*سوران الداودي
بداية، أتمنى من الإخوة السياسيين من أبناء المكون التركماني، والذين يعرفون جيدا مواقفي السابقة والحالية من مسالة كركوك والتركمان ألّا يسارعوا إلى اتهامي بالنَفَس القومي أو القصد المبيت فموقفي هذا لا يعكس بالضرورة وجه نظر حزبية ، فالذي انا بصدد طرحه ليس سوى محاولة من مواطن كركوكي لتأطير أزمات تهدد التوازن والتعايش الذي نحرص عليه جميعا، كردا، وعربا، وتركمانا.
إن الحديث عن حقوق التركمان لا يمكن أن يكون انتقائيا، ولا يجوز أن يُختزل في محافظة دون أخرى. فإذا كان الحديث في كركوك يتمحور حول “الاستحقاق القومي” للتركمان، فما الذي يمكن أن نقوله عن تلعفر، أكبر أقضية العراق، ذات الأغلبية التركمانية في محافظة نينوى؟ أليس من المفارقة أن التركمان هناك لا يحصلون على أي تمثيل إداري يوازي ثقلهم السكاني والتاريخي؟ ولا نكاد نسمع صوتا يطالب بذلك، سواء من داخل المكون التركماني أو خارجه.
فإذا كان عدد التركمان في نينوى يساوي – أو ربما يفوق – عددهم في كركوك، فلماذا لا نرى نفس الحِميّة في المطالبة بالمناصب أو المشاركة السياسية؟ هل العدالة القومية تُقاس بالجغرافيا؟ أم أن الأمر سياسي بحت و يتم توظيفه حين يخدم مصلحة ما، ويُترك جانبا حين لا يكون أداة ضغط مفيدة؟.
أربيل التي هي عاصمة إقليم كردستان، حيث يعيش فيها عشرات الآلاف من التركمان، ممن كانوا مشاركين في بناء المدينة ومؤسساتها. فأين الحقوق القومية هناك؟ لماذا لا تُرفع الشعارات ذاتها التي تُرفع في كركوك؟ هل يُفترض أن تُمنح الحقوق حسب المزاج السياسي؟ أم أن التركماني في كركوك أكثر استحقاقا من التركماني في أربيل أو الموصل؟.
وكذلك في محافظة صلاح الدين، نجد حضورا تركمانيا في مدن مثل آمرلي وطوزخورماتو، حيث لعب التركمان دورا وطنيا وأمنيا كبيرا وتعرضوا الى اضطهاد قومي ومذبي على يد الأنظمة السابقة ، لكن دون أن يوازي ذلك تمثيل إداري حقيقي أو إنصاف سياسي. وكذلك في كفري، حيث للتركمان وجود راسخ وتاريخي رغم ان أعدادهم باتت قليلة بسبب الهجرة ، فإن غياب أي حديث عن حقوقهم هناك يعيدنا إلى ذات السؤال: من يقرر متى وأين يكون التركماني مهما؟ ومتى تُستحضر قضيته؟ والى متى يُترك بلا صوت ولا حماية؟.
التركماني هو تركماني… سواء كان في كركوك أو تلعفر أو أربيل أو كفري أو طوزخورماتو. ومَن يؤمن بحقوقه القومية حقا عليه أن يطالب بها أينما وُجد لا أن يحصرها في موقع واحد يُراد استخدامه كورقة ضغط أو موقع نفوذ
إن الاستحقاق القومي لا يكون انتقائيا وانما شاملا, وحين تُرفع المطالبات في كركوك بمنح منصب للتركمان فلا بد من رفع الصوت نفسه في تلعفر وأربيل وصلاح الدين وكفري وسائر المدن. أما أن تُنتقى كركوك وحدها فذاك ليس موقفا قوميا بل موقف سياسي تُديره الحسابات وتُوجهه المصالح.
المشكلة إذن ليست في شكل المطالبة، بل في ازدواجية المعيار، وفي التعامل مع “الهوية” كمجرد وسيلة لتحقيق مكاسب آنية.
ان المطالبة بالمناصب يستدعي أولا الإقرار بشرعية الإدارة القائمة لا مهاجمتها او نزع الالصفة القانةنية منها ,المدخل الطبيعي لأي استحقاق قومي يبدأمن المشاركة في الإدارة ثم المطالبة بالحقوق .
إن ما نحتاجه اليوم هو موقف وطني صريح، يتعامل مع التركمان كأحد الأعمدة الوطنية الراسخة، ويمنحهم ما يستحقونه من تمثيل واحترام، لا لأنهم ورقة ضغط، بل لأنهم أبناء هذا الوطن، في كل رقعة منه.