*محمد شيخ عثمان
في عراق ما بعد الصراعات والانقسامات، لا تزال العلاقة بين الدولة الاتحادية وإقليم كردستان تتأرجح بين الأمل واليأس، بين الاتفاقات المرحلية والانكفاء على الخلافات المتكررة، ولكن آن الأوان لأن نرفع النداء: حيّ على الالتزام، حيّ على الوئام فهذه ليست مجرد شعارات، بل هي دعوة وطنية عاجلة لتغليب منطق المسؤولية على منطق المناكفات، وتكريس التفاهم الدستوري كأساس لعلاقة متوازنة تُنهي الأزمات وتمنح المواطنين – لا السياسيين – فرصة تنفس آمن ومستقر.
إنّ التفاهمات الاخيرة بين بغداد وأربيل (التي توجتها زيارة رئيس الاتحاد الوطني الى العاصمة بغداد كممثل للاطراف الكردستانية )ليست مجرد أوراق أو اتفاقات ظرفية، بل هي اختبار دائم لصدق النوايا وقدرة النظام السياسي العراقي على تجاوز عقدة الصراعات المزمنة، وعلى الجانبين، الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، أن يلتزما بمبدأ الحقوق مقابل الواجبات، وأن يتحليا بالشجاعة الكافية لقول الحقيقة لشعبيهما: أن لا حل إلا بالوئام، ولا مستقبل دون التزامات متقابلة تحترم الدستور بروح العدالة لا بروح الانتقائية.
فمن جهة، ينبغي على الحكومة الاتحادية أن تتخلى عن استخدام سلاح الرواتب كسوط عقابي يُلهب ظهر الموظف الكردي البريء من الخلافات السياسية ويزعزع العلاقات العربية الكردية، وأن تفي بالتزاماتها تجاه الإقليم كشريك دستوري لا كطرف خارجي فالرواتب ليست مِنّة ولا ورقة ضغط، بل هي حق قانوني وإنساني لموظفٍ خدم ويخدم العراق تحت كل الظروف.
في المقابل على حكومة إقليم كردستان أن تلتزم بشفافية حقيقية في ملفات النفط والإيرادات، وأن تتعاون بوضوح في تنفيذ بنود الاتفاقات المتعلقة بالموازنة، وألا تُغذي الشكوك لدى المواطن العراقي في الوسط والجنوب بأن الإقليم يأخذ أكثر من استحقاقه، فطمأنة الرأي العام العراقي شرط أساسي لإنجاح أي تفاهم طويل الأمد، وهي مسؤولية سياسية وأخلاقية قبل أن تكون تفاوضية.
إنّ الوئام بين الجانبين لا يُبنى على المجاملة، بل على الالتزام الحقيقي بالاتفاقات، وعلى الإرادة السياسية في كسر حلقات الاتهام والشك المتبادل فالتفاهم المتين هو وحده القادر على ترميم الثقة الوطنية، وإعادة بناء العقد الاجتماعي والدستوري على أسس الشراكة لا الهيمنة، وعلى العدالة لا الانتقائية.
إن الدعوة إلى الالتزام ليست مجرد دعوة قانونية، بل هي أيضا نداء أخلاقي ووطني، دعوة إلى بناء عراقٍ يليق بتضحيات الجميع، حيث يكون الوئام السياسي هو الأصل، والاحترام المتبادل هو القاعدة، والدستور هو المعيار، لا أداة توظيف انتقائي.
بالالتزام والوئام، وحدهما تُبنى الدولة، وتُحفظ الحقوق، وتتوحد القلوب.