×

  شؤون دولية

  دافوس 2023.. الطموح إلى “التعاون في عالم مشرذم”



 

*المرصد/فريق الرصد

تحت شعار "التعاون في عالم غير مترابط"، انطلقت، الإثنين، فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي 2023 في مدينة دافوس السويسرية، ويستمر حتى 20 يناير الجاري، وسط أزمات تضرب الاقتصاد العالمي بدأت بجائحة كورونا في 2020، ومن ثم حرب أوكرانيا التي انعكست تداعياتها على العالم أجمع.

القمة التي تجري في منتجع الألب السويسري، تنعقد هذه العام في ظل أوضاع جيوسياسية وجيواقتصادية هي الأكثر تعقيدا منذ عقود، وفق رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي بورغه بريندي خلال تصريحات للصحفيين قبل يومين.

واعتبر كلاوس شواب، مؤسس المنتدى، أن أحد الأسباب الرئيسة لهذه الشرذمة التي يشدها العالم هو النقص في التعاون، ما يتسبب في اعتماد سياسات قصيرة الأمد وبعضها أناني ما يؤدي إلى حلقة مفرغة.

 

عقد مضطرب

وأشار التقرير السنوي للمخاطر العالمية الصادر عن المنتدى إلى عدة أزمات من بينها التضخم وتأثيره على كلفة المعيشة، والحروب التجارية، وتدفق رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة، والمواجهات الجيوسياسية، والتوتر الاجتماعي واسع النطاق، بالإضافة إلى مخاوف من إمكانية اندلاع حرب نووية.

وأوضح التقرير أن هذه التحديات باتت أضخم نتيجة تطورات جديدة على ساحة المخاطر العالمية، من بينها المستويات غير المستدامة من المديونية وعهد جديد من انخفاض النمو والاستثمار والابتعاد عن العولمة، وتراجع واضح في النمو البشري بعد عقود من التطور، وارتفاع في التطوير السريع للتكنولوجيات ثنائية الاستخدام، عسكريا ومدنيا، إضافة إلى التهديدات الناجمة عن تبعات التغير المناخي وتقهقر الطموحات في ما يخص خفض حرارة العالم بمقدار 1.5 درجة مئوية.

واعتبر أن كل هذه التحديات تندمج لتشكل جميعها عقدا مضطربا ومثيرا للشكوك حول مستقبل الاقتصاد العالمي، لافتا إلى أن التفتت الاقتصادي والتوترات الجيوسياسية، وتعثرات إعادة الهيكلة، يمكنها أن تساهم جميعا في تعميق ضائقة الديون على نطاق واسع في السنوات العشر المقبلة.

فيما توقع ثلثا كبار الاقتصاديين في القطاعين العام والخاص الذين شملهم استطلاع المنتدى الاقتصادي العالمي حدوث ركود عالمي في عام 2023، حيث رجح نحو 18٪ من المشاركين أن يكون الركود العالمي محتملا بشكل كبير، أكثر من ضعف ما حدث في الاستطلاع السابق الذي أجري في سبتمبر 2022، فيما توقع الثلث المتبقى أنه من غير المحتمل هذا العام.

 

هل يمكن التعاون؟

ورجح التقرير أن تواصل أسعار الغذاء والطاقة ارتفاعها خلال العامين المقبلين، ما قد يضر بجهود دولية لمكافحة أزمة المناخ والفقر، لافتا إلى أن ذلك يعد الخطر الأكبر أمام الاقتصاد العالمي.

 ولفت إلى أن أزمة غلاء المعيشة التي بدأت مع جائحة كورونا ثم تداعيات حرب أوكرانيا تصدرتا مخاوف أكثر من 1200 من خبراء عالميين وصانعي قرار وقادة أعمال تم استطلاع آرائهم.

 وحذر من أن جائحة كورونا ثم الحرب قد أطلقتا سلسلة من المخاطر الدولية المعقدة كونها متشابكة، مشيرا إلى أن أي تخاذل في حلها قد يؤدي إلى قلة التعاون بين الدول لحل المشاكل التي لديها تبعات طويلة الأمد، مثل حماية التعدد الحيوي ومكافحة الفقر وأزمة المناخ.

وأشار إلى أن ذلك سيخلق تبعات أخرى ستهيمن على الساحة الاقتصادية خلال الفترة المقبلة، كمخاطر الكساد وتواصل ارتفاع المعيشة وتعميق أزمة الديون، ومن ثم مجتمعات مستقطبة يقودها التضليل المعلوماتي، وتعليق جهود مكافحة التغير المناخي، وزيادة مخاطر حروب جيواقتصادية لا تثمر شيئا.

 

مستقبل العولمة

وفي ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود ومعاناة واسعة بأجزاء كبيرة من العالم وتقديرات بأن الاقتصاد العالمي على حافة الركود، يخشى رؤساء الدول والحكومات من انتقادات داخلية للإقامة في سويسرا، حيث ألغى بعض القادة زيارة دافوس على نحو مفاجئ قبيل المنتدى، ومنهم رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، الذي كان أحد القادة السياسيين في قائمة الحاضرين في المنتدى البالغ عددهم 52، لكنه اضطر لإلغاء الزيارة أمس جراء أزمة الطاقة المستمرة التي أغرقت العديد من المواطنين في الظلام.

ومع بداية المنتدى رسميا يوم الاثنين  لمدة 5 أيام بحضور قادة العالم ليس معلوما ما إذا كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي سيتحدث كما العام الماضي، فيما لن يتحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في المنتدى.

وحمل هذا الوضع تساؤلا حول مستقبل العولمة التي تشكل منذ نصف قرن محور فلسفة منتدى دافوس، حيث قالت الشريكة والخبيرة الاقتصادية في مكتب الاستشارات باين آند كومباني، كارين هاريس، إنه كان هناك في وقت ما الأمل بالعودة إلى الوضع الاعتيادي السابق، وضع عالم معولم نوعا ما، أعتقد أن ثمة إقرارا اليوم بأن هذه الحقبة في طور الانتهاء، حتى لو أنه سيبقى منها نقاط تعاون حول مجموعة أكثر انحسارا من المسائل.

واعتبرت هاريس أنه حتى مسألة المناخ تتحول إلى معركة أكثر انعزالية، مشيرة في هذا السياق إلى قانون الحد من التضخم الذي ينص على مساعدات كبرى للشركات المتمركزة في الولايات المتحدة في قطاع الطاقات المتجددة والسيارات الكهربائية وضرائب الكربون على الحدود التي يجري اعتمادها في أوروبا.

 

 أبرز المشاركين

ويشارك في المنتدى 51 رئيس دولة وحكومة و19 محافظا للبنوك المركزية، إلى جانب 56 وزيرا للمالية و30 وزيرا للتجارة و35 وزيرا للخارجية، كما سيشارك قادة الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية ضمن 39 من رؤساء الوكالات الدولية، ونحو 600 مدير تنفيذي من بين 1500 من قادة الأعمال، منهم أكبر عدد على الإطلاق من المديرات التنفيذيات.

والمستشار الألماني أولاف شولتز هو الزعيم الوحيد من قادة مجموعة السبع الذي من المقرر أن يحضر الاجتماع السنوي الثالث والخمسين للمنتدى الاقتصادي العالمي، بينما سيتغيب الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك عن اجتماع هذا العام.

وخارج مجموعة السبع، سيتغيب أيضا عن المنتدى قادة آخرون كبار أبرزهم الرئيس الصيني شي جين بينغ، والرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي تعهد بإعادة بلاده إلى الساحة العالمية بعد سنوات العزلة التي فرضها الرئيس اليميني المتطرف جاير بولسونارو.

 

 

أوقات غير مؤكدة

وأعلن رئيس منتدى دافوس الاقتصادي العالمي بورغه بريندي خلال إحاطة صحافية هذا الأسبوع أن القمة التي تجري في منتجع الألب في سويسرا تنعقد هذه السنة “في ظل وضع جيوسياسي وجيو اقتصادي هو الأكثر تعقيدا منذ عقود”

وساهم تفشي وباء كورونا والخلافات التجارية بين الولايات المتحدة والصين والهجوم الروسي على أوكرانيا في السنوات الأخيرة في تزايد الشقاقات الجيوسياسية وتصاعد السياسات الحمائية.

ورأى مؤسس المنتدى كلاوس شفاب أن “أحد الأسباب الرئيسية لهذه الشرذمة هو نقص في التعاون” ما يؤدي إلى اعتماد “سياسات قصيرة الأمد وأنانية” منددا بـ”حلقة مفرغة”.

وحمل هذا الوضع البعض على التساؤل حول مستقبل العولمة التي تشكل منذ نصف قرن محور فلسفة دافوس.

وقالت كارين هاريس الشريكة والخبيرة الاقتصادية في مكتب الاستشارات باين أند كومباني لوكالة فرانس برس إنه كان هناك في وقت ما “الأمل بالعودة إلى الوضع الاعتيادي السابق، وضع عالم معولم إلى حدّ ما” مضيفة “أعتقد أن ثمة إقرار اليوم بأن هذه الحقبة في طور الانتهاء” حتى لو أنه سيبقى منها نقاط تعاون “حول مجموعة أكثر انحسارا من المسائل”.

ورأت أنه “حتى مسألة المناخ تتحول إلى معركة أكثر انعزالية”، مشيرة بهذا الصدد إلى “قانون الحد من التضخم” الذي ينص على مساعدات كبرى للشركات المتمركزة في الولايات المتحدة في قطاع السيارات الكهربائية والطاقات المتجددة، وضرائب الكربون على الحدود التي يجري اعتمادها في أوروبا.

 

عام من الحرب

بعد حوالى عام على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، من المتوقع أن يحتل النزاع وانعكاساته على السياسات العالمية في مجالي الطاقة والدفاع، حيزا كبيرا في مناقشات دافوس.

وإن كانت روسيا ستتغيب عن المنتدى للسنة الثانية على التوالي، فإن أوكرانيا سترسل وفدا، كما أن الرئيس فولوديمير زيلينسكي يعتزم إلقاء كلمة عبر الفيديو.

وسيشكل المنتدى مناسبة للمسؤولين الأوكرانيين للتوجه إلى مئات الشخصيات السياسية الكبرى مثل المستشار الألماني أولاف شولتس والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والأمين العام للحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ، إضافة إلى حوالى 600 رئيس شركة والعديد من وسائل الإعلام وممثلين عن المجتمع المدني من منظمات غير حكومية وباحثين وحتى نجوم بينهم الممثل إدريس إلبا ومغنية السوبرانو رينيه فليمينغ.

ومن المواضيع الأساسية المطروحة للبحث أيضا المناخ، إذ يسعى المنظمون لأن تساعد المباحثات في التمهيد للمفاوضات العالمية المقبلة في إطار مؤتمر الأطراف حول المناخ (كوب28) المقرر عقده في نهاية السنة في دولة الإمارات العربية المتحدة.

في المقابل يعتزم ناشطون اغتنام الاجتماع لتذكير الدول الغنية ومجموعات الطاقة بضرورة تمويل انتقال الدول النامية في مجال الطاقة وتسديد التعويضات عن الكوارث الطبيعية المواكبة لتغير المناخ.

ودعت “الشبيبة الاشتراكية السويسرية” إلى التظاهر الأحد في دافوس للمطالبة بفرض “ضريبة تستهدف الأثرياء من أجل البيئة وشطب ديون” دول الجنوب.

إلا أن أبرز النشاطات في دافوس ستجري كما في كل سنة في الكواليس، إذ يغتنم رؤساء الشركات والمستثمرون والسياسيون وجودهم في المكان ذاته لإجراء مشاورات على هامش المؤتمر الرسمي.

ورأى الصحافي الأميركي بيتر غودمان الذي صدر له كتاب العام الماضي بعنوان “رجل دافوس: كيف التهم أصحاب المليارات العالم”، أنه “خلال أربعة أيام في جناح خاص، يمكنهم إتمام أعمال أكثر مما يفعلون في أشهر من الرحلات حول العالم”.

واعتبر أن أكبر إسهام يمكن أن يقدمه دافوس سيكون الدفع باتجاه إصلاح النظام الضريبي العالمي للحد من التباين الاجتماعي.

كما تأمل هاريس في دافوس بـ”محادثات صريحة” حول انعكاس تطور الاقتصاد العالمي ليس في الولايات المتحدة وأوروبا والصين فحسب بل كذلك “للأسواق الناشئة التي غالبا ما تكون الطرف الخاسر جراء التطورات الاقتصادية”.

 

حضور كبير لمليارديرات الخليج وغياب تام للروس

وكان حضور المليارديرات الروس أساسيا في منتدى دافوس العالمي منذ فترة ليست ببعيدة، لكن وجودهم هذا العام أصبح منعدما تماما، فيما زاد بشكل ملحوظ تواجد مليارديرات الخليج، وفق تقرير لوكالة بلومبرغ"".  

لكن قائمة الضيوف من المليارديرات مختلفة بشكل كلي؛ إذ تعكس الاضطرابات العالمية التي أعادت تشكيل الثروات، وغيرت مراكز القوى وسط الحرب والوباء وارتفاع التضخم.

فهناك نحو 116 مليارديرا سجلوا حضورهم في منتدى هذا العام، بزيادة 40% عما كان عليه الحال قبل عقد.

وبالإضافة إلى الروس الغائبين، لا يوجد أي ملياردير من الصين هذا العام، إذ لا تزال الدولة تحت وطأة ارتفاع الإصابات بكورونا، فضلا عن سوق الأسهم المترنحة التي محت 224 مليار دولار من ثروات أكبر أغنياء البلاد في 2022.

وساهم في سد الفراغ ارتفاع أعداد المليارديرات من دول الخليج، وهي منطقة تتمتع بزهوة جديدة بفضل ارتفاع أسعار النفط وسمعة الخليج بأنَّه واحة استقرار في منطقة تتعدد فيها المشكلات.

كما يحضر 13 مليارديرا من الهند، التي جرت العادة على مشاركتها بوفد كبير في دافوس خلال السنوات السابقة، ومن بينهم "جوتام أداني"، قطب الفحم الذي تحول إلى رجل صناعة في مجالات عديدة، والذي ارتفعت ثروته 44 مليار دولار العام الماضي.

ويُعد "أداني" حاليا رابع أغنى شخص في العالم، وفقا لمؤشر "بلومبرج" للمليارديرات.

كما يمتلك نحو ثلث الحاضرين من الفلبينيين ثروات مليارية.

ويمثل الأمريكيون كالعادة أكبر مجموعة؛ إذ من المقرر حضور 33 مليارديرا أمريكيا، من بينهم عمالقة شركات لم يحضروا المنتدى العام الماضي، والذي تأجل إلى شهر مايو/أيار.

وتتمتع "وول ستريت" تحديدا بتمثيل جيد؛ إذ تشمل قائمة الضيوف الرئيس التنفيذي لـ"جيه بي مورجان"، "جيمي ديمون"، و"لاري فينك" من "بلاك روك"، و"ستيف شوارتزمان" من "بلاكستون".

وبرغم قربهم جغرافيا من منتجع التزلج السويسري؛ فإن هناك 18 مليارديرا أوروبياً فقط قد سجلوا حضورهم.

كما أن المليارديرات الوحيدين الذين ينضمون من المملكة المتحدة المتأثرة بالركود الاقتصادي من أصل هندي، ومن أبرزهم "لاكشمي ميتال"، صاحب عملاقة الصلب "آرسيلور ميتال"، الذي يتخذ من لندن مقرا له مع أبنائه.

ولولا أسواق العالم المتراجعة لكان إجمالي عدد الحاضرين أكبر من ذلك.


16/01/2023