×

  رؤا

غياب المراجعة الفكرية لـ “الإخوان” وحضور التراجع السياسي منير أديب

01/04/2023

منير أديب,..باحث متخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي

 

مقدمة:

أصابت جماعةَ الإخوان المسلمين حالةٌ من الجمود والتراجع كحال باقي تنظيمات الإسلام السياسي، حتى صارت نموذجًا لكل التنظيمات الأخرى التي حذت حذوها في اتجاه التكلُّس الديني والسياسي، وذلك بعدما رفضت طرح أي مبادرات حقيقية سواء فكرية وفقهية أو على مستوى الممارسة السياسية. وكما رفضت إجراء المراجعات داخليًّا، فقد رفضت أيضًا أي طرح لها من خارجها، حتى باتت الجماعة نفسها خارج دائرة العمل والزمن. صحيح أن بعض بقاياها وإن بقيت تعمل وموجودة حاليًّا في بعض الأقطار، غير أنها مازالت تعيش بعقل مائة عام مضت!

وفي الوقت الذي قارب فيه عمر جماعة الإخوان المسلمين المائة عام، إلا أنها لم تمر بأي تجربة تتعلق بمراجعة أفكارها قديمًا أو حديثًا، حيث ترى أن أفكارها تمثّل قمّة الاعتدال الديني، ولذلك ظلت أفكار المؤسس الأول حسن البنا محصّنة بشكل كامل طَوال العقود الماضية بعيدًا عن أي نقد.

إن أفكار “الإخوان” التي لم تراجعها الجماعة تمثّل قاعدة المناهج التربوية التي يستقيها أعضاؤها في اجتماعاتهم الأسبوعية وتُشكّل جانبها الروحي والفكري، حيث يرتبط بها عضو الجماعة منذ أن ينضم إليها ويظل مواظبًا عليها حتى وفاته.

وقد اتجه “الإخوان” في ظل ظروف معينة إلى القيام ببعض التراجعات على مستوى الممارسة السياسية لكن من دون الاقتراب من الأفكار المؤسِّسة للتنظيم سواء التي طرحها المؤسِّس الأول أو تلك التي تمثّل ركيزة الجماعة في الفكر والعمل، وحتى هذه التراجعات كانت قليلة وارتبطت ببعض الصدمات التي تعرّض لها التنظيم على مرّ التاريخ. وقد طالب بعض شباب الجماعة داخل السجون بإجراء مراجعات، لكن هذا الطلب كان في إطار المطالبات الفردية التي لم تعترف بها الجماعة، بل على العكس حاربتها كما حاربت الداعين إليها[1].

وتبحث هذه الورقة إمكانية أن يتجه “الإخوان” إلى إجراء مراجعات فكرية مع وجود الظروف الداعمة لذلك، من قَبيل وجود قيادات الجماعة داخل السجون لفترة طويلة وغالبًا في زنازين مجمّعة، فهل يعدُّ اعتذار “الإخوان” الذي نلمحه في بعض البيانات أو الخطابات أو التصريحات التي أدلى بها قادة الجماعة خارج السجون مقدمةً للمراجعات أم أنه يمكن تحميله على مفهوم التراجع السياسي؟ وبالتالي يمكن للجماعة فيما بعد العودة إلى أفكارها من جديد.

وفي إطار نجاح برامج مواجهة الجماعة عربيًّا، هل يتّجه “الإخوان” إلى مراجعة أفكارهم على غرار بعض تنظيمات العنف والتطرف مثل “الجماعة الإسلامية” وتنظيم الجهاد بمصر في تسعينات القرن الماضي؟ أم أن الجماعة سوف تتجه إلى التراجع عن بعض الأفكار سياسيًّا، كمحاولة للالتفاف على برامج المواجهة الأمنية والفكرية، وإعادة تقديم نفسها من جديد؟

 

“الإخوان” وفكر المراجعات

رفضت جماعة الإخوان المسلمين إجراء المراجعات الفكرية والفقهية كلّية، كما لم تسمح لعناصرها بانتقاد التنظيم على المستوى السياسي، فلم تتجه الجماعة لمراجعة أفكارها أو أدائها السياسي في أي مرحلة زمنية كانت، إذ إنها ترى أن النقد الذاتي مفهوم غريب على المسلمين، بل إنها لا تراه مصطلحًا إسلاميًّا ولا تفهمه إلا في إطار التشهير[2].

وبرغم ذلك الموقف الرافض فقد ظهرت بعض المحاولات التي لم تهتم بها الجماعة ولم تتبناها، وحالت دون انتشارها، وتكاد الكتابات المتعلقة بهذه المحاولات أن تكون ضئيلة للغاية. وهناك عدة مستويات من الكتابة في هذه المساحة، الأول، ما دوّنه بعض شباب الجماعة داخل السجون، والثاني كتبه أشخاص محسوبون على الجماعة لكن الأخيرة تعتبر أن أفكارهم لا تمثّلها، والثالث تلك الدعوات التي أطلقتها بعض الأسماء البارزة داخل الجماعة.

وفيما يتعلق بالمستوى الأول الخاص بتدوينات شباب الجماعة، يقول عمرو عبدالحافظ، أحد هؤلاء الشباب الذين انشقّوا عن الجماعة أثناء قضائه عقوبة بالسجن، إن مراجعاتنا جاءت في محورين رئيسين: أولهما، مراجعة المواقف السياسية للجماعة منذ يناير 2011 حيث انتهينا إلى أن الجماعة خالفت المنطق السياسي في معظم قراراتها وتوجّهاتها فدخلت بنفسها وبالبلد في صدام لم تُحسن حساب تبعاته، ومن ثم يصبح العمل وفق قواعد السياسة باحتراف ضمن أهم ملامح المشروع الجديد[3]. وثانيهما، مراجعة المنطلقات الفكرية التأسيسية والمقولات الفكرية الكبرى عند حسن البنا وغيره من منظري الجماعة، حيث اكتشفنا وجود ثغرات في الفكرة الرئيسية؛ مثل اعتبار التراجع السياسي للأمة هو سر تأخرها، بينما الصحيح من وجهة نظرنا أن الأمة تراجعت حضاريًّا بشكل كامل ولم تتراجع سياسيًّا فحسب، وبالتالي فإن التغيير لا يتمركز حول إصلاح الحكم ووصول الجماعة إلى السلطة، وإنما التغيير يتطلب إصلاح جوانب عديدة يكون الحُكم أحدها وليس مركزًا لها، إذن يصبح الصراع المحتدم حول السلطة والوصول إليها ليس هو هو المرتكَز الذي ينبغي أن نتمحور حوله[4].

أما المستوى الثاني من الكتابة، فمن أبرز الأمثلة عليه، الكتاب الذي حرره وقدّم له د. عبد الله فهد النفيسي، وحمل عنوان: “الحركة الإسلامية: رؤية مستقبلية أوراق في النقد الذاتي”، الذي شكّل محاولة لنقد ماضي الجماعة وتحديد أخطائها سواء في ما طرحته من أفكار أو ممارستها السياسية، وقد رصد الكتاب بعض المشكلات التي تتعلق بأخطاء “الإخوان” قائلًا: “من كوارث العمل الإسلامي وارتداده وانقلاب نشاطه الفكرُ الحزبي، فعندما يكسب تنظيم مّا عضوًا يدين بالطاعة ولا يُناقش ويتابع الأوامر، فهذا يُعتبر منتميًا والعكس بالعكس، وكان من نتائج هذه الطريقة التربوية أنه خرج جيل أو مجموعة كبيرة من الشباب تنتظر الأوامر فقط وبذلك حرمت من ميزة الإبداع والحركة ذاتية”[5].

أما المستوى الثالث، فمن أبرز الأمثلة عليه، المقالات التي كتبها عصام تليمة، الذي عمل مديرًا لمكتب يوسف القرضاوي المؤيد لجماعة الاخوان المسلمين وسكرتيرا خاصا له على مدى سنوات، حيث طالب بعزل جميع قيادات الصف الأول لصالح جيل جديد من الشباب، وبالفصل بين العمل الدعوي والعمل الحزبي داخل الجماعة، وكذلك بتجديد أدبيات الجماعة ذات الطابع الإصلاحي لتتناسب مع “مرحلة العمل الثوري”، وذهب أيضًا إلى ضرورة قبول أعضاء الجماعة للنقد الموجّه إليهم وللجماعة باعتبار ذلك وسيلة لإصلاحها، بل طالب بإعمال مبدأ محاسبة قيادات الجماعة في مجال النجاحات والإخفاقات على السواء[6].

وقد تعاملت الجماعة مع أعضائها الذين كانوا يطلقون فكرة المراجعات، وفق منهجين، إما أن يقوم هذا العضو بالخروج منها طواعية، ومن أبرز الأمثلة  على ذلك، الدكتور إبراهيم الزعفراني والدكتور السيد عبد الستار المليجي، اللذَين كانا عضوين في مجلس شورى الجماعة[7] لكنهما باتا خارجها بسبب الدعوة الدائمة للمراجعة، وإما أن تنبذه وتعنّفه وتتخلّى عنه، وفي هذا السياق، يقول معتقل إخواني سابق: “كان التعامل معنا من قبل التنظيم كارثيًّا، إذ تعرّض كل مَن وقّع على إقرارات التوبة والمراجعات للتعنيف والنبذ والضرب، وحتى قطع المساعدات المالية عن أهله خارج السجن ووقف دعمه القانوني بحيث كان البعض يذهب للتحقيق أمام القضاء فلا يجد محاميًا يترافع عنه[8].

وقد ردّت الجماعة على دعوات عصام تليمة، مؤكدة أنها اتّخذت بالفعل بعض التغييرات حيث أعلنت في مطلع عام 2015، تعيين متحدث إعلامي من جيل الشباب، وفي إبريل 2015 أعلنت أنها أجرت انتخابات أدّت إلى تغييرات واسعة طالت ستين في المئة من صفوف قيادات مكاتبها الإدارية داخل مصر، كما أنشأت الجماعة ما عرف بمكتب شؤون جماعة الإخوان المسلمين خارج مصر، وهو ما أكده جمال حشمت، القيادي الإخواني، في لقاء صحفي حيث قال إن الجماعة قامت بهذه الإجراءات تجاوبًا مع المتغيرات[9].

كذلك تعاملت الجماعة مع الكتاب الذي حرّره وقدّم له د. عبد الله فهد النفيسي، بنوع من التجاهل، فرغم أنه ضم عددًا كثيرًا من الأوراق البحثية، إلا أنه لوحظ عدم مشاركة أي من قادة الجماعة أو حتى أعضائها في الكتاب، وانحصرت المشاركات بين رموز محسوبة على التيار الإسلامي أو مناصرين للجماعة لكن غير منتمين لها تنظيميًّا، الأمر الذي يشير إلى عدم رضا الجماعة عن الكتاب[10].

 

مراجعات مستحيلة وتراجعات ممكنة

يزعم “الإخوان” أنهم لم يمارسوا عنفًا، وأن ممارستهم للعنف كانت ترتبط بظرف سياسي، كما أنهم لم يعترفوا أنهم أخطؤوا في تفسير نص ديني أو أنهم قاموا بتأويل بعض الآيات خروجًا عن سياقها، ولذا لم يرَوا حاجة إلى مراجعة أفكارهم، أو حتى الاعتذار عمّا بدر منهم في ما يتعلق بالسلوك الذي عكسه تفسيرهم الخاطئ للنصوص، ولذا يبقى عدم اعتراف “الإخوان” بممارسة العنف هو العقبة الأولى أمام عدم مراجعتهم للأفكار، فكيف يراجعون أفكارًا يؤمنون أنها سلمية تمامًا وأنها تنبذ العنف، حتى إنهم أكّدوا أنهم يتعبّدون اللهَ بأعمال النظام الخاص الذي أنشئ قبل ثورة 1952 من أجل أن يكون ذراعًا عسكريًّا للجماعة[11].

وعمومًا لا يوجد في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين ما يؤكد أن الجماعة راجعت أفكارها، برغم عمرها الممتد، وهذا ما يجعل البعض يُراهن على عدم اتجاهها إلى إجراء أي مراجعات سواء على المدى القريب أو البعيد، ودلّل هؤلاء على صحة وجهة نظرهم، بالإشارة إلى الحال الذي تمرُّ به الجماعة، فبرغم أنها تعرّضت لجملة من التطورات الدراماتيكية في السنوات الماضية، على نحو لم تعرفه عبر تاريخها، إلا أنها تحلّت في مواجهة تلك التطورات بحالة من الإنكار جعلتها تحمّل الجميع مسؤولية ما جرى لها بسببها، من دون أن تشير ولو من طرف خفيّ بإصبع الاتهام إلى مناهج التفكير أو التدبير التي حكمت سلوكها، سواء في مرحلة ما قبل يناير 2011 أو ما جرى خلال يناير وما تلاها من وصولها للحكم على نحو ما يعرفه الناس جميعًا[12].

ومقابل عدم إجراء الجماعة أي مراجعات فكرية، فإنها لجأت إلى القيام بتراجعات سياسية بهدف تجنُّب الضغوط عليها أو بهدف تحقيق مصلحة معنية في توقيت معيَّن، وبما يمكّنها من مواجهة أي دعوات لإجراء مراجعات فكرية. وفي هذا السياق، تمكن الإشارة إلى المعادلة التي حكمت علاقة الجماعة مع النظام السياسي في مصر منذ عام 1981 حتى نهاية التسعينات من القرن الماضي، إذ حرصت الجماعة على تأييد النظام ومهادنته وعدم استفزازه، في ظلّ رغبتها في الحفاظ على بقائها وقناعتها التامة بقوة النظام وتمتّعه بقدر كبير من الشرعية في ظل صراعه المسلّح مع جماعات التطرف المسلحة آنذاك.

وكذلك الحال فيما أعلنته الجماعة مطلع عام 2015 من تغييرات وإجراءات، حيث أكد متخصصون أن هذه التغييرات جاءت لسدّ النقص الذي تعانيه الجماعة نتيجة غياب كثير من رموز الجماعة في السجون “لكنها مراجعات أو تغيُّرات لم تطَل أدبيات الجماعة وميراثها الفكري”[13].

وتمكن الإشارة كذلك إلى الملف الذي أصدرته الجماعة في مارس 2017 تحت عنوان «تقييمات ما قبل الرؤية.. إطلالة على الماضي»، وصاغه مكتب الإرشاد، بهدف تقييم أداء الجماعة بين عامي 2011 و2017، وقد انقسم هذا الملف إلى أربعة محاور رئيسية، هي: غياب ترتيب الأولويات في العمل العام وأثر ذلك على ثورة 25 يناير، والعلاقة مع الثورة، والعلاقة مع الدولة، والممارسة الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين[14].

وقد شكّل هذا الإصدار نوعًا من التراجعات السياسية، خصوصًا أنه جاء بعد رحيل إدارة أوباما التي كانت تعدُّ الإخوان «نموذجًا للإسلام المعتدل»، ومجيئ إدارة ترمب التي آمنت تمامًا بخطر جماعة الإخوان المسلمين، وتنامي الحديث آنذاك عن «إرهاب» المنظومة الإخوانية، وإمكانية تصنيفها بذلك[15]، إضافة إلى أن هذا الإصدار قيَّم أداء الإخوان من دون أن يقترب من أي أفكار فكرية تقوم على أساسها الجماعة.

وتؤكد هذه الأمثلة، عدم وجود منظومة قيمية حاكمة للإخوان، فالجماعة تتعامل بمنطق المصلحة السياسية ولا مانع لديها من التراجع السياسي إذا كانت مصلحتها في ذلك، غير أنها ترفض التراجع عن الأخطاء أو الاعتذار عن الأفكار، وهو ما يُترجم إمكانية التراجع مقابل صعوبة المراجعة.

 

الدولة وفكرة المراجعات

شجّعت السلطات في مصر فكرة المراجعات، حيث كانت لها تجربة ناجحة مع الجماعة الإسلامية التي أعلنت تخلّيها عن العنف عام 1997 بعد سنوات من القتال المسلّح ضدّ رموز الدولة المصرية ومن بينهم الرئيس السابق محمد أنور السادات الذي اغتيل على يد أعضاء الجماعة، وبحسب ناجح إبراهيم، القيادي السابق في الجماعة الإسلامية، ساعدت الدولة آنذاك في نجاح هذه المراجعات إذ حوّلت السجون إلى مقارّ للندوات والمسرحيات والأنشطة الرياضية، قبل أن تساعد مسجوني الجماعة في إيجاد وظائف والاندماج في المجتمع بعد خروجهم[16].

غير أن الأمر يبدو مختلفًا بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، فبرغم أن الدولة لم تقف في طريق دعوات المراجعات التي أطلقها بعض شباب الجماعة في السجون، إلا أنها لم تتبنّ ذلك الموقف الذي تبنّته مع الجماعة الإسلامية في التسعينات من القرن الماضي، وذلك راجع إلى مجموعة من الأسباب تمكن الإشارة إليها فيما يأتي:

1- أن الجماعة الإسلامية كان لها قادة متّحدون تمكّنوا آنذاك من إلزام الأعضاء بقراراتهم ولم يكونوا منقسمين كما هو حال الإخوان المسلمين الآن المنقسمين إلى ثلاث جبهات[17]. ومن خلال رصد واقع التنظيم اشتدّت الخلافات بين قادته واشتد الصراع على المواقع القيادية التنظيمية التي تُريد كل قيادة أن تتقلدها[18]، هذا في ظل غياب كامل لقيادات السجون، وأغلبهم محسوب على التيار القطبي سواء كان مرشد الجماعة محمد بديع أو حتى نائبه خيرت الشاطر.

2- أن هناك العديد من قادة الإخوان خارج السجون وبعضهم في دول أوربّية، وهذه المجموعة وهي الأكبر تسعى دائمًا إلى التصعيد والتمسّك بأفكار التنظيم التي تؤهلها للصدام حتى آخر لحظة.

3- أن الدولة غالبًا لا تستجيب لأي مبادرات إلا إذا كانت جادّة أولًا، وصدرت من ذوي حيثية تنظيمية ثانيًا، وهذا ما لم يتحقق على الأقل في ما طرحه بعض شباب الإخوان. فصحيح أنه كان هناك عدد من المبادرات داخل السجون المصرية لكن لم يُعلن عنها، لأنها لم تنضج، وتُعبر عن الأشخاص الذين طرحوها، وليس للتنظيم أي علاقة بها من قريب أو بعيد، ويمكن إطلاق لفظ المبادرات الشخصية عليها وليس الفكرية أو الفقهية، وهذا النوع من المبادرات لم تجرِ مناقشته إلا على نطاق ضيق بين أشخاص وليس بين مجموعات كبيرة ولم يلقَ صدًى واسعًا بين أبناء التنظيم.

4- حتى الأشخاص الذين طرحوا مبادرات فردية لم يُثبتوا حُسن نية إزاء ما طرحوه، فدائمًا ما تكون المبادرات مرتبطة بإثبات حُسن النية، مثل الإعلان عن التخلي عن العنف بشكل كامل أو عدم ممارسة السياسة لفترة زمنية معينة.

5- أن المبادرات الفكرية دائمًا ما تقوم على تصحيح المفاهيم التي تتعلّق بممارسة العنف أو مواجهة الخصوم السياسيين، والإخوان لم يصلوا لهذه المحطة ولكنهم بالعكس منها مازالوا يتهمون خصومهم بأنهم هم الذين مارسوا العنف ضدهم! ويخلقون مبررًا للعنف الذي واجهوا به الدولة والخصوم على العموم.

خاتمة

يكشف العرض السابق أن جماعة الإخوان المسلمين لا تؤمن بفكرة المراجعات الفكرية، وتعتقد أنها وحدها تمثّل الإسلام الوسطي، ولا ترى أنها أخطأت أو أن هناك حاجة إلى إجراء مثل تلك المراجعات. وكما لا تؤمن الجماعة بفكرة المراجعات الفكرية فإنها تجاهلت أي دعوة تُوجه إليها لإجراء هذه المراجعات، حتى أنها رفضت كذلك تلك الدعوات التي أطلقها بعض أعضائها بين الحين والآخر، حيث كان مصير أصحاب هذه الدعوات إما الخروج من الجماعة طواعية أو أن تقوم الجماعة بإخراجهم منها. وبرغم ما يثار عن مراجعات بعض شباب الإخوان في السجون خصوصًا بعد عام 2013 فإن الجماعة لم تُعر مثل هذه المراجعات أي اهتمام، وتعاملت مع أصحابها بالتخلي عنهم أثناء فترة وجودهم في السجون.

ومقابل مواجهة ما كانت تتعرض له الجماعة من ضغوط، فإنها لجأت إلى ما يمكن تسميته بالتراجعات السياسية التي استهدفت من خلالها مواجهة تلك الضغوط، والمثال الأبرز في هذا الصدد هو ذلك الملف الذي أعلنته في مارس 2017 واستهدف مواكبة متغيرات خارجية أبرزها مجيئ إدارة ترامب لحُكم الولايات المتحدة التي كانت تسعى إلى تصنيف الجماعة منظمةً إرهابيةً.

 

المراجع

 

[1] أطلق أحد شباب الإخوان، يدعى عمرو عبد الحافظ، مبادرة فكرية من داخل سجن الفيوم، حيث يقضي عقوبة السجن عشر سنوات  في القضية رقم 1747 التي اتهم فيها بالانضمام إلى جماعة محظورة والتجمهر أمام قسم شرطة الفيوم يوم فضّ اعتصامَي رابعة العدوية والنهضة في 14 أغسطس 2013.

 

[2] د.خالص جلبي، في النقد الذاتي؛ ضرورة النقد الذاتي للحركة الإسلامية (بيروت، مؤسسة الرسالة، 1984) ص 165.

 

[3] منير أديب، إشكالية المنشقيين عن الإخوان وتعاطي الجماعة معهم، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، 2 أكتوبر 2018، على الرابط، https://www.mominoun.com/pdf1/2018-08/ikhwaane.pdf

 

[4] المصدر السابق.

 

[5] عبد الله النفيسي، تحرير وتقديم، الحركة الإسلامية: رؤية مستقبلية، أوراق في النقد الذاتي، ط 1 (الكويت، د.ن، عام 1989) ص24.

 

[6] مراجعات الإخوان المسلمين في مصر: اتفاق على الضرورة واختلاف على الكيفية، بي بي سي، 18 مايو 2015، https://www.bbc.com/arabic/middleeast/2015/05/150518_egypt_muslim_brotherhood_review

 

[7] مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين هو أعلى سلطة تشريعية ورقابية وتشريعية داخل الجماعة، ويتألف من قرابة 120 عضوًا، ومن المفترض أن يمارس هذا المجلس دورًا رقابيًّا على مكتب الإرشاد، لكن هذا الدور يبدو نظريًّا فقط بالنظر إلى أن مكتب الإرشاد هو من يختار أعضاء مجلس الشورى أو يزكيهم.

 

[8] عمر سعيد، مراجعات شباب الإخوان في سجون مصر… نقد لتجربة الجماعة أم مجرّد “إقرارات توبة”؟، موقع رصيف 22، على الرابط، https://bit.ly/3YYsnAJ

 

[9] مراجعات الإخوان المسلمين في مصر: اتفاق على الضرورة واختلاف على الكيفية، مرجع سابق.

 

[10] شارك في كتاب “الحركة الإسلامية: رؤية مستقبلية، أوراق في النقد الذاتي”، كل من د. توفيق الشاوى وخالد صلاح الدين والدكتور عبد الله أبو عزة والدكتور فتحي عثمان ومنير شفيق والدكتور حسان حتحوت وصلاح الدين الجورشي والدكتور عبد الله فهد النفيسي وفريد عبد الخالق والدكتور حسن الترابي والدكتور طارق البشري وعدنان سعد الدين والدكتور محمد عمارة والدكتور محمود أبو السعود.

 

[11] قال المستشار مأمون الهضيبي، أحد مرشدي الإخوان، في مناظرة شهيرة أجريت بمعرض القاهرة الدولي للكتاب عام 1992، “نحن نتعبَّد الله بأعمال النظام الخاص للإخوان المسلمين قبل الثورة”. كان عنوان المناظرة “مصر بين الدولة المدنية والدولة الدينية” وشارك فيها فرج فودة ومحمد خلف الله من جهة ومأمون الهضيبي ومحمد الغزالي ومحمد عمارة من جهة أخرى.

 

[12] أحمد بان، مراجعات لم يكتبها «الإخوان»… كيف وصلت الجماعة إلى بداية النهاية؟ صحيفة الشرق الأوسط، 23 ديسمبر2022، على الرابط، https://bit.ly/3k03q8W

 

[13] مراجعات الإخوان المسلمين في مصر: اتفاق على الضرورة واختلاف على الكيفية، مرجع سابق.

 

[14] تركي الدخيل، {الإخوان}… تراجعات تكشف «العمل السرّي»!، صحيفة الشرق الأوسط، 4 إبريل 2017، على الرابط https://bit.ly/3I1IxCp

 

[15] المرجع السابق.

 

[16] أحمد شوشة، هل تلوح المصالحة بين الإخوان المسلمين والدولة المصرية في الأفق؟، بي بي سي، 29 أكتوبر 2021، https://www.bbc.com/arabic/middleeast-59086941

 

[17] المرجع السابق.

 

[18] تنظيم الإخوان انقسم إلى جبهتين، أحدهما تُنسب إلى محمود حسين المقيم في تركيا والأخرى تُنسب إلى الراحل إبراهيم منير، وكل من الجبهتين لديها قائم بأعمال المرشد وهياكل تنظيمية مستقلة.

  مواضيع أخرى للمؤلف
←  العالم بعد فوز دونالد ترامب
←  الشرق الأوسط في الاستراتيجية الأمريكية: مصالح حيوية وتحديات معقدة
←  عصر طرق الحرير الجديدة في الشرق الأوسط
←  انسحاب بايدن وسيناريوهات وصول هاريس إلى البيت الأبيض
←  المناظرة الرئاسية الأولى بين جو بايدن وترامب.. القضايا والتداعيات
←  مصرع الرئيس الإيراني.. الأبعاد والتداعيات والسيناريوهات المحتملة
←  حدود وتأثيرات التصعيد الإيراني الإسرائيلي المتبادل
←  د. سرحد سها كوبكجوغلو:مشروع طريق التنمية العراقي التركي
←  الاتجاهات الاستراتيجية في عام 2024
←  بريكس والسعي لنظام متعدد الأطراف.. التطلعات والتحديات
←  بريكس والدعوة إلى إعادة التوازن للنظام الدولي
←  ​آثارالانتخابات على الحرب في اوكرانيا ومنطقة الخليج العربي وسوريا
←  تحوُّلات أولويّات الاستهداف عند التنظيمات الإرهابيّة
←  عودة العلاقات السعودية – الإيرانية.. أبعاد الاتفاق والانعكاسات المحتملة
←  دور الأناشيد “الجهادية” في الاستقطاب الرقمي
←  غياب المراجعة الفكرية لـ “الإخوان” وحضور التراجع السياسي منير أديب
←  الأمن النووي… قلق عالمي دائم
←  تراجع حركة النهضة التونسية.. الأسباب والدلالات
←  حرب الرقائق.. اختبار رئيسي لهيمنة أمريكا الاقتصادية
←  الأمن السيبراني في 2023: تحولات وتحديات عصر الذكاء الاصطناعي
←  أوجه التشابه بين “الإخوان المسلمين” و”إخوان الصفا”: تعاليم ورسائل سياسوية باسم الدين
←  أنظمة الإنذار المبكر ودورها في التصدي للإرهاب
←  قيود طالبان على المرأة ومستقبل الإرهاب في أفغانستان
←  بغداد ـ واشنطن.. المسار المعقد في حكومة السوداني
←  جزر المحيط الهادي.. منطقة متجددة للصراع الجيوسياسي بين واشنطن وبكين
←  العراق: ما بعد انتخاب الرئيس
←  الانتخابات النصفية 2022 وصراع السيطرة على الكونغرس
←  العلاقات التركية-الأمريكية.. فرص التقارب وتحدياته ومكاسب متبادلة
←  دلالات مقتل زعيم تنظيم الدولة وأبعاده
←  التنمية المستدامة والمواطنة الصالحة