*إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية
اجتمع قادة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل في يومي 18 و19 نوفمبر 2024 لمناقشة العديد من القضايا الدولية المُلحَّة، ومنها تغير المناخ والتوترات السياسية والاقتصادية العالمية. وعُقدت قمة المجموعة لهذا العام بعد أسابيع فقط من نجاح دونالد ترامب في العودة إلى البيت الأبيض بعد فترة ولايته الأولى، عندما استهدف الترتيبات المتعددة الأطراف، وسحب الولايات المتحدة من اتفاقية التجارة الحرة للشراكة عبر المحيط الهادئ واتفاقية باريس للمناخ، وهو الأمر الذي أثار الشكوك بشأن قدرة دول المجموعة على إصدار بيان ختامي توافقي.
تناول قادة مجموعة العشرين في القمة جدول أعمال يعكس تحولاً في النظام الدولي، في محاولة لدعم توافق متعدد الأطراف حول عدد من القضايا الحساسة، كالحربين الدائرتين حالياً في أوكرانيا والشرق الأوسط. وسلط شعار القمة "بناء عالم عادل وكوكب مستدام"، الضوء على أهمية معالجة الفقر وتغير المناخ وإصلاح الحوكمة الدولية، مع التركيز على النمو الشامل، والاستدامة البيئية، وتعزيز التعاون الدولي لمواجهة التحديات العالمية.
نتائج مختلطة
أسفرت قمة مجموعة العشرين عن عدد من النجاحات التي تُمثل تقدماً في مسار التعاون الدولي المتعدد الأطراف بشأن عدد من القضايا الدولية المهمة التي وضعتها الرئاسة البرازيلية للقمة في مقدمة جدول الأعمال، لكنها أخفقت في الوقت نفسه في إحراز نجاحات ملموسة في قضايا أخرى، كما جاء في الإعلان المشترك الصادر عن قادة الدول الأعضاء في 18 نوفمبر الجاري؛ وذلك كما يتبين فيما يلي:
1– إطلاق التحالف العالمي لمكافحة الجوع والفقر:
كانت إحدى الأولويات العليا للرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا تشكيل تحالف عالمي ضد الجوع، وقد حقق نجاحاً مبكراً بإعلانه إطلاق التحالف خلال افتتاح مؤتمر القمة في 18 نوفمبر 2024، ووقعت عليه 84 دولة حتى الآن، كما تدعمه منظمات خيرية عدة، منها مؤسسة روكفلر ومؤسسة بيل وميليندا جيتس.
ويعتزم التحالف الجمع بين المبادرات العالمية لتقديم التمويل لحملة مكافحة الجوع، فضلاً عن تكرار البرامج التي أثبتت نجاحها في بعض البلدان. والهدف هو الوصول إلى نصف مليار شخص بحلول نهاية العقد؛ ما يقلل مما يصفه لولا، الذي نشأ في أسرة فقيرة، بأنه "آفة وعار على الإنسانية" يمكن تجنُّبها. وقال الرئيس البرازيلي: "الجوع والفقر ليسا نتيجة للندرة أو الظواهر الطبيعية، إنهما نتاج قرارات سياسية"، وأضاف: "في عالم يُنتِج ما يقرب من ستة مليارات طن من الغذاء سنوياً، هذا غير مقبول".
2– دعم الحل السلمي للحرب في أوكرانيا:
هيمنت الحرب في أوكرانيا على مفاوضات مجموعة العشرين، بعدما منحت الولايات المتحدة كييف الإذن بضرب الأراضي الروسية بصواريخ بعيدة المدى قدمتها واشنطن. وتعهدت روسيا بالرد إذا تعرضت لهجوم. وطلب الرئيس الصيني شي جين بينج – الذي كان يدعو مع البرازيل كييف إلى الدخول في مفاوضات سلام مع روسيا – من مجموعة العشرين المساعدة في "تهدئة" الحرب. وبعد غارة جوية روسية ضخمة على أوكرانيا في 17 نوفمبر الجاري، ضغط دبلوماسيون أوروبيون لإعادة النظر في اللغة المتفق عليها سابقاً بشأن الصراعات العالمية، لكنهم رضخوا في نهاية المطاف.
وفي إعلانهم الختامي، أعرب قادة مجموعة العشرين عن دعمهم "جميع المبادرات ذات الصلة والبناءة التي تدعم سلاماً شاملاً وعادلاً ودائماً" في أوكرانيا، وأدانوا "التهديد أو استخدام القوة للسعي إلى الاستحواذ على الأراضي"، كما فعلوا في قمة المجموعة العام الماضي، لكنهم لم يذكروا روسيا بشكل مباشر مثلما كانت ترغب الدول الأوروبية والولايات المتحدة. يُذكر أن الرئيس فلاديمير بوتين لم يحضر القمة، ومثَّل موسكو وزير الخارجية سيرجي لافروف.
3– الدعوة لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان:
دعا قادة مجموعة العشرين، التي تضم مؤيدين مخلصين لإسرائيل، مثل الولايات المتحدة والأرجنتين، فضلاً عن دول أكثر تأييداً للفلسطينيين، مثل تركيا والبرازيل، إلى وقف إطلاق نار "شامل" في غزة ولبنان، وذكروا أن وقف إطلاق النار في غزة يجب أن يكون متسقاً مع قرار الأمم المتحدة الذي ترعاه الولايات المتحدة والذي يُطالب بهدنة دائمة في المنطقة مقابل إطلاق حماس سراح جميع الأسرى، كما طالبوا بهدنة في لبنان تسمح للسكان بالعودة بأمان إلى منازلهم على جانبي الخط الأزرق، الذي يفصل بين القوات المسلحة اللبنانية والإسرائيلية. ومثل روسيا، تجنب الإعلان المشترك، إدانة إسرائيل بشكل مباشر، ودعا بشكل عاجل إلى مزيد من المساعدات والحماية للمدنيين، مع تسليط الضوء على الوضع الإنساني المأساوي في كلتا الحالتين.
4– الاتفاق على أهمية إصلاح الحوكمة العالمية:
تعهد الزعماء بالعمل من أجل "إصلاح تحويلي" لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بحيث يتماشى "مع حقائق ومتطلبات القرن الحادي والعشرين، ويجعله أكثر تمثيلاً وشمولاً وكفاءة وفاعليةً وديمقراطية ومساءلةً". وجاء في الإعلان: "إننا ندعو إلى تشكيل موسع لمجلس الأمن يعمل على تحسين تمثيل المناطق والمجموعات غير الممثلة، مثل أفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ وأمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي".
وكان الرئيس البرازيلي يدعو إلى إصلاح مجلس الأمن الدولي منذ ولايتيه الأوليين في السلطة، من 2003 إلى 2010، لكن هذه الدعوة لم تكتسب سوى القليل من الزخم. وباعتباره مكلفاً بالحفاظ على السلام والأمن الدوليين، لم يتغير المجلس عن تكوينه الأصلي عام 1945.
تتمتع خمس دول كانت قوى مهيمنة في نهاية الحرب العالمية الثانية بحق النقض (الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا) بينما تشارك 10 دول من مناطق مختلفة فترات مدتها عامان كأعضاء غير دائمين.
وثمة توافق حالياً على أنه بعد مرور ما يقرب من ثمانية عقود منذ إنشاء الأمم المتحدة، فإن مجلس الأمن لا بد أن يتوسع ليعكس العالم في القرن الحادي والعشرين. ولكن المعضلة المركزية والخلاف الأكبر يظلان حول كيفية القيام بذلك. ولا يجيب إعلان مجموعة العشرين عن هذا السؤال.
5– إحراز تقدم محدود في قضية تمويل المناخ:
اتفق القادة في إعلانهم المشترك على أن العالم يجب أن يتوصل إلى اتفاق بحلول نهاية قمة الأمم المتحدة لتغير المناخ COP29 في أذربيجان، بشأن وضع هدف مالي جديد لمقدار الأموال التي يجب على الدول الغنية تقديمها للبلدان النامية الأكثر فقراً. وكان من المتوقع أن يُسهم هذا الإعلان في إحياء مفاوضات الأمم المتحدة المتعثرة بشأن المناخ في أذربيجان، باعتبارها النقطة الشائكة الرئيسية في هذه المفاوضات. مع ذلك، أقر قادة المجموعة، في بيانهم الختامي، بضرورة "زيادة تمويل المناخ بشكل كبير من مليارات إلى تريليونات من جميع المصادر".
الأهم من ذلك، أنهم لم يذكروا من سيوفر هذه التريليونات، كما لم يتم – بشكل مباشر – تأكيد التعهد بـ"انتقال عادل ومنظم ومنصف" بعيداً عن الوقود الأحفوري، الذي أُقر خلال قمة المناخ COP28 في دبي عام 2023؛ ما دفع بعض الخبراء إلى القول بأن قادة المجموعة لم يرتقوا إلى مستوى التحدي الذي يُمثله تغير المناخ عالمياً؛ لأن هذا الغموض في إعلان مجموعة العشرين يُهدد بتقويض الثقة بالمفاوضات؛ حيث إن نفوذ المجموعة أمر حاسم لسد الفجوات بين الدول المتقدمة والنامية، كما أن دولها مسؤولة عن أكثر من ثلاثة أرباع الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري.
مع ذلك، يرى البعض أن الدول الصاعدة انتصرت في هذه المفاوضات؛ فقد أرادت البلدان الغنية، وخاصة الأوروبيين، أن تتقاسم البلدان الناشئة، مثل الصين والبرازيل، تكاليف تمويل المناخ العالمي. واعتبرت البرازيل وبلدان أخرى هذا المطلب غير مقبول، ولم يتم تضمينه في الإعلان الختامي كما أرادت الدول المتقدمة.
6– تحقيق انفراجة بشأن مقترح فرض ضريبة على فاحشي الثراء:
تمكن لولا من حشد الدعم لمحاولة زيادة الضرائب على الأثرياء بتعهد غير ملزم في إعلان القادة "بالمشاركة بشكل تعاوني لضمان فرض ضرائب فعالة على ذوي الثروات الفائقة"، ووضع آليات لمنعهم من التهرب من السلطات الضريبية. يأتي هذا التقدم بعد المعارضة الأولية للمقترح من قبل بعض القوى العالمية الفاعلة، ومنها الولايات المتحدة وألمانيا والأرجنتين.
مع ذلك، قال بيان قادة القمة إن هذا النوع من التعاون يجب أن يكون "مع الاحترام الكامل للسيادة الضريبية". وأشاد جابرييل زوكمان – وهو خبير اقتصادي في عدم المساواة، عيَّنه رئيس مجموعة العشرين البرازيلي لصياغة دراسة حول هذا الموضوع – بالبيان ووصفه بـ"القرار التاريخي".
ومن شأن مثل هذه الضريبة أن تؤثر على نحو 3000 شخص في جميع أنحاء العالم، منهم نحو 100 في أمريكا اللاتينية، وتسعى إلى الاستفادة من هذه الأموال في تمويل جهود مكافحة التغير المناخي والجوع.
دلالات مهمة
لنتائج قمة مجموعة العشرين لعام 2024 والاجتماعات التي عُقدت على هامشها، عدد من الدلالات المهمة، سواء على مستوى النظام الدولي الراهن أو مآلات التعاون الدولي المتعدد الأطراف، وكذلك مستقبل المجموعة نفسها؛ وذلك على النحو التالي:
1– تفاقم المخاوف الدولية بشأن عودة ترامب إلى الحكم:
أقر المسؤولون البرازيليون بأن بعض القضايا المطروحة على جدول أعمالهم لمجموعة العشرين – ومنها التنمية المستدامة وفرض ضرائب على فاحشي الثراء – قد تفقد زخمها عندما يبدأ الرئيس الأمريكي المنتخب "دونالد ترامب" صياغة الأولويات العالمية من البيت الأبيض.
ومن المرجح أن تصطدم مناقشات قادة مجموعة العشرين حول التجارة وتغير المناخ والأمن الدولي في القمم القادمة بالتغييرات الحادة في السياسة الأمريكية التي تعهد بها ترامب عند توليه منصبه، من التعريفات الجمركية إلى الوعد بحل تفاوضي للحرب في أوكرانيا.
وفي هذا الإطار، يخشى البعض أن يلعب ترامب في المستقبل دور "المعرقل" للمفاوضات المتعددة الأطراف، ويقوض الجهود الدولية للتعاون في مواجهة التحديات الدولية المتصاعدة.
2– بروز دور الصين كقوة عالمية مسؤولة:
مثَّلت قمة العشرين بريو دي جانيرو فرصة مهمة للصين لإظهار أنها شريك أكثر استقراراً ويمكن التنبؤ به مقارنة بالولايات المتحدة في ظل رئاسة ترامب المقبلة. وقد يدفع هذا إلى تعزيز الشراكات الصينية؛ ليس فقط مع دول الجنوب العالمي، بل أيضاً مع عدد من الدول الأوروبية في مواجهة حمائية ترامب التجارية ونهجه الذي يقلل من أهمية المنظمات الدولية، والمنكر للتغيرات المناخية.
وبالفعل، انتهز الرئيس الصيني شي جين بينج الفرصة للإعلان عن مجموعة من التدابير المصممة لدعم الاقتصادات النامية في "الجنوب العالمي"، من التعاون العلمي مع البرازيل والدول الأفريقية إلى خفض الحواجز التجارية أمام أقل البلدان نمواً.
وبينما لعب شي دوراً محورياً في القمة، ظهر الرئيس الأمريكي جو بايدن كـ"بطة عرجاء" مع بقاء شهرين فقط في البيت الأبيض. وفي حين ينتظر العالم إشارات من حكومة ترامب القادمة، كان شي يروج للصعود الاقتصادي للصين، ومنه مبادرة الحزام والطريق بعدما افتتح ميناءً ضخماً في المياه العميقة في بيرو الأسبوع الماضي.
ورغم رفض البرازيل حتى الآن الانضمام إلى مبادرة البنية التحتية العالمية، لكن الآمال كبيرة في شراكات صناعية أخرى عندما يختتم شي إقامته في البلاد بزيارة دولة إلى برازيليا في 20 نوفمبر الجاري.
3– تنامي نفوذ القوى الصاعدة:
كشفت قمة العشرين بالبرازيل لهذا العام، ومن قبلها القمة التي عُقدت في الهند عام 2023، عن تصاعد دور وتأثير عدد من القوى الصاعدة في النظام الدولي، وهي الدول التي تسعى إلى استثمار استضافتها التجمعات والمنتديات الدولية المهمة لإظهار قدرتها على صياغة الأجندة الدولية، والتعبير عن مخاوف بلدان الجنوب العالمي والدفاع عن مصالحها.
كان هذا واضحاً خلال قمة المجموعة الأخيرة بالهند، التي أعلنت عن انضمام الاتحاد الأفريقي عضواً دائم العضوية بالمجموعة، وكذلك في قمة البرازيل لهذا العام، التي شارك فيها التكتل الأفريقي لأول مرة بعد حصوله على صفة العضوية الدائمة.
هذا بالإضافة إلى توسيع برازيليا أجندة المجموعة لتشمل عدداً من القضايا التي تشكل أولوية خاصة للبلدان النامية، وكذلك تنوع الأطراف المشاركة في القمة، بحيث لم تقتصر على قادة الحكومات ورؤساء الدول، بل شملت أيضاً ممثلين عن المنظمات غير الحكومية والحركات الاجتماعية العالمية، فيما يُعرف بالقمة الاجتماعية لمجموعة العشرين، التي عُقدت هذا العام لأول مرة منذ أول قمة لقادة دول المجموعة في عام 2008.
وقد تضمن البيان الختامي للقمة عدداً من مطالب الحركات الاجتماعية من أجل العدالة العالمية، ومكافحة الجوع وتغير المناخ، والإصلاح العاجل للحوكمة الدولية.
في الواقع، أقر قادة العالم بأن أجندة البرازيل كرئيسة للقمة، دفعت النقاش إلى ما وراء القضايا التقليدية التي تُدافع عنها القوى الغربية. وقال المستشار الألماني أولاف شولتز على هامش القمة: "نشهد تغييراً كبيراً في الهياكل العالمية"، مشيراً إلى الوزن المتزايد للاقتصادات النامية الكبرى.
وقال: "هذه دول تريد أن تقول كلمتها، ولن تقبل بعد الآن أن يستمر كل شيء على ما كان عليه منذ عقود". ومع اختتام القمة في 19 نوفمبر الجاري، سلَّم لولا رئاسة القمة إلى جنوب أفريقيا، مضيفة مجموعة العشرين العام المقبل. وأشار رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا إلى النمو الاقتصادي الشامل والأمن الغذائي والذكاء الاصطناعي كأولويات لعام 2025.
4– تعمق الخلافات بين رئيسي الأرجنتين والبرازيل:
أعلن الرئيس الأرجنتيني "خافيير ميلي" في 18 نوفمبر الجاري أنه لن يدعم عدة بنود في الإعلان الختامي لقمة مجموعة العشرين، كتنظيم محتوى وسائل التواصل الاجتماعي، وإصلاح الهيئات العالمية و"خطة الأمم المتحدة لعام 2030" لأهداف التنمية المستدامة، وخاصةً تكثيف تدخل الدولة لمكافحة الجوع، في الوقت الذي دعا فيه قادة دول المجموعة إلى تبني رأسمالية السوق الحر. مع ذلك، أعرب ميلي عن أن بلاده لن تقف في طريق توقيع الإعلان واعتماده، وهو ما حدث بالفعل.
وسلط موقف الأرجنتين الضوء على دور ميلي "المفسد" في قمة مجموعة العشرين، كما تعمق الصدع الواضح بين ميلي الزعيم اليميني التحرري ومضيف مجموعة العشرين الرئيس لولا، الذي استخدم المجموعة للاحتجاج على "النيوليبرالية"، التي يُحمِّلها مسؤولية المصاعب الاقتصادية وإضعاف الديمقراطيات.
سبق أن وصف الرئيس الأرجنتيني لولا بأنه "شيوعي" و"فاسد"، بينما هو من أشد المعجبين بالرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب؛ حيث كان ميلي أول زعيم عالمي يلتقي ترامب بعد فوز الجمهوريين في الانتخابات، في حفل أقيم الأسبوع الماضي بفلوريدا.
وبصفتها البلد المضيف، كان على البرازيل أن تُحاول إيجاد أرضية مشتركة بين مختلف الدول الأعضاء في مجموعة العشرين – ومنها الولايات المتحدة والصين وروسيا – مع الاستمرار في إظهار بعض الشعور بالتعاون الدولي. وفاز تحالف لولا المناهض للجوع بدعم جميع الدول الأعضاء في المجموعة، ومنها الأرجنتين بعد مفاوضات كثيرة في اللحظة الأخيرة.
5– تحول مجموعة العشرين إلى ساحة محتملة للتنافس الدولي:
تُمثل الدول الـ19 الأعضاء في المجموعة مجتمعةً، نحو 85% من الاقتصاد العالمي وأكثر من 75% من التجارة الدولية. ولمجموعة العشرين تاريخ من الإنجازات، منها دورها في تنسيق الجهود الدولية لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد العالمي خلال الأزمة المالية لعام 2008، ودعمها الفعال لاعتماد اتفاقية باريس في عام 2015، والالتزام بمكافحة تغير المناخ من خلال الإجراءات الوطنية والجماعية.
مع ذلك، من المرجح أن تتحول المجموعة خلال السنوات الأربع القادمة إلى ساحة للتنافس بين القوى الكبرى، خاصةً الولايات المتحدة والصين، في ظل نهج ترامب المؤيد للحمائية التجارية؛ حيث تعهد بفرض تعريفات جمركية على جميع السلع المستوردة إلى الولايات المتحدة من الصين تزيد عن 60%، وهي أعلى بكثير من تلك التي فُرضت خلال فترة ولايته الأولى.
وقد يكون لهذا التنافس الدولي المتزايد تداعيات خطيرة على فاعلية دور المجموعة التي تُكافح من أجل صياغة توافق دولي بشأن القضايا العالمية الأكثر إلحاحاً، كتمويل تغير المناخ وانتقال الطاقة العادل والمنصف.
في هذا السياق، رفض زعماء اقتصادات مجموعة العشرين الإشارة إلى "مقاومة الحمائية" في بيان مشترك في 18 نوفمبر 2024، لكنهم قالوا إنهم سيهدفون إلى نظام تجاري عادل ومفتوح قائم على القواعد في أول اجتماع لهم منذ إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة. وشدد البيان على أهمية التعاون الدولي المتعدد الأطراف؛ حيث قال: "لا يمكن التصدي للتحديات التي يواجهها المجتمع العالمي اليوم إلا من خلال حلول متعددة الأطراف لغد أفضل وتعزيز الحوكمة العالمية للأجيال الحالية والمستقبلية".
6– زيادة الاتجاهات التعاونية الدولية:
في مواجهة التنافس المتزايد بين القوى الكبرى، كشفت قمة ريو أن مجموعة العشرين لا تزال منصة مهمة للتعاون الدولي حول بعض التحديات الدولية، كالتغير المناخي والجوع والفقر. ويدفع القادة الأوروبيون، على وجه الخصوص، نحو الحفاظ على التعاون المتعدد الأطراف وسط التوترات الجيوسياسية المستمرة. كان هذا واضحاً في ظل استباق الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" القمة بزيارة الأرجنتين؛ حيث التقى رئيسها في 17 نوفمبر 2024، لإقناعه بمواصلة دعم "الإجماع الدولي" بشأن القضايا العالمية، بما في ذلك تغير المناخ، في ظل المخاوف من عرقلة الأرجنتين المحادثات حول نص البيان الختامي لقمة العشرين، وانسحابها المحتمل من اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015، بعد أن سحب ميلي وفد بلاده الذي كان يشارك في مؤتمر تغير المناخ COP29 المنعقد حالياً في أذربيجان.
في السياق ذاته، شكَّلت القمة فرصة مهمة لتعزيز التعاون بين الدول التي تميزت علاقاتها في الماضي بقدر كبير من التوتر. على سبيل المثال، عُقد لقاء بين رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الصيني شي جين بينج على هامش القمة، مع سعي ستارمر إلى بناء علاقة "نفعية" مع الصين.
وكان هذا اللقاء هو الأول بين رئيس وزراء بريطاني ورئيس صيني منذ فبراير 2018، مع تدهور العلاقات بين البلدين، بسبب مخاوف بشأن الأمن وحقوق الإنسان. وقال رئيس الوزراء البريطاني: "من الواضح أن اقتصاد الصين هو ثاني أكبر اقتصاد في العالم. إنها واحدة من أكبر شركائنا التجاريين، ومن ثم سأجري مناقشات برجماتية جادة مع الرئيس عندما ألتقيه".
من جملة ما سبق، يمكن القول إن انعقاد قمة مجموعة العشرين لعام 2024 بريو دي جانيرو بالبرازيل، جاء في توقيت غاية في الأهمية، في ظل حالة عدم اليقين السائدة بشأن توجهات الإدارة المقبلة للرئيس الأمريكي المنتخب والتوترات العالمية المتزايدة وسط الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط.
وكانت هناك مخاوف حقيقية من الفشل في التوصل إلى توافق في الآراء بين قادة الدول المجتمعة، في ظل اعتراض مفاوضي الأرجنتين على بعض البنود الواردة في مسودة الإعلان المشترك الصادر عن القمة، وامتناعهم في نهاية المطاف عن تأييد الوثيقة الكاملة.
مع ذلك، نجح قادة المجموعة في التوافق حول إعلان مشترك، متغلبين على انقسامات عميقة بشأن عدد من القضايا، وإن جاءت صياغة الإعلان عامةً في أغلب الأحيان، مع الافتقار إلى آليات محددة وتدابير وملموسة للتنفيذ.