×

  رؤا

اتصال هاتفي وصورة.. إردوغان يرضخ لمطالب بايدن

03/07/2022

 

كما كان مرجحاً (مقالي بعنوان "تركيا والحلف الأطلسي.. ماذا يريد إردوغان من بايدن؟") تراجع إردوغان عن موقفه الرافض لانضمام السويد وفنلندا إلى حلف الأطلسي بعد مكالمة هاتفية أجراها مع الرئيس الأميركي جو بايدن، ووعده بأن يلتقيه على هامش القمة الأطلسية في مدريد، وهو ما تحقق له، ليقول الإعلام الموالي له معلقاً على صورة اللقاء: "بايدن رضخ لمطالب إردوغان".

البيان الصادر عن البيت الأبيض لم يوضح إذا كان بايدن هو الذي اتصل بإردوغان أو العكس، واكتفى بالقول إن بايدن "تحدث - spoke" إلى إردوغان هاتفياً، وهي الحال بالنسبة إلى البيان الصادر عن الرئاسة التركية التي أعلنت هي الأخرى "أن إردوغان تحدّث هاتفياً إلى الرئيس بايدن".

 

إردوغان تحدث غير مرة عن سبب الاعتراض التركي على انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الأطلسي. هدّد وتوعد كل الأطراف، وقال في 29 أيار/مايو: "المسلم لا يلدغ من جحر مرتين، وما دام طيّب إردوغان رئيس الجمهورية التركية، فإننا لن نوافق قطعاً على انضمام الدول المؤيّدة للإرهاب (السويد وفنلندا) إلى الحلف الأطلسي".

المعارضة شكّكت آنذاك، بل استهزأت بكلام إردوغان الذي كرّره مرات عدة في مناسبات مختلفة، وذكّرت بجملة مماثلة له تحدث فيها عن الراهب الأميركي برونسون، إذ قال في 8 كانون الثاني/يناير 2018: " ما دامت هذا الروح في هذا الجسد، وما دام هذا الإنسان الفقير المتواضع (يقصد نفسه) في السلطة، فلن يستطع أحد أن يأخذ هذا الإرهابي (الراهب برونسون) مني أنا".

كما هي الحال في المثل الشعبي القائل: "كلام الليل يمحوه النهار"، نسي إردوغان ما قاله عن برونسون حتى بعد تهديده الأول، فأمر بتخلية سبيله في 12 تشرين الأول/أكتوبر 2018 ليغادر تركيا بعد يوم واحد، ويلتقي الرئيس ترامب في البيت الأبيض، ويعبّر عن امتنانه لدوره في إخراجه من السجن. وكتب ترامب في حسابه في "تويتر" في 10 تشرين الأول/أكتوبر مخاطباً إردوغان: "إذا لم تُخْلِ سبيل برونسون فوراً، فسوف أدمّرك وأدمّر اقتصاد بلادك"، وهو ما كرّره نائبه بانس ووزير خارجيته بومبيو أيضاً.

وفي 14 نيسان/أبريل 2017 قال إردوغان: "ما دمت في السلطة، فلن نسلم الإرهابي والجاسوس دانيز يوجال إلى ألمانيا"، وكرر ذلك في غير حديث. وفي 16 شباط/فبراير 2018، خرج يوجال، وهو مراسل صحيفة "دي فلت" الألمانية، من السجن، وغادر تركيا في اليوم نفسه على متن طائرة خاصة بعد يومين من لقاء المستشارة ميركل رئيسَ مجلس الوزراء آنذاك بن علي يلدرم في برلين.

المعارضة التي تنشر باستمرار الفيديوهات الخاصة بأقوال إردوغان السابقة المتعلقة ببرونسون ويوجال ومحمد بن سلمان ومحمد بن زايد والسيسي و"إسرائيل" وغيرهم، كذّبت في الوقت نفسه مساعي إردوغان لتبرير موافقته على انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف الأطلسي.

إن البيان الختامي بين إردوغان وقادة الدولتين وبحضور الأمين العام لحلف الأطلسي لم يتضمّن أي فقرة، ولا أي بند واضح بخصوص تلبية الشروط التركية، إذ اكتفت السويد وفنلندا "بتعهداتهما" منع أي نشاط لحزب العمال الكردستاني التركي والاتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري وجماعة فتح الله غولن في أراضيهما، من دون أن تقدّما أي ضمانات واضحة ومكتوبة، وهو ما أشارت إليه زعيمة "الحزب الجيد" مارال آكشانار التي قالت في خطابها، الثلاثاء، أمام الكتلة البرلمانية لحزبها: "بعد انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف، كيف لإردوغان أن يحاسبها إن تهرّبت من تعهداتها التي وردت في البيان المشترك؟".

ونشرت شبكات التواصل الاجتماعي النص الكامل للبيان مع صورة من القمة الثلاثية، وظهر فيها إردوغان بملامح متشائمة، وهو ما عدته المعارضة استسلاماً منه لضغوط الرئيس بايدن، باعتبار أنه لن يكون هناك أي ضمانات لوعود فنلندا والسويد باتخاذ مواقف عملية ضد حزب العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري وجماعة الداعية غولن، وهو ما قد تتجاهله سلطات الدولتين المذكورتين بعد انضمامها إلى الحلف، وهذا ما فعلته وتفعله سائر الدول الأعضاء في الحلف، ولها جميعًا علاقات مباشرة وغير مباشرة بحزب العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري وجماعة غولن، وفي مقدم هذه الدول أميركا زعيمة التحالف، وألمانيا زعيمة الاتحاد الأوروبي، ومعها فرنسا أيضاً.

 

يفسّر ذلك الفتور، بل التوتر، الذي بدا واضحاً على ملامح إردوغان وماكرون في لقائهما القصير على هامش أعمال القمة الأطلسية، مع التذكير بأن واشنطن تقدّم جميع أنواع الدعم لوحدات حماية الشعب الكردية، الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني التركي، والتي تحظى أيضاً بدعم معظم الدول الأوروبية التي يتولى خبراء من بعضها تدريب مسلحي هذه الوحدات، وتحصل على دعم مالي وعسكري من الجميع، وفي مقدّمها فرنسا، التي استضافت قيادات هذه الوحدات في قصر الإليزيه غير مرة.

ولا ننسى أن زعيم الإرهابيين، وفق وصف إردوغان، وهو فتح الله غولن، يعيش في أميركا برعايةٍ وحماية من الاستخبارات الأميركية، وكوادره بمعظمهم هناك، فيما آخرون يعيشون في ألمانيا ودول أوروبية أخرى، وهو ما يذكرنا بمصالحة إردوغان لمحمد بن زايد الذي سبق لوزير الداخلية سليمان صويلو، ومعه الإعلام الموالي لإردوغان، أن اتّهمه بدعم محاولة الانقلاب الفاشلة، وتمويلها في 15 تموز/يوليو 2016 وذلك بالتنسيق والتعاون مع أميركا.

كما هدد وتوعد إردوغان بن زايد بعد أن وقع في أيلول/سبتمبر 2020 على اتفاقية التطبيع مع "تل أبيب"، واستنفر بدوره كل إمكاناته للتطبيع معها باتصالاته المتكرّرة مع هرتسوغ الذي استضافه إردوغان في أنقرة في 9 آذار/مارس في احتفال كبير، مع التذكير بإغلاق ملف سفينة مرمرة نهاية 2018 في مقابل 20 مليون دولار تبرّعت بها "تل أبيب" التي هدّدها وتوعدها إردوغان غير مرة، وقال إنها دولة الإرهاب والإجرام، وكذلك موافقة إردوغان على انضمام "إسرائيل" إلى الحلف الأطلسي بصفة مراقب في أيار/مايو 2016. تذكّر المعارضة الرئيس إردوغان بما قاله عن محمد بن سلمان في قضية الصحافي جمال خاشقجي، ثم كيف توسل إليه لمصالحته عندما التقاه في جدة، ثم استضافه في أنقرة، وعلى أعلى مستوى، بعد أن سلّمه ملف الجريمة.

ويبقى السيسي الحلقة الأخيرة في استدارات الرئيس إردوغان، الذي لم يعد يرفع شعار رابعة، وأوقف نشاط الإخوان المسلمين في إسطنبول، وهو ما فعله مع حماس، وكل ذلك لكسب وده والمصالحة معه، لأنه يعرف جيداً أنه، أي السيسي، هو الأقوى إقليمياً ودولياً بفضل الدعم السعودي والإماراتي والإسرائيلي، بل وحتى الأميركي والأوروبي، له.

قد يحاول إردوغان موازنة الثقل المصري هذا بمزيد من التنازلات لأميركا والغرب، وذلك باتخاذ بعض الإجراءات في سوريا وليبيا والعراق والقوقاز وآسيا الوسطى والبحر الأسود ليؤدي ذلك إلى مزيد من الفتور، وربما التوتر (إذا طلب إليه ذلك) مع إيران وروسيا، وهو ما ستكشفه الأيام القليلة المقبلة (في انتظار مصير مباحثات النووي الإيراني وقمة بايدن في جدة في 25 تموز/يوليو) التي سنرى فيها: هل تواجه طهران وموسكو مثل هذا الاحتمال وهو وارد في أي لحظة؟ وكيف؟!

 

*الميادين.نت

  مواضيع أخرى للمؤلف
←  الإبادة الأرمنية .. ماذا يقول التاريخ؟
←  تركيا و الحرب الإيرانية الإسرائيلية
←  انتخابات تركيا.. النتائج والاحتمالات
←  كاراباخ... ماذا تعلّم الأرمن من التاريخ؟
←  ديمقراطية إردوغان.. من سوريا ومصر إلى تركيا!
←  تركيا والاتحاد الأوروبيّ... "باي باي" إردوغان
←  طريق إردوغان ممهد... السلطة إلى الأبد
←  الحرب في كاراباخ.. المعادلة باتت مختلفة!
←  معارك شرق الفرات وغربه.. واختلط الحابل بالنابل
←  الحل في سوريا.. ما الحقائق الديموغرافية؟
←  أميركا وتركيا وروسيا.. من ضدّ من!
←  شرق الفرات وشماله.. ما هي الاحتمالات؟
←  بعد 22 عاماً على ميلاده.. ماذا فعل العدالة والتنمية بتركيا؟
←  إردوغان يشكر الشعب لانتخابه.. ويعاقبه بالضرائب
← 
←  إردوغان والحلف الأطلسي.. هدد وتوعد ثم رضخ
←  كرد تركيا.. ورقة إردوغان الرابحة دائماً
←  في ولايته الثالثة.. ماذا سيفعل إردوغان بالكرد؟
←  كيف حقق اردوغان الفوز في الانتخابات؟
←  القمة العربية.. بين النظرية والتطبيق
←  انتخابات تركيا..التشخيص!
←  البترول السوري والعراقي.. من يسرقه وكيف؟
←  إردوغان والإسلام السياسي.. تناقضات الداخل والخارج
←  الكرد حسموا المعركة لصالح كليجدار أوغلو
←  هل يعود إردوغان إلى غرامه مع الكرد؟
←  القرن التركي.. هل يحكم إردوغان مئة سنة؟
←  الحرب في كاراباخ.. تركيا وإيران و"إسرائيل"!
←  إردوغان والسياسة.. بين العقيدة والمال والمبادئ
←  التوتر التركي-العراقي.. لماذا هذه الضجة الآن؟
←  من الممرات إلى المناطق الآمنة.. حسابات إردوغان المعقّدة
←  إردوغان بين بايدن وبوتين.. أين المفر؟
←  بين التفاؤل والتشاؤم.. ماذا يريد إردوغان من الأسد؟
←  اتصال هاتفي وصورة.. إردوغان يرضخ لمطالب بايدن
←  رفاق درب إردوغان.. ساعة الانتقام
←  هدف إردوغان في سوريا.. منطقة آمنة إلى الأبد؟
←  تركيا إردوغان.. الكرد سيقرّرون المصير!
←  من سينتخب الرئيس العراقي.. الخليج أو تركيا أو "إسرائيل"؟
←  إردوغان والكرد.. غرام مؤلم وطلاق مستحيل
←  إردوغان يستنجد بالحاخامات.. إلام يسعى الرئيس التركي؟
←  2021 في ربعه الأخير.. نهاية المعجزة الإردوغانية
←  مصالحات إردوغان.. "إسرائيل" صديق والأسد يبقى عدواً!
←  محمد بن زايد في تركيا.. من هو العدو؟
← 
←  خيارات أبو ظبي الصّعبة.. تركيا أم سوريا أم "إسرائيل"؟
←  امريكا أسقطت الاتحاد السوفياتي.. فماذا سيفعل إردوغان؟