×

  رؤى حول العراق

  ​التداعيات المحتملة للصراع السياسي بين السوداني والمالكي



 

*إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

تصاعدت حدة التوتر بين رئيس الوزراء العراقى "محمد شياع السوداني"، ورئيس الوزراء الأسبق زعيم ائتلاف "دولة القانون" "نوري المالكي"، الذي تشير اتجاهات عديدة إلى أنه يخوض ما يشبه "حرباً ناعمة" ضد "السوداني"، من خلال تكثيف الضغوط وتوسيع نطاق الخلافات في القضايا الشائكة، بالإضافة إلى دعوته لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، في محاولة لإرباك حسابات رئيس الوزراء الحالي.

ويُنذر هذا الصراع الذي ظهر للعلن بين الرجلين بمخاطر محتملة، ليس على مستقبل "الإطار التنسيقي" فقط، بل أيضاً على المشهد السياسي العراقي برمته، خاصةً أن محور "المالكي" يستحوذ على غالبية البرلمان، في حين يحظى "السوداني" بتأييد لافت من تيارات عراقية بارزة، منها "تيار الحكمة" بزعامة "عمار الحكيم"، و"تيار النصر" بقيادة رئيس الوزراء الأسبق "حيدر العبادي"، بالإضافة إلى دعم كبير من الكتل السنية والكردية.

 

مصالح متعارضة

يسعى كل من "المالكي" و"السوداني"، في ظل تصاعد خلافاتهما خلال المرحلة الحالية، إلى إعادة ترتيب توازناتهما السياسية الداخلية من جديد من أجل الاستعداد للاستحقاقات السياسية القادمة، وعلى رأسها الانتخابات التشريعية المقررة في عام 2025، ويرغب كلاهما في الاستئثار بالمشهد، وإبعاد الطرف الآخر. وفي ضوء ذلك، تتمثل أبرز أسباب خلافات الطرفين فيما يلي:

 

1– دعوة "المالكي" لإجراء انتخابات مبكرة بالبلاد:

 في إطار رغبة "المالكي" في ممارسة ضغوط على حكومة "السوداني"، دعا، في 11 يونيو 2024، إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة بحلول نهاية عام 2024. وفي الوقت الذي رفضت فيه القوى السياسية الموالية لـ"السوداني" دعوة "المالكي"، اعتبر الأخير أن حكومة "السوداني" ملزمة بذلك ضمن برنامجه الانتخابي، مشدداً على ضرورة منع المسؤولين الحكوميين من المشاركة فيها إذا قدموا استقالاتهم من مناصبهم.

 

2– ابتعاد "السوداني" عن "الإطار التنسيقي":

 ارتبط التوتر بين "المالكي" و"السوداني"، في قسم منه، بتوجه الأخير بعيداً عن توجهات "المالكي"، ومحاولة الخروج نوعياً من تحت عباءة "الإطار التنسيقي"، وهو الأمر الذي أثار قلق جبهة "المالكي" التي ترى أنه حال ترشح "السوداني" للانتخابات البرلمانية المقبلة بقائمة منفصلة، فإنها يمكن أن تخترق الجبهة التصويتية لـ"الإطار التنسيقي"، من خلال استقطاب جمهور كبير من قواعدها الانتخابية، وهو ما يعني خسارة "المالكي" أو التيارات المحسوبة عليه الأغلبية البرلمانية، ومن ثم تراجع تأثير ونفوذ "الإطار التنسيقي" على الساحة السياسية العراقية.

 

3– تزايد شعبية "السوداني" بين العراقيين:

رغم أن "نوري المالكي" يُوصف بأنه "صانع الملوك" في العراق، ويحظى بحضور سياسي وشعبي، فإن "السوداني" بات يشكل منافساً رئيسياً له على الساحة العراقية، خاصةً في ضوء نجاحاته في تحقيق اختراقات بعدد من الملفات الرئيسية، وهو ما زاد رصيده التقليدي في الشارع العراقي، ومنها ملفات الطاقة والنفط والأمن، بالإضافة إلى تمكنه، نسبياً، من إبعاد العراق عن تبعات الصراع الأمريكي–الإيراني، وعدم تحويله إلى ساحة لتصفية الحسابات.

ووفقاً لاستطلاع للرأي أجرته مؤسسة "جالوب"، ونُشر في فبراير 2024، حصل "السوداني" على تأييد نحو 69% من العراقيين في عام 2023، وهو أعلى مستوى سجلته مؤسسة "جالوب" لرئيس وزراء عراقي منذ أن بدأت في اتباع هذا الإجراء في عام 2012.

 

4– تبني وجهات نظر مختلفة حول الإصلاح السياسي:

 اتسع نطاق الخلافات بين "السوداني" و"المالكي"؛ فبينما يسعى الأول إلى الحفاظ على النظام البرلماني، يدعو الثاني إلى اعتماد النظام الرئاسي؛ إذ يعتقد أنه من غير الممكن للبلاد الاستمرار من دون حكم حازم. وفي تصريحات له، في 14 أغسطس 2024، أكد "المالكي" أن التخلص من مشاكل العراق يقتضي "الذهاب إلى النظام الرئاسي"، وهو ما لا يتوافق مع حسابات "السوداني".

 

5– اختلاف طبيعة علاقة الطرفَين مع إيران:

 في الوقت الذي يذهب "المالكي" في علاقاته مع إيران إلى أبعد الحدود، وهو ما ظهر في تبنيه سياسة مؤيدة لتحركات طهران تجاه إسرائيل بالنظر إلى كونه يحظى بدعم كثير من القيادات الرئيسية داخل إيران والميليشيات الشيعية الموالية لها في الداخل العراقي؛ يسعى "السوداني" إلى اتباع نهج متوازن مع إيران والمحيط الإقليمي للعراق بشكل عام، وظهر ذلك في محاولاته تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث زار الأخيرة في 15 أبريل 2024 على رأس وفد رفيع المستوى لمناقشة عدد من الملفات ذات الأولوية لكلا الجانبين، بالإضافة إلى الانفتاح على دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن وتركيا، وتعزيز الوساطة العراقية في التقارب التركي–السوري.

وتجدر الإشارة إلى أن "السوداني"، رغم تأكيده حرص بلاده على توثيق العلاقات الاستراتيجية مع طهران، فإن ذلك لم يمنعه من إدانة الضربات الإيرانية التي استهدفت محافظة أربيل العراقية في 16 يناير 2024، كما أنه خلافاً للفصائل المسلحة المدعومة من إيران وقوى "الإطار التنسيقي"، لا يريد انسحاباً كلياً للقوات الأمريكية من العراق؛ ذلك لأنه يدرك أن القوات الأمنية العراقية لم تصل بعدُ إلى الدرجة التي تُمكِّنها من مواجهة تنظيم "داعش" كلياً.

 

انعكاسات محتملة

في ضوء التوتر المتفاقم بين "المالكي" و"السوداني"، فإن ثمة تداعيات سلبية محتملة قد تشهدها الساحة العراقية خلال المرحلة المقبلة، ويتمثل أبرزها فيما يلي:

 

1– تفكيك "الإطار التنسيقي" من الداخل:

 بعد أن وصل هذا التوتر إلى مستوى غير مسبوق، على خلفية اعتراض بعض القوى السياسية على مقترح "المالكي" بإجراء انتخابات مبكرة، وتأكيدها ضرورة استكمال حكومة "السوداني" فترتها القانونية؛ ثمة تقديرات تشير إلى أن إصرار "المالكي" على المضي قدماً في تبني نهج معاكس، قد يُفجِّر "الإطار التنسيقي" من الداخل، وكشف عن ذلك إعلان "ائتلاف النصر"، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق "حيدر العبادي"، في 3 سبتمبر 2024، رفض دعوة "المالكي" إلى إجراء اقتراع مبكر، كما اعتبر "تيار الحكمة" بقيادة "عمار الحكيم"، أن دعوة "المالكي" "وُلدت ميتة ولا يمكن تطبيقها".

 

2– تصاعد حدة الاستقطاب السياسي:

 يعاني العراق من تصاعد في حدة التوتر على المستوى السياسي، على نحوٍ لا يمكن معه استبعاد حدوث انقسامات واستقطابات داخل المكون الشيعي تحديداً خلال المرحلة المقبلة. ومن ثم، فإن استمرار الخلاف بين "السوداني" و"المالكي"، سيؤدي بلا شك إلى تأجيج حالة عدم الاستقرار في الداخل، لا سيما أن "السوداني" بات يحظى بتأييد كتل واسعة، وتتطلع إلى الاحتشاد خلفه للفوز بالأغلبية في الانتخابات التشريعية المقبلة.

 

3– عودة الفوضى إلى الساحة العراقية:

من الوارد عودة الفوضى إلى الساحة العراقية، وهو ما قد يحدث مع استمرار التهديدات المتبادلة بين التيار الداعم لـ"السوداني"، والتيار الموالي لـ"المالكي"، وانخراط الميليشيات الشيعية المسلحة الموالية لإيران والقريبة من الأخير في الأزمة، على نحو قد يُنذِر بمزيد من التصعيد، كما تتزايد فرص الفوضى في ظل محاولة "المالكي" إرباك المشهد، سواء من خلال الدعوة إلى انتخابات مبكرة، أو تغيير النظام السياسي.

 

4– تزايد تهديدات التنظيمات الإرهابية:

من المرجح تزايد التهديدات الإرهابية للعراق؛ وذلك في ظل اتساع نطاق التوتر بين النخب السياسية العراقية، وتفاقم الخلافات بين مكونات "الإطار التنسيقي" الذي يسيطر عملياً على الكثير من مؤسسات الدولة. ومن دون شك، فإن اتساع نطاق هذه الخلافات قد يوفر فرصة لعودة تنظيم "داعش" إلى تصعيد نشاطه، وقد ظهرت مؤشرات ذلك في تعرض محافظتَي صلاح الدين وديالى في مايو 2024 لهجمات قام بها "داعش"، مستغلاً حالة الاستقطاب السياسي في البلاد.

 

5– تنامي دور الأطراف الخارجية في العراق:

 يُتوقع أن تساهم الخلافات بين "السوداني" و"المالكي" في تعزيز دور ونفوذ الأطراف الخارجية على الساحة العراقية خلال المرحلة المقبلة، خاصةً فيما يخص الانتخابات البرلمانية المقررة في 2025؛ حيث إن التنافس بين القوى السياسية العراقية، ومخاوف القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في المشهد العراقي من المسارات المحتملة للانتخابات المقبلة، سوف يفرض تداعيات في هذا الإطار، خاصةً مع وصول الخلافات بين مكونات "الإطار التنسيقي" إلى مرحلة حرجة، فضلاً عن استمرار القضايا الخلافية بين المكونات الكردية في إقليم كردستان.

 

أفضلية لـ"السوداني"

وختاماً، يمكن القول إن تصاعد التوتر بين "السوداني" و"المالكي" قد يفرض مخاطر محتملة؛ ليس على مستقبل المكون الشيعي فقط، بل على عموم المشهد العراقي، بيد أن ثمة تقديرات تشير إلى احتمال نجاح "السوداني" في إعادة ترتيب المشهد العراقي، وحسم التوازنات داخل "الإطار التنسيقي" لصالحه، خاصةً في ظل الدعم الإقليمي والدولي لحكومته، بالإضافة إلى حاجة طهران – التي يُتوقع أن تواجه سياسات أمريكية متشددة حال فوز الرئيس السابق "دونالد ترامب" في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي سوف تجري في 5 نوفمبر 2024 – إلى تأمين الجبهة الإقليمية الموالية لها أو على الأقل القريبة منها.


15/09/2024