*وكالة الفرات للانباء
روكان عفرين - قامشلو:أبو شقرا الذي لم يكن يوماً اسماً عابراً في المشهد الدموي السوري صعد سلم القيادة ليس بإنجازات عسكرية، بل على أكتاف الجثث، وعلى حساب أصوات لم تُسمع، ووجوه لم تعرف، وجرائم طمست في صحارى الشرق السوري. الرجل الذي ولِد عام 1987 في ريف دير الزور الغربي حفر اسمه في أرشيف الانتهاكات الممنهجة ومن حواجز القتل إلى ساحات الإعدام الميداني.
سجل أسود يكلل بالمناصب
منذ عام 2018، ارتبط اسم أبو شقرا بفصيل "أحرار الشرقية" سيئ السمعة، وهو فصيل ارتكبت باسمه أفظع الجرائم، اغتيالات، اعتقالات تعسفية، اتجار بالبشر، وعمليات تصفية لم يكن ضحاياها سوى الأبرياء والضعفاء، وها هو اليوم ـ الرجل ذاته، الذي فرضت عليه وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات صارمة عام 2019 يعيَن قائداً عسكرياً لإحدى الفرق المركزية في المناطق الشرقية.
الولايات المتحدة كانت قد اتهمته صراحة بالضلوع في جرائم ضد الإنسانية بما في ذلك الإشراف على إعدامات ميدانية وجرائم اتجار بنساء وأطفال إيزيديين، وأشارت أصابع الاتهام إلى مسؤوليته عن اغتيال السياسية الكردية البارزة هفرين خلف في مشهد وصفته وزارة الخزانة بـ "التمثيل الوحشي للانتهاكات الجسيمة".
من الميدان إلى المكتب ... من العقوبة إلى السلطة
كيف يصل رجل كهذا إلى منصب قيادة؟ كيف تتوارى الجرائم خلف المكاتب الفخمة وتُزال دماء الضحايا بقرار تعيين؟ هي أسئلة لا تبحث عن إجابة بقدر ما تبحث عن ضمير. فالواقع في سوريا يختصر كل شيء: الولاء للنظام أهم من سجل العدالة، والإفلات من العقاب لم يعد استثناء بل قاعدة حاكمة.
الرسالة التي يوجهها تعيين أبو شقرا لا تقل عن جريمة بحد ذاتها. إنها إهانة للضحايا، وللمجتمع الدولي، وللمبادئ الأساسية التي بنيت عليها فكرة الدولة والقانون. إنه إعلان واضح بأن الجلادين لا يحاكمون... بل يكرمون.
في هذا السياق، أجرت وكالة فرات للأنباء لقاءً مع المحامي والناشط الحقوقي والإنساني، جبرائيل مصطفى، المستشار القانوني لحركة المجتمع الديمقراطي في روج آفا كردستان، الذي استهل حديثه متناولاً تعيين المدعو إحسان أحمد الهايس، الملقب بـ "أبو شقرا"، قائلاً: تم تعيينه قائداً لما يُعرف بالفرقة 86، التي تنتشر في المناطق الشرقية من الرقة ودير الزور والحسكة، وهذا التعيين يعد منذ اللحظة الأولى خرقاً صارخاً للاتفاق المبرم بين قيادة قوات سوريا الديمقراطية وأحمد الشرع، رئيس ما يُسمى بالسلطة في دمشق. والأخطر من ذلك أن تعيين شخصية ذات سجل أسود في الانتهاكات مثل حاتم أبو شقرا يمثل انتهاكاً سافراً للقانون الدولي، ولا ينسجم بأي شكل مع مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولا مع ميثاق الأمم المتحدة، ولا مع المواثيق الدولية ذات الصلة."
وأشار مصطفى إلى أن مراجعة سريعة لتاريخ أبو شقرا تكشف تورطه في سلسلة من الجرائم والانتهاكات التي ارتُكبت في المناطق الخاضعة سابقاً لسيطرة فصيل "أحرار الشرقية"، مضيفاً أن هذه الحقائق تأكدت حين فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على الفصيل وقائده في عام 2021، بعد ثبوت مسؤوليته عن اغتيال السياسية الكردية ورئيسة حزب سوريا المستقبل، الشهيدة هفرين خلف، في عام 2019، في عملية اعتُبرت جريمة إعدام ميداني موثقة.
وتابع: "لقد أثبتت تقارير موثوقة عديدة تورط أبو شقرا في ارتكاب جرائم جسيمة داخل السجون التي كانت تديرها مجموعته في حلب، شملت الاتجار بالبشر، واختطاف النساء والأطفال، لا سيما من أبناء الطائفة الإيزيدية، ما يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية."
وأشار مصطفى إلى تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية عام 2018، يدين الفصيل ذاته وقائده بارتكاب انتهاكات جسيمة في المناطق التي سيطروا عليها، وخاصة في عفرين، مؤكداً أن هذه المعطيات تطابقت مع ما خلصت إليه لجان ومنظمات حقوقية دولية، وعلى رأسها لجنة تقصي الحقائق المستقلة الخاصة بسوريا، التي تقدم تقاريرها إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والتي وثقت ارتكاب "أحرار الشرقية" لجرائم حرب بحق المدنيين.
ورغم هذا السجل الحافل بالانتهاكات، يضيف مصطفى: "تفاجأنا جميعاً بقيام ما تسمى بالحكومة الانتقالية بتعيين أبو شقرا قائداً للفرقة 86 في الرقة ودير الزور والحسكة، في خطوة تمثل تحدياً فجا للعقوبات الدولية، واستخفافاً صارخاً بإرادة الشعب السوري الذي ما زال ينزف من جراح الماضي القريب. إن إسناد منصب عسكري رفيع لشخصية يفترض أن تمثل أمام محكمة وطنية عادلة لا أن تكرم، يرسل رسالة خاطئة مفادها أن هذه الجهات لا تنوي بناء دولة قانون، بل تسعى لتكريس منظومة الإفلات من العقاب."
واستطرد مصطفى بالقول: "إن ما يزيد الأمر خطورة أن هيئة الدفاع في الجيش السوري الجديد تضم في صفوفها شخصيات تولت مناصب في وزارة الدفاع، رغم أنهم لا يحملون الجنسية السورية، بل يحملون جنسيات تركية، وأوزبكية، ومصرية، وغيرها من الجنسيات الأجنبية. وهذا بحد ذاته يعد خرقاً دستورياً فاضحاً. فهل خضع هؤلاء للإجراءات القانونية المنصوص عليها في الدستور السوري؟ وهل حصلوا على الجنسية السورية بشكل شرعي؟"
وأكد مصطفى أن تعيين أشخاص أجانب في مواقع عسكرية حساسة لا يمكن أن يفهم إلا كإعادة إنتاج لمشهد الهيمنة الإقليمية على القرار السوري، مما يشكل انتهاكاً سافراً للسيادة الوطنية، ونسفاً لإرادة السوريين.
واختتم جبرائيل مصطفى حديثه بالقول: "إن الإصرار على اتباع هذا النهج في إدارة شؤون البلاد لن يفضي إلا إلى مزيد من الفوضى والانقسام، وسيعيدنا إلى مشاهد القتل الطائفي والاعتقالات التعسفية والانتهاكات الجماعية، كتلك التي ارتكبتها الميليشيات الطائفية والفصائل المتطرفة في الساحل والسويداء وسائر الجغرافيا السورية. وكان الأجدر بالحكومة الانتقالية أن تختار أبناء هذا الشعب من الوطنيين الشرفاء، ممن لم تتلطخ أيديهم بدماء الأبرياء، لترسم صورة جديدة لسوريا أمام العالم، لا أن تقدم نسخة مشوهة أشد بؤسًا من النسخة السابقة."