×

  کل الاخبار

  التقصير الدستوري والقانوني للحكومة الاتحادية في صرف رواتب كردستان



*المحامي حسين يدالله

 

 

في دولة القانون، تُعدّ الرواتب العامة التزاما سياديا لا يخضع لتقلبات السياسة أو تقاطع الإرادات. وهي حقٌ دستوري يتقاضاه الموظف لقاء أداء خدمة عامة، ولا يجوز بحالٍ من الأحوال تعليق صرفه لأسباب خارجة عن إرادته. وفي ضوء الأزمة المتكررة في صرف رواتب موظفي إقليم كردستان، بات من الواجب توضيح مكامن التقصير القانوني الواضح الذي تتحمّله الحكومة الاتحادية، وفق المعايير الدستورية والتشريعية العراقية.

 

أولا: الحق في الراتب محمي بموجب الدستور وأحكام المحكمة الاتحادية

أكدت المحكمة الاتحادية العليا في حكمها المرقم (224/اتحادية/2023) بتاريخ 21 شباط 2024، أن صرف رواتب موظفي إقليم كردستان واجب على الحكومة الاتحادية، ولا يجوز ربطه بأي خلاف سياسي أو مالي مع حكومة الإقليم.

وهذا القرار مستند إلى مواد دستورية صريحة، أهمها:

• المادة (2/أ) التي تنص على أن “لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية”.

• المادة (16) التي توجب تكافؤ الفرص لجميع العراقيين.

• المادة (50) التي تُلزم المسؤولين بالحفاظ على مصالح الشعب.

إن خرق هذه المواد من خلال تعطيل صرف الرواتب يُعد مخالفة مزدوجة للقاعدة الدستورية ولحكم قضائي باتٍ صادر عن المحكمة الاتحادية.

 

ثانيا: خرق واضح لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص

تنص المادة (14) من الدستور العراقي على أن “العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو القومية أو الأصل أو الرأي السياسي أو المكان الجغرافي”.

إن الامتناع عن إرسال الرواتب إلى إقليم كردستان، بينما تُرسل بانتظام إلى باقي المحافظات، يمثل تمييزا مناطقيا غير مبرر، ويشكّل انتهاكا مباشرا لمبدأ المساواة أمام القانون.

وبحسب اجتهاد المحكمة الاتحادية في عدة قرارات سابقة، فإن “التمييز في توزيع الموارد المالية الاتحادية لأي سبب أو ذريعة هو إخلال بمبدأ المواطنة المتساوية وعدالة التوزيع.”

 

ثالثا: قانون الموازنة لا يجيز تعليق الرواتب بحجة “نفاد الحصة”

تنص قانون الموازنة الاتحادية رقم (13) لسنة 2023 على جملة من الالتزامات المالية المتبادلة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، منها تسليم الإيرادات النفطية وغير النفطية مقابل إرسال الحصة المالية. إلا أن القانون لم يجز في أي من مواده تعليق صرف الرواتب في حال حصول خلل في التسويات أو التزامات الإقليم.

حتى وإن وُجدت مخالفات مالية، فإن المبدأ العام في القانون المالي هو:

“المساءلة يجب أن تطال من اتخذ القرار المالي، لا من يتقاضى الراتب لقاء خدمة أداها.”

فلا يجوز معاقبة الموظف بذريعة الإجراءات المالية، لأن التزامات الحكومة تجاه موظفيها واجبة الأداء ولا تتوقف على حسن العلاقة مع السلطة المحلية.

 

رابعا: المسؤولية الإدارية والمالية تقع على عاتق الحكومة الاتحادية

وفق مبدأ “المسؤولية التنفيذية المباشرة”، تقع على الحكومة الاتحادية وحدها مسؤولية تأمين الرواتب لجميع موظفي الدولة العراقية، بما فيهم موظفو الإقليم. فهي المسؤولة عن إعداد وتنفيذ السياسة المالية العامة للدولة، وصاحبة اليد العليا على خزينة الدولة الاتحادية.

وتنص المادة (110) من الدستور ضمن الصلاحيات الحصرية، على أن:

“تكون السلطات الاتحادية مختصة في إدارة السياسة المالية والنقدية وإعداد الموازنة العامة للدولة.”

وبالتالي، لا يمكن للحكومة الاتحادية التنصل من مسؤوليتها بدعوى “عدم تعاون الإقليم”، إذ أن الأصل أن تتخذ الحكومة السبل القانونية لإجبار الطرف المقابل على الالتزام، دون أن تحوّل حق المواطن إلى أداة ضغط.

 

خامسا: الآثار الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على هذا التقصير

إن التأخر أو الامتناع عن صرف الرواتب لا يُعد خرقا قانونيا فحسب، بل يمثل تهديدا مباشرا للسلم الاجتماعي في البلاد. فالراتب هو مصدر الدخل الوحيد لأغلب الأسر، وقطعه لأشهر طويلة يؤدي إلى:

• اتساع دائرة الفقر.

• تراجع الإنتاجية العامة.

• تصاعد النقمة الشعبية على النظام السياسي.

• زعزعة الاستقرار الاقتصادي والمؤسساتي.

وقد قضت المحكمة الاتحادية في أحكام متكررة أن “المساس بحقوق المواطنين الأساسية يؤدي إلى إضعاف الشرعية الدستورية للمؤسسات التي تخرقها”.

 

الخاتمة: لا شرعية لسلطة تنتهك حق الموظف في الراتب

من موقعنا القانوني، يمكن القول بثقة إن الحكومة الاتحادية قد أخلّت بواجبها الدستوري في عدة أوجه:

• تجاهل أحكام المحكمة الاتحادية الملزمة.

• خرق مبادئ العدالة والمساواة.

• تجاوز صلاحياتها باستخدام الذرائع المالية كغطاء لتعليق الحقوق.

• عدم اتخاذ بدائل قانونية تحفظ الحقوق دون تعطيل الرواتب.

وعليه، فإننا ندعو إلى تحييد ملف الرواتب عن الخلافات السياسية، والتعامل معه وفقا لما يُمليه الدستور، بوصفه من صميم الحقوق السيادية للمواطن، لا منحة مشروطة بحسن النوايا بين السلطات.

*صحيفة"الحدث"اللندنية


10/07/2025