×


  شؤون دولية

  المسألة الايرانيَّة.. السيناريوهات المحتملة بعد آلية الزناد



*محمد صالح صدقيان

 

تتسارع الأيام في المسألة الايرانية بعد أن طلبت الترويكا الاوروبية من مجلس الأمن الدولي تفعيل آلية الزناد “سناب باك” لعودة ستة قرارات صادرة عن مجلس الامن الدولي، بما في ذلك وضع إيران في الفصل السابع؛ خصوصا مع استحقاق 30 سبتمبر؛ انتهاء مهلة 30 يوما؛ و18 اكتوبر القادم تاريخ انتهاء صلاحية القرار الاممي الرقم 2231.

خلال الايام الماضية سمعنا تصريحات من مسؤولين ايرانيين كانت بمثابة رسائل الى اطراف معنية بالملف الايراني. أمين المجلس الاعلى للامن القومي الايراني علي لاريجاني قال إن إيران مستعدة للعودة لطاولة المفاوضات مع الجانب الامريكي لكن الأخير غير مستعد لهذه الخطوة، مشيرا إلى أن واشنطن تريد اضافة قضايا أخرى إلى طاولة المفاوضات، وهي المنظومة الصاروخية ومدى صواريخ هذه المنظومة التي يجب ان لا تزيد عن 450 كيلومترا مع القبول بتفكيك جميع انشطة تخصيب اليورانيوم.

 وفي هذا الاطار قال المتحدث باسم الخارجية الايرانية اسماعيل بقائي ان ايران مستعدة لخفض انشطة تخصيب اليورانيوم الى نسبة 3.67 بالمئة وهي ذات النسبة التي كانت مقررة في الاتفاق النووي الموقع عام 2015.مثل هذه التصريحات التي تزامنت مع بدء التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ وارجاء النظر بخطوة الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي من قبل البرلمان الايراني؛ هي رسائل متعددة الاتجاهات.

ففي الوقت الذي تريد طمأنة الترويكا الاوروبية تحاول ايضا ترطيب الموقف مع الجانب الامريكي؛ كما أنها تريد إرضاء الحليفين الصديقين روسيا والصين واعطائهما هامشا من الحركة من اجل الحصول على موافقة مجلس الامن الدولي، لتمديد صلاحية القرار 2231 لمدة 6 اشهر وافساح المجال للجهود السياسية والدبلوماسية للتوصل لاتفاق بعيدا عن خيارات الحرب والمقاطعة الاقتصادية.

هذه المشهدية هي الصورة الايجابية لتطور الاوضاع والمواقف؛ لكنها تختزن سيناريوهات معقدة وخطيرة لجميع الأطراف في حال تم استخدام حق النقض الفيتو من قبل الولايات المتحدة على المشروع الروسي - الصيني تمديد القرار 2231؛ وتم تفعيل القرارات الستة الصادرة عن مجلس الامن الدولي وهو سيناريو محتمل.وفي مثل هذا السيناريو؛ يسود الاعتقاد أن طهران لن تنسحب من معاهدة حظر الانتشار النووي لخطورة هذه الخطوة، خصوصا وانها موجودة في الفصل السابع؛ كما انها لن تنسحب من عضويتها في الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ لكنها ربما تقوم بتقليص تعاونها مع هذه الوكالة؛ وترفض الامتثال للبرتوكول الملحق لمعاهدة حظر الانتشار النووي؛ مع الابقاء على الكميات من اليورانيوم مرتفع التخصيب كورقة ضاغطة وقوية.

لا احد في ايران يعتقد ان استمرار العقوبات الامريكية وتفعيل عقوبات صادرة من مجلس الامن الدولي لن يربك الاقتصاد الايراني ولن يؤثر في المواطنين الايرانيين؛ على العكس من ذلك فان الاعتقاد السائد بان الولايات المتحدة ستعمل على تنفيذ “النموذج العراقي 1991 – 2003” في ايران وهي لا تنسى المساهمة في دعم الاضطرابات والفوضى، التي من المحتمل ان تنشب في ايران على اثر ضغط العقوبات والمشاكل الاقتصادية المرافقة.

لكن “النموذج العراقي” الذي نجح خلال الاعوام 1991- 2003 في العراق قد لا يمكن تنفيذه في ايران. فايران لم تعتد على أي دولة كما حدث في غزو الكويت؛ كما انها منصاعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ وقد تسمح للمفتشين التابعين للوكالة بتفقد جميع المنشآت بما في ذلك التحقق من مكان وجود كميات اليورانيوم مرتفع التخصيب هذا في الجانب الفني النووي.

اما ما يخص العقوبات الاقتصادية؛ فايران عضوة في منظمة شنغهاي للتعاون، التي تضم دولا كالصين والهند وروسيا؛ كما انها عضو في مجموعة البريكس؛ اضافة الى ان ايران تملك حدودا جغرافية مباشرة مع 15 دولة؛ وهي تطل على المياه الخليجية وبحر عمان والمحيط الهندي.

 هذا الموقع الجيوسياسي والجيواستراتيجي يمنح ايران القدرة على التعامل مع جميع هذه المنظمات والدول؛ خصوصا أنها تملك من النفط والغاز والبتروكيمياويات والنحاس والحديد وبقية اصناف المواد الاستهلاكية والغذائية المتنوعة التي تحتاجها كل الدول المجاورة لايران. اضافة الى ذلك فان الخبرة التي حصلت عليها ايران خلال 46 عاما من تجاوز والالتفاف على العقوبات تجعلها تتخطى العقوبات الجديدة والظروف المستجدة.

في هذه المقاربة أنا لا أريد أن أقلل من خطورة العقوبات وانعكاساتها؛ لكن في هذه الحالة ستدفع الولايات المتحدة ايران للمزيد من التشدد والتطرف في مواقفها الاقليمية والدولية؛ وتدفع بها للتسلح بشكل أقوى في جميع الاصناف لمواجهة المخاطر المحتملة؛ وتدفعها ثالثا للاقتراب بشكل اكبر نحو التعاون مع الصين وروسيا على خلفية معاهدة التعاون المشترك مع روسيا، التي تم التوقيع عليها بداية العام الحالي؛ وبرنامج التعاون المشترك مع الصين بقيمة 400 مليار دولار.

ويسود الاعتقاد ان مثل هذا السيناريو لا يخدم الدول الغربية؛ كما انه لا يخدم مصالحها في المنطقة؛ ولا يخدم الامن والاستقرار والسلام. نعم يخدم الكيان الاسرائيلي الذي يرفض التوصل مع ايران لاي اتفاق لا يمر من نافذتها وبوابتها؛ وهذا ما فعله مع الاتفاق النووي في العام 2015؛ ومفاوضات العام 2025.

 إن عدوان الـ 12 يوما الاسرائيلي الامريكي على ايران يجب أن يكون كافيا للولايات المتحدة للاقتناع أن ايران لا يمكن لها رفع الراية البيضاء بهذه السهولة؛ وإن الدخول بحرب جديدة ليست حربها مع ايران لا يخدم مصالحها؛ وإن الرضوخ لتطلعات نتنياهو في “اسرائيل الكبرى” بعد 75 عاما من الاحتلال كارثة يجب اجتنابها في منطقة ساخنة تعيش على رمال متحركة.

*رئيس المركز العربي الايراني للحوار

*صحيفة"الصباح"


11/09/2025