×

  کل الاخبار

  حصاد النصف الاول من العام.. (44) مجلة تحليلية توثيقية..



*رئيس التحرير

  

في زمن تغمره الضوضاء وتتوارى فيه الحقائق خلف سُحب التضليل والتأويل، تبرز مجلة "المرصد" بوصفها منبراً نادراً، يُنقّب في المشهد السياسي والاجتماعي ويضع أدوات البحث والتحليل في خدمة النخبة وصُنّاع القرار.

 إصدار (44) عدداً خلال النصف الأول فقط من عام 2025 لا يمثل مجرد إنجاز رقمي، بل شهادة حية على حيوية المؤسسة وعمق التزامها المعرفي، إذ من النادر – بل من المتعذر – أن نجد في المنطقة مؤسسة مشابهة حافظت على هذا النسق الانتاجي المنتظم والرصين، كمّاً ونوعاً، في آنٍ معاً.

ليست الكثافة وحدها ما يميز “المرصد”، بل نوعية المحتوى الذي بات يشكّل مرجعاً دائماً للسياسيين والباحثين والمهتمين بالشأن العام، فمعظم الأعداد التي صدرت خلال هذه الفترة تضمنت تقارير تحليلية معمقة، تغطي الأحداث المفصلية، وتقرأ التحولات الإقليمية والدولية بعين خبيرة ورؤية استشرافية، وهي تقارير أعدّتها هيئة المرصد أو ترجمتها حصرياً، ما يكسبها طابعاً مستقلاً ومهنياً يندر أن يتوافر في وسائل النشر السائدة.

إن الإنجاز لا يُقاس فقط بعدد الإصدارات، بل أيضاً بالمنهجية المعتمدة في مقاربة القضايا، وبالاستقلالية الفكرية، والدقة التحريرية، والالتزام بتقديم محتوى تحليلي قابل للبناء عليه في صياغة السياسات أو فهم التحولات،وبهذا المعنى، تمثل “المرصد” نموذجاً قابلاً للتطوير والتكرار في مؤسساتنا الوطنية، بوصفها أداة استراتيجية في دعم القرار، وتعزيز ثقافة البحث، وتوطين المعرفة.

لقد أصبحت “المرصد” جزءاً من أدوات التفكير الاستراتيجي للباحثين الجادين، وركناً داعماً لثقافة التوثيق والمتابعة الدقيقة التي تزداد أهميتها في زمن التحولات السريعة.

 هي ليست مجلة دورية فحسب، بل ورشة فكرية مستمرة، تربط بين ما يجري في غرف القرار وما يعتمل في الشارع، وبين ما يكتب في مراكز الدراسات العالمية وما يترجم إلى بيئتنا وتحولاتنا.

وفي وقتٍ تعاني فيه مؤسسات البحث والإعلام من التسييس أو الركود أو الاستنساخ، تقدّم “المرصد” نموذجا مختلفاً: مؤسسة تحليلية ، ذات خطاب عقلاني هادف، تمسك بخيوط المشهد وتقدمه بأدوات منهجية، لا بانفعالات آنية.

وهذا ما يجعل استمرارها ضرورة وطنية، وتطويرها مهمة استراتيجية، لمن يرى في المعرفة سلطة وقوة ناعمة لا تقل أهمية عن الاقتصاد والسياسة.

والسؤال البديهي: هل هناك مؤسسة أخرى في منطقتنا، استطاعت إصدار هذا العدد من المجلات التحليلية خلال نصف عام، بهذا المستوى؟.

ولهذا، فإن “المرصد” ليست مجرد تجربة ناجحة، بل ضرورة معرفية، تستحق كل دعم ومواكبة، لأنها تسهم في رسم ملامح النقاش العام، وتوفر مادة تحليلية تليق بمستوى التحديات.

ومع هذا الإنجاز، يصبح السؤال أكثر إلحاحاً: كم نحن بحاجة إلى أن يُعمم نموذج “المرصد” في مؤسساتنا الأخرى، وأن يُحتفى به لا بوصفه نجاحاً مؤسساتياً فقط، بل كركيزة من ركائز الرصانة الفكرية والسياسية والتوثيقية في المنطقة؟.


06/07/2025