×

  شؤون دولية

  الانتخابات الرئاسية الإيرانية الرابعة عشرة ..(قراءة أولية)



*الباحثة فاطمة الصمادي

 

*مركز الجزيرة للدراسات

في الـ28 من يونيو/حزيران 2024، سينتخب الإيرانيون رئيسًا للبلاد هو الرابع عشر وسيأتي خلفًا لإبراهيم رئيسي الذي لقي مصرعه في حادث تحطم مروحيته، في مايو/أيار 2024، ليضع إيران أمام تحديات، داخلية وخارجية، تتعلق بعملية الانتقال وكيفية إدارة الملفات داخليًّا وإقليميًّا ودوليًّا.

 

وقد صادق مجلس صيانة الدستور على ستة أسماء ستخوض المنافسة، وهي:

عليرضا زاكاني: (أصولي)، يشغل منصب عمدة طهران، وكان رئيسًا لمركز الأبحاث التابع لمجلس الشورى، وسبق أن كان نائبًا عن مدينة طهران في المجلس.

سعيد جليلي: (أصولي)، عضو في المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، وعضو في مجمع تشخيص مصلحة النظام. شغل منصب الأمين العام لمجلس الأمن القومي، ورأس فريق التفاوض للمفاوضات النووية في عهد أحمدي نجاد، ولقيت إدارته للمفاوضات النووية نقدًا حادًّا من شخصيات معروفة من بينها علي أكبر صالحي.

أميرحسين قاضي‌زاده هاشمي: (أصولي)، طبيب وسياسي، شغل منصب مساعد رئيس الجمهورية ورئيس مؤسسة الشهيد.

حجت الإسلام مصطفي پورمحمدي: (أصولي معتدل)، سياسي شغل سابقًا منصب وزير العدل، وقبل ذلك كان معاونًا لوزير الاستخبارات في وزارة علي فلاحيان، وفي حكومة محمود أحمدي نجاد الأولى، كان وزيرًا للداخلية. يشغل حاليًّا منصب مستشار رئيس السلطة القضائية والأمين العام لجمعية رجال الدين المبارزين.

محمد باقر قاليباف: أصولي، ويرأس مجلس الشورى للمرة الثانية.

مسعود پزشكيان: إصلاحي، شغل منصب وزير الصحة في حكومة محمد خاتمي.

 

الانتخابات الرئاسية الإيرانية على ضوء الشعارات الانتخابية

في وقتٍ استخدم فيه المرشح الإصلاحي، بزشكيان، شعارًا كليًّا مختصرًا من كلمتين (لأجل إيران)، وهو شعار حمَّال أوجه فيه وعد ونقد، جاء شعار سعيد جليلي طويلًا معبِّرًا عن شخصيته المسكونة بحضور إيران ودورها كدولة قادرة على الصعود، فيما ركز باقي المرشحين على مفردات الخدمة، والعدالة، والتقدم، والأسرة في مخاطبة واضحة للهواجس المعيشية للناس.

 

وجاءت شعارات المرشحين الستة كالآتي:

**بژشكيان: لأجل إيران.

**بور محمدي: حكومة الاستقرار؛ عدالة الثروة، القوة.

**جليلي: عالم من الفرص، إيران تقفز؛ كل إيراني له دور عظيم.

**زاكاني: حكومة الخدمة.

**قاضي زاده: حكومة الشعب والأسرة.

**قاليباف: الخدمة والتقدم.

في الدورات السابقة كان محمد علي رجائي (قُتل في تفجير مبنى الرئاسة في أغسطس/آب 1981) هو الوحيد الذي لم يقدم شعارًا انتخابيًّا، لكن طريقة حياته وتواضعه وبساطة عيشه صبغت ملامح حملته الانتخابية، وهو النموذج الذي لم يغادر أذهان الإيرانيين إلى اليوم، وحاول مؤيدو أحمدي نجاد استحضاره في توصيف شخصيته.

أما من سبق رجائي (بني صدر) فقد جعل العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية شعارًا له، وهي في مجملها كانت من شعارات الثورة التي انتصرت وجاء بني صدر كأول رئيس لإيران بعد انتصارها.

ركز خامنئي على الحكومة الإسلامية القادرة على دعوة الناس إلى التفكير وشحن الأذهان، أما رفسنجاني فجاء شعاره متأثرًا بحالة الإعمار التي مرَّت بها إيران بعد 8 سنوات من الحرب: لنعمل معًا على إعادة إعمار إيران (مركِّزًا على التنمية الاقتصادية). وجاء خاتمي ليطرح شعارات تركز على التنمية السياسية التي جرى إغفالها في فترة رفسنجاني من خلال (غد أفضل لإيران الإسلامية).

خاطب أحمدي نجاد بصورة واضحة الحاجة الاقتصادية للناس، بعد إخفاقات الحكومات السابقة في تقديم حلول لها من خلال وعده بـ"وضع النفط على موائد الإيرانيين".

أعاد روحاني التأكيد على (التنمية الاقتصادية+ الدبلوماسية المتفاعلة) موجهًا سهام النقد لسياسة أحمدي نجاد الخارجية، وبدا هاجس الاستقرار السياسي والاقتصادي واضحًا في شعار إبراهيم رئيسي، مع وعد بتوفير فرص العمل: إيران قوية وتعزيز الإنتاج.

13 دورة انتخابية طوتها إيران وهي على وشك أن تطوي الـ14 ونخبتها السياسية تجرب وتعيد التجريب في امتحان يزداد صعوبة أمام ناخب إيراني ليس من السهل إرضاؤه، ولعل تراجع نسبة التصويت مؤشر على موقف هذا الناخب من الحكومات التي تعاقبت على إيران.

 

حالة التنافس

وقد عكست الدورات الانتخابية السابقة بصورة أو بأخرى حالة التنافس التي تشهدها إيران مع كل دورة انتخابية، تبعًا لما يتم طرحه من هذا المرشح أو ذاك وتبعًا للطروحات السياسية والاقتصادية، وفيما شهدت بعض الدورات المصادقة على ترشح عدد كبير من المرشحين، اقتصر بعضها على عدد محدود تبعًا للسياسة التي ينتهجها مجلس صيانة الدستور في إحراز الصلاحية من قبل المتقدمين من عدمه. وفي المجمل، يمكن الحديث عن عملية انتخابية تشهد مستوى من التنافس يتصاعد في دورة ويتراجع في أخرى تبعًا لآليات التنافس الداخلي وصعود تيار بعينه على حساب آخر. ويتكرر أن ينسحب مرشحون تبعًا لقراءة حظوظ كل مرشح وموقع الكتلة السياسية مما يؤثر على الديناميكية والتوجهات في كل دورة. وبشكل عام، يوفر هذا الجدول لمحة عن التنافس السياسي في إيران وتطوره عبر مختلف الدورات الانتخابية.

 

الانتخابات القادمة: اتجاهات للقراءة

مؤشرات داخلية

**هذه الانتخابات تحمل منافسة داخل التيار الأصولي، وبين أطيافه، وقد تكون المنافسة النهائية بين (قاليباف وسعيد جليلي).

**ترتبط حظوظ المرشح الإصلاحي بالبيئة الحاضنة للتيار الإصلاحي ورغبتها في المشاركة؛ حيث مارست عزوفًا عن الانتخابات في الدورات السابقة.

**العزوف عن المشاركة يعني أن نسبة المشاركة في هذه الانتخابات قد تأتي مشابهة لما سبقها (49%) وهي الأقل في تاريخ الجمهورية الإسلامية.

**لكن إذا نجحت الحركة الإصلاحية في الحشد للمشاركة ودعم بزشكيان فقد تأتي المنافسة بينه وقاليباف أو بينه وسعيد جليلي.

**العزوف عن المشاركة يعني استمرار حالة الانسداد السياسي الناتجة عن هندسة الانتخابات والإقصاء الممنهج للتيار الإصلاحي (تيار خاتمي)، والمعتدل (تيار روحاني)، وقد تقود إلى تشكيل سياسي معارض من روحاني وخاتمي ولاريجاني الذي رُفض ترشيحه للمرة الثانية.

**قرار مجلس صيانة الدستور باستبعاد أحمدي نجاد يعزز من موقعه كمعارض داخل النظام وربما تأتي معارضته بصورة أشد من السابق بشكل يجعله يصطدم مع النظام بصورة مباشرة، خاصة مع الصفات التي يتصف بها تياره الشعبوي الميال للصدام مع النظام، وسبق أن اتُّهم بأنه محرض على الاحتجاجات التي شهدتها مشهد في عهد حسن روحاني.

 

السياسة الخارجية

قد يكون العقل السياسي الذي يدير الأمر في إيران يميل إلى أن يحمل الرئيس القادم توجهات سياسة خارجية تكون استمرارًا لمسار إبراهيم رئيسي.

هذا يعني أن الإطار التفاوضي بشأن البرنامج النووي الإيراني سيكون ذاته، وقد يأخذ منحى أكثر تشددًا إذا فاز جليلي (صاحب المواقف المتشددة بشأن التفاوض)، وعلي باقري الذي يصنَّف تلميذًا لجليلي قد يستمر وزيرًا للخارجية ومؤثرًا في ملف التفاوض.

قاليباف وجليلي كلاهما لديه علاقات قوية مع الحرس الثوري، ومن الداعمين لنفوذ إيران الإقليمي، لكن جليلي أكثر تشددًا فيما يتعلق ببعض الملفات الخارجية.

مرشحو التيار الأصولي في المجمل من الداعمين لمحور المقاومة، فيما لم يصدر عن المرشح الإصلاحي، مسعود بزشكيان، ما يشير إلى مواقف ناقدة للنفوذ الإقليمي لإيران، لكن تحدث عن أن جواد ظريف سيكون وزير خارجيته، وقد أعلن ظريف  بدوره دعمه لبزشكيان.

بالنسبة لسياسة التوجه شرقًا فسوف تستمر خاصة أنها تأتي ضمن التوجهات الكلية للنظام والتي تُرسم بتوجيهات من خامنئي بناء على توصيات حلقة مؤسسة المرشد ومؤسسات أخرى ترسم السياسة الخارجية.

 

خلاصة

إن أي رئيس سيأتي إلى كرسي الرئاسة في إيران عقب رئيسي، سيكون عليه أن يتعامل مع عدد من الملفات الصعبة، وفي مقدمتها: الأمن والاستقرار، خاصة مع حالة التصعيد التي يشهدها الإقليم ومواصلة الحرب على غزة، ومواجهة الحالة الاقتصادية وتأثير العقوبات المتزايد على الاقتصاد الإيراني والنجاح في تحسين الظروف المعيشية للناس وتوفير فرص العمل. ويبقى الملف النووي والعلاقة مع الغرب مفتوحًا على مصراعيه، وتوجه الرئيس سيؤثر على الطريقة التي سيتم التعامل بها مع العملية التفاوضية، وكذلك الحال فيما يتعلق بسياسة التوجه شرقًا التي لا تحظى بتأييد الإصلاحيين وفق الطريقة التي انتهجها الرئيس الراحل.

 

*باحثة وأستاذة جامعية أردنية مختصة في الشأن الإيراني، حاصلة على درجة الدكتوراه من جامعة علامة طباطبائي في إيران. لها عدد من الكتب والأبحاث المتعلقة بالشأن الإيراني. تعمل حاليا باحثا أول في مركز الجزيرة للدراسات وتشرف على الدراسات المتعلقة بإيران وتركيا ووسط آسيا.


23/06/2024