×

  المرصد الامریکي

  الحسكة تختبر رغبة الولايات المتحدة في البقاء في شرق سوريا



 

 

دمشق - تكثف إيران جهودها لطرد القوات الأامريكية من شمال شرق سوريا والعراق عن طريق الاستعانة بـحزب الله والميليشيات المختلفة.

 وتستهدف طهران القواعد الأامريكية من خلال شبكتها الإستراتيجية بهدف طرد الأامريكيين، وملء الفراغ الأمني الناتج عن ذلك، وبسط سيطرتها غير المباشرة، على غرار نفوذها في العراق.

ويقول الباحثان رينا نتجيس، وهي باحثة مستقلة تركز أعمالها بشكل أساسي على شمال سوريا، وسامر الأحمد، الباحث في مركز عمران للدراسات، إن على رغم من أنها طلبت (إيران) من الميليشيات التزام الهدوء مؤقتا، فإن هذا التوقف يُعتبر إستراتيجيا، إذ يخدم حملة أوسع نطاقا لفرض الهيمنة الإيرانية في شرق سوريا.

وصعّدت “المقاومة الإسلامية في العراق”، وهي شبكة ميليشيات مدعومة من إيران في العراق وسوريا تأسست خلال حرب غزة، هجماتها ضد القوات الأامريكية، لاسيما من خلال غارة بطائرة مسيرة في الثامن والعشرين من يناير استهدفت البرج 22، وأسفرت عن مقتل ثلاثة جنود أامريكيين وإصابة 47 آخرين في الأردن، في إشارة إلى تصعيد كبير.

وهدفت هذه الهجمات إلى تقويض الأمن وتوسيع نطاق النفوذ الإيراني في شرق سوريا. لكن بعد الردود الأامريكية القوية، توقفت هذه الهجمات مؤقتا. وكشفت وكالة رويترز في الثامن عشر من فبراير أن إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس الإيراني، نجح في وقف الهجمات مؤقتا ضد القوات الأامريكية في بغداد في اليوم التالي للهجوم على البرج 22، ما يشير إلى رغبة طهران في تجنب اتساع رقعة النزاع.

وفي غضون ذلك، تحول تركيز الميليشيات المدعومة من قبل إيران في شمال شرق سوريا من القوات الأامريكية إلى مهاجمة قوات سوريا الديمقراطية، من كرد وعرب محليين، مع وصول أسلحة جديدة إلى القامشلي وانتقال المتدربين إلى مناطق قريبة من دمشق وحمص.

ولا يزال الاستعداد لإعادة التعبئة ضد قوات التحالف قائمًا إذا تصاعدت التوترات مع حزب الله في لبنان. وأدت استعدادات هذه الميليشيات، والتي أججها النزاع في غزة، إلى شن أكثر من 170 هجومًا بالصواريخ والطائرات المسيرة بين السابع عشر من أكتوبر ونهاية يناير، واستهدف الهجوم قواعد التحالف في مواقع متعددة.

 

تمدد نفوذ الميليشيات

على الرغم من التكهنات بأن بعض الهجمات، مثل الهجوم على قاعدة البرج 22، قد لا تكون بأوامر إيرانية مباشرة، يتمثل الهدف الأساسي بالضغط على الولايات المتحدة لتنسحب من المنطقة.

وفي شمال سوريا، استخدمت الميليشيات المدعومة من إيران تداخل السيطرة في مناطق مثل مدينة القامشلي الواقعة على الحدود التركية – السورية، حيث يلتقي نظام الرئيس السوري بشار الأسد وقوات سوريا الديمقراطية، لتوسيع نفوذها.

فمنذ عام 2012، حافظ نظام الأسد على معقل له في القامشلي والحسكة من خلال التحالف مع حزب الاتحاد الديمقراطي، الذراع السورية لـحزب العمال الكردستاني، لقمع التطلعات الثورية الكردية السورية، فيما انضمت أحزاب كردية أخرى إلى المعارضة.

ويقود حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب التابعة له الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، ويؤثر بتوجيه من حزب العمال الكردستاني في قيادة وحدات حماية الشعب في شرق سوريا. ويوجه هؤلاء القادة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من قبل الولايات المتحدة، والتي تضم بشكل رئيسي مقاتلين عربا.

وعلى الرغم من التعاون مع الولايات المتحدة في الشرق، يتعاون حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب أيضا مع الأسد وإيران في غرب سوريا، خصوصا في تل رفعت، وبشكل متزايد في محافظة الحسكة، ما يدل على شبكة معقدة من التحالفات والنفوذ في المنطقة. كما يضم مطار القامشلي في جنوب غرب المدينة قاعدة كبيرة للجيش الروسي.

وأكدت عدة مصادر أن قادة الميليشيات المدعومة من إيران في القامشلي يعملون انطلاقا من هذه القاعدة الروسية في مطار القامشلي، حيث اتخذوا مقرهم الرئيسي، معتقدين أن التحالف الأامريكي لن يستهدف قاعدة روسية. وفي الوقت عينه، تضم منطقة القامشلي أيضا عدة قواعد للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. ولا يزال تنظيم داعش نشطا في المناطق الجنوبية من القامشلي، حيث شكلت محافظة الحسكة موقعا مهما لهجماته في عام 2023.

نما النفوذ الإيراني في شمال شرق سوريا منذ عام 2015، لاسيما مع تأسيس حزب الله وحدات كوماندوز في القامشلي من المجموعات القبلية الداعمة للنظام السوري والتي أشرف عليها القائد في حزب الله وسام طويل، الملقب بـ”الحاج جواد” الذي قتل في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان في يناير 2024.

وفي عام 2021، أنشأ الحاج مهدي، القائد العام لميليشيا الحرس الثوري الإيراني في سوريا “فرق عمل” تحظى بتمويل حزب الله والحرس الثوري الإيراني وتركز على تجنيد وتدريب السكان المحليين والنازحين السوريين ووضعهم تحت سيطرة قادة غير سوريين، مع التشديد على استخدام الأسلحة المتقدمة والطائرات المسيرة.

وبالإضافة إلى الحاج مهدي، هناك قادة عراقيون يتخللهم سوريون من سكان المنطقة القبلية وشيعة من بلدتي الفوعة وكفريا الشيعيتين في إدلب، أو نبُّل والزهراء شمال حلب، وتعمل هذه القوات من القامشلي، وتمتد إلى الحسكة، حيث أنشأ الحاج مهدي ميليشيا جديدة هي “سرايا الخراساني”، ما يعزز موطئ قدم إيران العسكري.

وتتولى “المقاومة الإسلامية في العراق”، تنسيق تلك الجهود، وتعلن مسؤوليتها عن تلك الهجمات في سوريا.وفي أعقاب ثورة قبلية ضد قوات سوريا الديمقراطية في شرق دير الزور، تعاون القادة الإيرانيون والعراقيون مع العشائر المحلية لتجنيد أفرادها ضمن “حركة أبناء الجزيرة والفرات”، بهدف تعزيز القوات في وجه مواقع التحالف وقوات سوريا الديمقراطية.

وتعول هذه المبادرة على الاستياء المحلي من قيادة وحدات حماية الشعب على خلفية قوات سوريا الديمقراطية، لاسيما في المجتمعات العربية في دير الزور والحسكة، حيث تقدم حوافز مالية لدعمها ضد هيمنة وحدات حماية الشعب.

 وفي ديسمبر ويناير، تم نشر مجموعات أمنية، شملت “سرايا الخراساني” وفرق عمل أخرى، في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، لاسيما جنوب الحسكة، لمراقبة تحركات التحالف ومواقع قواعده، ورفعت تقاريرها إلى غرفة العمليات في مدينة الميادين الخاضعة لسيطرة النظام في دير الزور.

ويدير هذا التنسيق أبوفاطمة العراقي، وهو شخصية رئيسية في “الحشد الشعبي” العراقي، يعمل انطلاقا من الميادين، إلا أنه توارى عن الأنظار في العراق بحلول نهاية يناير. وبنظر السكان المحليين، بدت القوات الأامريكية خجولة في مواجهة الهجمات التي يحرض عليها الحرس الثوري الإيراني.

ويخشى الكثيرون من السكان العرب بمعظمهم في الحسكة وجنوبا حتى دير الزور، من توسع العمليات التي تتحكم بها إيران وتحوّل المنطقة الشرقية السورية بأكملها إلى منطقة نزاع شديد. كما يقلقون على أطفالهم وسط موجة من الهداية الشيعية، كما حصل في دمشق، التي تُعد تقليديا معقلا للإسلام السنّي. وستستجيب بالتالي المجتمعات العربية في محافظتي الحسكة ودير الزور بشكل إيجابي لتعاظم الدور الأامريكي.

 

حضور أامريكي متجدد

يخشى الكثيرون من السكان العرب بمعظمهم في الحسكة وجنوبا حتى دير الزور، من توسع العمليات التي تتحكم بها إيران وتحوّل المنطقة الشرقية السورية بأكملها إلى منطقة نزاع شديد

وبدلا من الانسحاب الكامل، يجب على الأامريكيين تعديل إستراتيجيتهم والابتعاد عن الاعتماد على وحدات حماية الشعب فحسب لقيادة قوات سوريا الديمقراطية. فحزب الاتحاد الديمقراطي/وحدات حماية الشعب هو فصيل من كرد سوريا، لكنه مكروه من قبل الكثيرين من الكرد السوريين الآخرين بسبب ممارساته القمعية. ووفقا لدراسات مركز جسور، تبلغ نسبة الكرد حوالي 30 في المئة فقط من السكان البالغ عددهم 2.7 مليون نسمة، مقابل 70 في المئة من العرب.

يقع القادة الذين يختارهم الأامريكيون لقيادة جهود مكافحة “داعش” في صميم المشكلة. ويتعين على واشنطن الضغط على وحدات حماية الشعب لوقف تعاونها التكتيكي مع الإيرانيين في محافظة الحسكة في مناطق مثل القامشلي.

وسيعني ذلك أنه سيتعين على واشنطن الضغط عليها لقطع علاقاتها مع حزب العمال الكردستاني، وهذه مهمة صعبة للغاية. فإذا تحقق ذلك، ستخف حدة التوتر بين الإدارة الذاتية وتركيا، ما من شأنه أن يحد من الصعوبات في بيئة عمل القوات الأامريكية.

لكن مجرد إقناع “شركاء” الولايات المتحدة في حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب بوقف التعاون مع الإيرانيين في محافظة الحسكة والانفصال عن حزب العمال الكردستاني لن يكون كافيا. ففي إستراتيجية تشبه تعبئة المجتمعات العربية في غرب العراق عام 2007 ضد تنظيم “القاعدة”، على واشنطن استبدال كوادر حزب العمال الكردستاني الذين يديرون عمليات الحكم والأمن في البلدات العربية جنوب القامشلي بأعيان وقادة مجتمع متمكنين لاتخاذ قرارات مهمة.

وعلى واشنطن أيضا التدخل لضمان استخدام عائدات حقول النفط في هذه المناطق العربية لتطوير الخدمات الأساسية المحلية، مثل المستشفيات والمدارس والكهرباء، بدلا من السماح بأن تعود عائدات النفط هذه بالفائدة بالدرجة الأولى على الإدارة الذاتية التي يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني والتي يهيمن عليها الكرد شمالا في القامشلي.

وسيبدي حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب مقاومة شرسة، وسيحاولان بقوة، تحت أنظار الأامريكيين الساهرة، قمع المقاومة من جانب المجتمعات العربية. وقد مهد الموقف الأامريكي السلبي الطريق أمام الإيرانيين لاستدراج أفراد من تلك المجتمعات لمساعدة إيران، ومن المرجح أن تكون عودة الولايات المتحدة قاصرة فقط على معالجة المخاوف المحلية المرتبطة بإمكانية تجنب تمدد النفوذ الإيراني.

*تقرير خاص لصحيفة"العرب"اللندنية


23/03/2024