا لتاريخ طويل من النضال، بل وقوة دافعة في لحظات مفصلية من تاريخ كردستان والعراق.
هي لم تبدأ من القصور، بل من الجبال. لم تكن حياتها ترفا سياسيا بل مسيرة من التحدي، من صلب المعاناة. رافقت رفيق دربها، فقيد الامة الرئيس جلال طالباني، في أقسى اللحظات. لم تكن شريكة حياة فقط، بل شريكة مشروع ونضال وهوية. لم تكن الظل بل النور الآخر في المعركة.
في زمن القمع، حين كان الصوت الكردي يُخنق، كانت هيرو تكتب، تفكر، تنظم، وتحمي. أدارت مفاصل إعلامية وثقافية مهمة، وأشرفت على ملفات حساسة لم تكن تقل شأنا عن وزارات أو مؤسسات. كانت القوة الناعمة التي تبني بينما تتقدم البنادق.
حين أصبح جلال طالباني رئيسا لجمهورية العراق، لم تغير هيرو جلدها. لم تنسَ الجبل، ولا النضال، ولا الأيام الصعبة. دخلت القصر الجمهوري لا كامرأة أولى تبحث عن الأضواء، بل كرمز وطني تمثل تاريخا وموقفا. كانت صوتا داعما للمرأة، للأطفال، للثقافة، للعدالة. استخدمت منصبها لتقوية المجتمع المدني لا لترسيخ امتيازات شخصية.
وقد حافظت، في كل ذلك، على أسلوبها الخاص: الصمت المهيب. كانت لا تسعى إلى الواجهة، لكن حين تظهر، تصمت الصخب من حولها، لأن حضورها كان امتدادا لتاريخ لا يُشترى ولا يُصنع في يوم.
اليوم، حين نقرأ تاريخ الحركة الكردية في العقود الأخيرة، نقرأ اسم هيرو لا كذكرى بل كمسار. هي ليست صفحة في كتاب بل عنوان في فصول متعددة. صممت، دعمت، ضحّت، وثبتت. وبين سطور السياسة والثقافة والإعلام، نجد بصمتها، واضحة لا تزاحم أحدا لكنها تُلزم الجميع باحترامها.
هيرو إبراهيم أحمد لم تكن سيدة العراق الأولى فقط ، بل سيدة جبل قنديل، وسيدة الكلمة الصادقة، وسيدة الرؤية الصامتة التي تفعل ولا تقول. لقد صنعت التاريخ بصبر الكرديات، وعزيمة المناضلات، وإيمان القادة الحقيقيين. وما زال حضورها اليوم، وإن بدا هادئا، يحمل وقعا لا يُنسى في ذاكرة أمة لا تزال تصعد جبل حريتها.