×

  تركيا و الملف الکردي

  مناكفة غربية لتركيا.. محظور التطبيع مع سوريا



*د.محمد نور الدين

 

تتسارع التطوّرات المتصلة بمساعي المصالحة بين تركيا وسوريا، منذ إعلان الرئيس السوري، بشار الأسد، انفتاحه على المبادرات التي تصبّ في هذا الإطار، وتلقُّف الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الخطوة، بالتعبير عن استعداده للقاء نظيره.

ولكن هذه التطورات ترافقت مع أعمال عنفية ضدّ اللاجئين السوريين، بدأت من مدينة قيصري، بعدما سرت أنباء عن اعتداء لاجئ سوري على فتى قاصر عمره سبع سنوات، وامتدّت لاحقاً إلى معظم المدن التركية، حيث قام المحتجّون بتخريب وإحراق منازل ومحالّ وسيارات اللاجئين، ما أسفر عن مقتل أحدهم في منطقة أنطاليا.

وتبعت ذلك، ردود فعل في المناطق السورية الواقعة تحت سيطرة تركيا، حيث هاجم مسلّحو المعارضة مقرّات ومعابر تابعة للجيش التركي، ما استدعى تالياً موقفاً مشدّداً من جانب إردوغان والخارجية التركية، ضدّ أعمال التحريض والعنف.

 أيضاً، ظهرت مجموعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من مِثل "تركيا المنتفضة" و"تركيا تنتفض"، تدعو إلى التجمّع والانتفاض ضدّ اللاجئين قبل بدء مباراة تركيا مع هولندا اليوم السبت، فضلاً عن تعليقات واسعة بدأت تنتشر، وتطالب بترحيل السوريين.

 ومن جملة ذلك، قيام إحدى المجموعات بنشر صور لجوازات سفر وهويات المئات من السوريين، متعهّدةً بمواصلة النشر تباعاً، ما يجعل هؤلاء هدفاً للمتظاهرين الأتراك.

 ولم تخفِ المجموعتان المذكورتان تمجيدهما النازية وحركات اليمين المتطرّف في أوروبا، إذ قالتا إن الحَراك سيعمّ كل أرجاء تركيا، حيث سيكون ثلاثة ملايين سوري هدفاً للمحتجّين.

 وذكرت صحيفة "قرار"، من جهتها، أنه لم يتّضح بعد كيفية وصول هويات السوريين إلى المجموعات المتطرّفة، لكنّ هناك احتمالاً كبيراً بأن هؤلاء يتحرّكون بإيعاز من استخبارات أجنبية، وبمساعدة جماعة فتح الله غولين في أجهزة الأمن التركية.

ولم يستبعد الكاتب المعروف، فهمي قورو، وجود أيدٍ خارجية وراء أحداث قيصري، "تعمل على نشر الفوضى في تركيا"، ولا سيما أنها جاءت بعد يومين فقط من تصريح إردوغان عن إمكانية لقائه مع الأسد، لافتاً إلى أن "الولايات المتحدة والغرب ليسا مرتاحَين لتقارب أنقرة مع دمشق، خصوصاً بعدما صحّحت الأولى العلاقات مع نظرائها الغربيين".

وفي هذا الوقت، لم يتردّد الرئيس التركي في ركوب موجة "النزعة القومية"، من دون أن يظهر أيّ عداء إزاء السوريين، إذ يخشى أن تتحوّل موجة الكراهية إلى أعمال موجّهة ضدّ السلطة التركية.

ومن بين المؤشرات إلى ما تقدَّم، قرار إردوغان عدم المشاركة في اجتماعات قمة الدول الناطقة بالتركية، في مدينة شوشي في إقليم قره باغ الآذربيجاني، من أجل أن يذهب إلى ألمانيا لحضور مباراة تركيا مع هولندا، التي ستقام مساء اليوم.

وأتى قرار رئيس الجمهورية، بعد موجة التحريض الأوروبية على المنتخب التركي، ولا سيما ضدّ اللاعب مريح ديميرال الذي سجّل هدفَي فوز بلاده على النمسا، ورفعه إشارة "حزب الحركة القومية"، الذئب الأغبر.

 ومع أن ديميرال أعلن أن الشعار خاص بالقومية التركية، لكنّ الاتحاد الأوروبي لكرة القدم ووسائل الإعلام شنّوا حملة على اللاعب والمنتخب، متهمين إيّاهما بالعنصرية، ووصل الأمر إلى توقيفه عن لعب مباراة هولندا المصيرية، علماً أن حركة ديميرال أدّت إلى توتّر دبلوماسي بين أنقرة وبرلين، حيث استدعت الخارجية الألمانية، السفير التركي لديها، وهو ما أعقبه استدعاء الخارجية التركية السفير الألماني في أنقرة.

ولم تحجب هذه الأحداث المتسارعة الضوء عن أن منطلقها كان أخبار الجهود التي تُبذل من أجل المصالحة بين تركيا وسوريا، والتي تتفاعل بصورة لافتة، إذ أعلن زعيم "حزب الشعب الجمهوري" المعارض، أوزغور أوزيل، أنه على اتصال مع الأسد، وأنه سيذهب إلى سوريا خلال الشهر الجاري.

 وقال، في حديث إلى محطّة (KRT) التركية، إن "مشكلة اللاجئين في تركيا باتت أمراً غير عادي، وتتطلّب الحلّ"، مضيفاً أن بلاده "لا يمكن أن تكون مستودعاً للاجئين"، بعدما أنفقت، حتى الآن، 48 مليار دولار على هؤلاء، وكل ذلك بسبب الاتفاق الغريب مع المستشارة الألمانية السابقة، أنجيلا ميركل.

 ولا شكّ في أن هذه الزيارة، إذا حصلت، ستكون مهمّة للغاية، سواء من الناحية النفسية أو من ناحية الضغط على إردوغان للعمل الجدّي على المصالحة مع سوريا من بوابة اللاجئين أولاً، خصوصاً أن أوزيل يتصرّف على اعتبار أن حزبه الذي فاز بالانتخابات البلدية، أصبح هو الأول في تركيا.

ومع تسارع التطوّرات الضاغطة لحلّ تركي مع سوريا، فإن بعض التصريحات من جانب الرئيس التركي قد تكون "كابحة" لموجة التفاؤل، إذ استبق إردوغان ذهابه إلى أستانا لحضور قمة دول "منظمة شانغهاي"، ولقاءه نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، على هامشها، بالقول إن "وحدة الأراضي السورية وحماية وحدتها الوطنية هما أولوية لتركيا. إنّنا كجيران نريد أن نرى سوريا الديموقراطية والمرفّهة والقوية، لا سوريا الغارقة في الفوضى والواقعة تحت تهديد المنظمات الإرهابية".

 وأضاف: "لذا، إذا كان من ضرورة للقاء مع أحد (الأسد)، فكما في الماضي، كذلك اليوم، لن نمتنع عن هذا. بالتأكيد، إذ نفعله فإنّنا نأخذ في الاعتبار أولوية المصالح التركية، على ألا نسمح بأن يكون ضحية أيّ أحد شاركنا العمليات أو وثق بنا أو لجأ إلينا".

وتابع: "سنقوم بما يتوجّب علينا بعد إنهاء الإرهاب الانفصالي بالكامل. نحن لا نطمع بأراضي أحد ولا بسيادة أحد، نحن فقط نقوم بحماية وطننا ضدّ النوايا الانفصالية".

ووفقاً لمراد يتكين، فإن إردوغان، بهذا التصريح، إنّما يردّ على كلام الأسد: "لتنسحب تركيا، ثم نجلس"، وهي رسالة واضحة إلى الرئيس السوري، مفادها أن "الجيش التركي لن ينسحب من سوريا قبل إنهاء حزب العمال الكردستاني، وضمان أمن بلاده". أما فهيم طاشتكين، فيعتبر، في صحيفة "غازيتيه دوار"، أن "تركيا تحصد من سياساتها السورية الشوك، وهي تواجه تحدّيات كثيرة تملي على إردوغان تغيير سياسته هناك، وعلى رأسها مشكلة اللاجئين التي أصبحت حارقة، واحتمال شنّ إسرائيل حرباً على لبنان وانتقال الحرب إلى سوريا.

كذلك، فإن احتمال فوز دونالد ترامب بالرئاسة قد يحمل تطوّرات مفاجئة في سوريا. وعلى ما يبدو، فإن سوريا، حيث يتواجد الجيش التركي، وتركيا حيث ملايين اللاجئين السوريين، مضطرتان للتصالح قبل أن تدهمهما المفاجآت. لكن أن يتصنّع إردوغان البراءة وهو يعود إلى سوريا، فلا معنى له. فبعد كل التدخلات في الشأن السوري، يقول إنه لا يتدخّل!".

في المقابل، وعلى الرغم من غضب دمشق من السياسة التي تتبعها "قسد" مع الأميركيين، وسرقة نفط سوريا، فإن الدولة السورية، يقول طاشتكين، لا ترى في "وحدات حماية الشعب" الكردية، تنظيماً إرهابياً، و"خيار دمشق في الظروف الراهنة، ليس التقاتل مع الكرد.

 فهي لا تريد الدخول في طريق يخلق عداوة مع مكوّن كردي لم يفتح الحرب يوماً على الدولة السورية". ويضيف أن "سوريا تريد التأكد من حجم التطبيع التركي معها، وهل ستمضي أنقرة مستقلّة عن الولايات المتحدة أم لا؟ وما هي المقوّمات المادية لعودة اللاجئين؟".

وينهي طاشتكين مقالته، بالقول إن "أيّ انسحاب محتمل للجيش التركي يتطلّب أن تحلّ محلّه القوات السورية بشكل كامل، وإلا ستعتبر سيطرة أيّ قوّة أخرى احتلالاً. لقد نظّفت تركيا الحدود من الألغام قبل الصعود إلى قطار الربيع العربي. لكن كل مجموعة مسلحة معارضة تحوّلت إلى لغم قابل للانفجار في وجه تركيا، فيما لا يمكن الأخيرةَ مواصلة الرقص معه أكثر، والبقاء في سوريا لا يحمي أمن تركيا".


07/07/2024