*محمد شيخ عثمان
في الوقت الذي يصادف فيه الذكرى السنوية للغزو الصدامي للكويت في الثاني من أغسطس 1990، الذي أسفر عن دمار هائل وخلّف آثارا لا تزال تشكل جزءا من تاريخ المنطقة، يتزامن هذا الحدث مع مرور أحد عشر عاما على فاجعة شنكال، الجريمة المروعة التي ارتكبها تنظيم داعش بحق الإيزديين في 3 أغسطس 2014.
كما تأتي هذه الذكرى أيضا في وقت حساس تم فيه القبض على أحد أبرز مجرمي النظام السابق،المعروف بجلاد معتقل نكرة سلمان المجرم حجاج التكريتي، الذي ارتكب العديد من الجرائم الوحشية في فاجعة الأنفال.
إن هذه التواريخ، التي تحمل في طياتها مأساة شعب كردستان، تضعنا أمام مسؤولية كبيرة لنتأمل في تعاطي الدولة العراقية مع ملفات فاجعة الأنفال، جريمة الغزو الصدامي للكويت، وكارثة شنكال، فبينما سارعت الدولة العراقية في دفع تعويضات ضخمة للكويت كالتزام بقرارات المجتمع الدولي، تبقى جريمة الأنفال، التي ارتكبها نفس النظام، وجريمة شنكال التي تسببت بها القوى الإرهابية، بلا تعويضات ولا محاسبة جدية للمتورطين.
فبينما تُستعاد ذكرى فواجع وطنية على مدار التاريخ، لا بد من أن نتساءل: هل حان الوقت لكي تأخذ الدولة العراقية مسؤولياتها الوطنية في تعويض ضحايا هذه الجرائم، سواء كانت عبر سعي حقيقي لتحقيق العدالة أو من خلال إجراءات فاعلة لتضميد جراح المجتمعات التي عانت من تلك الأحداث المأساوية؟
لطالما كانت الدولة العراقية حاضرة في تقديم تعويضات مالية وإجراءات سياسية إزاء القضايا الدولية، وعلى رأسها التعويضات التي دفعتها للكويت نتيجة الغزو الصدامي في عام 1990، حيث قدمت العراق أكثر من 54 مليار دولار كتعويضات التزاما بقرارات مجلس الأمن الدولي. لكن عندما يتعلق الأمر بجرائم مماثلة ارتكبها النظام نفسه في فاجعة الأنفال، أو ما تعرض له الإيزيديون في شنكال، نجد أن مواقف الدولة العراقية تبدو مقتصرة على الأقوال أكثر منها على الأفعال، وهذا يعكس خللا كبيرا في التعامل مع ملفات حساسة تستدعي تفعيل الحس الوطني الحقيقي، بعيدا عن الانصياع لقرارات دولية قد تكون في بعض الأحيان خارج السياق الوطني ومن المهم أن نتذكر أن التعويضات التي دفعتها الدولة العراقية للكويت كانت ستكون أكثر قيمة إذا كانت من منطلق المسؤولية الوطنية، وليس فرضا من المجتمع الدولي، وهذا بالضبط ما يجب أن يكون عليه التعامل مع فاجعة الأنفال وشنكال وغيرها من الفواجع المأساوية من منطلق حس وطني مسؤول بعيدا عن الانصياع لقرارات الخارج.
ما حدث في شنكال ليس مجرد جريمة محلية، بل هو جرح إنساني يتطلب تحركا دوليا فاعلا، في الوقت الذي تُعقد فيه محاكمات دولية، يجب أن تواصل الحكومة العراقية جهودها للكشف عن المقابر الجماعية وتقديم تعويضات حقيقية للناجين من المجزرة واعمار يليق بمناطقهم، ونتطلع أيضا إلى مستقبل عادل وآمن، يتساوى فيه الجميع أمام القانون.
ومن خلال حس وطني عميق، يجب على الدولة العراقية أن تأخذ زمام المبادرة لمواجهة هذا التاريخ المؤلم عبر خطوات عملية نحو العدالة والإنصاف.