توحد ضد رسوم ترامب وانقسام حول الشرق الأوسط
تنعقد يومي الأحد والاثنين في ريو دي جانيرو في البرازيل قمة مجموعة بريكس، التي تضم 11 دولة ناشئة تمثل نحو نصف سكان العالم و40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وسط أجواء من الحذر والتحفّظ الإستراتيجي.ورغم الأهمية الرمزية لهذا التجمع، تزيد غيابات قادة بارزين مثل الرئيس الصيني شي جينبينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يشارك عبر الفيديو بسبب مذكرة توقيف صادرة عنه، من التحديات التي تواجه تحقيق توافق بين الدول الأعضاء.
وتحافظ الصين على موقف محافظ تجاه أزمة الشرق الأوسط، بينما تتخذ روسيا موقفًا حذرًا بسبب وضعها القانوني الدولي، فيما تأمل البرازيل، الدولة المضيفة برئاسة لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، في صياغة مواقف مشتركة تجاه الأزمات الإقليمية الراهنة والتحديات المناخية العالمية.
ويمتد القلق العالمي ليشمل التهديدات الامريكية بفرض رسوم جمركية جديدة، ما يلقي بظلاله على أجندة القمة، حيث يسعى المشاركون إلى تجنب ذكر الولايات المتحدة مباشرة في البيان الختامي.
وتشير الخبيرة مارتا فرنانديز، مديرة مركز سياسات بريكس في الجامعة البابوية الكاثوليكية في ريو، إلى أن النقاشات ستسير “بنبرة حذرة”، خاصة بعد التهديدات الامريكية الأخيرة.
وفي ظل هذه الضغوط، قد يعود الحديث حول تقليص اعتماد التجارة على الدولار إلى مرتبة المبادرات المحظورة، في ظل تهديد الرئيس الامريكي دونالد ترامب بردود قاسية على أي خطوة لتحدي هذا النظام.
وعلى الجانب الآخر، تسعى البرازيل إلى تحويل أزمة تغير المناخ وملفات التكنولوجيا الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي إلى فرصة لإعادة تأكيد قدرة بريكس على صياغة أجندة عالمية، متجاوزة النزاعات التقليدية. إلا أن التوسع الأخير في عضوية المجموعة، الذي شمل دولًا مثل السعودية ومصر والإمارات وإثيوبيا وإندونيسيا وإيران، زاد من صعوبة إقرار توافق نهائي، بسبب تنوع المصالح والتوجهات السياسية والاقتصادية المتباينة بين الأعضاء.
ومن الناحية الاقتصادية، تواجه بريكس تحديات كبيرة في ظل التوترات التجارية مع الولايات المتحدة، التي تستمر في تهديد فرض رسوم جمركية على بضائع من دول التكتل.
ويقول الدكتور سامي عبدالله، خبير الاقتصاد الدولي في جامعة لوند السويدية “لا يمكن تجاهل تأثير الرسوم الجمركية والتهديدات الامريكية على سياسات بريكس، فهذه الإجراءات تفرض في أوقات غير مستقرة اقتصاديًا، ما يعقد قدرة الدول الأعضاء على تبني سياسات توسعية أو تحررية في تجارتها الخارجية، خصوصًا أن عددا كبيرا من أعضاء بريكس يعتمدون بشكل كبير على التبادل التجاري مع الغرب.”
ويشير الدكتور أرجون كومار، الاقتصادي الهندي البارز، إلى أن البنك الجديد للتنمية، الذي أُنشئ عام 2014 ليكون بديلًا للمؤسسات المالية الغربية، “يمثل خطوة رمزية ومهمة، لكنه لا يزال غير قادر على المنافسة مع المؤسسات الكبرى كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حيث تحتاج دول بريكس إلى جهود متكاملة لدعم مشاريع البنية التحتية والصناعات الناشئة، وهذا يتطلب رأس مال وموارد ضخمة ليست متوفرة بسهولة”.
وفي الملف البيئي، يبرز طموح البرازيل كمضيفة القمة لاستثمار ملف “كوب 30” الذي تستضيفه عام 2030، حيث تحاول استثمار أزمة تغير المناخ كعامل توحيد داخل بريكس.
وتقول الدكتورة إيزابيلا مارتينز، خبيرة السياسات البيئية في معهد الدراسات البيئية في ريو “التحدي الأكبر يكمن في التناقضات الاقتصادية داخل بريكس، مثل اعتماد بعض الأعضاء المكثف على موارد طبيعية كالنّفط والغاز، وهذا يضعف موقف المجموعة في تبني سياسات بيئية جريئة. وهذا يفسر التحفظ في بعض المواقف خلال القمة، إذ تسعى الدول إلى حلول وسط تحافظ على نموها الاقتصادي مع الالتزام المحدود بخفض الانبعاثات.”
وإضافة إلى ذلك، يشكل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة أحد الملفات المهمة على جدول الأعمال، في ظل المنافسة المتسارعة بين الولايات المتحدة والصين على الريادة التكنولوجية.
ويشير الدكتور ماركوس فيلا، خبير التكنولوجيا والأمن السيبراني، إلى أن “التكامل التكنولوجي داخل بريكس يواجه تحديات ضخمة، خصوصًا أن هناك تفاوتات هائلة في مستويات البنية التحتية والابتكار بين الأعضاء. وتطوير إطار مشترك للذكاء الاصطناعي أو تبادل الخبرات التقنية يتطلب بنية تعاون متينة، وهذا غير واضح حتى الآن.”
وأما على الصعيد السياسي، فتُعتبر الخلافات الإقليمية أحد أبرز العقبات أمام وحدة التكتل. فالنزاعات في الشرق الأوسط تمثل نقطة انقسام واضحة.
ويقول خالد الموصلي، الباحث في العلاقات الدولية “تواجه بريكس اختبارًا صعبًا في إدارة خلافاتها السياسية الداخلية، ما يظهر جليًا في التعامل مع أزمات الشرق الأوسط التي تشكل عقبة حقيقية أمام تقديم صورة موحدة أو خطاب سياسي جماعي يعكس قوة التكتل.”
ويضيف الموصلي “في حال لم تنجح الدول في تجاوز هذه الخلافات، فإن قوة التكتل قد تبقى محدودة في المناقشات الرمزية، ما يجعلها أقل تأثيرًا في إعادة رسم النظام العالمي أو التأثير في موازين القوى الدولية.”
وتلقي غيابات القادة الأساسيين بظلالها على القمة، حيث تؤثر مشاركة بوتين عبر الفيديو وغياب شي جينبينغ على الطابع الرسمي للحدث، ما ينعكس على هامش المناقشات والقرارات المتخذة.
ويرى مراقبون أن قمة بريكس تبدو فرصة ثمينة لإعادة تعريف مجموعة الدول الناشئة ككتلة فاعلة، لكنها تعكس بوضوح الانقسامات الداخلية التي تهدد بعرقلة طموحاتها الكبيرة.
ويمثل التحفظ الاستراتيجي، والتباين في المصالح، والتحديات الاقتصادية والبيئية، عوامل تفرض اختبارًا صعبًا على قدرة بريكس على فرض دور متماسك وموحد على المسرح الدولي.
وتبدو قمة بريكس منعطفا حاسما يعكس التحديات العميقة التي تواجه مجموعة الدول الناشئة في سعيها لتثبيت مكانة فاعلة على الساحة الدولية.
وبينما تمثل هذه القمة فرصة نادرة لتوحيد الرؤى وصوغ مواقف مشتركة تعكس طموحات الأعضاء في إعادة تشكيل موازين القوى العالمية، تكشف في الوقت نفسه عن الانقسامات العميقة التي تعصف بالتكتل وتحد من قدرته على التحرك ككتلة موحدة وذات تأثير حقيقي.
ولا تنبع تلك الانقسامات، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو البيئي، فقط من اختلاف المصالح الوطنية أو الخلفيات الثقافية والسياسية، بل من تعقيدات النظام العالمي الذي ما زال يهيمن عليه قطب واحد يرفض التخلي عن موقعه.
وتحاول بريكس التنقل بين إملاءات هذا النظام وضرورة إعادة صياغته عبر تعددية الأطراف، لكن هذه الرحلة محفوفة بالمخاطر، لاسيما في ظل التهديدات الاقتصادية المباشرة، كرسوم التجارة الامريكية، والتباينات الداخلية التي تتفاوت بين التعاون والتنافس.
والأمر الأكثر أهمية هو مدى قدرة بريكس على تطوير آليات تواصل داخلي أكثر فعالية تمكنها من تجاوز النزاعات الصغيرة التي قد تضعف موقفها في مواجهة التحديات الكبرى.
ويشير خبراء إلى أنه بدون وحدة واضحة ومواقف مشتركة قوية، ستظل مجموعة بريكس تكتلًا ذا حضور رمزي أكثر منه قوة سياسية واقتصادية قادرة على فرض أجندتها، مما قد يفضي إلى تقويض مصداقيتها وفعاليتها في المستقبل.
وبالتالي، لا يقتصر اختبار بريكس على قدرتها على مواجهة الأزمات الحالية فحسب، بل يمتد إلى قدرتها على التكيف والتطور في بيئة دولية متغيرة، تتطلب مرونة سياسية وتوافقًا إستراتيجيًا يتجاوز حدود المصالح الضيقة.
وتطرح القمة، وإن حملت الكثير من الأمل، تساؤلات جوهرية حول ما إذا كانت هذه المجموعة قادرة فعلاً على تجاوز أزماتها الداخلية وترسيخ وجودها كفاعل مؤثر في إعادة تشكيل النظام العالمي المتعدد الأقطاب.
توحد ضد رسوم ترامب وانقسام حول الشرق الأوسط
ويعتزم زعماء دول مجموعة البريكس التنديد بسياسات الرئيس الامريكي دونالد ترامب التجارية، لكن مواقفهم حيال أزمات الشرق الأوسط لا تزال متباينة.
ومن المتوقع أن تتوحد الاقتصادات الناشئة التي تمثل نحو نصف سكان العالم و40 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي العالمي، حول ما تعتبره رسوما جمركية غير منصفة تفرضها الولايات المتحدة على واراداتها، وفقا لمصادر مطلعة على المفاوضات.
ومنذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير، توعد ترامب حلفاءه ومنافسيه على حد سواء بفرض رسوم جمركية عقابية على سلعهم.
وتأتي أحدث تهديداته على شكل رسائل من المقرر إرسالها اعتبارا من الجمعة إلى شركائه التجاريين لإبلاغهم بالرسوم الجمركية الجديدة التي ستدخل حيز التنفيذ الأسبوع المقبل في 9 يوليو.
ومن غير المتوقع أن يذكر أي بيان ختامي للقمة الولايات المتحدة أو رئيسها بالاسم، ولكنه سيتضمن استهدافا سياسيا واضحا لواشنطن.
وقال مصدر مطلع على المحادثات إن دول مجموعة البريكس لا تزال على خلاف بشأن كيفية الرد على الحرب في غزة والحرب بين إيران وإسرائيل.
وبدفع المفاوضون الإيرانيون إلى اتخاذ موقف جماعي أكثر صرامة يتجاوز الإشارة إلى الحاجة إلى إنشاء دولة فلسطينية وحل النزاعات سلميا.
كما سيكون الذكاء الاصطناعي وإصلاح المؤسسات الدولية على جدول النقاشات.
ومنذ عام 2023، انضمت السعودية ومصر والإمارات وإثيوبيا وإيران وإندونيسيا إلى مجموعة بريكس التي تشكلت في عام 2009 كقوة موازنة للاقتصادات الغربية الرائدة.
ويقول المحللون إن ذلك من شأنه أن يمنح التجمع قوة دولية أكبر.
لكن البرازيل تأمل رغم ذلك في أن تتمكن دول المجموعة من صوغ مواقف مشتركة خلال القمة، بما في ذلك بشأن القضايا الأكثر حساسية.
ويؤكد وزير الخارجية البرازيلي ماورو فييرا للوكالة الفرنسية أن "دول مجموعة بريكس نجحت طوال تاريخها في التحدث بصوت واحد بشأن القضايا الدولية الكبرى، وليس هناك ما يمنعها من ذلك هذه المرة بشأن قضية الشرق الأوسط".