×

  اخر الاخبار

   صخب تركي حول المصالحة: تأييد وتشكيك واشتراطات



*د.محمد نور الدين

 

«إعطاء الانطباع بأن كلّ المشكلات بين تركيا وسوريا ستُحلّ بمجرّد لقاء يجمع إردوغان والأسد، من شأنه أن يزيد الخيبات»

في انتظار تطوّر جديد على خطّ المصالحة المنشودة بين أنقرة ودمشق، وفي وقت أكد فيه وزير الدفاع التركي، ياشار غولر، لموقع «بوليتيكو» الأميركي، أن بلاده «مصمّمة على إقامة حزام أمني في شمال سوريا وشمال العراق بعمق 30 إلى 40 كيلومتراً، وتطهيره تماماً من الإرهابيين.

وسنواصل عملياتنا حتى القضاء على آخر إرهابي»، تواصلت ردود الفعل الداخلية التركية على مشروع التطبيع بين البلدين والوساطات الجارية على خطها.

 وفي هذا الإطار، سُجلت مسيرة نظّمها ما يسمى «منبر التضامن مع غزة»، الأحد الماضي، من أمام جامع «محمد الفاتح» وصولاً الى بلدية إسطنبول الكبرى، حيث رُفعت شعارات مسيئة للرئيس السوري، بشار الأسد، وهو ما علّقت عليه صحيفة «آيدينلق» بأن «معارضي المصالحة يتوسّلون غزة شماعةً لتضليل الرأي العام».

ورغم الاتجاه المتحمّس للمصالحة في الأوساط الموالية، يقول المحلّل المعروف، حقي أوجال، في صحيفة «ميللييات» الموالية، في مقال له، إن «حلّ مشكلات سوريا يبدأ باتباع دمشق سياسات عاقلة»، مضيفاً أن نداء إردوغان للأسد لتكون سوريا «واحدة وحاضنة للجميع على أساس عقد اجتماعي جديد عادل ومشرف، سيكون الفرصة الأخيرة له»، بحسب تعبيره، فيما يعتقد عثمان سرت أن «إعطاء الانطباع بأن كلّ المشكلات بين تركيا وسوريا ستُحلّ بمجرّد لقاء يجمع إردوغان والأسد، من شأنه أن يزيد الخيبات»، لافتاً إلى أن «عدم بدء أيّ خطوة عملية في اتّجاه التطبيع، يعكس أن حجم المشكلات كبير، ولا يمكن تجاوزه بسهولة».

مع ذلك، يكتب نادر تيميل أوغلو، في صحيفة «آيدينلق»، أن «الخيار الوحيد أمام تركيا لتصفية الإرهاب، هو بشار الأسد. وبالنسبة إلى الأخير، فإن تركيا هي خياره الوحيد»، بينما يدعو إسماعيل قابان، في صحيفة «تركيا» الموالية، إلى حلّ «العقدة السورية»، وأن تكون سوريا «أولوية مطلقة في السياسة الخارجية التركية.

 فالسبب في ما أصاب سوريا، هو السياسات النافرة والمزدوجة المعايير للولايات المتحدة (...) ثم جاءت إيران لتعمل على تغيير المشهد، وبنصيحة منها تدخّلت روسيا (في سوريا).

 ولم تبدِ أميركا ردّ فعل على التدخّل الروسي، بل عملت على تشكيل حالة انفصالية هناك لمصلحة حزب العمال الكردستاني». ويستدرك الكاتب بأنه «خارج روسيا، لم تصدر أيّ إشارة إيجابية بعد من أيّ طرف للمصالحة بين تركيا وسوريا. وهذا يعكس أن مناخ المصالحة لن يكون سهلاً».

وعلى مقلب المعارضة، تستمر المواقف الداعمة لمسار المصالحة، وخصوصاً من جانب «حزب الشعب الجمهوري» الذي أكد على لسان الناطق باسمه، دينيز يوجيل، أن رئيسه، أوزغور أوزيل، سيزور دمشق في الشهر الجاري، وسيلتقي بالأسد.

 وكان أوزيل قال في حوار تلفزيوني: «إنّنا مستعدّون لفتح باب الوساطة، وسأكون أول الذين يذهبون إلى دمشق ويلتقون بالأسد. هناك تطوّرات إيجابية سنعلن عنها في الوقت المناسب».

لكن «حزب الديموقراطية والمساواة للشعوب» الكردي اعترض على زيارة أوزيل دمشق واستعداده للقيام بدور الوساطة بين إردوغان والأسد، وخاطب رئيسه، تونجاي باقر خان، زعيم «الشعب الجمهوري»، بالقول إن «إردوغان والأسد يعملان على اتفاق معادٍ للكرد.

فهل تعمل أنت على سياسة معادية للكرد؟ هذا لن يكون مفيداً للشعوب في تركيا». ورأى باقر خان أنه «يجب اعتماد سياسة خارجية تضمن للناس في روجآفا وفي سوريا، تحديد مستقبلهم بأنفسهم».

ويرجع المفكّر المعروف، إيمري كونغار، في مقال في «جمهورييات»، إلى التاريخ ليذكّر بأنه «عشية عملية تحرير الكويت، قال طورغوت أوزال: نضع واحدة ونحصل على ثلاثة. وفي الحرب السورية، قال إردوغان: إنّنا سنصلّي في الجامع الأموي».

وبالنسبة إلى كونغار، فإن «الإسلام المنفصل عن نجم الدين إربكان، كان سبباً في كلّ الأثمان التي دفعتها تركيا في الانخراط في المشروع الشرق أوسطي الأميركي. لقد دمّر حزب العدالة والتنمية المؤسسات، وأنشأ نظام الشخص الواحد، وخسر في العراق مئة مليار دولار، وفي سوريا أكثر منها، مع مئات الشهداء، فيما تحوّلت حدودنا الجنوبية إلى غربال، وتعزّزت قوّة التنظيمات الجهادية وحزب العمال الكردستاني. وازداد عدد السكان بسبب اللاجئين أكثر من عشرة ملايين نسمة».

أمّا إبراهيم كيراز، فيرى أن المشكلتين الأهمّ اللتين تواجهان تركيا الآن، هما: «اللاجئون وحزب العمال الكردستاني». ويلفت إلى «(أنّنا) كنّا ندعو الحكومة إلى عدم التدخل في سوريا. اليوم، لن ينفع التذكير بذلك.

كنّا نهدر طاقتنا لمنع تركيا من التدخل في سوريا. ومع أنّنا لا نحمل الكثير من الأمل، فإن للمصالحة مع سوريا فائدة لتركيا. وشرط ذلك الابتعاد عن السياسات القومية التي توظّف السياسة الخارجية في حسابات داخلية».

وعن اتهام إردوغان المعارضة بالتحريض على أحداث قيصري، يقول كيراز إن «هذا مردود عليه، فقيصري وأضنة وغيرهما من مدن الأناضول، هي معاقل لحزب العدالة والتنمية لا للمعارضة». وينتهي الكاتب إلى أنه «ليس هناك من حلّ يمكن أن ينهي المشكلات القائمة من جذرها.

 فلن يزول قريباً خطر التهديد الإرهابي من على حدودنا الجنوبية، ولن تُحلّ بالكامل مشكلة اللاجئين. لكن، إذا كانت السلطة والمعارضة تتبنيان الحلّ نفسه للمشكلات، فلماذا لا تكون الحكومة متحمسة لذلك؟».

في هذا الوقت، تتكشف المزيد من التفاصيل حول الأحداث التي شهدتها مدينة قيصري وغيرها من المدن التركية أخيراً؛ إذ برز ما نشرته صحيفة «ميللييات» من أن التحريض على اللاجئين السوريين هناك، جاء مدفوعاً من حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، في كلّ من ألمانيا والولايات المتحدة.

وأوضحت الصحيفة أن هذه الحسابات على صلة مباشرة بـ«حزب العمال الكردستاني» أو بجماعة فتح الله غولين، مشيرةً إلى أن لواشنطن وبرلين علاقة بذلك التحريض.

*صحيفة"الاخبار"اللبنانية


13/07/2024