×

  شؤون دولية

  مصر وتركيا.. صفحة جديدة في العلاقات واتفاقية تعاون استراتيجي



 

*المرصد/فريق الرصد والمتابعة

في خطوة وصفها مراقبون بمثابة صندوق هدايا لمنطقة الشرق الأوسط وفارقة في مستقبله، أنهى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الأربعاء، قطيعة دامت 11 عام بزيارته إلى مصر لتفتح شهادة ميلاد جديدة بين البلدين، إذ أعلنا فتح صفحة جديدة فضلا عن توقيعهما إعلانا مشتركا شأن إعادة هيكلة اجتماعات مجلس التعاون الاستراتيجي التركي- المصري.

ووصل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى القاهرة يوم (الأربعاء)، في أول زيارة لمصر منذ عام 2012، وكان في استقباله الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وقال التلفزيون المصري إن الرئيس السيسي وإردوغان وقعا عددا من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين البلدين. وذكر التلفزيون أن الرئيسين وقعا على إعلان مشترك حول «إعادة تشكيل اجتماعات مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين» وذلك بمقر رئاسة الجمهورية، عقب انتهاء القمة المصرية - التركية، التى تضمنت مباحثات موسعة مع الرئيس أردوغان، لدفع الجهود المشتركة لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، والتباحث بشأن العديد من الملفات والتحديات الإقليمية، خاصة وقف إطلاق النار في غزة وإنفاذ المساعدات الإنسانية لأهالي القطاع.

 

المؤتمر الصحفي للرئيسين

وخلال مؤتمر صحافي أعقب المحادثات، قال الرئيس المصري «أرحب بالرئيس التركي لنفتح صفحة جديدة بين البلدين»، مضيفاً «سنسعى مع تركيا إلى رفع التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار خلال سنوات قليلة».

وأضاف السيسي أنه قبل دعوة لزيارة تركيا في أبريل (نيسان) المقبل.

 

 

ولفت السيسي إلى أن اللقاء مع الرئيس التركي شدد على "اهتمامنا بتعزيز التنسيق المشترك، والاستفادة من موقع الدولتين كمركزي ثقل في المنطقة، بما يثبت تحقيق السلم والاستقرار، ويوفر بيئة مواتية لتحقيق الازدهار والرفاهية".

وقال إن الدولتين تواجهان "تحديات مشتركة مثل خطر الإرهاب، والتحديات الاقتصادية، والاجتماعية، التي فرضها علينا الواقع المضطرب في المنطقة".

وأشار السيسي إلى تلقيه دعوة من الرئيس التركي لزيارة أنقرة في أبريل، "لمواصلة العمل على ترفيع علاقات البلدين في شتى المجالات بما يتناسب مع تاريخهما وإرثهما الحضاري المشترك".

 

وقف إطلاق النار في غزة وتعاون في ليبيا

وأكد السيسي أنه اتفق مع أردوغان على أهمية "النفاذ السريع لأكبر قدر ممكن من المساعدات إلى غزة، أخذاً في الاعتبار ما تمارسه السلطات الإسرائيلية من تضييق؛ مما يتسبب في دخول شاحنات المساعدات بوتيرة بطيئة لا تتناسب مع احتياجات سكان القطاع".

وذكر أنه توافق مع أردوغان خلال المباحثات على "ضرورة وقف إطلاق النار في القطاع بشكل فوري وتحقيق التهدئة في الضفة الغربية، حتى يتسنى استئناف عملية السلام في أقرب فرصة، وصولاً إلى إعلان دولة فلسطينية ذات سيادة على حدود 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية وفقاً لمقررات الشرعية الدولية".

ولفت إلى توافق بين البلدين على تعزيز التشاور حول الملف الليبي "بما يساعد على عقد الانتخابات التشريعية والرئاسية وتوحيد المؤسسة العسكرية".

وقال إن نجاح دول المنطقة في تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي في ليبيا "سيمثل نموذجاً يحتذى به حيث أن دول المنطقة هي الأقدر على فهم تعقيداتها وتسوية الخلافات القائمة فيها".

ورحب السيسي بالتهدئة في منطقة شرق المتوسط، وأعرب عن تطلعه إلى "البناء عليها وصولاً إلى تسوية الخلافات بين دول المنطقة للتعاون لتحقيق الاستفادة القصوى من الموارد الطبيعية المتاحة".

وقال السيسي إن المباحثات بين البلدين أكدت "اهتمامنا المشترك بالتعاون في إفريقيا والعمل على دعم مساعيها للتنمية وتحقيق الاستقرار والازدهار".

 

أردوغان: نتقاسم تاريخاً مشتركاً

بدوره، قال الرئيس التركي إن تركيا تتقاسم مع مصر "تاريخاً مشتركاً يمتد لما يزيد عن ألف سنة"، مشيراً إلى رغبة بلاده في أن ترتقي "بمستوى علاقاتنا إلى المسار اللائق. والإرداة نفسها موجودة لدى الجانب المصري".

ولفت إلى أن تركيا ومصر رفعتا تعاونهما إلى مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى، وقال إنه ينتظر الرئيس المصري في زيارته لأنقرة لعقد الاجتماع الأول للمجلس.

وقال إن هذا سيبدأ "مرحلة جديدة في علاقاتنا الثنائية"، وأشار إلى أن البلدين وضعا هدفاً مشتركاً للوصول بالتبادل التجاري إلى 15 مليار دولار، وأضاف: "عازمون على زيادة حجم الاستثمارات التركية في مصر، والتي هي في حدود 3 مليارات دولار حالياً، واتخاذ تدابير إضافية لزيادة التعاون التجاري والاقتصادي".

وقال أردوغان إن "ما يحدث في غزة تصدر جدول أعمال اليوم. الهجمات الإسرائيلية أدت إلى سقوط أكثر من 28 ألف فلسطيني، وإصابة ما يقرب من 70 ألفاً، وتم استهداف الكنائس والمساجد والمدارس والمستشفيات ومبان تابعة الأمم المتحدة".

وتابع: "إدارة (رئيس الوزراء الإسرائيلي) نتنياهو مستمرة في سياسة القتل والمذابح والمجازر رغم التحذيرات الدولية"، وأكد أن إيصال المساعدات إلى غزة من أولويات البلدين.

وأعرب عن تقديره لدعم الجهات المصرية، والهلال الأحمر المصري ووزارة الصحة المصرية، وجميع الجهات المصرية في هذا الأمر.

وشدد أردوغان على أن "مبادرات تهجير سكان غزة بحكم العدم بالنسبة إلينا، ولا يمكن أن نقبل بتطهير غزة من السكان كلياً".

وأعرب عن تقدير بلاده للموقف المصري في هذا الأمر، واعتبر أن إدارة نتنياهو "تستمر في مجازرها، وتريد أن تنقل تلك المجازر إلى رفح أيضاً".

وقال إن المجتمع الدولي "لا يجب أن يسمح بهذا التصرف الجنوني".

وتابع: "من أجل وقف إراقة الدماء سنظل على تعاون مع مصر أيضاً، وعلى المدى المتوسط، فإن إعادة إعمار غزة وتضميد الجروح يتطلب منا العمل المشترك ونحن جاهزون للعمل مع مصر في هذا الصدد أيضاً".

وقال إنه تطرق في لقائه مع السيسي إلى ملفات ليبيا والصومال والسودان، وأكد حرص بلاده على وحدة هذه الدول الثلاث وأمنها واستقرارها.

وتابع: "نحن عازمون على أن نستمر في التنسيق والتعاون مع مصر في تناول وتباحث كل هذه المسائل والقضايا العالمية أيضاً".

 

بدايات القطيعة

وشهدت العلاقات مصافحة بين إردوغان والسيسي خلال افتتاح المونديال في قطر عام 2022، ثم التقيا ثانية خلال قمة العشرين بالعاصمة الهندية نيودلهي في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، واتفق الجانبان على تدعيم العلاقات والتعاون ورفع مستوى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وتبادل السفراء.

وتمثل الزيارة تتويجا للجهود الدبلوماسية التي بُذلت في السنوات الماضية لتعزيز العلاقات. وتبادل البلدان تعيين سفيرين العام الماضي، وقالت تركيا هذا الشهر إنها ستزود مصر بطائرات مسيرة مسلحة.

وانهارت العلاقات بين البلدين في عام 2013 منذ نهاية حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي المنتمي لجماعة «الإخوان المسلمين»، والذي كان يدعمه إردوغان بقوة.

وأجرت مصر وإسرائيل وقطر والولايات المتحدة محادثات لم تسفر عن نتائج أمس الثلاثاء بحثا عن اتفاق هدنة في غزة. وتؤكد القاهرة أنها لن تسمح بنزوح جماعي للاجئين من غزة عبر الحدود.

 

اضواء على العلاقات

وفي إطار الزيارة المرتقبة، علق الباحث الدكتور محمد نورالدين على المحادثات بـ(6) ملاحظات:

1- إذا صَدقت النوايا، فإن زيارة إردوغان القاهرة، ولقاءه السيسي، يُعتبران طيّاً كاملاً لمرحلة شعار «الانحياز إلى الشعوب»، ولـ«انقلاب 30 يونيو» 2014، كما سمّاه الرئيس التركي، وهو ما لا يعود إلى تغيّر القناعات، بل إلى ما تقتضيه مصلحة إردوغان للبقاء في السلطة، من «مصالحات مالية» مع السعودية والإمارات وإسرائيل، و«سياسية» مع مصر التي لا تمتلك مالاً ولا خيلاً.

 

*******

2- تأتي الزيارة بحثاً عن «دور ضائع» في غزة - إذ ظهرت تركيا مهمَّشة رغم اقتراح حركة «حماس» أن تكون مصر وتركيا ضمن الضامنين (مع كل من قطر وروسيا) لأيّ اتفاق تبادل أسرى أو ترتيبات أمنية لاحقة -، فيما لن تخلو من محاولات «عرض للقوّة»، إذا ما صدق حديث بعض المصادر عن نية إردوغان زيارة منطقة رفح.

 

*******

3- ربّما يسعى البلدان إلى تحقيق إنجاز ما قد يكون في متناول اليد خلال الزيارة، يتمثّل في الاتفاق على ترتيبات حلّ في ليبيا. وجاءت أولى الإشارات إلى ذلك، أثناء زيارة وزير الخارجية التركي إلى طرابلس قبل أيام، وتصريحه من هناك بأن أنقرة قرّرت فتح قنصلية في بنغازي، حيث تسيطر قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، العدو اللدود (السابق) لتركيا. وقد يشكّل الاتفاق حول ليبيا ورقة ترضية تركية لمصر، على اعتبار أن ليبيا جزء من الأمن القومي المصري، فيما لا يزال غير معلوم ما إذا كانت تركيا مستعدّة للإعلان عن سحب قواتها من هذا البلد كرسالة حسن نيّة تجاه المصريين، مع الإبقاء على «مستشارين»، وعلى سائر مظاهر النفوذ الأخرى في جميع القطاعات.

 

*******

4- يمكن أن يلي الاتفاق حول ليبيا، بدء الترسيم البحري للمناطق الاقتصادية الخالصة للبلدين في شرقي المتوسط، إذ تعرض تركيا أن تحصل مصر على مساحات كبيرة إضافية في المتوسط، في مقابل الاعتراف بترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، والذي حصل في 27 تشرين الثاني عام 2019 في عهد رجل تركيا، رئيس حكومة طرابلس فائز السراج، علماً أنه دون الاقتراح التركي عقبات مهمّة، أبرزها التحالف بين مصر وكلّ من اليونان وقبرص الجنوبية.

 

*******

5- قد تشكّل الزيارة بداية البحث في خيارات وسطية في قضايا الحدود البحرية بين البلدين، ومسارات استخراج الطاقة وتوزيعها في شرقي المتوسط، وخصوصاً أن تركيا تعترض على حدود المناطق الاقتصادية الخالصة لكلّ من اليونان وقبرص، كما على مشاريع نقل الطاقة من شرقي المتوسط إلى أوروبا عبر خطوط أنابيب لا تمرّ بأراضيها. وبعد تطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل، كان التعاون في مجال الطاقة بين أنقرة وتل أبيب، على رأس جدول أعمال البلدَين أثناء لقاء إردوغان ورئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في نيويورك، في العشرين من أيلول الماضي، وقبل أسبوعين فقط من عملية «طوفان الأقصى».

 

*******

6- تبقى القضايا الثنائية هي الأسهل بين البلدين، إذ تبادلا السفراء في 4 تموز 2023، فيما زار القاهرة العديد من رجال الأعمال الأتراك، وشاركت أنقرة أخيراً في معارض اقتصادية وعسكرية في القاهرة. ويُتوقّع توقيع اتفاقات تعاون اقتصادية وسياحية، في حين بدا مثيراً للاهتمام إعلان مصر أنها ستشتري طائرات مسيّرة تركية.


15/02/2024