×

  رؤا

الحرب في كاراباخ.. المعادلة باتت مختلفة!

01/10/2023

 

10/9/2023

مع المعلومات التي تتحدث منذ أيام عن تعزيزات عسكرية على طول الحدود الفاصلة بين القوات الأذربيجانية والأرمينية في إقليم كاراباخ والمناطق المجاورة لها، بات واضحاً أن المنطقة مرشحة قريباً (في أي لحظة) لمواجهات ساخنة وخطرة، وهذه المرة من نوع جديد، والسبب في ذلك تعدد الأطراف المهتمة بهذه الأزمة. 

فقد تحدثت المعلومات مؤخراً عن إرسال أعداد كبيرة من المسيّرات التركية والإسرائيلية إلى أذربيجان، مع حديث الإعلام الإيراني عن إرسال قوات إضافية من الحرس الثوري إلى الحدود مع الجارتين أرمينيا وأذربيجان. في الوقت الذي أكدت فيه طهران، وعلى لسان الرئيس رئيسي خلال اتصاله الهاتفي برئيس الوزراء الأرميني باشينيان " رفضها لأي تغييرات جيوسياسية أو حدودية في منطقة القوقاز"، معتبرة ذلك "خطاً أحمر بالنسبة لها ". 

كذلك عدّت طهران " التعاون مع الأجانب، أو إجراء مناورات أو رحلات مشبوهة معهم تطوراً مهماً سيزيد الأوضاع تعقيداً في المنطقة ". موقف طهران هذا جاء رداً على محاولات أذربيجان مدّ طريق بري وآخر للقطارات يربط أذربيجان بإقليم ناختشوان التابع لها، وتفصله عن أذربيجان أراض أرمينية. ومن دون أن تخفي طهران قلقها من التنسيق والتعاون بين باكو و"تل أبيب"، بعد المعلومات التي تحدثت عن إنشاء قواعد ومحطات تجسس للموساد الإسرائيلي بالقرب من الحدود الأذربيجانية-الإيرانية.

 الإعلام التركي عاد من جديد إلى لهجته العدائية بنكهة طائفية وعرقية ضد إيران، كما فعل في حرب 2020 عندما هددت الأوساط القومية المتطرفة آنذاك إيران وتوعدتها، بذريعة أنها تدعم أرمينيا ضد أذربيجان. ولم يتأخر وزير الخارجية هاكان فيدان في الرد على تصريحات الرئيس رئيسي وقال " إن تركيا ستتدخل فوراً في حال قامت إيران بأي عمل عسكري ضد أذربيجان ". وقال الرئيس إردوغان بدوره بعد  مشاركته في قمة العشرين إنه سيتصل الإثنين مع رئيس الوزراء الأرميني باشينيان ليدعوه للتهرب من المواقف الاستفزازية والعمل المشترك من أجل التهدئة". في الوقت الذي نفذت فيه قوات أرمينية مناورات مشتركة مع القوات الأميركية في العديد من الأراضي الأرمينية. 

وأزعج ذلك موسكو التي سبق لها أن عبّرت عن استنكارها لزيارة زوجة رئيس وزراء أرمينيا باشينيان إلى كييف، ومعها شحنات من المساعدات 'الإنسانية ' إلى أوكرانيا.

وسط المعلومات التي تتحدث عن وصول متطوّعين أرمن وجورجيين إلى جبهات القتال ضد روسيا، بالتنسيق والتعاون مع أجهزة الحلف الأطلسي وأميركا، في الوقت الذي يتحدث فيه الإعلام الغربي عن تطوع الكثير من الأرمن والجورجيين للقتال في أوكرانيا. ودفعت كل هذه المعلومات موسكو إلى مزيد من التنسيق مع أنقرة لمواجهة التطورات المحتملة بعد مساعي باشينيان للتقارب مع واشنطن والعواصم الأوروبية، على الرغم من أن الأرمن ينتمون إلى المذهب الأرثوذوكسي كما الروس الذين اختلفوا في هذه الحالة مع الموقف الإيراني الذي يتناقض مع موقف كل من أنقرة و"تل أبيب" الداعمتين لباكو. 

مع التذكير بأن القوات الأذربيجانية كانت قد انتصرت في الحرب الأخيرة (تشرين الثاني/نوفمبر 2020) على القوات الأرمينية؛ بفضل الدعم المباشر من تركيا والكيان الصهيوني الذي يدعم، ومنذ فترة طويلة، باكو بالمسيّرات وأجهزة التجسس والمعدات العسكرية المتطورة، مقابل تغطية احتياجاته من البترول من أذربيجان بأسعار تفضيلية وعبر تركيا.

واستطاعت باكو خلال الحرب المذكورة استرجاع جميع الأراضي التي كانت أرمينيا تحتلها منذ عام 1992، فيما استرجعت يريفان بعض أجزاء إقليم كاراباخ المتنازع عليه بين الطرفين، ويشهد الآن حصاراً تاماً من القوات الأذربيجانية المدعومة من القوات التركية، التي أقامت العديد من القواعد في أذربيجان بعلم روسيا التي أرسلت بدورها قواتها إلى المنطقة لمراقبة وقف إطلاق النار بين الطرفين. 

هذا التوتر بين باكو ويريفان ألقى بظلاله على المباراة بين المنتخب التركي والأرميني (الجمعة)، في إطار تصفيات كأس أوروبا وسط هتافات أطلقها مشجعو الفريق التركي مرددين "كاراباخ تركية وستبقى تركية ".

وأطلق آخرون شعارات معادية للأرمن من منطلقات دينية وأخرى قومية تذكّر بالعداء التاريخي بين الطرفين. وهو ما يفسر دعاء اللاعبين الأتراك قبل المباراة متوسلين إلى الله تعالى " كي يمن عليهم بالفوز" على المنتخب الأرميني، وهو ما لم يتحقق لهم بعد تعادل الفريقين بهدف لكل منهما.

وهو المشهد الذي كان سبباً لانتقادات واسعة في شبكات التواصل الاجتماعي، حيث عبر الكثير من المواطنين عن انزعاجهم من هذا الموقف الاستفزازي الديني والقومي ضد الأرمن في مباراة للكرة، وليس في ساحات القتال، الذي يبدو أنه بات قريباً مع التصعيد المتبادل بين أذربيجان وأرمينيا،واهتمام أطراف إقليمية ودولية بهذا التصعيد،الذي يحمل في طيّاته الكثير من التناقضات، إذ تقف طهران إلى جانب أرمينيا التي تدعمها واشنطن والعواصم الغربية في حين تقف جارتها تركيا إلى جانب أذربيجان التي تحظى بدعم الكيان الصهيوني. 

فيما تسعى موسكو لتحقيق التوازن في علاقاتها مع باكو ويريفان باعتبار أن هاتين الدولتين ومعهما جورجيا تحدها من الجنوب في منطقة القوقاز القريبة من البحر الأسود وبحر قزوين المهمين جداً بالنسبة إلى موسكو وجمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية، وهي الحديقة الخلفية لروسيا، ولكنها أكثر قرباً إلى تركيا لأسباب قومية ودينية وتاريخية، خاصة في ظل حكم الرئيس إردوغان ذي المقولات الدينية والقومية والتاريخية أي العثمانية وقبلها التركية. 

وفي جميع الحالات، يبدو واضحاً أن أزمة كاراباخ بانعكاساتها المباشرة على روسيا وإيران وتركيا، شركاء مسار أستانا، سوف تفتح صفحة جديدة في تطورات، ليس فقط منطقة القوقاز، بل مجمل المعادلات الإقليمية والدولية؛ نظراً إلى دور الدول الثلاث أي روسيا وإيران وتركيا في مجمل هذه المعادلات التي تريد لها واشنطن وحلفاؤها أن لا تكون لصالح الدول الثلاث معاً أو على انفراد. 

وجاء تعيين رستم عمروف وهو من تتار القرم المعروف بعلاقاته الوطيدة مع تركيا وزيراً للدفاع في كييف ليعكس رغبة ومساعي واشنطن لإبعاد أنقرة عن موسكو، وإشراكها بشكل أكبر في الحرب إلى جانب أوكرانيا.

وهذا سيتطلب منها المزيد من الاستفزاز والتصعيد في منطقة ساخنة ومعقدة كالقوقاز، وقد تنجح في ذلك بفضل الكيان الصهيوني ودوره الفعال في أذربيجان وجورجيا، بل وحتى جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية ذات الأصل التركي، وسمّاها كيسنجر وبريجنسكي بـ" الحزام الأخضر" الذي أسقط الاتحاد السوفياتي، وتريد واشنطن لهذا الحزام الآن أن يمزق روسيا بأي شكل كان، وعلى سبيل المثال، عبر القوقاز القريب من جمهوريات الحكم الذاتي داخل روسيا، وفيها نحو 20 مليون مسلم معظمهم يتعاطف دينياً وقومياً وتاريخياً مع تركيا.

ويبقى قرار الحسم بيد حكام روسيا وإيران وتركيا، وما عليهم معاً إلا أن يسدوا الطريق أمام هذه الحسابات الإمبريالية وأمثالها ويمنعوا الغرب من تنفيذ مخططاته  المتكررة منذ أكثر من 100 عام وآخرها ما يسمى بـ "الربيع العربي" الذي تستطيع طهران وموسكو وأنقرة منع تكراره في القوقاز، وآخر المعلومات تفيد بأنهم قد نجحوا في ذلك مبدئياً.

 

 

 

  مواضيع أخرى للمؤلف
←  الإبادة الأرمنية .. ماذا يقول التاريخ؟
←  تركيا و الحرب الإيرانية الإسرائيلية
←  انتخابات تركيا.. النتائج والاحتمالات
←  كاراباخ... ماذا تعلّم الأرمن من التاريخ؟
←  ديمقراطية إردوغان.. من سوريا ومصر إلى تركيا!
←  تركيا والاتحاد الأوروبيّ... "باي باي" إردوغان
←  طريق إردوغان ممهد... السلطة إلى الأبد
←  الحرب في كاراباخ.. المعادلة باتت مختلفة!
←  معارك شرق الفرات وغربه.. واختلط الحابل بالنابل
←  الحل في سوريا.. ما الحقائق الديموغرافية؟
←  أميركا وتركيا وروسيا.. من ضدّ من!
←  شرق الفرات وشماله.. ما هي الاحتمالات؟
←  بعد 22 عاماً على ميلاده.. ماذا فعل العدالة والتنمية بتركيا؟
←  إردوغان يشكر الشعب لانتخابه.. ويعاقبه بالضرائب
← 
←  إردوغان والحلف الأطلسي.. هدد وتوعد ثم رضخ
←  كرد تركيا.. ورقة إردوغان الرابحة دائماً
←  في ولايته الثالثة.. ماذا سيفعل إردوغان بالكرد؟
←  كيف حقق اردوغان الفوز في الانتخابات؟
←  القمة العربية.. بين النظرية والتطبيق
←  انتخابات تركيا..التشخيص!
←  البترول السوري والعراقي.. من يسرقه وكيف؟
←  إردوغان والإسلام السياسي.. تناقضات الداخل والخارج
←  الكرد حسموا المعركة لصالح كليجدار أوغلو
←  هل يعود إردوغان إلى غرامه مع الكرد؟
←  القرن التركي.. هل يحكم إردوغان مئة سنة؟
←  الحرب في كاراباخ.. تركيا وإيران و"إسرائيل"!
←  إردوغان والسياسة.. بين العقيدة والمال والمبادئ
←  التوتر التركي-العراقي.. لماذا هذه الضجة الآن؟
←  من الممرات إلى المناطق الآمنة.. حسابات إردوغان المعقّدة
←  إردوغان بين بايدن وبوتين.. أين المفر؟
←  بين التفاؤل والتشاؤم.. ماذا يريد إردوغان من الأسد؟
←  اتصال هاتفي وصورة.. إردوغان يرضخ لمطالب بايدن
←  رفاق درب إردوغان.. ساعة الانتقام
←  هدف إردوغان في سوريا.. منطقة آمنة إلى الأبد؟
←  تركيا إردوغان.. الكرد سيقرّرون المصير!
←  من سينتخب الرئيس العراقي.. الخليج أو تركيا أو "إسرائيل"؟
←  إردوغان والكرد.. غرام مؤلم وطلاق مستحيل
←  إردوغان يستنجد بالحاخامات.. إلام يسعى الرئيس التركي؟
←  2021 في ربعه الأخير.. نهاية المعجزة الإردوغانية
←  مصالحات إردوغان.. "إسرائيل" صديق والأسد يبقى عدواً!
←  محمد بن زايد في تركيا.. من هو العدو؟
← 
←  خيارات أبو ظبي الصّعبة.. تركيا أم سوريا أم "إسرائيل"؟
←  امريكا أسقطت الاتحاد السوفياتي.. فماذا سيفعل إردوغان؟