×

  رؤا

طريق إردوغان ممهد... السلطة إلى الأبد

01/10/2023

14/9/2023

بعد أن حقق انتصاره الأخير في انتخابات أيار/مايو الماضي، بدأ الرئيس إردوغان استعداداته للانتخابات البلدية التي ستجري نهاية آذار/مارس المقبل. واستنفر كالعادة كل إمكانيات الدولة والإعلام الموالي له لتكرار انتصار أيار/مايو، وذلك بالفوز في البلديات الكبرى التي فاز فيها حزب "الشعب الجمهوري" في انتخابات 2019 وأهمها إسطنبول وأنقرة اللتان حكمهما حزب "العدالة والتنمية" لمدة 25 عاماً.

وجاء قرار زعيمة الحزب "الجيد" ميرال أكشينار بعدم التحالف مع "الشعب الجمهوري" في الانتخابات المقبلة، ليساعد إردوغان في تحقيق أهدافه ليس فقط في إسطنبول وأنقرة والولايات الأخرى بل في عموم تركيا، حيث يستعد إردوغان لهدف أكبر ألا وهو تغيير الدستور، وهذا ما أعلن عنه قبل أيام.

فالمعلومات بدأت تتحدث مبكراً عن احتمالات تأييد أكشينار لمشروع إردوغان الجديد في إطار صفقة سياسية، وهو ما فعله مع الأحزاب التي كسبها إلى جانبه في الانتخابات الماضية، ما دامت جميعها "يمينية ومحافظة ومتدينة وقومية وأحياناً عنصرية". وكان زعماؤها في السابق من ألدّ أعداء إردوغان حالهم حال أكشينار التي سبق لإردوغان أن هددها وتوعدها في أكثر من مناسبة.

ويتوقع البعض تكرار مثل هذا الصفقة إن تحققت بين إردوغان وكل من علي باباجان وأحمد داود أوغلو اللذين سبق لهما أن انشقا عن "العدالة والتنمية"، وتمردا ضد إردوغان وقال كل واحد ضد الآخر ما لا يقال في علم السياسة والاجتماع والنفس.

وفي جميع الحالات، سواء تحققت هذه الصفقات أو لم تتحقق، فإن ما يسعى إليه إردوغان هو تغيير الدستور برمّته وصوغه من جديد وفق مزاجه الخاص، كما هي الحال في معظم دول الشرق الأوسط والعالم الإسلامي بحيث تخدم أجهزة الدولة أجندات الزعيم وأهدافه فقط.

واستغل الرئيس إردوغان محاولة الانقلاب الفاشل في 15 تموز /يوليو 2016 بعد أن طرد مئات الآلاف من اتباع الداعية فتح الله غولن وأنصاره من جميع مؤسسات الدولة وأجهزتها، ثم أحال سلسلة من التعديلات الدستورية إلى الاستفتاء الشعبي في ظروف طارئة، ما ساعده على تمرير هذه التعديلات التي غيّرت النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي ليصبح الحاكم المطلق للبلاد بلا منافس ومنازع.

كما لم تبالِ المفوضية العليا للانتخابات باعتراض أحزاب المعارضة على عملية الفرز والعدّ، بعد أن اعتمدت اللجان الانتخابية نحو 2.5 مليون بطاقة اقتراع غير مختومة بختم المفوضية، وكانت جميعها لصالح التعديل الذي حظي بتأييد 52،5% من أصوات المواطنين.

ورفضت المفوضية أيضاً اعتراض المعارضة على موافقتها للرئيس إردوغان لترشيح نفسه للمرة الثالثة في الانتخابات الأخيرة، وهو ما يمنعه الدستور الذي يحدد الفترة الرئاسية بمرتين فقط. ومن دون أن تبالي المفوضية أيضاً باعتراض المعارضة والمواطنين على انتخاب إردوغان رئيساً للجمهورية باعتباره لا يحمل شهادة جامعية وهو ما يشترطه الدستور أيضاً.

كل هذه المعطيات والتطورات يبدو أنها تشجع الرئيس إردوغان في مشروعه الأكبر والأهم لتغيير الدستور بأكمله؛ ليضمن له هذه المرة البقاء في السلطة إلى الأبد ما دام على قيد الحياة. وتشير المعارضة إلى مساعي الرئيس إردوغان للمصالحة مع عدوه اللدود السيسي، وعلاقته الشخصية بالرئيس بوتين، وتقول إنه يسعى للاستفادة من تجاربهما في تغيير الدستور وهو ما فعله السيسي وبوتين للبقاء في السلطة حتى العام 2034 و2036.

وتضيف المعارضة أن ما يسعى إليه إردوغان هو إعادة انتخابه من جديد في انتخابات 2028 لولايتين جديدتين كل منهما خمس سنوات على ان لا تحسب الفترات الثلاث السابقة ليبقى في السلطة حتى العام 2038 وحينها سيكون عمره 84 عاماً، هذا بالطبع إن سمحت الظروف الصحية له بذلك، إذ سبق أن أصيب بداء السرطان في القولون.

ومع استمرار هذه الأحاديث على الصعيدين السياسي والشعبي، لا يهمل بعض الأوساط الرهان على اسم المرشح لخلافة إردوغان، وقد يكون صهره سلجوك بيرقدار، زوج ابنته سمية، التي يرشحها البعض لخلافة والدها. ومن دون أن يعني كل ذلك أن البقاء في السلطة هو هدف الرئيس إردوغان الوحيد، بل هناك أجندات أخرى في حساباته، وأهمها التخلص من الفكر العقائدي للجمهورية العلمانية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك والتي تستعد للاحتفال بذكرى ميلادها المئوية في 29 تشرين الأول/أكتوبر المقبل.

وجاءت أحاديث الأوساط الدينية المقربة والموالية لإردوغان يومياً عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل عن ضرورة إقامة نظام ديني يعتمد على الشريعة الإسلامية لتمهد الطريق أمام الرئيس إردوغان لطرح أفكاره للنقاش خلال الإعداد للدستور الجديد، على أن يتخلص من بنوده الأربعة الأولى وأهمها تلك التي تؤكد علمانية الدولة التركية.

وهو ما يتناقض مع سياسات إردوغان في الخارج، إذ وعد السعودية ومصر والإمارات بالابتعاد عن الحركات الإسلامية العربية وغير العربية (وهو ما لم يفعله في سوريا وليبيا) في الوقت الذي أطلق فيه العنان للمشايخ والتكايا والزوايا الدينية لدعمه في مساعيه لأسلمة الأمة والدولة الدينية، ومن دون إهمال الجانب القومي التركي لهذه المساعي، وذلك لشحن الشعور القومي لأنصاره وأتباعه في كل انتخابات، أو خلال أي أزمة داخلية وخارجية، كما فعل ذلك في الانتخابات الأخيرة.

ويبقى الرهان على موقف الشعب التركي الذي لا يدري أحد هل وكيف (لم يشهد التاريخ التركي والعثماني برمّته أي ثورة شعبية) سيتصدى لمشاريع إردوغان ليس فقط للبقاء في السلطة بل التخلص من النظام العلماني. ويعرف الجميع أنه من دون هذا النظام ستجد تركيا نفسها في صراع سياسي واجتماعي وفكري وعقائدي وقومي وديني سيخلق لها الكثير من المشكلات العويصة، التي ستكون من دون شك لصالح إردوغان في غياب المعارضة السياسية والشعبية، بعد أن أحكم إردوغان سيطرته على جميع مؤسسات الدولة ومرافقها وأجهزتها، وأهمها الجيش الذي كان سلاح العلمانيين وهو الآن في خدمة إردوغان.

 

  مواضيع أخرى للمؤلف
←  الإبادة الأرمنية .. ماذا يقول التاريخ؟
←  تركيا و الحرب الإيرانية الإسرائيلية
←  انتخابات تركيا.. النتائج والاحتمالات
←  كاراباخ... ماذا تعلّم الأرمن من التاريخ؟
←  ديمقراطية إردوغان.. من سوريا ومصر إلى تركيا!
←  تركيا والاتحاد الأوروبيّ... "باي باي" إردوغان
←  طريق إردوغان ممهد... السلطة إلى الأبد
←  الحرب في كاراباخ.. المعادلة باتت مختلفة!
←  معارك شرق الفرات وغربه.. واختلط الحابل بالنابل
←  الحل في سوريا.. ما الحقائق الديموغرافية؟
←  أميركا وتركيا وروسيا.. من ضدّ من!
←  شرق الفرات وشماله.. ما هي الاحتمالات؟
←  بعد 22 عاماً على ميلاده.. ماذا فعل العدالة والتنمية بتركيا؟
←  إردوغان يشكر الشعب لانتخابه.. ويعاقبه بالضرائب
← 
←  إردوغان والحلف الأطلسي.. هدد وتوعد ثم رضخ
←  كرد تركيا.. ورقة إردوغان الرابحة دائماً
←  في ولايته الثالثة.. ماذا سيفعل إردوغان بالكرد؟
←  كيف حقق اردوغان الفوز في الانتخابات؟
←  القمة العربية.. بين النظرية والتطبيق
←  انتخابات تركيا..التشخيص!
←  البترول السوري والعراقي.. من يسرقه وكيف؟
←  إردوغان والإسلام السياسي.. تناقضات الداخل والخارج
←  الكرد حسموا المعركة لصالح كليجدار أوغلو
←  هل يعود إردوغان إلى غرامه مع الكرد؟
←  القرن التركي.. هل يحكم إردوغان مئة سنة؟
←  الحرب في كاراباخ.. تركيا وإيران و"إسرائيل"!
←  إردوغان والسياسة.. بين العقيدة والمال والمبادئ
←  التوتر التركي-العراقي.. لماذا هذه الضجة الآن؟
←  من الممرات إلى المناطق الآمنة.. حسابات إردوغان المعقّدة
←  إردوغان بين بايدن وبوتين.. أين المفر؟
←  بين التفاؤل والتشاؤم.. ماذا يريد إردوغان من الأسد؟
←  اتصال هاتفي وصورة.. إردوغان يرضخ لمطالب بايدن
←  رفاق درب إردوغان.. ساعة الانتقام
←  هدف إردوغان في سوريا.. منطقة آمنة إلى الأبد؟
←  تركيا إردوغان.. الكرد سيقرّرون المصير!
←  من سينتخب الرئيس العراقي.. الخليج أو تركيا أو "إسرائيل"؟
←  إردوغان والكرد.. غرام مؤلم وطلاق مستحيل
←  إردوغان يستنجد بالحاخامات.. إلام يسعى الرئيس التركي؟
←  2021 في ربعه الأخير.. نهاية المعجزة الإردوغانية
←  مصالحات إردوغان.. "إسرائيل" صديق والأسد يبقى عدواً!
←  محمد بن زايد في تركيا.. من هو العدو؟
← 
←  خيارات أبو ظبي الصّعبة.. تركيا أم سوريا أم "إسرائيل"؟
←  امريكا أسقطت الاتحاد السوفياتي.. فماذا سيفعل إردوغان؟