×

  قضايا كردستانية

  كركوك بين شعارات التعايش وأفعال تأجيج الفتنة القومية



*سوران الداودي

 

تعد مدينة كركوك من أكثر المدن تنوعاً في العراق، حيث تحتضن بين شوارعها مكونات مختلفة من العرب، الكرد، التركمان، والآشوريين. وعلى الرغم من هذا التنوع الثقافي والعرقي الذي كان من المفترض أن يشكل عامل قوة ووحدة، إلا أن الصراعات القومية والسياسية جعلت المدينة تعيش في حالة من التوتر المزمن.

منذ عقود، ومع كل مرحلة سياسية جديدة، يتكرر الحديث عن التعايش بين مكونات كركوك وضرورة حصول الجميع على حقوقهم المشروعة. شعارات مثل “الوئام” و”الأخوة” أصبحت جزءاً من الخطاب السياسي لكثير من الأطراف. إلا أن هذه الشعارات غالباً ما تصطدم بالواقع عندما تتحول شوارع المدينة إلى منصات تُرفع فيها صور وشعارات تعيد إحياء أحداث مؤلمة وقعت قبل أكثر من ستين عاماً.

كيف يمكن لأحزاب تتحدث عن التعايش والتآخي أن تلجأ إلى ممارسات تُذكّر بفصول مأساوية من الصراع القومي في المدينة؟ هذه الصور والشعارات لا تُعيد فقط فتح جراح الماضي، بل تسهم في تعزيز الانقسام والتوتر بين مكونات المدينة. وبدلاً من أن تكون كركوك نموذجاً للتعددية الثقافية والتسامح، تتحول إلى ساحة لتصفية الحسابات القومية والسياسية.

لا شك أن كركوك بحاجة إلى تجاوز أعباء الماضي والتركيز على المستقبل. لا يمكن أن تستمر المدينة رهينة للذكريات المؤلمة أو للأحداث التي عمّقت الخلافات بين مكوناتها. طي صفحات الماضي لا يعني إنكار التاريخ أو تهميش الضحايا، بل يعني المضي قدماً نحو بناء مجتمع يسوده السلام والعدالة للجميع.

على الأحزاب السياسية الابتعاد عن استغلال الرموز والأحداث التاريخية لتأجيج النزاعات القومية. بدلاً من ذلك، يجب العمل على تعزيز قيم التعايش من خلال خطاب متوازن وإجراءات فعلية تخدم جميع مكونات المدينة. كما أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية هي المفتاح لبناء الثقة بين مكونات كركوك. تحسين الخدمات، توفير فرص العمل، والنهوض بالبنية التحتية هي أولويات يجب أن تتقدم على أي صراع قومي أو سياسي. ومن الضروري أيضاً تنظيم حوارات حقيقية بين مكونات كركوك تُبنى على الاحترام المتبادل والرغبة المشتركة في إيجاد حلول للمشاكل القائمة.

إن الضحايا الذين فقدوا حياتهم نتيجة النزاعات والصراعات كانوا جزءاً من إنسانية كركوك وتاريخها المشترك. ليس من المعقول أن يتم استغلالهم في معاداة الآخرين أو زرع التفرقة القومية. ما انتشار صورهم في كل أرجاء كركوك إلا دليل على أن بعض الجهات لا تريد الخير للمدينة وأبنائها، بل تسعى إلى إبقاء جروح الماضي مفتوحة لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة.

إن كركوك، بتاريخها العريق وتنوعها الثقافي، قادرة على أن تكون نموذجاً للتعايش السلمي إذا ما توفرت الإرادة السياسية الحقيقية لذلك. لا يمكن تحقيق هذا الهدف من خلال رفع شعارات فقط، بل يتطلب الأمر العمل الجاد لخلق بيئة تعزز التعاون والوحدة بين مكوناتها. كركوك تستحق أن تكون رمزاً للوئام بدلاً من أن تُستخدم كساحة لإشعال الفتن والصراعات.


02/02/2025