×

  شؤون دولية

  العام 2023.. لا بد من طاولة حوار إقليمي



*محمد صالح صدقيان

 

 

على الرغم من وجود مؤشرات عديدة، سياسية وإقتصادية وعسكرية، تضع العالم على مشارف تحولات كبرى، إلا أن الجديد الذي سيُولد على أنقاض قديم يتهاوى يحتاج الى المزيد من عمليات المخاض التي لم تكتمل بعد وهي بلا شك تعتمد بشكل مباشر على مآلات الحرب الاوكرانية لأنها ترتبط بقطبين بارزين أولهما الولايات المتحدة التي تقود أوروبا والناتو وثانيهما روسيا حليفة الصين ودول أخرى معارضة للهيمنة الأمريكية. استمرار الحرب الأوكرانية أو نهايتها له ترجماته الحتمية على صعيد قواعد اللعبة في المجتمع الدولي؛ وبالتالي فإن الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو لن يكونا بعيدين عن تداعيات هذه الحرب حيث نشهد راهناً بعض مؤشراتها وإن كانت الصورة غير مكتملة في “رتوشها” الاخيرة؛ ولذلك فإن هذا المسار يحتاج إلى وقت أطول للتأثير على الآليات الدولية التي تشكل مفاصل قواعد النظام العالمي الجديد.

 في ضوء ذلك، من المستبعد رؤية ولادة ما يُسمى “النظام العالمي الجديد” في العام 2023 على الرغم من وجود مؤشرات وتطورات عديدة تؤكد حاجة المجتمع الدولي إلى مثل هذا النظام الجديد لعله يضع الألفية الثالثة على سكة المصالح المتبادلة بديلاً لمنطق الهيمنة والانتهازية السياسية.

 أما في منطقة الشرق الاوسط، فإن وجود الكيان الإسرائيلي يُشكل أحد أبرز مفاصل النظام الاقليمي إن لم نقل المفصل الاساس والوحيد الذي يؤثر على مستقبل واستقرار هذه المنطقة الحيوية على المستوى الدولي، لما تمثله من ثقل جيو سياسي ـ اقتصادي ومجال حيوي للعديد من القوى الدولية والإقليمية.

 وما شهدته هذه المنطقة خلال العام 2022 من أحداث وتطورات يؤشر على مقاربة محتملة لما تؤول إليه التطورات خلال العام الجديد 2023.

 فالزيارة التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ للمملكة العربية السعودية وإجتماعه بالزعماء العرب (قمة الرياض الصينية العربية) اعٌتبرت من أهم التطورات التي شهدتها هذه المنطقة خلال العام المنتهي.

وايضاً تطورات التعاون الروسي الايراني في المجال العسكري؛ ومجىء حكومة اسرائيلية متطرفة تضمّ أحزاباً من أقصى اليمين الصهيوني تُشكل سابقة في تاريخ الكيان؛ اضافة الى ما يتردد عن سعي الولايات المتحدة للخروج من غرب اسيا لمصلحة حضورها المتعاظم في جنوب شرق آسيا وهو المشروع الذي لم تكتمل تفاصيله وسط تطور بارز يتمثل بتعثر المفاوضات النووية بين ايران والمجموعة الغربية التي لم تصل الى نتيجة لاحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015.

وما ينتظر “الشرق الاوسط الجديد” يعتمد على ما يُمكن أن يأتينا من إجابات على أسئلة مفصلية: كيف ستتعامل الصين مع منافسيها وخصوصاً الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟

ماذا عن مستقبل العلاقات الروسية ـ الايرانية؟

وهل تسير باتجاه حلف استراتيجي فعال يشمل المجالات المتعددة؟

وما هو سقف التعامل الايراني مع الحليف الروسي؟

 وكيف ستتطور العلاقات الاسرائيلية ـ العربية وباي إتجاه؟

 والى اين ستصل جهود اللاعبين الاقليميين كإيران وتركيا والسعودية في مشاريعهم للحصول على موقع متقدم في أي ترتيبات امنية وسياسية اقليمية مستقبلية في ظل بؤر ما زالت مفتوحة كاليمن وسوريا وربما العراق؟. ليس من السهل الإجابة على هذه الأسئلة المحورية التي تساهم في إعادة تشكيل الشرق الأوسط ليكون “جديداً” بسبب تقاطع هذه الملفات وأهدافها والمصالح المتوخاة من تنفيذها؛ وهي في نهاية المطاف تعبير عن صراع إرادات وتقاطع مصالح لا يُمكن حلها – أو هكذا علمنا التاريخ – إلا من خلال حرب شاملة تشارك فيها جميع دول المنطقة من أجل الاتفاق على خارطة جديدة؛ لكن مثل هذه الفرضية لا يمكن تنفيذها ببساطة في هذه المنطقة التي تعتبر المجال الحيوي للعديد من دول العالم المستفيد من إمدادات الطاقة في هذه المنطقة ومن أسواقها التي يسيل لها لعاب الداني والقاصي؛ إضافة إلى الوضع الوجودي الحرج للكيان الذي سوف لن يكون بعيداً عن مثل هذا السيناريو.

منطقة الشرق الاوسط مرّت خلال السنوات الماضية بأحداث وتطورات مهمة لكنها لم تنجح في إعادة صياغتها. للتذكير؛ في العام 2006 عندما شنّ الكيان العبري الحرب على لبنان قالت وزيرة الخارجية الامريكية انذاك كوندوليسا رايس إن “الشرق الأوسط الجديد” سيخلق من مخاض هذه الحرب!. لم يحدث ذلك.

 وعندما تمدد تنظيم “داعش” من سوريا إلى العراق وصولاً للحدود العراقية الايرانية المشتركة وأزال الحدود السياسية كان يهدف وبمباركة خارجية إلى فرض واقع سياسي أمني جديد في المنطقة.

أيضاً لم يحدث. هذه التطورات على أهميتها لم تستطع التأثير على العوامل الجيوسياسية للشرق الاوسط. ولا توجد مؤشرات على ان ولادة الشرق الاوسط الجديد ستكون في العام 2023 على الرغم من وجود “رغبات” محلية بذلك.

يبدو ان عملية فرض معادلات “شرق أوسط جديد” ليست بمتناول اليد ما لم يكون هناك اتفاق اقليمي يضم دول المنطقة إضافة إلى تركيا لتسوية مشاكل الإقليم.. ومثل هكذا اتفاق سيصطدم بمصالح الكيان ووجوده الذي يملك ترسانة عسكرية نووية وخطوط مفتوحة مع الدول الغربية عسكرياً وأمنياً وسياسياً.

ربما نشهد مصالحة تركية ـ سورية في العام المقبل، وقد تفضي الجهود الدولية إلى فرض هدنة في اليمن، وربما يتم الاتفاق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان؛ لكن الأكيد أن الوضع الأمني الهش في الإقليم سيُرحّل إلى الآتي من أشهر وربما سنوات ما لم تقتنع دول المنطقة بطاولة حوار لإستكشاف المقاصد والمصالح بعيداً عن اهداف وأجندات اللاعبين من خارج الإقليم.

 هناك مؤشرات مشجعة على الحوار الإقليمي لكن ثمة حاجة إلى رغبة صادقة من جميع الأطراف وإلى جهود استثنائية للتوصل إلى قناعات تستطيع أن تؤمن مصالح شعوب هذه المنطقة حتى وإن كانت في حدودها الدنيا وذلك أضعف الايمان..

 وكل عام وأنتم بخير.

*محمد صالح صدقيان أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

*POST 180


02/01/2023