×

  کل الاخبار

  الافتتاحية..أوان إعادة البريق الى النضال الوطني (2-7)





الإقليم امام الفرص والتحديات- النظام الفدرالي نموذجا- 

بعد سقوط النظام البعثي، دخل العراق مرحلة جديدة تمثلت في إقرار النظام الفيدرالي، الذي مكّن إقليم كردستان لأول مرة من الانتقال من واقع الأمر (دي فاكتو) إلى وضع دستوري معترف به ضمن الدستور العراقي. كان ذلك بمثابة فرصة تاريخية أمام شعب كردستان لينال جزءًا من حقوقه المشروعة، ويضع حدًا لعقود من التهميش والاضطهاد.
لكن هذه الفرصة لم تخلُ من تحديات جدية لاتزال قائمة حتى اليوم، ويعود ذلك إلى عدة أسباب مترابطة:
أولاً: إن إحدى الخصائص الأساسية للنظام الفيدرالي هي توزيع السلطات بين الحكومة الفيدرالية والأقاليم، لكن توزيع السلطات بين الحكومة الفيدرالية والإقليم تجديدا حول بعض المسائل المصيرية غيرواضحة حتى الآن.
ثانياً: الدستور في النظام الفيدرالي هو السلطة العليا التي تستمد منه الدولة سلطاتها، لكن الحكومة الفيدرالية والإقليم لم يتفقا كثيراً على تطبيق جميع فقرات ومواد الدستور العراقي، وأحياناً يعبران عن التزامهما الانتقائي بتلك الفقرات والمواد التي تخدم مصالحهما. والذي يُعتبر سبباً عميقاً  في تقويض أسس الفيدرالية العراقية.
ثالثاً: غياب التنفيذ الفاعل لقرارات المحكمة الاتحادية، يجب أن تكون السلطة القضائية مستقلة ولها القدرة على  اتخاذ قرار إلغاء أي قانون يتعارض مع مضمون الدستور، لكن في العراق في كثير من الأحيان اهملت قرارات المحكمة الفيدرالية ولم تنفذ.
رابعاً: الفيدرالية في جوهرها تعني وحدة طوعية وتعايش مشترك ، لكن في العراق بدلاً من التحالف، يتم التعامل مع بعضهم البعض بنظرة عدائية والعمل على تقوية الذات والسعي لإضعاف الطرف المقابل. إن اتباع هذه السياسة يضع النظام الفيدرالي تحت المساءلة.
خامساً: منذ البداية لم يكن هناك تعريف مشترك بين مكونات العراق لمفهوم الفيدرالية؛ فغالبًا ما اعتُبرت حكرًا على إقليم كردستان، وهذا ما خلق فجوة نفسية وسياسية، تُستخدم كلما نشب خلاف بين بغداد وأربيل.
سادساً: وجود إقليم واحد فقط ضمن الهيكل الفيدرالي العراقي أوجد نوعًا من عدم التوازن، خاصة مع غياب مجالس الأقاليم الأخرى التي كان يُفترض تشكيلها بموجب الدستورممما انعكس سلبا على إقليم كردستان .
سابعاً: عدم حسم قضايا محورية مثل حدود الإقليم، وقانون النفط والغاز، وتعقيدات القوانين المتضاربة، ترك الباب مفتوحًا أمام الأزمات المتكررة.
ثامناً: إلى جانب الدستور والنظام الفيدرالي، كان مبدأ الشراكة الحقيقية والبناء الوطني أساساً قوياً للاستقرار والثقة باستمرار، لكن هذا المبدأ تراجع إلى حد كبيرويعود هذا  إلى أن التفكير الأحادي في بغداد وفي الإقليم على حد سواء  والذي انتشر على نطاق واسع مما أدى إلى إحداث شرخ واسع بين الإقليم وبغداد من جهة وداخل الإقليم نفسه من جهة أخرى، لذلك لم يتمكن النظام الفيدرالي في العراق من أن يكون ضماناً للتعايش القومي والديني والمذهبي والسياسي في جميع أنحاء العراق وإنهاء التمييز والظلم، كما أن الوسائل التي اتُخذت لحل المشاكل بين الطرفين لم تكن في المستوى المطلوب، لذلك  الحل الافضل لهذه المشكلة هو العودة إلى تطبيق الدستور العراقي والالتزام بمبدأ الشراكة الحقيقية والبناء الوطني
تاسعاً: في النظام الفيدرالي، تمتلك الأقاليم دستوراً خاصاً، شرط ألا يتناقض مع الدستور الفيدرالي، إقليم كردستان في  مرحلة واقع الامر وبعد ذلك في مرحلة الاعتراف الدستوري لم يكن يمتلك دستوراً خاصاً به، وهذا يبقى كتحدٍ أمام الإقليم وسلطاته.
بالنسبة لإقليم كردستان أيضاً،  الاستقرار والوحدة والتخلي عن الفكر التفردي وحده يقود الإقليم نحو برِّ الامان ولا شيء غير ذلك .
كما ان هناك حقيقة أخرى وهي أن حكومة قوية في بغداد لا يمكن لها ان تقوم  دون وجود  إقليم مستقر  ، كما أن إقليماً قوياً بدون بغداد مستقرة و هادئة  لن يكون ممكناً.
وعليه، فإن أولوية المرحلة يجب أن تنصب في تفعيل الحوارات والمفاوضات الجادة والمستمرة على مستوى عال  حتى التوصل إلى اتفاق شامل يُنهي القضايا العالقة، مع الإسراع بتأسيس المجلس الاتحادي الذي نص عليه الدستور، باعتباره صمام الأمان لحفظ التوازن ومنع احتكار السلطة، ومعالجة الخلافات بين الحكومة الاتحادية والإقليم ضمن إطار قانوني ودستوري واضح.
إن أي خيار آخر خارج هذا الإطار سيزيد من تعقيد الأوضاع، ويضر بمصالح الجميع، وهو ما لا يحتمله العراق اليوم في ظل تحديات إقليمية ودولية دقيقة.
الفرصة ما تزال قائمة، لكنها تتطلب إرادة سياسية صادقة، وإعادة الاعتبار لمبدأ الشراكة الوطنية كحجر أساس لبناء عراق ديمقراطي اتحادي حقيقي.


14/07/2025