×

  بحوث و دراسات

  موديرن دبلوماسي: الصين و تصاعد انتشار القواعد الأمريكية في الخليج والشرق الأوسط



*د.نادية حلمي

مؤسسة "موديرن دبلوماسي"/الترجمة والتحرير: محمد شيخ عثمان

تُبدي الأوساط السياسية والاستخباراتية والأمنية في بكين قلقها من انتشار القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج والشرق الأوسط، لا سيما في ظل الوجود العسكري الأمريكي القوي في المنطقة، مع وجود عدد كبير من القواعد العسكرية المنتشرة في عدد من دول الخليج، مثل قطر والبحرين والكويت.

وترى الأوساط العسكرية الصينية أن التنافس العسكري الصيني الأمريكي في الخليج والشرق الأوسط قد يؤدي إلى زيادة التوترات مع واشنطن في المنطقة، لا سيما مع سعي الصين إلى تعزيز نفوذها العسكري بين عدد من الدول العربية والإسلامية والخليجية.

  سعت الصين مؤخرا إلى إنشاء عدد من القواعد العسكرية في الشرق الأوسط لحماية مصالحها الاقتصادية الواسعة في المنطقة. وتسعى الصين إلى تعزيز نفوذها في المنطقة من خلال مبادرة الحزام والطريق، التي تشمل استثمارات في البنية التحتية والطاقة.

في الوقت نفسه، ترى الولايات المتحدة أن هذا النشاط الصيني يمثل تحديا لنفوذها في المنطقة. كما تسعى الصين إلى المشاركة في جهود حفظ السلام والأمن في المنطقة، مما قد يؤدي إلى منافسة عسكرية قوية مع الولايات المتحدة في هذا السياق.

   تلعب استثمارات الصين في البنية التحتية الحيوية دورا رئيسيا في تعزيز حضورها الأمني في الخليج والشرق الأوسط حيث  تشترط الصين على الشركات التي تسيطر عليها الدولة في قطاعات معينة أن تكون قادرة على خدمة الأصول العسكرية الصينية، مما يؤدي إلى جدل حول الخط الفاصل بين الوجود التجاري والعسكري للصين لخدمة شبكة مصالحها في الخارج.

هذا المزج المتزامن بين الشركات التجارية التي تسيطر عليها الدولة والوجود والنفوذ العسكري للصين، والذي يشار إليه باسم "الاندماج العسكري المدني"، يخلق معضلة في الشرق الأوسط. تخشى الولايات المتحدة من أن الاستثمار الصيني المتزايد في الموانئ والمجمعات الصناعية، والذي يهدف في المقام الأول إلى تعزيز التجارة بين الصين وشركائها في المنطقة وحول العالم، سيدعم في الوقت نفسه الأصول البحرية الصينية ويساعد الصين على توسيع وجودها العسكري في المنطقة.

 ضع في اعتبارك أن الصين أنشأت أول منشأة وقاعدة عسكرية خارجية لها في جيبوتي في عام 2017. تتمتع هذه القاعدة العسكرية الصينية بموقع استراتيجي على بعد 110 كيلومترات فقط من مضيق باب المندب، بجوار قناة السويس، وهي شريان شحن رئيسي للبضائع بين أوروبا وآسيا. حتى قبل أن تعلن الصين رسميا عن افتتاح قاعدتها العسكرية في جيبوتي، كانت الشركات الصينية قد ضخت مليارات الدولارات في جيبوتي لتطوير الموانئ وبناء السكك الحديدية والمطارات وإنشاء منطقة تجارة حرة مترامية الأطراف.

وهذا يعني أن نهج الصين تجاه جيبوتي يتميز بما وصفه عدد من الخبراء العسكريين الصينيين ومراكز الفكر بأنه "المدني أولا، ثم العسكري ثانيا". وبموجب هذه الاستراتيجية الصينية، استثمرت الصين في البنية التحتية لأغراض تجارية وحولتها لاحقا لدعم القواعد العسكرية الصينية حول العالم.

 يصف الخبراء العسكريون الصينيون قاعدة جيبوتي بأنها معقل استراتيجي يساعد في تأمين طرق التجارة المهمة. وفي الصين، يُعرف باسم "المحور الاستراتيجي" .

  من ناحية أخرى، تعمل الصين على توسيع تعاونها العسكري مع بعض دول الشرق الأوسط من خلال تحدي النفوذ العسكري الأمريكي في الخليج والشرق الأوسط وبيع مقاتلات الشبح الصينية من الجيل الخامس، والمعروفة باسم J-20، لعدد من دول الخليج. يأتي ذلك بعد أن رفضت الولايات المتحدة بيع مقاتلاتها الشبح من الجيل الخامس، والمعروفة باسم F-35، وخاصة إلى الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر والبحرين. جاء ذلك على الرغم من اتفاقيات إبراهيم مع الإمارات، بحجة الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل في الشرق الأوسط.

ولتحقيق هذه الغاية، استغلت الصين هذه الثغرات الأمريكية لزيادة مبيعات طائراتها المقاتلة الشبحية إلى العديد من الدول العربية والخليجية، وأبرزها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، من خلال بيعها أسلحة صينية متطورة وتدريب القوات الإماراتية والسعودية ثم المصرية.

وتُعد مبيعات الأسلحة الصينية إلى دول الخليج والمنطقة سمة أخرى من سمات التقدم الأمني الصيني في المنطقة.

لقد نجحت بكين في استهداف سوق الطائرات بدون طيار المسلحة ومقاتلات الشبح من الجيل الخامس، والتي باعتها وصدرتها إلى الإمارات العربية المتحدة والعراق والأردن والمملكة العربية السعودية ومصر والمغرب، وكذلك إلى حليفتها باكستان، التي استخدمتها في حربها الأخيرة ضد الهند.

  فيما يتعلق بتأثير الوجود العسكري الأمريكي المتزايد على النفوذ الصيني في الخليج والشرق الأوسط، تزعم الولايات المتحدة أن هذا الوجود العسكري الأمريكي يحمي مصالح بعض دول المنطقة من التهديدات الأمنية ويساهم في الاستقرار الإقليمي.

 في المقابل، يُمثل الوجود العسكري الأمريكي مصدر قلق لكل من الصين وحليفتها إيران، التي تعتبره تدخلا في الشؤون الداخلية لهذه الدول من خلال فرض الوصاية الأمريكية.

قد يؤدي تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين إلى تعقيد المشهد الأمني في المنطقة، خاصة مع سعي كل دولة إلى تعزيز نفوذها ضد الأخرى. باختصار، تتشابك المصالح الصينية والأمريكية في الشرق الأوسط، وتتجلى في التنافس الاقتصادي والتعاون العسكري مع بعض الدول، وسعي كل دولة إلى زيادة نفوذها في المنطقة.

  على الجانب الإيراني ، جاء هجوم إيران على قاعدة العديد الجوية القطرية، ردا على استهداف الجيش الأمريكي لعدة منشآت نووية إيرانية بعد بدء إسرائيل عدوانها على قطاع غزة، مفاجئا لكثير من المراقبين، وخاصة القطريين.

 تُعد قاعدة العديد الجوية القطرية واحدة من أبرز القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط، وتقع جنوب غرب الدوحة، حيث يتمركز فيها أكثر من 11 ألف جندي أمريكي.

تكمن أهمية قاعدة العديد الجوية القطرية في كونها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، واستضافة مقر القيادة المركزية الأمريكية والقوات الجوية الأمريكية المركزية. لهذه الأسباب، جاء الهجوم الإيراني على القاعدة الجوية القطرية ردا على استخدامها من قبل الولايات المتحدة لشن ضربات عسكرية ضد إيران.

  تتجلى المعارضة الصينية والإيرانية الشديدة للوجود الأمريكي في الخليج في العديد من التصريحات والتصريحات الصادرة عن مسؤولين سياسيين وعسكريين إيرانيين وصينيين.

فمع كل حادثة أو تصعيد أو أزمة في المنطقة، تبرز تصريحات إيرانية، بدعم صيني مباشر. تشير هذه التصريحات، صراحة أو ضمنا، إلى الوجود العسكري الأمريكي كعامل زعزعة للاستقرار في منطقة الخليج، وتؤكد أن دول الخليج قادرة على الحفاظ على أمنها، وأن إيران سترد على أي تهديد يُشكله هذا الوجود، وأن الصين ستحمي مصالح شريكها الإيراني.

في أعقاب الغارات الأمريكية على عدة منشآت نووية إيرانية، أصدر علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، عدة تهديدات، قائلا إن "إيران ستعتبر القواعد التي تستخدمها الولايات المتحدة لضرب المنشآت النووية أهدافا مشروعة، وأنه لم يعد هناك مكان للولايات المتحدة في الشرق الأوسط".

 وبشكل عام، يعود تاريخ الوجود العسكري الأمريكي، من خلال قواعده المنتشرة في عدد من دول الخليج، إلى الشراكات الاستراتيجية التي أعقبت حرب الخليج عام 1991، المعروفة باسم "عاصفة الصحراء".

 عندما قادت الولايات المتحدة تحالفا دوليا لطرد القوات العراقية التي غزت الكويت، وقّعت عدة دول خليجية اتفاقيات دفاعية مع واشنطن أثناء الحرب وبعدها.

من الصعب رصد الوجود الأمريكي في الخليج بدقة، إذ لا يقتصر هذا الوجود على القواعد العسكرية الثابتة، بل يشمل أيضا السفن الحربية وحاملات الطائرات وغيرها من الأصول. علاوة على ذلك، يتغير عدد القوات ومهامها باستمرار.

  تعرضت القواعد العسكرية الأمريكية في أنحاء الشرق الأوسط لخطر شديد ومحدق منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة. وتعرضت قواعد أمريكية في العراق وسوريا لقصف بطائرات مسيرة، أعلنت عدة فصائل عراقية مسلحة مدعومة من إيران مسؤوليتها عنه.

 ويتهم البنتاغون هذه الجماعات بالتقرب من الحرس الثوري الإيراني. كما استُهدفت قاعدة أمريكية قرب مطار أربيل شمال العراق بطائرات مسيرة فور انتهاء حرب غزة. وأعلنت حركة المقاومة الإسلامية في العراق في بيان لها أنه "استمرارا لنهجنا في مقاومة قوات الاحتلال الأمريكي في العراق والمنطقة، وردا على المجازر التي ارتكبها الكيان الصهيوني بحق شعبنا في قطاع غزة، هاجم مجاهدو المقاومة الإسلامية في العراق قاعدة الاحتلال الأمريكي قرب مطار أربيل شمال العراق بطائرات مسيرة".

 ولحماية المصالح العسكرية الأمريكية، عززت قوات الجيش الأمريكي شبكة دفاعها الجوي حول حقل العمر النفطي وحقل كونوكو للغاز الطبيعي في العراق، بإضافة منطاد مراقبة فوق حقل العمر النفطي، ونشر صواريخ مضادة للطائرات حول قاعدة كونوكو.

في محافظة دير الزور، أطلقت القوات الأمريكية، التي تتخذ من حقل العمر النفطي أكبر قاعدة عسكرية غير شرعية لها في ريف دير الزور، منطاد مراقبة مزودا بتقنية مراقبة عالية الدقة لرصد التحركات حول القاعدة، بالإضافة إلى أجهزة تصوير في محيطها.

يُذكر أن القواعد العسكرية الأمريكية في ريف دير الزور شرقي سوريا تعرضت لهجمات متكررة من قبل حركة المقاومة الإسلامية في العراق، والتي أعلنت مسؤوليتها عن معظم هذه الهجمات، والتي تأتي ردا على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

  حتى قبل بدء المواجهة الأمريكية مع المنشآت النووية الإيرانية، كانت التصريحات الإيرانية، المدعومة بالدعم الاستخباراتي والعسكري والأمني من الصين، تهدف جميعها إلى التهديد باستهداف القواعد الأمريكية في المنطقة إذا تدخلت واشنطن عسكريا عقب انهيار محتمل للمحادثات النووية بين الجانبين.

وصرح وزير الدفاع الإيراني عزيز ناصر زاده بأن "طهران لديها القدرة على الوصول إلى جميع القواعد الأمريكية في الدول المضيفة لها في المنطقة، وإذا استُهدفت هذه القواعد، فستضطر الولايات المتحدة إلى مغادرة المنطقة". وحتى قبل التدخل الأمريكي ضد إيران، تعهد المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي بالرد على الولايات المتحدة إذا دخلت الحرب، قائلا: "يجب أن يعلم الأمريكيون أن أي تدخل عسكري أمريكي سيصاحبه حتما ضرر لا يمكن إصلاحه".

  وبناء على التحليل أعلاه ، نجد أنه مع تصاعد التنافس بين الولايات المتحدة والصين على الصعيدين العالمي والإقليمي، فإن تداعيات هذا التنافس وصلت إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث ترفض الصين بشكل متزايد الاعتماد حصريا على المظلة الأمنية الأميركية في المنطقة.

د. نادية حلمي:أستاذ مشارك في العلوم السياسية، كلية العلوم السياسية والاقتصاد، جامعة بني سويف، مصر. خبير في السياسة الصينية، والعلاقات الصينية الإسرائيلية، والشؤون الآسيوية. باحث أول زائر في مركز دراسات الشرق الأوسط (CMES) بجامعة لوند، السويد. مدير وحدة دراسات جنوب وشرق آسيا.


03/07/2025