×

  رؤا

إيران وضعت خياراتها للردِّ لكنَّ الأسوأ سيناريو يوم القيامة

15/04/2024

محمد صالح صدقيان:

باحث في الشؤون السياسية والإستراتيجية. ينشر مقالاته في موقع بوست 180

 

تصاعدت حدة التوتر في المنطقة خلال الـ72 ساعة الماضية بعدما سرَّبت واشنطن معلومات عن نيَّة إيران تنفيذ تهديدها بالرد على الكيان الإسرائيلي لتورّطه بالهجوم على مقرِّ السفارة الإيرانية بدمشق. ما دعم هذه التسريبات تكرار المرشد الإيراني الأعلى الإمام علي الخامنئي خلال خطبة عيد الفطر اتهاماته للكيان بأنه أخطأ خطأ كبيراً عندما اعتدى على مبنى البعثة الإيرانية في العاصمة السورية دمشق في الأول من أبريل الحالي التي اعتبرها سيادة وأرضاً إيرانية وتوعد برد من {الشباب} على هذا الخطأ في إشارة واضحة للحرس الثوري الذي ينفذ هذه التهديدات.

وعلی الرغم من أنَّ إيران عاشت الأيام الماضية في هدوء سبق انتهاء عطلة عيد الفطر ورأس السنة الإيرانية؛ إلا أنَّ الأوساط الإقليمية والإسرائيلية تحديداً كانت تترقب الردَّ الإيراني خصوصاً أنَّ بعض خطوط الطيران الأجنبية قد أوقفت رحلاتها لإيران في الوقت الذي دعت فيه بعض الدول رعاياها لعدم التوجه للشرق الأوسط مما زاد في رفع نسبة التوتر الإقليمي التي هي بالأصل متوترة منذ السابع من أكتوبر.

وفي ظل هذه الأجواء كان الجميع يتساءل عن موعد الرد الإيراني؛ وعلی أي مستوی؟ ومن أين يكون هذا الرد؟ أهو من داخل الأراضي الإيرانية أم من خارجها؟.

لم يتحدث الإيرانيون عن طبيعة هذا الرد؛ لكن ما سمعناه من تهديدات جعلنا نتيقن أنه حاصل لا محالة؛ لكن ما لم نسمعه هو طبيعة هذا الرد؛ لأنَّ الجهة المستهدفة لم تكن جهة عادية بسبب ارتباطها الوثيق مع الولايات المتحدة؛ وتصريح الرئيس الأميركي جو بايدن أنه سيقف إلی جانب الكيان الإسرائيلي إذا تعرض لهجوم؛ إضافة إلى دعوته طهران لعدم القيام بالرد. واستناداً لهذا الموقف دعت واشنطن عدداً من وزراء خارجية الدول الأوروبية مثل بريطانيا وألمانيا وأستراليا للاتصال بطهران ونقل الطلب الأميركي وبالفعل تم هذا الأمر مساء الأربعاء الماضي وسمع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان من هؤلاء وأسمعهم أيضاً ما تفكر به طهران خصوصاً انتقاده الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي الذي عقد اجتماعاً لدراسة تداعيات هجوم الكيان على السفارة الإيرانية بدمشق لكنه لم يُدن الهجوم ولم يعاقب هذا الكيان وهذا ما تم نقله بشكل واضح، ورأى أنَّ من حق إيران المبادرة بالعقاب في ظل سكوت مجلس الأمن الدولي الذي ينظر بانتهاكات الدول للسلم والأمن العالمي.

المصادر الدبلوماسية تحدثت عن تبادل رسائل بين واشنطن وطهران منذ الأول من أبريل/ نيسان حثت فيها واشنطن علی عدم الرد؛ لكن طهران قالت بشكل واضح كما نقلت هذه المصادر إنَّ طهران لا يمكن لها أن تمر مرور الكرام علی الاستهداف الإسرائيلي للبعثة الإيرانية في العاصمة السورية.

كثيرون كتبوا عن السيناريوهات الممكنة للرد وهي بمجملها تدخل في إطار التكهنات والتحليل السياسي وفق المعطيات المتوفرة لكن المعطيات الميدانية تشير إلی جملة محددات تلتزم بها طهران. الأول؛ أنَّ الرد الإيراني لن يكون بالمثل؛ بمعنی لن يكون شخصاً مقابل شخص؛ وسفارة مقابل سفارة؛ ومبنی مقابل مبنی. لأنه في الحالات المماثلة السابقة لم ترد إيران بهذا السلوك وإنما كان ردها موجهاً للأمن القومي الإسرائيلي وما يمكن أن يؤذي هذا الأمن؛ بمعنی أنه يستهدف الوجود الإسرائيلي كالذي فعلته إيران عندما قامت برفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلی 60 بالمئة عندما قامت إسرائيل بعملية تخريبية استهدفت منشأة نظنز التي كانت تخصب اليورانيوم بنسبة 20 بالمئة.

الثاني؛ أنَّ إيران لا تريد أن تنخرط في تحقيق الحلم الإسرائيلي الذي يحلم به نتنياهو وحكومة الحرب الإسرائيلية في استدراج إيران لفتح جبهة قتال من أجل استدراج الولايات المتحدة لهذه الجبهة لأنه يعلم بشكل جيد أنَّ الولايات المتحدة سوف تدخل الحرب في حالة دخول أي دولة علی خط المواجهة مع إسرائيل خصوصاً عندما تكون تلك الدولة هي إيران؛ ولذلك فإنَّ طهران لا تريد أن تحقق الفخ الذي يريده نتنياهو.

إنَّ إيران ليست ميليشيا حزبية ولا مجموعة تخرج للثأر دون حساب؛ وإنما هي دولة تأخذ بنظر الاعتبار جميع المتغيرات السياسية والأمنية بنظر الاعتبار قبل أن تقوم بـ"تقدير الموقف" الذي يعتمد عليه طبيعة الرد.

مصادر إيرانية مواكبة نقلت أنَّ إيران وضعت خطتها للرد عبر عدة بدائل موضوعة علی الطاولة وهذه البدائل تنفذ استناداً إلی قراءتها وتقديرها للأوضاع داخل الكيان وداخل قطاع غزة؛ لكن تضيف هذه المصادر أنَّ وقف إطلاق النار في غزة بانسحاب الجيش الإسرائيلي وعودة النازحين لمناطقهم ربما يجعل طهران تعيد صياغة بدائلها استناداً لهذه التطورات. لكن هذه المصادر أكدت أنَّ القيادة الإيرانية أعطت الأوامر بشكل قاطع لمواجهة أي هجوم تتعرض له إيران في حال قيامها بالرد والذي يمكن تسميته بسيناريو "يوم القيامة" لأنَّ النار لن تحدها حدود معينة ولا تقتصر علی منطقة دون أخرى. وأنَّ احتجاز السفينة بالقرب من مضيق هرمز يوم السبت الماضي رسالة أرادت إيران توجيهها لمن يهمه الأمر ولمن يريد أن يعرف قدرات إيران ولا يدخل في إطار الرد الإيراني علی إسرائيل.

وحسب المصادر فإنَّ إيران أرادت تنبيه الولايات المتحدة من خلال هذه الأزمة إلی أنَّ تعاطيها مع ملفات الشرق الأوسط يجب أن تعاد صياغته وأنَّ سياسة "إسرائيل أولاً" يجب أن يعاد النظر بها لأنها مكلفة للمصالح الأميركية ولأمن واستقرار المنطقة كما هي مكلفة للمجتمع الإقليمي والدولي.

[email protected]

  مواضيع أخرى للمؤلف