×

  المرصد الايراني

  أزمات عميقة..الاتجاهات المتوقعة للسياسة الإيرانية في 2023



 

*مركز إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

تدخل إيران عام 2023 وهي تواجه أزمات داخلية وخارجية غير مسبوقة. صحيح أن إيران اعتادت دائماً التعرض لأزمات وضغوط، إلا أن الصحيح أيضاً أن هذا الكم من الأزمات لم يتصاعد في توقيت واحد مثلما يبدو في الوقت الحالي. وإذا كان عام 2022 قد شهد اندلاع بعض هذه الأزمات، فإن عام 2023 قد يشهد مضاعفاتها، أو بمعنى أدق تداعياتها؛ فإما أن تتواصل بعض تلك الأزمات التي تتسم بالتمدد، وإما أن تبدأ في إنتاج معطيات جديدة على مستوى السياستين الداخلية والخارجية.

 وتتمثل أبرز ملامح التحولات الداخلية والخارجية التي يمكن أن تشهدها إيران في عام 2023، في استمرار انعكاسات الاحتجاجات الداخلية، وتراجع هيبة مؤسسات الدولة، واستمرار ظاهرة الاختراقات الأمنية، وتصاعد الضغوط على حكومة إبراهيم رئيسي، وتفاقم حدة الأزمة الاقتصادية، إلى جانب استمرار التوتر مع الدول الغربية، والمراوحة بين التصعيد والتهدئة مع دول الجوار، وتعزيز العلاقات مع روسيا والصين، وتفاقم الصراع مع إسرائيل.

 

أزمات متشابكة

وربما يمكن القول إن السمة الرئيسية في معظم تلك الأزمات، إن لم يكن مجملها، هو تشابكها؛ حيث يكاد يكون من الصعب جداً الفصل بينها، رغم أن بعضها يتعلق بتطورات داخلية، وبعضها الآخر يتصل بتفاعلات خارجية.

 وهنا، فإن ذلك يمكن تفسيره في ضوء عاملين رئيسيين، هما:

 

1- حرص النظام الإيراني على ربط الأزمات بعضها ببعض:

من الملاحظ أن النظام الإيراني نفسه حريص على الربط بين الأزمات التي يواجهها، بدليل إصراره على وصف الاحتجاجات التي اندلعت في 16 سبتمبر 2022 على خلفية اتهام شرطة الأخلاق بقتل الفتاة الكردية العشرينية مهسا أميني بعد انتقاد طريقة ارتدائها الحجاب، بأنها مخطط خارجي لتقويض دعائمه.

 

2- تعويل قوى معنية بالملف الإيراني على تأثير الاحتجاجات:

 بدأت القوى الدولية والإقليمية المعنية بالملف الإيراني وبالأزمات الإقليمية التي تمثل إيران فيها رقماً مهماً، بدورها، تعول على إمكانية أن تدفع تلك الاحتجاجات النظام إلى إجراء تغيير في سياساته، وهو ما بدأ الأخير يروج له، عبر اتهامه الدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، بمحاولة استغلال الأزمة التي فرضتها الاحتجاجات لانتزاع تنازلات منه في الملف النووي.

 

تحديات داخلية

وفي هذا الإطار، تتمثل أبرز ملامح التحديات الداخلية التي يواجهها النظام الإيراني فيما يلي:

 

1- تداعيات سياسية مستمرة للاحتجاجات:

يبدو أن الاحتجاجات التي اندلعت منذ منتصف سبتمبر 2022، سوف تفرض تداعيات طويلة الأجل؛ فحتى إذا نجح النظام في إضعافها تدريجياً، فإن انعكاساتها سوف تبقى وسيكون لها تأثير قوي على العلاقة بين النظام والشارع في المرحلة القادمة. ومن دون شك، فإن ذلك يعود إلى أن المحتجين استطاعوا مواجهة الآلة القمعية التي اتبعها النظام من البداية، بشكل أدى إلى تطور الاحتجاجات وتمددها ووصولها إلى معظم أنحاء إيران.

 

2- حدوث تراجع بهيبة المؤسسات الرئيسية:

ربما يمكن القول إن الاحتجاجات الحالية أسفرت عن تراجع هيبة ومكانة المؤسسات الرئيسية في النظام، وفي مقدمتها مؤسسة المرشد الأعلى الإيراني نفسه؛ إذ إن النظام فشل في اتباع السياسة السابقة القائمة على تحميل الحكومة المسؤولية عما تؤول إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، مع إبعاد تلك المسؤولية عن المرشد. وبالطبع، فإن ذلك يعود في المقام الأول إلى أن المحتجين أدركوا أن الأسباب الحقيقية للأزمة الداخلية تكمن في السياسات التي يتبعها النظام وليس في الإجراءات التنفيذية التي تتخذها الحكومة.

 

3- تصاعد الضغوط على حكومة “رئيسي”:

 يبدو أن إضعاف حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي سوف يكون نتيجة مباشرة للأزمة الداخلية، على نحو قد يفرض تحديات عديدة أمام المستقبل السياسي لرئيسي الذي يطمح إلى الوصول إلى منصب المرشد. وهنا، كان لافتاً أن الضغوط على الرئيس بدأت تتزايد؛ ليس فقط من جانب الشارع والمحتجين، وإنما أيضاً من داخل تيار المحافظين الأصوليين، خاصةً في مجلس الشورى الإسلامي.

 

4- استمرار ظاهرة الاختراقات الأمنية:

 ربما يشهد عام 2023 استمرار ظاهرة الاختراقات الأمنية. وإذا كانت هذه الظاهرة قد بدأت قبل الاحتجاجات الحالية بفترة ليست قصيرة، فمن المتوقع أن تصبح اختراقات مزدوجة، نتيجة انشغال أجهزة ومؤسسات الدولة في مواجهة الاحتجاجات الداخلية. وهنا، فإن تلك الظاهرة لن تقتصر على إسرائيل التي توجه إليها إيران اتهامات مباشرة باستهداف المنشآت النووية والعسكرية، فضلاً عن بعض القادة العسكريين والعلماء النوويين، وإنما قد تمتد إلى التنظيمات الإرهابية، على غرار تنظيم “داعش” الذي أعلن مسؤوليته عن العملية الإرهابية التي وقعت في ضريح الإمام أحمد ابن الإمام الشيعي الثامن موسى الكاظم في شيراز في 26 أكتوبر 2022.

 

5- إمكانية تفاقم حدة الأزمة الاقتصادية:

 سوف يتسبب تراجع فرص الوصول إلى صفقة نووية جديدة بسبب استمرار واتساع نطاق الخلافات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، في استمرار الأزمة الاقتصادية الداخلية. وبالطبع، فإن هذه الخلافات تزايدت في أعقاب اندلاع الاحتجاجات؛ بسبب الاتهامات التي توجهها طهران إلى واشنطن بدعمها ومحاولة استغلالها من أجل انتزاع تنازلات من النظام. وقد انعكس ذلك في تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، في 5 ديسمبر 2022، التي قال فيها إن “الولايات المتحدة يجب أن تكون مسؤولة وخاضعة للمساءلة عن أفعالها فيما يتعلق بخطة العمل الشاملة المشتركة”، مضيفاً: “إنهم يعلمون أن إيران ليست على استعداد للتفاوض أو تقديم تنازلات تحت أي ضغط أو تهديدات”.

ورغم أن إيران أثبتت أنها ما زالت لديها القدرة على تصدير أكثر من مليون برميل نفط يومياً، في التفاف متعمد على العقوبات الأمريكية؛ حيث أشارت تقديرات عديدة إلى أن صادراتها من النفط الخام والمكثفات في الفترة من أغسطس إلى أكتوبر 2022، تراوحت بين 810 آلاف وبين 1.2 مليون برميل نفط يومياً، فإن ذلك لا يقلص حدة الأزمة التي تبدو جلية في استمرار معدل التضخم عند مستوى 40% بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، ووصول معدل البطالة إلى 12%. ومن دون شك، فإن احتواء تداعيات هذه الأزمة سوف يستغرق وقتاً قد لا يكون قصيراً، حتى لو تم التوصل إلى صفقة نووية في العام القادم.

 

تصعيد خارجي

يبدو أن التصعيد سوف يواصل تأثيره كنمط رئيسي في العلاقات بين إيران والعديد من القوى الدولية والإقليمية خلال العام القادم، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

 

1- اتساع نطاق التوتر مع الدول الغربية:

يُتوقع أن يتصاعد التوتر بين إيران والدول الغربية خلال 2023، لأسباب عديدة، منها اتهام إيران هذه الدول بدعم الاحتجاجات وبالتدخل في شؤونها الداخلية، خاصةً بعد أن وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال لقائه أربع من ناشطات إيرانيات في 11 نوفمبر 2022، الاحتجاجات بأنها “ثورة”. إلى جانب ذلك، فإن النظام الإيراني تعمد اعتقال عدد من مواطني تلك الدول خلال الشهور الأخيرة، لدرجة أن عدد المعتقلين الفرنسيين على سبيل المثال وصل إلى سبعة فرنسيين؛ هذا إلى جانب التصعيد الغربي ضد إيران بسبب دعمها العسكري لروسيا في الحرب ضد أوكرانيا، فضلاً عن استمرار التعثر في المفاوضات النووية.

 

2- المراوحة بين التصعيد والتهدئة بالمنطقة:

يبدو أن سمة المراوحة بين التصعيد والتهدئة في المنطقة من جانب إيران سوف تستمر خلال عام 2023؛ إذ إن إيران ما زالت توجه اتهامات إلى بعض الدول، مثل السعودية، بدعم الاحتجاجات، من خلال تمويل بعض القنوات مثل “إيران إنترناشيونال”، ووصل الأمر إلى حد توجيه تهديدات باستهداف السعودية رداً على ذلك؛ حيث قال وزير الأمن؛ إسماعيل خطيب، في 9 نوفمبر 2022، إنه “لا يوجد ما يضمن استمرار الصبر الاستراتيجي في إيران”، مضيفاً أن “عدم الاستقرار في إيران قد يُنقل إلى الدول المجاورة”.

 

وربما لا يمكن استبعاد أن تتجه إيران بالفعل إلى محاولة استهداف مصالح سعودية خلال المرحلة القادمة. لكن في الوقت نفسه، وفي مسار موازٍ، كان لافتاً أن إيران ما زالت حريصة على توجيه رسائل بأنها معنية بتحسين العلاقات مع السعودية واستئناف الحوار الذي عُقد على مدى خمس جولات بين الطرفين في العراق؛ حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية؛ ناصر كنعاني، في 5 ديسمبر 2022، إن “تحسين العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والسعودية يتماشى مع المصالح المشتركة والمصالح الإقليمية”.

لكن النمط التعاوني قد يكون سمة للعلاقات بين إيران وبعض دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، مثل الإمارات، وإن كانت العلاقات بين الإمارات (إلى جانب البحرين) وبين إسرائيل سوف تبقى محفزاً على إجراءات تصعيدية إيرانية تجاهها، وهو ما تكشف عنه، على سبيل المثال، الحملة الإعلامية التي شنتها إيران ضد الزيارة التي قام بها الرئيس الإسرائيلي؛ إسحق هرتزوج، إلى كل من الإمارات والبحرين، في 4 و5 ديسمبر 2022.

 

3- استمرار الصراع بين إيران وإسرائيل:

يُرجح أن يتواصل الصراع بين إيران وإسرائيل خلال العام الجديد. ورغم أن الاختراقات الأمنية الإسرائيلية داخل إيران تراجعت خلال الشهور الأخيرة، فإنه يُتوقع أن تتصاعد مرة أخرى، خاصةً مع حرص إيران على تطوير برنامجها النووي؛ حيث أعلنت، على سبيل المثال في 22 نوفمبر 2022، عن بدء عمليات تخصيب اليورانيوم في مفاعل فوردو بنسبة 60% وباستخدام أجهزة طرد مركزي من طراز “IR6″، وتعثر المفاوضات النووية، واستمرار مساعيها لتعزيز حضورها العسكري في سوريا.

وعلى ضوء ذلك، لا يمكن استبعاد استمرار الضربات العسكرية الإسرائيلية لمواقع إيران في سوريا، إلى جانب اتجاه طهران إلى الرد على ذلك باستهداف مصالح إسرائيلية في المياه الدولية، على غرار استهداف ناقلة تابعة لرجل أعمال إسرائيلي قبالة سواحل عمان في 16 نوفمبر 2022.

 

4- تطوير العلاقات مع روسيا والصين:

 سوف تدفع الخيارات المحدودة التي يفرضها التوتر الطارئ على العلاقات بين إيران والدول الغربية وإسرائيل وبعض دول المنطقة، الأولى إلى اتخاذ خطوات جديدة لتطوير علاقاتها مع كل من روسيا والصين. وربما تتجه إيران إلى تقديم مزيد من الدعم العسكري إلى روسيا لتعزيز قدرتها على إدارة العمليات العسكرية في أوكرانيا، كما من المتوقع أن تحاول طهران استغلال التوتر الأمريكي-الصيني حول الملف التايواني لدفع بكين إلى رفع مستوى العلاقات الثنائية.

 

ختاماً،

 فإنه على ضوء ذلك، ربما يمكن القول إن ثمة استحقاقات استراتيجية عديدة تبدو في انتظار إيران خلال عام 2023، سوف تحدد بدرجة كبيرة المسارات المحتملة للاحتجاجات الداخلية التي يُتوقع أن تتواصل خلال العام القادم، خاصة أن الأسباب الحقيقية لاندلاعها ما زالت قائمة حتى بعد قيام النظام الإيراني بإلغاء ما تسمى “شرطة الأخلاق”، كما أن هذه الاستحقاقات سوف تفرض انعكاسات مباشرة، سواء على المسارات المحتملة للمفاوضات النووية، أو على المواجهات العسكرية المفتوحة مع إسرائيل، أو على حدود التحسن التي يمكن أن تطرأ على العلاقات مع بعض دول الجوار، وفي مقدمتها السعودية.


28/12/2022