×

  المرصد الروسي

  رسائل احتفال روسيا بعيد النصر



  

*المرصد/فريق الرصد والمتابعة

اختتم في العاصمة الروسية موسكو العرض العسكري بمناسبة الذكرى الـ80 للنصر على ألمانيا النازية ومرت أمام المنصة الرئيسية مختلف التشكيلات والوحدات العسكرية الروسية ومن دول صديقة.

وبدأ العرض العسكري الذي حضره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقدامى المحاربين وحشد من قادة وزعماء العالم، باستعراض حرس الشرف حاملين العلم الوطني لروسيا الاتحادية وراية النصر على النازية وحلفائها في الحرب الوطنية العظمى. 

وتفقد وزير الدفاع أندريه بيلاوسوف العرض العسكري وقدّم له الصّف القائد الأعلى للقوات البرية في الجيش الروسي الجنرال أوليغ ساليوكوف، ثم توجه وزير الدفاع بعدها لتحية العرض العسكري وهنأهم بمناسبة الذكرى الـ80 للنصر في الحرب الوطنية العظمى.

وتوجه الوزير بيلاوسوف إلى المنصة الرئيسية لتقديم تقريره النهائي عن جهوزية العرض إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وبعد كلمة الرئيس بوتين، عزفت الأوركسترا النشيد الوطني الروسي، بالتزامن مع إطلاق المدفعية.

وعزف طلاب المعهد الموسيقي ومرّت أمام المدرجات كتيبة "حرس الشرف" من حملة الأعلام الروسية وراية النصر ومختلف التشكيلات في القوات الروسية، ورايات الجبهات العشر في الحرب الوطنية العظمى. ومرت 45 راية قتالية للوحدات العسكرية المشهورة.

ومرّ طيارو سنوات الحرب الذين سيطروا على الأجواء في فترة الحرب ودحروا أسطورة الطيارين النازيين.

وتبعهم البحارة تمثيلا للبحارة العسكريين الذين سطّروا البطولات الجماعية، وتشكيلة من سلاح الهندسة في الحرب والذين كانوا من أوائل من مهّد الطريق أمام تقدم القوات وبسطوا السلام في المناطق المحرّرة من الغزاة النازيين.

- مرت أمام المنصة قوات الاستطلاع العسكري، وقوات الحدود الذين لم يتراجعوا تحت ضربات العدو وقاتلوا حتى الرصاصة الأخيرة  والعديد من كتيبات وحراس الشرف اضافة الى عرض الآليات والأسلحة و العرض الجوي

واختتم العرض العسكري بأداء الفرقة العسكرية لأغنية "يوم النصر" (دين بابيدي).

قال الخبير سكوت ريتر، وهو ضابط سابق في الاستخبارات الأمريكية، إنه كان من المفروض أن تشارك مجموعة عسكرية  أمريكية في العرض الذي أقيم بموسكو بمناسبة عيد النصر.

 

لماذا يعتبر عيد النصر في غاية الأهمية؟

وتحتفل روسيا في 9 مايو / أيار من كل عام بعيد النصر في الحرب العالمية الثانية، ويُعد هذا اليوم مناسبة وطنية لا مثيل لها، وعطلة شخصية للغاية للعديد من العائلات، وفرصة كبيرة لتعزيز خطاب الحكومة.

واستخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطابه هذا العام لربط الذكرى بالحرب مع أوكرانيا. وقال إن روسيا بأكملها كانت تشجع ما أسماه "العملية العسكرية الخاصة" التي دخلت الآن عامها الرابع.

وترأس بوتين احتفالات روسيا بيوم النصر بإقامة عرض عسكري في الساحة الحمراء وتعزيز الإجراءات الأمنية بعد أيام من الضربات الأوكرانية التي استهدفت العاصمة.

تُعتبر الحرب العالمية الثانية أكبر نزاع مسلح في العالم حتى الآن. وقد بدأت مع غزو ألمانيا لبولندا في سبتمبر/أيلول من عام 1939 (على الرغم من أن هذا ليس التاريخ الذي تحدده روسيا) وانتهت في عام 1945.

وقد لقي عشرات الملايين من الناس حتفهم في تلك الحرب، كما نزح الملايين في جميع أنحاء العالم.

وكان الاتحاد السوفيتي طرفاً في تحالف عريض من البلدان التي هزمت ألمانيا النازية في تلك الحرب، وربما كان الأكثر تضررا حيث دار الكثير من القتال على أراضيه.

وفي مايو/ أيار من عام 1945، وقعت ألمانيا النازية استسلاما غير مشروط في الحرب العالمية الثانية، وقبلت بهزيمتها في أوروبا.

وقد أنهت تلك الوثيقة القانونية الأعمال العدائية في القارة الأوروبية على الرغم من استمرار الحرب ضد اليابان في آسيا حتى أغسطس/آب من ذلك العام.

وقد تم التوقيع على الاستسلام الرسمي النهائي بالقرب من برلين في وقت متأخر من يوم 8 مايو/أيار، وأوقف الألمان جميع العمليات رسميا في الساعة 23:01 بالتوقيت المحلي، بعد منتصف الليل بالفعل بتوقيت موسكو.

لذلك يتم الاحتفال بعيد النصر، المعروف أيضا باسم يوم النصر في أوروبا، في 8 مايو/أيار في معظم الدول الأوروبية والولايات المتحدة، وفي 9 مايو/ أيار في روسيا وصربيا وبيلاروسيا.

 

نزعة قومية متصاعدة

وقد أنهى يوم النصر حربا طويلة ودموية فقدت فيها معظم العائلات في الاتحاد السوفيتي أحباء لها، ولكن لم يمر وقت طويل حتى تجاوز اليوم هدف الاحتفال بالذكرى وأصبح أداة أيديولوجية رئيسية بيد الدولة.

ولم يكن يوم 9 مايو/أيار عطلة وطنية في الاتحاد السوفيتي لما يقرب من عقدين من الزمن بعد نهاية الحرب، ولم يكن يتم الاحتفال به إلا في المدن الكبرى مع الألعاب النارية والفعاليات الاحتفالية المحلية.

وفي عام 1963، بدأ الزعيم السوفيتي آنذاك ليونيد بريجنيف سياسة تقديس النصر في الحرب ضد ألمانيا النازية لتقوية الأساس الأيديولوجي المُتراجع في البلاد وتعزيز المشاعر الوطنية.

وكان هذا يعني إطلاق فعاليات على المستوى القومي، وتنظيم استعراض عسكري في الساحة الحمراء، وجعل يوم 9 مايو/أيار عطلة وطنية.

وبذل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوائل القرن الحادي والعشرين المزيد من الجهد لتعزيز مضمون هذه المناسبة، محاولا جعلها جزءا لا يتجزأ من الهوية الروسية.

وقد اتسع مدى احتفالات يوم النصر، ولكن في كل عام كان هناك عدد أقل من المحاربين القدامى وشهود العيان الذين ما زالوا على قيد الحياة وقادرين على المشاركة في الاحتفالات.

وجرى تضمين الدور الرئيسي لروسيا في هزيمة النازية أيضا في التعديلات على الدستور الروسي في عام 2020.

ومن بين التغييرات الأخرى التي شددت على القيم المحافظة والقومية منع المواطنين الروس من التشكيك في الرواية التاريخية الرسمية حول النصر.

وقال أوليغ بودنيتسكي، مدير المركز الدولي للتاريخ وعلم الاجتماع المتعلقين بالحرب العالمية الثانية في المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو لبي بي سي: "تجددت عبادة النصر في روسيا في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بمهارة أكبر مما كانت عليه في الحقبة السوفيتية، ولهذا السبب لا يزال الانتصار سائدا في كل من وسائل الإعلام والوعي الجماهيري".

وأضاف قائلا: "كان لذلك نتائج إيجابية: فعلى سبيل المثال، أصبح التركيز بشكل أكبر على دراسة تاريخ الحرب وتم نشر ملايين الوثائق وترقيمها، ولكن من ناحية أخرى، نرى زيادة في عسكرة الجماهير"، وذلك في إشارة إلى شعارات "يمكننا أن نفعل ذلك مرة أخرى" التي بدأت بالظهور في احتفالات يوم النصر الروسي في العقد الماضي مما يشير على الأرجح إلى أن الجيش الروسي يمكن أن يسيطر على نصف أوروبا مثلما حدث في عام 1945.

ولم تجلب الاحتفالات الوطنية الجماهيرية مزيدا من المعرفة الواقعية. ويشير المؤرخون إلى أن رواية الحرب العالمية الثانية، أو الحرب الوطنية العظمى كما تُعرف في روسيا، غالبا ما تقلل من أهمية العناصر الأساسية مثل الخسائر البشرية الكبيرة التي تكبدها الاتحاد السوفيتي لوقف الغزو الألماني.

ووفقا لاستطلاع عام 2020 ، لم يكن لدى غالبية الروس سوى القليل من المعرفة حول كيف وأين قضى أقاربهم في الحرب.

لقد كان أقل من ثلث الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 عاما يعرفون متى بدأت الحرب الوطنية العظمى (عندما هاجمت ألمانيا النازية الاتحاد السوفيتي في يونيو/حزيران من عام 1941).

وقد زادت وسائل الإعلام الحكومية من تركيزها على العنصر الوطني في الحرب ضد النازيين منذ عام 2014 حين بدأ التوتر في شرق أوكرانيا.

 

ماذا يريد بوتين؟

وفيما ادعت السلطات الروسية زورا أن اليمين المتطرف قد وصل إلى السلطة في أوكرانيا، شددت على الدور التاريخي لروسيا في هزيمة الفاشية.وقد استولت الدولة على بعض المبادرات المدنية الشعبية لإحياء ذكرى الذين سقطوا في الحرب. فعلى سبيل المثال، بدأت مجموعة من الصحفيين المستقلين في مدينة تومسك السيبيرية في عام 2011 مبادرة محلية لإحياء ذكرى الذين سقطوا في الحرب وأطلقوا عليها اسم "الفوج الخالد".

كانت الفكرة أن يسير الناس في يوم النصر حاملين صورا للقتلى في الحرب، وبهذه الطريقة يتم إنشاء "فوج" تذكاري. وقد انتشرت المبادرة بسرعة في أجزاء أخرى من روسيا لتصبح ظاهرة وطنية.


11/05/2025