*فتح الله حسيني
لم تستعد سوريا عافيتها، حتى جزئيا، إلى الآن، رغم سقوط نظام الأسد أحد أقطاب الصراع، وانتهاء سطوة وحكم حزب البعث، وسيطرة مجموعات لها باغراوند سلفي - جهادي على سدة الحكم في قصر المالكي بدمشق، ويبدو أن استعادة العافية السورية تستلزم وتستوجب خرائط طرق كثيرة لا خارطة طريق واحدة لرسم ملاح مستقبل سوريا المنشود، ذلك المستقبل الذي يتطلع إليه الشعب السوري كحزمة واحدة، سوريا ديمقراطية تعددية لا مركزية، تبرق فيها الفسيفساء السوري الجميل لا طغيان اللون الواحد، الذي لا طعم ديمقراطي له.
رغم أن هنالك مبادرات دولية ضبابية للحل، إلا أنها مبادرات هشة، غير متوازنة بحسب تقلبات الوضع السوري، فلم يهدأ الساحل السوري بعد، ذلك الساحل الذي دفع الكثير من أبنائه أيضا الضريبة رغم أن الحكم كان في يد طائفتهم، إذ عانوا المرارات وسواد السجون وبرودة الزنازين جراء رفضهم لسياسات البعث وسطوة آل الأسد من الأب إلى الابن، والآن يدفعون ضريبة مضافة لكونهم "كانوا" في مرحلة ما مقربين طائفيين من السلطة وبعيدين كل البعد عن بذخ السلطة ذاته، في الجانب الثاني هناك الدروز المهمشين، وباتت المساجد مدارس لتلقين الفكر الراديكالي بينما تتحول الكنائس، رويدا رويدا، إلى خراب ودمار وأطلال جراء سطوة الفكر السلفي، وريادته في تحويل أماكن العبادة إلى جهنم معلن في الدنيا دون انتظار الآخرة.
سوريا تتجه نحو الخراب، هذه حقيقة لا بد من تأملها، وسلطة دمشق هي المسؤول الأول عن كل ذلك الخراب، طالما أنها لا تملك زمام المبادرة في التهدئة ووقف التصعيد الديني الخطير ووأد الفكر المتطرف في بلد علماني متنوع الطوائف والقوميات.
سوريا تتجه نحو التقسيم، أيضا، أو بالأحرى هي بلاد مقسمة، وربما سلطة الشرع ترسخ ذلك التقسيم باستقباله بحميمية واحدا تلو الآخر، لرؤساء الدبلوماسية والاستخبارات والعسكرتاريا التركية في دمشق كل يوم، وكأن دمشق ليس لها خصوصيتها أو أنه الجانب الآسيوي من استانبول التركية.
خارطة طريق واحدة تكفي لأن تستعيد سوريا جزءا يسيرا من عافيتها في المرحلة الراهنة وهي تنفيذ بنود الاتفاق الذي وقعه الجنرال مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية مع الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع وتطبيق بنوده بدقة، واعتبار الكرد الشركاء الأساس والأصلاء في إنعاش البلاد بعد أغلب مناطق نفوذ "الآخرين" بينما بقيت مناطق الكرد والإدارة الذاتية، رغم الليل التركي الطويل المخيم على تضاريسها، مناطق هدوء واستقرار وانتعاش اقتصادي رغم أن البلاد برمتها كانت ومازالت، وسط رهانات، على حافة الانهيار البنيوي والشلل الاقتصادي.
وسط كل تلك المشاكل التي تعترض طريق السوريين في رسم ملامح بلادهم، سوريا الجديدة، التي نعول عليها في أن تستعيد عافيتها دون تدخل إقليمي وخاصة تركي، ها هو وزير الدفاع التركي يشار غولر وفي تصريح استفزازي "يحشر" أنفه وأنف حكومته في الشأن العسكري السوري وأن بلاده تقدم التدريب والمشورة للقوات المسلحة السورية وتسهم كذلك في تعزيز دفاعاتها، وأبدا ليس لديهم خطط لسحب قواتهم المتمركزة هناك.
تركيا لن تتعظ، لا من الدرس العراقي ولا من الدرس الإيراني، ومازالت مصرة على عنادها في تخريب ما تبقى، وباتت تتحدث بلغة القوة، كان كل الدول المجاورة محميات للطورانية.
أعجبني تصريح مسؤول إسرائيلي رفيع: بأنه ستكون مباراتهم النهائية مع تركيا، ويا سيدي سنستمتع باللعبة حتى لو وصولا إلى ضربات الترجيح.
تركيا بلد مستفز، خطر، والوكر الأكثر بذخا للراديكاليين، ويبدو أن ليلها الطويل سينجلي، ولكن نتمنى أن لا يطول هذا الليل المعتم الذي خنق شعوب المنطقة في أزمات كثيرة.
*طريق الشعب/الحزب اليساري الكردي في سوريا: