×

  مام جلال ... حقائق و مواقف

  الرئيس مام جلال رقما مهما منذ عقود



*ساطع راجي

 

لايوجد شخص يتفق عليه كل الناس بل كلما ازدادت أهمية هذا الشخص وتأثيره زاد الخلاف فيه وبالاخص عندما يكون الشخص رجل سياسة عتيد في بلد مثل العراق، لكن هناك مواقف يمكن للناس أن يتحدوا فيها، وهذا ما حدث في الازمة الصحية للرئيس مام جلال،

لقد كان مام جلال رقما مهما منذ عقود وازدادت أهميته منذ 2003 لكن عمق هذه الاهمية إتضحت يوم الثلاثاء 18/12 فعلى كثرة انشغالات العراقيين وتعدد أزماتهم ومشاكلهم كانت صحة الرئيس الاولى بالمتابعة حتى من أكثر الناس بعدا عن السياسة وهذا ما كشفته صفحات أصدقاء كثر على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) فقد كان الجميع متابعا ومنهمكا بصحة الرئيس ومشيدا به ويطغى شعور بإن العراق في حاجة ماسة للرئيس مام جلال وان وجوده في المشهد السياسي كان ولايزال مؤثرا وبعمق بالغ.

كلنا نعرف إن الاعمار بيد الله وان الرئيس مام جلال يعاني من مشاكل صحية وانه رجل كبير في السن ولكننا نجزم جميعا إن العراق بحاجة ماسة للرئيس مام جلال وحكمته وصبره واعتداله وهي صفات تنتج مواقف تكون أحيانا مثار نقد عند الشباب والمتحمسين لكن مع مرور الوقت تتبين واقعيتها، لكن الاغرب إن صحة الرئيس مام جلال إرتبطت غالبا بوضع العراق وهذا يعني إن الرئيس رغم مرحه وتفاؤله كان في الحقيقة مهموما بهذه الازمات وفي مرتين سمعته بعيدا عن الاعلام يتحدث بمرارة وحزن وغضب عن الوضع في البلاد، فهو ليس ممن يشعلون الازمات بل يمكن تصنيفه كإطفائي لحرائق البلاد حتى قبل وقوعها أحيانا، فهو الذي نبه مبكرا الى مشاكل ما بعد الانسحاب الامريكي واطلق مبادرته لعقد اجتماع وطني قبل اتمام الانسحاب لكن الساسة ناوروا وماطلوا وسوفوا حتى تدحرجت البلاد من أزمة الى أخرى، وهو داعي التهدئة حينما يتسابق مراهقو السياسة والمهووسون بالاعلام الى التصعيد، كما إنه لا يتردد في أن يكون وسيطا بين الاقليم والمركز كلما اثيرت المشاكل ولا يأبه لضيق الافق السياسي الذي يدفع المتطرفين والمتشددين من كلا الطرفين الى التفوه بما لايليق.

أتساءل عن المرات التي شعر فيها مام جلال بالحزن لانه يتعامل مع ساسة الصدفة والراكبين على عجل في قطار السلطة ولا يستطيعون إتخاذ قرار أو الالتزام بتعهد أو الترفع عن دنايا بينما هو قاد عملا سياسيا ضخما ومثل أمة ولم يزل بعد في بواكير شبابه وتفاوض مع رؤساء دول ونقل مظلومية شعب عبر القارات وخاض معارك حقيقية لا في استوديوهات الفضائيات وصالات الفنادق بل في الجبال والوديان وعلى حافات الحدود الدولية، أظنه تساءل عن سوء حظ العراقيين بمثل هؤلاء الساسة الطارئين.

كثيرون تمنوا للرئيس مام جلال دوام الصحة وطول العمر لكن ليس مجاملة بل أحيانا بمسحة من الانانية لأنهم يعرفون حجم الدور الذي يقوم به الرئيس فحتى ناكرو الجميل والمتشنجون والمتطرفون لايجدون بديلا عن مام جلال ليكون منقذهم من عزلتهم ومشاكلهم التي يسقطون فيها لانهم يكابرون ويرفضون الحكمة والاعتدال والصبر ولأنهم لايلتزمون بمبادرات التهدئة التي يطلقها الرئيس نفسه رغم تعهدهم في الالتزام بها.

الرئيس مام جلال يكاد يكون الوحيد بين ساسة العراق الذي لايصنع أزمات وهو أيضا الوحيد تقريبا الذي لايهرع الى وسائل الاعلام يوميا لإطلاق التصريحات الرنانة والدخول في مشادات كلامية وهو الذي رغم كبر سنه ووضعه الصحي وموقعه في الدولة لم يتردد في الذهاب الى أي سياسي عراقي كبيرا أو صغيرا، في السلطة أو خارجها من أجل إطفاء حريق ما، هو لايتسرع ولذلك لايتراجع وبدا في أكثر من موقف الأدرى بدواخل معظم ساسة العراق وبمصيرهم أكثر مما يدرون هم أنفسهم.

هنا لا أكيل المديح للرئيس مام جلال فهو لايهتم به أبدا لكنني هنا أرثي حالنا حيث لانجد بين ساستنا من يعرف الشعراء ويحفظ شعرهم ويحتفظ بصداقات تاريخية وعظيمة مع كتاب وفنانين ومفكرين ورجال دين مثل الرئيس مام جلال، وليس بين ساستنا من يتمتع بطيبة وتواضع الرئيس مام جلال وليس من بين ساستنا من يحترم القانون والقضاء مثل مام جلال، وليس بينهم من له اعتدال وصبر الرئيس مام جلال الذي عامل أشد خصومه شراسة وحقدا عليه باحترام ورحمة في مرحلة سيطرت الكراهية على المناخ السياسي في العراق، ألا يستحق حالنا الرثاء؟.

*20/12/2012


17/12/2022