×

  رؤا

بكائية عباس أمام البرلمان التركي: العجز لا يصنع «بطلاً»

19/08/2024

  

اثنان يحتاج واحدهما إلى الآخر: رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، ليَظهر في صورة العجز طوال الأشهر العشرة الأخيرة، والرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، ليحسّن صورة العاجز عن ترجمة المواقف النظرية إلى دعم عملي للشعب الفلسطيني.

 على أن القصة بدأت عندما طالب رئيس «حزب المستقبل»، رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، إردوغان، بدعوة رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، لإلقاء خطاب أمام البرلمان التركي، ردّاً على خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أمام الكونغرس الأميركي في الـ24 من تموز الماضي.

 وسرعان ما ردّ إردوغان بأنه دعا عباس قبل ذلك، ولكن الأخير رفض. وشاء القدر أن يستشهد هنية بعد تلك الواقعة بأيام، فأعاد الرئيس التركي تجديد الدعوة التي قبِلها رئيس السلطة هذه المرة.وهكذا، جاء عباس إلى البرلمان التركي ليخاطب العالم بلغة أقلّ ما يمكن وصفها بأنها استفزازية وصادمة؛ فجلّ همّه، كما بيّن في خطابه، أن يعود إلى غزة ليرث سلطة «حماس».

 أمّا المحفل الذي أصغى إلى خطابه، فقد كان مؤلّفاً من قلّة قليلة قلوبها على غزة وفلسطين، فيما لا يزال «حزب العدالة والتنمية» (ومعه «حزب الحركة القومية») يسير بخطوات متثاقلة لم تَقطع العلاقات الديبلوماسية ولا التجارية مع إسرائيل على امتداد أشهر العدوان الطويلة على غزة، آخرها الانضمام إلى دعوى جنوب أفريقيا ضدّ إسرائيل أمام «محكمة العدل الدولية».

 أمّا أحزاب المعارضة، فقد ذهبت أبعد في استفزازاتها، عندما وصفت الرئيسة السابقة لـ«الحزب الجيد»، مرال آقشينير، «حماس» بأنها «إرهابية»، وأيضاً عندما كرّر زعيم «حزب الشعب الجمهوري»، أوزغور أوزيل، أكثر من مرّة وفي خطابات علنية، أن الحركة «منظمة إرهابية».

وفي هذه الأجواء الكئيبة، ألقى عباس كلمته «على الواقف»، بعدما رفض رئيس البرلمان، نعمان قورتولمش، من «حزب العدالة والتنمية»، طلبه التحدّث جالساً من على مقاعد النواب، بالنظر إلى أن ذلك يتعارض مع بروتوكولات المجلس، ليرافقه إلى منبره وزير العدل، بكر بوزداغ، المعروف بعدائه لمحور المقاومة، فيما تابع خطابه من على المنصة العليا المخصّصة للضيوف، الرئيس التركي وأركان الدولة والسفراء الأجانب، والذين وضعوا على رقابهم وصدورهم شالات حمل أحد طرفيها العلَمَين التركي والفلسطيني، والطرف الآخر شعار البرلمان التركي.

 وقوبل خطاب عباس بالتصفيق مرات عدّة، فيما حصل الأتراك، بالنتيجة، على ما يريدون من الاحتفال: إظهار التضامن مع فلسطين، ودعوة الغرب إلى أن يأخذ في الحسبان هواجس تركيا في أكثر من نقطة تتّصل بالعلاقات التركية - الغربية والأطلسية.

أما عباس، فلم يأتِ بجديد؛ إذ ركّز على وحدة التراب الفلسطيني، و«شرعية» السلطة الفلسطينية. وإذ تجاهل بالكامل تضحيات محور المقاومة ومواقفه، كان الشكر لتركيا التي ترسل المساعدات الغذائية إلى غزة، وإلى مصر والأردن اللذين يرفضان تهجير الفلسطينيين.

 وحتى الجديد في الخطاب حول نيّة «أبو مازن» زيارة قطاع غزة، فكان مشروطاً بحماية قوات الأمم المتحدة له، وبعد عشرة أشهر كاملة من بدء حرب الإبادة، علماً أن داود أوغلو كان قد دعا عباس وإردوغان، عشية زيارة رئيس السلطة الفلسطينية لتركيا، إلى الذهاب إلى غزة ومعهم رئيس البرازيل وآخرون. وخلا ذلك، كان الخطاب لزوم ما لا يلزم، بل مدعاة للسخرية عندما تحدّث عباس عن «النصر أو الشهادة»، وأن «حياة طفل في غزة أهم من حياته هو»، بل أنه «يطبّق أحكام الإسلام» في الصراع مع العدو!

ويقول الكاتب المعروف، آيدين أونال، في صحيفة «يني شفق» الموالية، إن انطباعه الأول أن «محمود عباس قد شاخ كثيراً، وخطابه كان ضعيفاً جداً. لم تَعُد فيه تلك البلاغة العربية ولا تلك الحماسة كممثل لشعب مظلوم». ويضيف أنه «تفاجأ بالتصفيق لقوله إنه سيذهب إلى غزة والقدس، فهما مدينتان فلسطينيتان ومن حقّه في أيّ وقت أن يذهب إليهما.

 وهو يخشى أن يكون مصيرهما كمصير مدينة صفد التي قال عباس، وأمام البرلمان التركي عام 2012، إنه يريد الذهاب إليها لرؤيتها فقط، وليس لحقّه في العيش فيها». ويتابع الكاتب: «إن عباس جاء شكلاً. ولو جاء بدلاً منه خالد مشعل أو يحيى السنوار أو أيّ شخصية أخرى من حركة فتح، لكان خلق حماسة أكبر بكثير، بل لهبّت عاصفة». لكن «عباس أمضى عمره إلى جانب خيار المفاوضات؛ والنتيجة، الكثير من التنازلات.

والآن، هو يحظى بدعم الديكتاتوريات العربية لأنه لم يَعُد يجري انتخابات. الآن، الشعب الفلسطيني لم يَعُد خلفه. بالكاد يؤيّده 20%، غالبيتهم من الموظفين ذوي الرواتب، فيما الشعب الفلسطيني غاضب عليه لتخلّيه عن غزة. أصبح عباس رمزاً للفشل حتى لو ترك موقعه، فهذا يأتي متأخراً جداً. مع ذلك، رسالتي الوحيدة إليه، أن يترك منصبه الآن».

ومن جهته، يتساءل الباحث إرخان كيليش أوغلو، في صحيفة «غازيتيه دوار»، عن كيفية ذهاب عباس إلى غزة «إذا لم تعطه إسرائيل الإذن؛ إذ لن يبقى له سوى القاهرة، فهل النظام في مصر في وارد السماح له بذلك، ومن دون التنسيق مع إسرائيل؟».

ويقول الباحث إن «عباس في مأزق فعلي لا حلّ له، وحديثه عن أنه سيذهب إلى غزة، هدفه امتصاص نقمة الشعب الفلسطيني عليه».

أما الباحثة في جامعة «إيجه»، سينيم أونالدير، فتلفت إلى أن رئيس السلطة «أراد بخطابه القول إن القضية الفلسطينية ليست عبارة عن النضال بالسلاح، بل أيضاً بالديبلوماسية. عباس شدّد مرات عدّة على وحدة غزة والضفة والقدس الشرقية.

وقد يكون ذلك نقطة بداية جديدة للعمل الفلسطيني». وبدوره، يتساءل الكاتب الإسلامي المعروف، أحمد طاش غيتيرين، عمّا إذا كان ذهاب محمود عباس إلى غزة فيه فائدة، فيما «العالم الإسلامي يعلن عجزه عن القيام بشيء ما لغزة»، ثم «كيف يمكن لهذا العالم أن يتوحّد حول قبرص والقرم والبوسنة ولا يتوحّد حول غزة؟ حينها، ماذا لمحمود عباس أن يفعل سوى تأكيد هذا العجز؟».

  مواضيع أخرى للمؤلف
←  تركيا.. بين سوريا والعراق
←  خطوات عراقية متسارعة : تركيا «تشرعن» وجودها في بعشيقة
←  بكائية عباس أمام البرلمان التركي: العجز لا يصنع «بطلاً»
←  تركيا تستقي العِبر: نحو إنشاء «قبّة فولاذية» ذاتية
←  إردوغان يصعّد كلاميّاً: اجتياح إسرائيل ممكن!
←  واشنطن تُخرج أرنب داعش.. ممنوع التطبيع بين أنقرة ودمشق
←  المصالحة الضرورية.. المؤجلة
←  صخب تركي حول المصالحة: تأييد وتشكيك واشتراطات
←  مناكفة غربية لتركيا.. محظور التطبيع مع سوريا
←  تركيا وسوريا.. أوهام في طريق المصالحة
←  إردوغان ينعى مسار المصالحة.. تحالفنا مع القومية أَوْلى
←  تركيا و تأجيل انتخابات مناطق قسدالمحلية
←  غضب أرميني على ترسيم الحدود
←  كيف اكتشفت بيرقدار اكنجي موقع المروحية المنكوبة؟
←  أحكام قاسية ضدّ قادة الحركة الكردية.. إردوغان يفخّخ مسار المصالحة
←  أرمينيا - أذربيجان.. ترسيم تاريخي للحدود
←  الأرمن في ذكرى الإبادة: باشينيان يضحي بـالسردية
←  تقلبات المشهد السياسي في تركيا
←  مفاجآت الانتخابات البلدية في تركيا
←  إردوغان بعد الهزيمة التاريخية هل هذه النهاية؟
←  النخبة الحاكمة في تركيا والقضية الكردية
←  هاكان فيدان: ديبلوماسية الاستخبارات... تَخرج من الظلّ
←  الكرد محبَطون.. بيضة القبان تفقد ثقلها
←  المعارضة تحت الصدمة: إردوغان يشقّ طريق الولاية الثالثة
←  إردوغان يرفع التحدّي.. الهزيمة غير واردة!
←  تخليد الإردوغانية أو إحياء الأتاتوركية
←  أرانبُ متكاثرة أمام كيليتشدار أوغلو: آمال المعارضة تتضاءل
←  التزكية الكردية لـكمال بك تستنفر إردوغان
←  واشنطن-انقرة ..ما بعد دبلوماسية الزلزال
←  تركيا والعام الجديد
←  من «لوزان» إلى «الإردوغانية».. كرد تركيا لا يستقرّون
←  تفجير إسطنبول لا يوحّد تركيا.. تشكيكٌ في رواية السلطة
←  تذبذب تركيّ حيال سوريا: عودةٌ إلى لغة التهديد
←  أصوات تركية مؤيدة: حان وقت «تصفير المشكلات»
←  مطالَبات متجدّدة بإنصاف العلويّين
←  مجزرة دهوك بعيونٍ تركية: «نقطة انكسار» لأنقرة
←  مئويّة «لوزان»: لا أحد راضياً
←  ما بين الشرق والغرب... تركيا التائهة في تموضعها
←  قلق كرديّ جماعيّ... الخسارات تتكاثر
←  قراءات في الاتفاق الثُلاثي: «الناتو» أَوقع بتركيا
←  ​تركيا تعزّز موقعها «الأطلسي»
←  عن الانتخابات الرئاسية التركية
←  ابن سلمان في أحضان إردوغان.. المال يتكلّم
←  ما وراء الخطى الإردوغانية.. النزعة العثمانية لا تزال حية
←  تركيا في الزمن الانتخابي: لُعبة إردوغان الأخيرة
←  تردّد تركي في سوريا: الخوف من إيران... لا من روسيا!
←  لماذا «المنطقة الآمنة» في شمال سوريا؟
←  الحرب الخامسة في سوريا: تركيا تغامر بالتفاهمات
←  أنقرة وواشنطن تُجدّدان شراكتهما
←  شرارات الحصار تطاول الحلفاء.. خسائر بالجملة تنتظر تركيا
←  تركـــيا تغلــق المضائـــــق
←  تركيا تغلق المضائق: مجازفة معلَنة بالمصالح الروسية
←  أوكرانيا.. تركيا والوساطة المستحيلة
←  تركيا و «عاصفة الشمال»: نحو وساطة «أوكرانية» لتلافي الأسوأ
←  إردوغان يكرّر لُعبة 2019: استمالة الكرد بتشتيت صفوفهم
←  عام المصالحة التركية- العربية
←  نافذة فرص تنفتح لموسكو: قنبلة كازاخستان... بوجه أنقرة؟
←  تركيا أمام التغيير
←  شتاء «المعجزة التركية» انهيار بلا قاع
←  تحوّلات إردوغان في ميزان خصومه
←  المعارضة تسعّر معركتها.. لا إجماع على القتال في سوريا
←  بايدن – أردوغان: المواجهة 2023 !
←  إردوغان «يُموَّت» مرّة أخرى: مَن سيَخلف «السلطان»؟
←  إردوغان «يُموَّت» مرّة أخرى: مَن سيَخلف «السلطان»؟
←  قمم «الصديقَين اللدودَين»