×

  کل الاخبار

  زيارة عراقية إلى دمشق.. ماذا وراء التوقيت المتأخر؟



 

أحمد الدباغ-نون بوست:"خطوة جاءت بفعل الضغط الأمريكي والخليجي”، بهذه الكلمات وصف ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه نوري المالكي، زيارة رئيس جهاز المخابرات العراقي إلى دمشق أمس، والتي تهدف إلى فتح باب التواصل مع العاصمة السورية التي شهدت قبل 20 يومًا سقوط نظام الرئيس بشار الأسد بعد ثورة بدأت في عام 2011.

وأفاد المتحدث باسم الحكومة، باسم العوادي، بأن وفدًا عراقيًا أمنيًا برئاسة رئيس جهاز المخابرات، حميد الشطري، التقى برئيس الإدارة السورية الجديدة في دمشق، أحمد الشرع، وخلال اللقاء بحث التطورات على الساحة السورية، بالإضافة إلى مناقشة متطلبات الأمن والاستقرار في الحدود المشتركة بين البلدين.

ومن ضمن الملفات التي بحثها الوفد العراقي مع الإدارة السورية الجديدة حماية الحدود، والتعاون في منع عودة نشاط تنظيم داعش وحماية السجون، كما طلب العراق احترام الأقليات والمراقد.

 

زيارة متأخرة

تأتي زيارة رئيس جهاز المخابرات العراقي إلى سوريا في وقت متأخر جدًا، بعد نحو 20 يومًا من سقوط نظام الأسد، بينما سارعت العديد من الدول العربية والإقليمية ودول الجوار السوري والعواصم الأوروبية إلى اتخاذ مواقف سريعة من دمشق وإبداء دعمها للشعب السوري.

ويعزو الكاتب الصحفي أياد الدليمي تأخر العراق في التعامل مع الواقع السوري الجديد إلى موقف المؤسسة السياسية العراقية، التي لا تتبع في كثير من الأحيان مصلحة البلاد، حسب قوله.

وفي منشور له على منصة “إكس”، قال الدليمي إن هذا التأخير سيشكل لاحقًا عبئًا إضافيًا على الدولة العراقية، خاصة أن الوضع السوري لا يُعتبر منفصلًا جغرافيًا عن العراق، بل يشكل جزءًا من عمقه ومستقبله، بحسب قوله.

 

ضغوطات أمريكية وخليجية

ويبدو أن زيارة الوفد العراقي إلى دمشق لم تكن لتتم لولا الضغوط الأمريكية أولًا، ومن ثم الخليجية، وهو ما أكده عضو ائتلاف دولة القانون، عصام الكريطي، الذي أشار إلى أن “إرسال الحكومة العراقية وفدًا رسميًا إلى دمشق واجتماعه مع الإدارة السورية الجديدة جاء نتيجة ضغوطات أمريكية وخليجية من أجل تواصل بغداد مع دمشق بعد التطورات الأخيرة”.

وأوضح الكريطي أن رئيس الوزراء العراقي لم يتخذ هذه الخطوة إلا بعد التشاور مع الكتل والأحزاب السياسية، خاصة الإطار التنسيقي وقوى ائتلاف إدارة الدولة، وأن الضغوط الخارجية الأمريكية والخليجية كانت المحفز الأساسي وراء هذا التوجه.

ومن خلال مواقف الحكومة العراقية، يمكن القول إنها لم تستوعب بعد الواقع السياسي السوري الجديد بعد سقوط الأسد، الذي جاء مفاجئًا وسريعًا وغير متوقع، لا سيما أن تسارع الأحداث الإقليمية في العراق منذ سبتمبر/أيلول الماضي، وبدء حرب لبنان، جعل السياسة في منطقة الشرق الأوسط تتخذ منحى لم تكن الحكومة العراقية، ومن خلفها إيران، الحليف الأقوى لبغداد، تتوقعه.

 

قلق متبادل

في ظل المتغيرات التي مر بها العراق خلال العقد الماضي، كان من الواجب أن تكون الحكومة العراقية من أوائل الدول التي تتعامل مع الإدارة السورية الجديدة، إذ إن الحدود المشتركة بين البلدين تمتد لأكثر من 600 كيلومتر، فضلًا عن وجود مصالح عراقية في سوريا، مثل الحفاظ على الوجود السياسي وضغط الملف السوري في مخيم الهول، بالإضافة إلى وجود نحو 200 ألف لاجئ سوري في العراق وفقًا لإحصائيات غير رسمية.

ومع ذلك، يبدو أن كلا الجانبين العراقي والسوري يتوجسان من بعضهما البعض، إذ لا يزال العراقيون يرون في الإدارة السورية الجديدة امتدادًا للفصائل المسلحة التي تصفها الحكومات العراقية بأنها “إرهابية ومتطرفة”.

 

من جهة أخرى، ترى الإدارة السورية الجديدة أن الفصائل العراقية المسلحة، إلى جانب الدعم السياسي الذي قدمته الحكومة العراقية لنظام بشار الأسد المخلوع، كانا لهما دور في استمرار معاناة السوريين طوال 13 عامًا من الثورة، بما شهدته من تهجير لنصف الشعب السوري، فضلًا عن مئات الآلاف من القتلى والمفقودين.

بالعودة إلى ما قبل تاريخ 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، كانت السياسة العراقية تدعم بشار الأسد وتصف ما يحدث في سوريا بأنه هجمات من جماعات إرهابية، وذلك بداية من دعم رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي لبشار الأسد قبل أكثر من عقد من الزمن، وصولًا إلى تصريحات مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، الذي نشر على منصة “إكس” في الأول من ديسمبر الجاري عبارة قال فيها: “لن تسبى زينب مرتين”، في إشارة للوضع السوري.

 

التغييرات المتسارعة

بيد أن التغييرات المتسارعة التي حدثت في سوريا أجبرت الحكومة العراقية على تعديل موقفها أو تحديث استراتيجياتها، فقد أكد رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني احترام الحكومة العراقية لإرادة الشعب السوري والتطلع إلى عملية سياسية شاملة في سوريا.

 

وقال السوداني: “الحكومة العراقية تحترم إرادة السوريين وتتطلع إلى عملية سياسية شاملة. أبلغنا الإدارة في سوريا رؤيتنا بشأن الوضع الراهن، ونحن حريصون على التنسيق مع سوريا لضبط الحدود”.

 

نتائج مشروطة

يقول الباحث الأقدم في مركز الجزيرة للدراسات، الدكتور لقاء مكي، إن زيارة الوفد العراقي إلى دمشق مهمة وتحمل معاني عديدة، ومع ذلك يشير مكي إلى أن الأمر مرتبط بنتائج هذه الزيارة، وما قد تحققه من بناء الثقة بين الطرفين.

وأضاف مكي في منشور على منصة “إكس” أن البراغماتية وحدها لن تكون كافية لإغلاق ملف الشكوك، حيث إن عناصر الاختلاف بين العراق وسوريا كثيرة، مثل علاقة العراق مع إيران وتعدد الأجهزة الأمنية فيه، وأوضح أن ما يصل إليه رئيس المخابرات العراقي قد لا يعكس رأي الاستخبارات العسكرية أو الأمن الوطني في العراق.

وأشار مكي إلى أن هناك قوى سياسية مسلحة في العراق لن تقبل بأي تطور في العلاقات بين البلدين يتجاوز هذا المستوى، وأن هذه القوى قد تكون فوجئت بالزيارة، ولن تقبلها إلا على مضض. وأكد أن المواقف مرتبطة ببعضها البعض، وأن موقف العراق من سوريا سيتحدد بناءً على الوقائع والتطورات على الأرض في المنطقة.

 

وصمة عار جديدة

ويظهر جليًا أن القوى السياسية الشيعية المحسوبة على الإطار التنسيقي لم تستوعب بعد أهمية التغييرات الحاصلة على الساحة السورية، حيث وصف القيادي في منظمة بدر ومسؤول محور الشمال، محمد مهدي البياتي، زيارة الوفد العراقي ولقاءه برئيس السلطة السورية المؤقتة أحمد الشرع بأنها “وصمة عار جديدة”.

وقال البياتي: “لقاء الوفد العراقي مع الشرع يأتي في سياق الضغوط الأمريكية الرامية إلى تبييض صفحته وتبرئته من الجرائم التي ارتكبها في العراق والمنطقة، بهدف فرض أمر واقع جديد”، واصفًا الشرع بأنه “إرهابي”.

وأضاف البياتي أن “سياسة فرض المجرمين وأصحاب السوابق على الشعوب ليست بالأمر الجديد في الاستراتيجية الأمريكية، بل تمثل نهجًا قديمًا ومستمرًا يعكس سعيها المستمر لدعم شخصيات تتماشى مع تاريخها الحافل بالجرائم”، وتابع قائلًا: “أما موقف الشرفاء فهو واضح وثابت: سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم إلى يوم القيامة، وستظل أيادينا على الزناد دفاعًا عن الحق وتأكيدًا على النهج الإلهي”.

وبناءً على التصريحات الأخيرة للقيادي في منظمة بدر، يمكن التنبؤ بأن العلاقات العراقية السورية لا يمكن أن تشهد، في المدى المنظور، تطورات كبيرة مشابهة لتلك التي قد تشهدها العلاقات السورية مع دول الخليج والأردن وبقية دول الإقليم، باستثناء إيران التي تبدو في انتظار ما ستؤول إليه تطورات الشرق الأوسط، التي لا تزال تشهد حراكًا نشطًا حتى اللحظة.

*صحفي عراقي ومدون


29/12/2024