×

  کل الاخبار

  في مديح القمم العالية



*سعد الاوسي

 

مرة أخرى تحاول رياح السياسة القذرة أن تلتف حول قلعة القضاء العالية، الراسخة اصولها الثابتة فروعها في الحق والعدل واليقين،  الممسكة بميزان الحياة ومصير الوطن كي لايميل أو يضطرب او يفقد بوصلة وجودة وصواب مساره.

ومرة أخرى يقف القضاء العراقي العظيم  بسامق قامته وكامل هيبته ليقول لا لأعيب السياسة وغرفها المظلمة وايديها الطويلة الغاشمة العابثة،  هنا يجب ان تقفي مهما عتا جبروتك وعلت سلطتك، لاننا لن نسمح لك أن تستبيحي آخر قلاع الوطن وآمن ملاذات الشعب.

هكذا كان ومايزال وسيبقى قضاؤنا العراقي العادل ورجاله الثقاة الشجعان الثابتون على الحق الموفون بالعهود الحاملون للامانات  الذين لا تأخذهم في الحق لومة لائم ولا سطوة حاكم ولا يخشون في قداسة الكلمة و شرف المسؤولية الا الله.

 القضاء الذي نفخر به ونرفع راية عرفانه  فوق رؤسنا وعلى عرانين انوفنا هو الذي حفظ الامانه على ثقلها في سنوات الفوضى والدم والموت والخراب، وهو الذي يعيد البوصلة إلى صوابها كلما زاغت الابصار وتاهت المسارات واحتدم الصراع.

وشاهد ذلك الكثير من الاحكام والقرارات والمواقف التي تعدّ منارات ساطعة في التاريخ القضائي، صدرت عن مجلس القضاء الاعلى في العراق ورئيسه القاضي العادل الشجاع الاكثر حكمة ورصانة وحضورا الدكتور فائق زيدان.

لا اقول ذلك لانني احب هذا الرجل واحترمه وأومن به فحسب بل لانني رأيت وسمعت وعرفت من مواقفه وثباته وشرف كلمته في الحق الكثير ، و اكاد اجزم ان جُلّ العراقيين المنصفين الشرفاء المنتمين حقا وصدقا إلى وطنهم وشعبهم يؤيدونني في هذا الرأي، بل  اوقن ان فيهم من  يكنّ له ولاخوته وزملائه من القضاة العدول اكثر مما ذكرت، ايمانا ومحبة واحتراما وتقديرا  استحقها بجدارة من نصاعة سيرته واشراق مسيرته ونقاء صفحات تاريخه  التي عجزت كل ادوات الشر السياسي والاعلامي عن تشويهها أو تكدير سِفْرَها المشرّف.

لابد ان فيكم الآن اكثر  سائل يسأل صاحب هذا المقال العبد الفقير الى ربّه الغني سعد الأوسي عن سرّ و مناسبة هذا المديح العالي المفرط اعتزازا وفخرا  بالدكتور  فائق زيدان و اخوته رجال القضاء الشجعان. مع انه سؤال جوابه فيه، يؤكده و يعضّده ما نرى ونسمع كل يوم من المواقف والمشاهد والاحداث، وسبق ان كتبت و نوّهت و أشدت بالعديد منها، الا ان ما حصل في الايام القليلة الماضية دعاني بل حملني حملا  الى كتابة هذه المقالة لانني رأيت فيه الخط الناري الفاصل الذي يجب ان يكون للحفاظ على اهم مبادئ كينونة الدولة و وجودها وهيبتها وهو مبدأ الفصل بين السلطات وأولها استقلال السلطة القضائية و حريتها، كونها الكيان الاهم الذي يحمل عبء حفظ حقوق الوطن والشعب و حماية الدستور وتطبيق الشرائع والقوانين بالحق والعدل والانصاف، بعيدا عن مؤامرات السياسة والاعيبها وبراجماتية اهل السلطة والحكم.

هذه المرّة اراد اهل السياسة والحكم مدّ  اياديهم للعبث داخل بيت السلطة القضائية ، وذلك بالوقوف وراء تشكيل قضائي سيادي واستعماله كندّ مخاصم لمجلس القضاء الاعلى، متوهمين أنهم بهذه الطريقة يمكن أن يتدخلوا بعد اشعال حرائق الفتنة كطرف سلطوي حاسم لينصر الطرف الموالي!!!

وذلك قمة العبث والاستهتار السياسي، وهو اضافة الى كونه مخالفة صارخة لاهم مبادئ الدستور وهو مبدأ الفصل بين السلطات،سيكون اول واخطر مسمار يدقّ في نعش الدولة والنظام الديمقراطي .

كل الادبيات الدينية والسياسية والشرائعية والدستورية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية تقول ان السلطة القضائية يجب ان تكون حرّة مستقلة ، لانها السلطة الفصل التي تحفظ كينونة الدولة والمجتمع.

الا ان غربان السياسة والسلطة في العراق يظلون يحومون حولها طمعا بثغرة ينقضون فيها عليها ليهدموا اسس وجودها ورصانة بنيانها من اجل تنفيذ مآربهم و تعزيز سلطانهم وتحييد او الغاء السلطة التي تحاسب فسادهم و تقتص لحقوق الشعب منهم.

السلطة القضائية محكومة بالدساتير و القوانين والشرائع والتقاليد الراسخة والخبرات المتراكمة وبمنظومة رقابية تراتبية دقيقة بالغة الصرامة، ليس في العراق فحسب بل في اغلب دول العالم الديمقراطية و حتى غير الديمقراطية،  لذلك من الصعوبة بمكان اختراقها او توهين كيانها او التلاعب و العبث باحكامها وقراراتها. اضافة الى انها تملك ضمن نظاما داخليا دقيقا لاصلاح خللها وتقويم اخطائها في حال حدوثها، و ذلك احد اسرار قوتها ومتانة بنيانها.

واصل القصة التي يدور حولها هذا الحديث بدأ بدفع المحكمة الاتحادية من قبل رئيسها القاضي جاسم العميري للمعترك السياسي وتدخل السلطات بعمل المحكمة وللانسلاخ والتغريد خارج سرب المنظومة القضائية المتمثلة بالمجلس الاعلى للقضاء وتراتبيته الادارية المرجعية ، تأسيسا على مظنّة ان الاتحادية تشكيل قضائي منفصل،!!!

وهو امر بالغ الحساسية والخطورة لانه ينتج ازدواجية سيادية في احدى السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) مما يتعارض مع روح الدستور و اهدافه ، الذي يحصر السيادة فيها ويمنع تعطيلها او انشطارها او حتى انابة سلطة منها عوضا عن اخرى.

وقد حاول السيد العميري اللجوء الى رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان للتدخل في صالحه على خلفية شأن قضائي داخلي، مما دفع السادة القضاة التسعة اعضاء محكمته الى استنكار هذا التصرف لانه يمثل سابقة تسئ الى استقلالية القضاء واعرافها المهنية، وعبروا عن استنكارهم باستقالة جماعية من المحكمة الاتحادية كي لا يكونوا اداة او طرفا في هذا الاجراء، ليجد السيد العميري نفسه وحيدا في المحكمة، فاقدا لشرعية وجوده على رأسها، اضافة الى حراجة موقفه امام الشعب من قوّة ردّ فعل السادة القضاة ضدّ تصرّفه والصدى المدوّي الذي احدثته استقالاتهم الجماعية.

وكان لابد من تدخل القاضي الحكيم رئيس مجلس القضاء الاعلى فائق زيدان لتدارك الامر وحماية اسم وهيبة القضاء العراقي من هذه الهزّة العاصفة والمحاولة الخائبة التي اراد محرّكوها ان يحدثوا هدما او شرخا في جدار قلعة القضاء العراقي لتوهينه واضعافه والضغط عليه بصنع عوامل هدمه منه فيه، وهيهات لهم ذلك.

اذ فاجأتهم سرعة و صرامة القرارات التي اتخذت لتطويق هذه اللعبة البائسة، و حكمة وشجاعة موقف السيد رئيس المجلس. وكانت محنة السيد العميري في كيفية الخروج المشرّف الذي يحفظ ماء وجهه وينقذه من الهاوية التي سقط فيه بسبب (طموحاته) السلطوية التي اوقعته في شرك خديعة اهل السياسة.

ويبدو من ظاهر ماحدث بعد ذلك ان القاضي العميري هو الذي اقترح موضوع عرضه على اللجنة الطبية لفحص مدى اهليته الصحية للعمل، ليضمن خروجا آمنا باقل الخسائر !!!.

وقد كان له ما اراد، عونا له للحفاظ على اسمه وتاريخه المهني وحفاظا على القضاء العراقي من ان تشيب مهنيته ونزاهته وحياديته مثل هذه الاخطاء المعيبة.

اما بالنسبة للسياسيين الذين خططوا لهذه الفتنة وورطوا رئيس المحكمة الاتحادية فيها فاعتقد ان خيبة الامل التي اصابتهم جرّاء فشلها ليست الخسارة الوحيدة التي يدفعونها، بل انهيار الكثير من طموحاتهم التي رسموها تأسيسا على مظنّة نجاح الخطوة الاولى ثم التلاعب بالمحكمة الاتحادية لتكون الاداة الحاسمة التي تعينهم في تحريك مسار الانتخابات البرلمانية القادمة والاستحواذ عليها لضمان الهيمنة على السلطة التنفيذية للسنوات الاربع القادمة !!!!.

هل عرفتم لماذا كنت وما ازال اكتب المدائح وانشد الاناشيد وانثر الورود فوق رأس السلطة القضائية ؟؟؟

ولماذا أُكِنُّ كل هذا الحب والتقدير والاحترام  والفخر بالدكتور  فائق زيدان رئيس مجلس القضاء الاعلى ربّان هذه السفينة المباركة ؟

اعتقد ان اشدّ المغرضين والحاقدين وألدّ الاعداء من السياسيين و ذيولهم والمطبلين لهم لا يمكنهم ان يتهموا هذه المحبة بالتهم التقليدية السخيفة التي تعودت عليها منهم، لان مجلس القضاء كما تعلمون جميعا لايدفعون اموالا لاحد مهما كان وايا كان، وليس لديهم تكريمات ولا هدايا ولا تمويلات ولا صفقات ولا عمولات مثل (الآخرين)، وليس لديهم جيوش الكترونية، و غير مستعدين لمحاباة احد من السياسيين او الاعلاميين او حتى من الجن الازرق،

ولانهم لا يحتاجون احدا ولان نزاهتهم و شرفهم اعلى من ممارسة مثل هذه الاعمال التي يبرع فيها السياسيون فحسب.

*سعد الأوسي يشغل منصب رئيس مجموعة المسلة الإعلامية

*شبكة النبا المعلوماتية


10/07/2025