*جمال آريز
*ترجمة وتحرير: نرمين عثمان محمد
خلال الشهر الماضي، ركزت الأنظار على الحديث عن الحرب المحتملة (إيران ، إسرائيل ، أميركا)، ولكن يبدو أن تطورات هذا الشهر ستكون كلها في سياق المفاوضات، مع أنها تجري بطريقة غير مباشرة ومن خلال وسطاء.
فنلاحظ أن المفاوضات غير المباشرة بين "حماس" و"إسرائيل" تتم عبر وساطة قطر ومصر وتركيا، بينما المفاوضات غير المباشرة بين "حزب الله" و"إسرائيل" تتم عبر وساطة فرنسية مباشرة وأميركية غير مباشرة. وكذلك، المفاوضات بين سوريا وإسرائيل تتم بوساطة أميركية.
وهنا تبرز أهمية دور واشنطن، فهي تتعامل مع هذه الأزمات والنزاعات كمعارض و كوسيط ومفاوض، وفي الوقت نفسه كراعٍ لخارطة طريق التسويات ووقف إطلاق النار.
الحرب بين حماس وإسرائيل والدور المزدوج لأميركا
اقتربت الحرب الأخيرة بين حماس وإسرائيل من إتمام عامين منذ اندلاعها في 7 تشرين الأول 2023، وقد مرت بثلاث مراحل من القتال والهدنة. على الرغم من أن واشنطن لم تُخفِ منذ البداية دعمها لإسرائيل، إلا أن الطريقة التي ردّت بها إسرائيل على هجوم حماس تجاوزت حدود الحرب التقليدية، مما أوقع الإدارة الأميركية ، سواء في عهد بايدن أو في عهد ترامب ، في الحرج، لأن رد إسرائيل تجاه المدنيين ومبادئ حقوق الإنسان انتهك القوانين الدولية، من خلال تبني سياسة "الأرض المحروقة" التي لم تراعِ شيئا.
هذه السياسة أثارت انتقادات كبيرة ضد إسرائيل، وخلقت حرجا للدول العربية الحليفة لأميركا التي طوّرت مؤخرا علاقاتها السياسية والاقتصادية مع تل أبيب، مما جعلها تحاول من خلال تلك العلاقات أن تضغط ، ولو جزئيا ، على واشنطن لوقف دعمها المطلق لإسرائيل، أو على الأقل إجبار تل أبيب على إعلان وقف إطلاق النار.
حرب حزب الله و إسرائيل والدور الفرنسي
يُعد حزب الله حليفا دينيا لحماس وعدوا معلنا لإسرائيل، وقد انخرط بشكل أو بآخر في الحرب، مما جعله محاطا بضغوط داخلية وإقليمية ودولية. فعلى الرغم من أنه حزب محلي في لبنان، إلا أنه يمتلك ترسانة عسكرية تفوق الدولة نفسها، وهو ما جعله يُعتبر "دولة داخل الدولة".
لكن، بعد التغيرات في المنطقة عقب هجوم 7 تشرين الأول وسقوط النظام السوري في 8 كانون الثاني 2024، وكذلك بعد تهديدات إسرائيلية لقيادة حزب الله، تعرض الحزب لضغط متزايد داخليا وخارجيا. لذلك، فإن إسرائيل تسعى لعدم سحب نفسها من لبنان حتى تُجبر حزب الله على تسليم سلاحه، بدعم أوروبي واضح ، خصوصا من فرنسا ،التي لا تزال تعتبر لبنان جزءا من إرثها الاستعماري والتاريخي.
من هنا، لجأت كل من حكومة بيروت والدول الأوروبية إلى واشنطن، على أمل أن تضغط الأخيرة على إسرائيل لوقف التصعيد، مقابل قيام حزب الله ، طوعا أو كرها ، بتسليم سلاحه إلى الدولة اللبنانية. وبهذا الشكل، تحاول واشنطن أن تلعب دورا دبلوماسيا جديدا في المنطقة دون الإضرار بتحالفها الاستراتيجي مع تل أبيب، من خلال التأثير على الطرفين: بيروت وتل أبيب.
سوريا وإسرائيل
في تطور جديد، تم قبل فترة الحديث عن وساطة محتملة بين النظام السوري بعد الأسد وإسرائيل، ولكن خلال الأيام الماضية، أعربت دمشق عن استيائها بسبب التقدم الإسرائيلي بعد انهيار النظام، خاصة في مناطق خارج خط الجولان، بذريعة حماية الحدود والدروز.
هذا الموضوع تم مناقشته خلال مكالمة هاتفية بين وزيري خارجية أميركا وسوريا، حيث وعدت واشنطن دمشق بأنه إذا التزمت بضمان الحدود وأمنها مع إسرائيل، فإنها قد تنظر في تخفيف العقوبات الاقتصادية، وربما تؤدي هذه التفاهمات إلى مسار دائم للسلام بين دمشق وتل أبيب.
الهدنة بين إيران وإسرائيل
على الرغم من أن العديد من الأزمات ، من وجهة نظر واشنطن ، تدور في فلك إيران، إلا أن الولايات المتحدة ترى أن كل تلك الحروب والمواجهات التي تخوضها إسرائيل مع جهات أخرى مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بدور طهران، ومع ذلك نلاحظ أن الطرف الرئيسي في دعم إسرائيل هو أميركا، أما الأطراف الوسيطة فهي قطر، وسلطنة عُمان، والإمارات، ومصر، وتركيا، ولكن الكلمة الأخيرة والوسيط الرئيسي تظل لأميركا.
وتتعامل واشنطن مع هذه الملفات من منظور مصالحها الاقتصادية والسياسية، وتحاول أن تبقى على مسافة متساوية بين الأطراف المتنازعة، إلى الحد الذي لا تهدد فيه مصالحها أو أمن إسرائيل.