×

  رؤا

​لماذا نزع الحائرى الشرعية عن الصدر؟!!

04/09/2022

مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

أنشئ مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية عام 1968 كمركز علمى مستقل يعمل فى إطار مؤسسة الأهرام ويهتم بدراسة القضايا السياسية والإستراتيجية بصورة متكاملة، مع التركيز على قضايا التطور فى النظام الدولى، وأنماط التفاعل بين الدول العربية وبين النظام العالمى الذى تعيش فى ظله أو بينها وبين الإطار الإقليمى المحيط بها، أو بين بعضها البعض

*صافيناز محمد أحمد:

يطرح إعلان الزعيم الشيعى مقتدى الصدر اعتزاله الحياة السياسية فى التاسع والعشرين من أغسطس 2022، والذى جاء فى أعقاب قرار المرجع الشيعى كاظم الحائرى – وريث مرجعية الإمامين محمد باقر الصدر ومحمد صادق الصدر– بالاستقالة من مهام "المرجعية الدينية" بحجة المرض والشيخوخة، العديد من التساؤلات حول توقيت البيان الذى أصدره الحائرى، وكان سبباً مباشراً فى أعمال العنف التى شهدها العراق خلال الأيام القليلة الماضية، جراء اعتراض أنصار الصدر على البيان الذى اعتبروه رسالة موجهة للتيار يرفع بها الحائرى "الشرعية الدينية" عن زعيمهم. إذ تطرق البيان إلى الأزمة السياسية الحادة التى يعيشها العراق، وألمح فيه الحائرى إلى مسئولية مقتدى الصدر عما تشهده الدولة من انقسام بين قواها السياسية، متهماً إياه بالسعى إلى تفكيك المكون الشيعى، مستغلاً فى ذلك الانتساب للمرجعين الشيعيين محمد باقر الصدر ومحمد صادق الصدر، فى الوقت الذى يفتقر فيه الصدر، وفقاً لبيان الحائرى، "الاجتهاد والشروط المطلوبة للقيادة الشرعية".

 

بيان الحائرى كمرجعية دينية حمل العديد من الدلالات التى سيكون لها تأثيرات حادة على نمط التفاعلات السياسية فى العراق خلال المرحلة الراهنة، ومن أهم هذه الدلالات:

 

أولاً:

 نزع الشرعية الدينية عن مقتدى الصدر كزعيم دينى، وهو ما يعنى بالتبعية افتقاره لعوامل القيادة الدينية من اجتهاد وفتوى، وهى الشروط التى توفر له إمكانية التأثير على مريديه، بمعنى أكثر دقة إن جمهور التيار الصدرى يأتمرون بالقيادة الدينية لزعيمهم الصدر أكثر من كونهم يتحركون التزاماً بمواقفه السياسية، وهنا يحاول الحائرى تجريد الصدر مما يمكن تسميته بـ"القيادة الشعبية" التى يتمتع بها على أسس دينية، والتى تؤدى فى النهاية إلى تجريده من القيادة السياسية الشعبية. فى هذا السياق، يبرز دور إيران الخفى تجاه دفع الحائرى إلى التقاعد عن مهام المرجعية (إرث آل الصدر)، حيث يتوقع الصدر أن الحائرى تعرض لضغوط إيرانية استهدفت دفعه إلى التخلى عن ملازمة هذه المرجعية بل وإنهاء العمل بها كلية، ويستند أنصار هذا الرأى إلى ما ذكره الحائرى نفسه فى البيان من دعوة الشيعة العراقيين إلى اتباع مرجعية المرشد الإيرانى الأعلى على خامنئى. 

 

ثانيًا:

وضع المرجعية الشيعية العراقية فى النجف – مرجعية على السيستانى – موضع أقل مكانة من مرجعية قم فى إيران – مرجعية على خامنئى – من خلال دعوة الحائرى لأنصار الصدر باتباع مرجعية على خامنئى باعتباره "الأقدر والأجدر" بالقيادة والقادر على "إدارة الصراع مع قوى الظلم والاستكبار". ويشير المتخصصون هنا إلى أن الحائرى بهذا المنطق يؤجج مزيداً من الخلاف بين المرجعيتين، وهو خلاف قديم وعميق حول "السيطرة على القيادة الشيعية" بين الحوزة فى قم الإيرانية، ونظيرتها فى النجف العراقية. ويترجم ذلك فعلياً من الناحية السياسية؛ فالأولى ومن وجهة نظر ولاية الفقيه بإمكانها أن تحكم لأنها تمتلك المؤهلات الكافية لذلك وفقاً للشروط الفقهية، أما الثانية فدور المرجعية فيها لا يتجاوز النصح والإرشاد وفتوى الجهاد. وبالإشارة إلى تطور الأحداث، ثمة من يرى أن صمت مرجعية النجف  على ما يحدث بين القوى السياسية – بالرغم من أنها معروفة بتأييدها الضمنى للصدر منذ أن تبنت المرجعية الحراك الجماهيرى فى أكتوبر عام 2019- قد لا يستمر، ومن المتوقع وفقاً لأنصار هذا الرأى دخول السيستانى على خط الأزمة السياسية، خاصة وأنها دخلت مرحلة "نوعية" دفعتها إليها إيران، وما يعنيه ذلك من احتمالية استشعار على السيستانى مدى خطورة خطاب قوى الإطار التنسيقى الموالية لإيران والتى تستند فى مرجعيتها إلى على خامنئى، فى مقابل خطاب الصدر الذى يتمسك بمرجعية النجف كوجهة دينية وسياسية له. ويتوقع المتخصصون أن يلتزم مقتدى الصدر بأى موقف قد يصدر عن مرجعية النجف بشأن الصراع السياسى بينه وبين قوى الإطار التنسيقى حال أن قرر السيستانى الخروج عن صمته إزاء ما يحدث من تطورات.

 

ثالثًا:

 اتجاه إيران إلى تفكيك التيار الصدرى من داخله، باعتباره العائق الوحيد والمتنامى أمام نفوذها السياسى فى العراق منذ حراك أكتوبر 2019، ومنذ الانتخابات الأخيرة فى أكتوبر 2021، والتى ترجمت شرعية الصدر انتخابياً بتقدمه فى نتائجها. وكانت أولى خطوات إيران فى هذا الاتجاه هى استمالة المرجع الدينى كاظم الحائرى، الذى يقيم فى قم الإيرانية، ودفعه للاستقالة بما يعنيه ذلك من إنهاء إرث مرجعية آل الصدر من ناحية، وفى الوقت نفسه كسر "شعبية" مقتدى الصدر المتنامية بتجريده من شرعية قيادته للمريدين على أسس دينية من ناحية ثانية.

وهنا يجب الإشارة إلى عدد من المصادر التى تفيد بعزم إيران على المضى قدماً فى مواجهة تيار الصدر؛ إما بدفعه خارج الحياة السياسية – وربما تكون قد نجحت فى ذلك – وإما باستهداف مباشر ومسلح من قبل مليشياتها العراقية الولائية، وتستند هذه المصادر إلى أمرين: الأول، مطالبة الصدر لأنصاره بالانسحاب من مؤسسات الدولة وميادينها والمنطقة الخضراء والمحافظات خلال ساعة واحدة، حيث تشير المصادر إلى أن هذا التحرك لم يكن وارداً؛ أى لم يكن فى نية الصدر فض اعتصام أنصاره بهذا الشكل إلا بعد صدور بيان الحائرى، ما اعتبره الصدر مؤشراً قوياً على "تعمد" إيران إشعال الوضع عبر دفع أنصاره إلى نشر الفوضى والعنف. والثانى، إشارة الصدر فى كلمته لأنصاره باحتمالية تعرضه "للاغتيال"، وهى سابقة لم يتطرق إليها الصدر بالقول المباشر، ما يشير وبحسب المصادر إلى وجود تهديد فعلى لحياة الصدر مصدره إيران، التى باتت لا تتحمل ضغوطه وتياره على مصالحها فى العراق، والتى أهمها ضمان بقاء المكون السياسى الشيعى "موحداً" وفى موقع "السلطة"، وهو ما تهدد بفعل حراك الصدر الشعبى طوال السنوات الأربعة الماضية، ورفضه الدائم - على مدار العام الماضى - التقارب مع قوى الإطار التنسيقى المدعومة إيرانياً.

 

رابعًا:

 احتمالية أن يؤدى بيان الحائرى إلى مزيد من التصعيد الشيعى – الشيعى؛ وتحديداً بين تيار الصدر وبين بعض مليشيات الحشد الشعبى – عصائب أهل الحق وحزب الله العراق – باعتبار أن ردة الفعل الأولى عليه من قبل أنصار الصدر مثلت نقطة تحول فى اتجاه الصراع المسلح، وهو ما يعنى أن الوضع سيكون مرشحاً لمزيد من المواجهات المسلحة التى "قد" تتخذ من بيان الحائرى فتوى دينية - إن جاز التعبير - ضد الصدر وأنصاره باعتباره فاقداً للشرعية الدينية التى تؤهله للقيادة، وباعتباره، وفقاً للبيان، مصدراً وسبباً لتفكيك البيت الشيعى، وهنا تحديداً تثار المخاوف من ردود فعل القوى السياسية انتظاراً لقرار المحكمة الاتحادية العليا فى الأول من سبتمبر 2022. وما قد يترتب عليه من تداعيات تجعل المشهد السياسى فى العراق مفتوحاً على كافة الاحتمالات، لاسيما احتمال تجدد المواجهات المسلحة، ويغذى ذلك ما أعلنته قيادات فى الإطار التنسيقى يوم الأربعاء 30 أغسطس 2022، بضرورة عودة البرلمان للانعقاد واختيار رئيس الحكومة والبدء فى إجراءات تشكيلها، الأمر الذى دفع قيادياً فى التيار الصدرى إلى الرد عبر تدوينات إلكترونية بمزيد من الانتقاد والاتهامات لإيران مطالباً إياها بـ"كبح جماح بعيرها فى العراق"، وهو ما يشير إلى أن اعتزال الصدر لن يكون سبباً فى التهدئة طالما قرر خصومه مواصلة تحديهم بالمضى قدماً فى تشكيل حكومة طائفية، وهو أيضاً ما تتحسب له رئاسة الوزراء، حيث لوح مصطفى الكاظمى باحتمالية تركه للمنصب إذا ما استمرت القوى السياسية المتصارعة فى إثارة الفتنة، وتتحسب له أيضاً رئاسة الدولة ما دفع برهم صالح إلى الدعوة فى كلمة ألقاها يوم الأربعاء 30 أغسطس 2022 إلى أهمية حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة كأحد الحلول للأزمة السياسية الراهنة.

يمكن القول إذن، أن اعتزال مقتدى الصدر الحياة السياسية، سواء كان قراراً نهائياً لا رجعة فيه أو كان مجرد مناورة سياسية لمواجهة خصومه عبر مستويات أخرى من النقلات النوعية، سيكون له تداعياته على المشهد السياسى العراقى فى المرحلة الراهنة، وأن نزع الشرعية الدينية عن قيادته السياسية بالكيفية السابق الإشارة إليها تشير إلى دخول إيران بقوة ودون مواربة على خط التفاعل السياسى فى العراق لصالح قوى الإطار التنسيقى، ما يعنى أن العراق مقبل على مرحلة سياسية "صعبة" تنذر بمزيد من التأزم اللامحدود بصورة تجعل المشهد السياسى فيه مفتوح على كافة الاحتمالات والسيناريوهات.

 

*خبيرة متخصصة فى الشئون السياسية العربية ورئيس تحرير دورية بدائل - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

  مواضيع أخرى للمؤلف