*مينا الدروبي
العراق عالق بين إيران وأمريكا بعد أزمة «قائمة الإرهاب»
سيناريوهات متعددة.. ونتيجة واحدة
صحيفة (The National)/الترجمة والتحرير: محمد شيخ عثمان
تطرح في بغداد تفسيرات متعددة—من خطأ إداري إلى تخريب سياسي—لفهم كيف انتهى اسم حزب الله في لبنان وحركة الحوثيين في اليمن ضمن قائمة عراقية لمكافحة الإرهاب.
لكن المسؤولين والمحللين يرون حقيقة لا يمكن تفاديها: العراق يرزح تحت ضغط شديد ومتناقض من كل من إيران والولايات المتحدة، والحكومة وجدت نفسها وسط عاصفة دبلوماسية.
بدأت الأزمة عندما نشرت وزارة العدل إعلانا في الجريدة الرسمية الحكومية في نوفمبر، تضمن إدراج حزب الله والحوثيين ضمن 24 منظمة خاضعة لأمر وطني بتجميد الأصول.
واتهمهم الإعلان بـ "المشاركة في ارتكاب عمل إرهابي".
لم يستمر النشر طويلا. فمع تصاعد الغضب، سارعت الحكومة للتراجع عن القرار.
وقالت لجنة تجميد أموال الإرهابيين التي أصدرت القرار لاحقا إن عدة جهات «غير ذات صلة» أدرجت بالخطأ لأن القائمة صدرت قبل اكتمال المراجعات النهائية. وتعهدت بإصدار قائمة مصححة لاحقا، وإن لم تحدد موعدا لذلك.
ورغم هذا التبرير، يقول سياسيون وخبراء عراقيون إن الدوافع السياسية—not "أخطاء تحريرية"—هي ما يفسر التراجع السريع.
وأضافوا أن الضغط من الجماعات المدعومة من إيران كان محوريا. وقال سياسي طلب عدم الكشف عن اسمه إن الحكومة "تتعرض لضغط شديد من الإطار التنسيقي المرتبط بحزب الله والحوثيين وإيران".
وقال: "كل قرار في العراق يحمل أجندة سياسية، لكن هذه المرة يرى الإطار أن الأمر خطوة نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل".
الإطار التنسيقي—وهو تحالف لأبرز القوى الشيعية المقربة من طهران—كان الداعم لوصول رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى السلطة في 2022.
وبحسب السياسي ذاته، لا يزال القرار يحمل قوة قانونية.
وأوضح: "تم نشر القرار لفترة، والجريدة الرسمية هي الجهة القانونية للدولة، وبالتالي فإن ما ينشر فيها يبقى نافذا".
تخريب لولاية جديدة؟
قال هوشيار زيباري، وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء الأسبق، إن التراجع يعكس اعتماد الحكومة على الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران.
ودافع زيباري عن قرار اللجنة الأصلي، مؤكدا أن "اللجنة قامت بعمل مهني لتحديد وتجميد أصول الجماعات الإرهابية".
ويرى بعض المسؤولين العراقيين أن الحادثة صممت لإضعاف فرص السوداني في الحصول على ولاية ثانية من خلال الإضرار بعلاقاته مع الجماعات المدعومة من إيران.
وقال مسؤول إن الخطوة "هدفها ضمان عدم حصول السوداني على ولاية ثانية" مضيفا: "معارضو رئيس الوزراء أرادوا تخريب ترشحه، ولا نعلم إن كان سيتمكن من التعافي من هذا الضرر أم لا".
وخلال الانتخابات السابقة، خاض السوداني السباق بقائمة مستقلة دون الانضمام رسميا للإطار رغم دعمه له.
النائب الموالي لإيران مصطفى سند هاجم الحكومة على مواقع التواصل، وكتب أن موقفها "مخزٍ لم تفعله أي دولة عربية أخرى" مضيفا: "عار عليكم".
مستشار للسوداني رفض تماما رواية الضغط السياسي قائلا إن الحكومة "لا تواجه ضغوطا من أي طرف" وإنها "لم تشارك في تلك الإدراجات".
الضغط مستمر
يوم الخميس، أعلن رئيس الوزراء فتح تحقيق لمعاقبة "المسؤولين عن الخطأ"، مؤكدا أن العراق "لا يوافق إلا على تجميد أموال المنظمات المرتبطة بداعش والقاعدة" مضيفا: "لن نساوم في موقفنا تجاه لبنان وفلسطين".
وبينما دفعت الجماعات المدعومة من إيران نحو التراجع، كان الضغط الأمريكي باتجاه معاكس تماما.
قال رند منصور، مدير مبادرة العراق في تشاتام هاوس في لندن:
"الحكومة تتعرض لضغط كبير من الولايات المتحدة لكبح فصائل الحشد الشعبي".
وأضاف: "واشنطن وجهت رسالة حازمة للحكومة، والسوداني رضخ لهذا الضغط فبدأ بالخطوة الأولى باستخدام التصنيف".
وأشار منصور إلى أن الضغط الأمريكي تصاعد بعد الهجوم الأخير على حقل كورمور للغاز في إقليم كردستان الذي حملت سلطات الإقليم المسؤولية عنه لفصائل مدعومة من إيران.
وقال إن السوداني "اتخذ الخطوة الأولى بالاستجابة للضغط الأمريكي" بإدراج حزب الله والحوثيين، مؤكدا أن "قرارا كهذا سيحدث رد فعل عنيفا لأنه يضعهم في ذات خانة داعش".
بين واشنطن وطهران… العراق في الوسط
لسنوات، حاول العراق الحفاظ على توازن حرج بين إيران والولايات المتحدة، حيث يسعى كل طرف لتكريس نفوذه في بغداد ويمارس الضغط عليها بينما يحاول رئيس الوزراء إدارة تنافس داخلي ومشهدا أمنيا متقلبا.
يقول السوداني إنه يعتزم "ضبط الفصائل المسلحة" بينما يسعى لولاية ثانية، وقد أبدى رغبة في تعزيز العلاقات مع واشنطن مع الحفاظ على روابطه مع القوى المدعومة من إيران التي دعمت صعوده عام 2022.
وتواصل الولايات المتحدة فرض عقوبات على عراقيين متهمين بمساعدة طهران في تجاوز القيود المالية.