×

  رؤا

تركـــيا تغلــق المضائـــــق

06/03/2022

 تعتبر تركيا من بين الدول الأكثر تضرراً من نشوب الحرب بين روسيا وأوكرانيا. فتركيا تحتفظ بعلاقات مميزة ومتشعبة مع كل الدولتين، وأي انحياز لها إلى جانب إحداهما سوف يطيح بعلاقاتها مع الأخرى.

 ومنذ ما قبل اندلاع الحرب عملت تركيا، بكل ما تستطيع، على أن تحول دون انفلات الأمور من عقالها. فقام الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بمحاولة التوسط بين موسكو وكييف، فزار الأخيرة والتقى برئيسها، فولودومير زيلينسكي، لكنه لم يكمل الطريق إلى موسكو ويجتمع بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، نظراً لانزعاج الأخير من أنقرة بسبب تزويدها كييف بطائرات مسيّرة بلا طيار شاركت في عمليات عسكرية ضد الانفصاليين في شرقي البلاد، ولأن معركة روسيا ليست مع كييف، بل مع الولايات المتحدة.

 فشلت الوساطة التركية لكن تركيا لم تحرك موقفاً يضرب التوازن الحساس والهش الذي اتبعته منذ البداية. فلتركيا مصالح مع روسيا بلغت 35 مليار دولار، حجماً، للميزان التجاري، وتعتمد تركيا على الغاز الروسي بما يعادل 34 في المئة من حاجتها السنوية، وتستفيد من مدخول خمسة ملايين سائح روسي، ولها استثمارات بقيمة عشرين مليار دولار في روسيا، وتستورد 65 في المئة من حاجتها للقمح من هناك، ولها علاقات متشابكة مع روسيا في القوقاز وسوريا وليبيا، وأماكن أخرى، فضلاً عن علاقات عسكرية ونووية وخطوط أنابيب مشتركة. كذلك لتركيا علاقات متطورة مع أوكرانيا على الصعد السياحية والاقتصادية، وأوكرانيا سوق مهمة لطائرات «بيرقدار» التركية المسيّرة بلا طيار.

لكن الحرب الأوكرانية فرضت بنداً مهماً جداً على طاولة الدبلوماسية التركية، وهو الموقف من إغلاق المضائق أمام السفن الحربية الروسية في حال اندلاع حرب بين روسيا وأوكرانيا. وظهر هذا البند مع طلب السفير الأوكراني في أنقرة من تركيا إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل أمام السفن العسكرية الروسية، وفقاً لما تنص عليه المادة 19 من اتفاقية مونترو لعام 1963 حول المضائق.

 وهذه الاتفاقية تنظم حركة الانتقال والملاحة بين البحر الأسود وخارجه عبر مضيقي البوسفور والدردنيل. وتنص المادة 19 على أنه في حال وجود دولة في البحر الأسود في حالة حرب مع دولة ثانية، من داخله أو خارجه، يحق لدولة المضائق تركيا أن تغلق المضائق أمام سفن هذه الدولة. وتركيا منذ بداية التوتر الروسي - الأوكراني وبدء الحرب على أوكرانيا حاولت تجنب اتخاذ موقف حاسم من مسألة إغلاق المضائق من عدمه. وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إن الخبراء الأتراك يدرسون ما إذا كانت الحرب في أوكرانيا تشكل «حالة حرب» كما تشترط اتفاقية مونترو، أم لا.

 وفي الواقع كانت تركيا تحاول شراء بعض الوقت علّ الحرب تتوقف وتتفادى الحرج. لكن تركيا حسمت الأمر لاحقاً باعتبار ما يجري في أوكرانيا «حالة حرب» وأخطرت كلاً من روسيا وأوكرانيا بعدم مرور سفنها الحربية في المضائق.

 يمكن للدولة التي في حالة حرب مع غيرها أن تطلب من تركيا مرور سفن حربية لها في المضائق في حالة واحدة وهي أن تكون هذه السفن تريد العودة إلى قاعدتها المسجلة فيها.

 وفي الواقع، فإن التزام تركيا بإغلاق المضائق مسألة حساسة من جهتين.

 *الأولى هو أن إغلاق المضائق سيفسر من جانب روسيا على أنه خطوة عدائية تركية ضدها وحينها قد تجازف تركيا بخسارة شراكتها مع روسيا في العديد من القضايا المهمة والرابحة لتركيا في اكثر من مجال ومكان.

لكن تركيا استبقت المواقف وقالت إنها في حالة الإغلاق إنما سيكون تطبيقاً للاتفاقية وليست كموقف عدائي ضد أحد.

* أما من الجهة الثانية فهو أنه إذا كانت حالة الحرب في أوكرانيا تنطبق على أحكام مونترو كان على تركيا تطبيق الاتفاقية حرفياً، وإلا اعتبرت تركيا بالذات هي التي تنتهك المعاهدة بعدم تطبيقها، وهذا يخلق لتركيا مشكلات مستقبلية خطيرة جداً، إذ سيطالب أكثر من طرف تعديل الاتفاقية ويلجأ إلى انتهاكها. لذلك رسا الخيار التركي على أن إغلاق المضائق أمام السفن الحربية الروسية والأوكرانية سيكون «أهون الشرّين»، وتلافياً لتهديد الأمن القومي التركي الذي تحميه اتفاقية مونترو وتعتبر من أبرز ركائزه. وبالطبع، من الآن فصاعداً سوف تتجه الأنظار، فضلاً عن تطورات المعركة العسكرية بين موسكو وكييف، إلى تداعيات قرار تركيا إغلاق المضائق على العلاقات مع روسيا، وما إذا كانت «الشراكة» التركية – الروسية ستتأثر سلباً، وإلى أية درجة، وفي أية قضايا.

 

*صحيفة"الخليج"الاماراتية

  مواضيع أخرى للمؤلف
←  مفاجآت الانتخابات البلدية في تركيا
←  إردوغان بعد الهزيمة التاريخية هل هذه النهاية؟
←  النخبة الحاكمة في تركيا والقضية الكردية
←  هاكان فيدان: ديبلوماسية الاستخبارات... تَخرج من الظلّ
←  الكرد محبَطون.. بيضة القبان تفقد ثقلها
←  المعارضة تحت الصدمة: إردوغان يشقّ طريق الولاية الثالثة
←  إردوغان يرفع التحدّي.. الهزيمة غير واردة!
←  تخليد الإردوغانية أو إحياء الأتاتوركية
←  أرانبُ متكاثرة أمام كيليتشدار أوغلو: آمال المعارضة تتضاءل
←  التزكية الكردية لـكمال بك تستنفر إردوغان
←  واشنطن-انقرة ..ما بعد دبلوماسية الزلزال
←  تركيا والعام الجديد
←  من «لوزان» إلى «الإردوغانية».. كرد تركيا لا يستقرّون
←  تفجير إسطنبول لا يوحّد تركيا.. تشكيكٌ في رواية السلطة
←  تذبذب تركيّ حيال سوريا: عودةٌ إلى لغة التهديد
←  أصوات تركية مؤيدة: حان وقت «تصفير المشكلات»
←  مطالَبات متجدّدة بإنصاف العلويّين
←  مجزرة دهوك بعيونٍ تركية: «نقطة انكسار» لأنقرة
←  مئويّة «لوزان»: لا أحد راضياً
←  ما بين الشرق والغرب... تركيا التائهة في تموضعها
←  قلق كرديّ جماعيّ... الخسارات تتكاثر
←  قراءات في الاتفاق الثُلاثي: «الناتو» أَوقع بتركيا
←  ​تركيا تعزّز موقعها «الأطلسي»
←  عن الانتخابات الرئاسية التركية
←  ابن سلمان في أحضان إردوغان.. المال يتكلّم
←  ما وراء الخطى الإردوغانية.. النزعة العثمانية لا تزال حية
←  تركيا في الزمن الانتخابي: لُعبة إردوغان الأخيرة
←  تردّد تركي في سوريا: الخوف من إيران... لا من روسيا!
←  لماذا «المنطقة الآمنة» في شمال سوريا؟
←  الحرب الخامسة في سوريا: تركيا تغامر بالتفاهمات
←  أنقرة وواشنطن تُجدّدان شراكتهما
←  شرارات الحصار تطاول الحلفاء.. خسائر بالجملة تنتظر تركيا
←  تركـــيا تغلــق المضائـــــق
←  تركيا تغلق المضائق: مجازفة معلَنة بالمصالح الروسية
←  أوكرانيا.. تركيا والوساطة المستحيلة
←  تركيا و «عاصفة الشمال»: نحو وساطة «أوكرانية» لتلافي الأسوأ
←  إردوغان يكرّر لُعبة 2019: استمالة الكرد بتشتيت صفوفهم
←  عام المصالحة التركية- العربية
←  نافذة فرص تنفتح لموسكو: قنبلة كازاخستان... بوجه أنقرة؟
←  تركيا أمام التغيير
←  شتاء «المعجزة التركية» انهيار بلا قاع
←  تحوّلات إردوغان في ميزان خصومه
←  المعارضة تسعّر معركتها.. لا إجماع على القتال في سوريا
←  بايدن – أردوغان: المواجهة 2023 !
←  إردوغان «يُموَّت» مرّة أخرى: مَن سيَخلف «السلطان»؟
←  إردوغان «يُموَّت» مرّة أخرى: مَن سيَخلف «السلطان»؟
←  قمم «الصديقَين اللدودَين»