*د. أمل عبدالله الهدابي
*مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة
شنت إسرائيل، في 13 يونيو 2025، هجوما عسكريا واسع النطاق على إيران، في عملية أطلقت عليها اسم "الأسد الصاعد"، وردت عليها طهران بإطلاق عملية "الوعد الصادق 3". وعلى مدى 12 يوما من العمليات العسكرية الواسعة والمتبادلة بين الطرفين، شهدت هذه الحرب تحولات عديدة، وتركت الكثير من التأثيرات والتداعيات ليس فقط على البلدين وموازين القوة بينهما، وإنما أيضا على مستوى الشرق الأوسط بأكمله، بل وحتى على المستوى العالمي، قبل أن يضع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حدا لها بفرض اتفاق لوقف إطلاق النار عقب تدخل عسكري أمريكي مباشر ضد المنشآت النووية الإيرانية، ورد إيراني "رمزي" على الولايات المتحدة باستهداف القاعدة العسكرية الأمريكية في قطر. ويتناول هذا المقال حسابات الربح والخسارة لطرفي الحرب، وتقييم نتائجها والتأثيرات التي أفرزتها أو المُتوقع أن تفرزها.
حسابات الطرفين:
مع انتهاء الحرب ودخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ يوم 24 يونيو الجاري، ادعى كل طرف من أطراف الحرب (إسرائيل وإيران) أنه حقق النصر؛ ولكن التحليل الموضوعي لنتائج الحرب يشير إلى جوانب نجاح وفشل لدى كل طرف، مع الأخذ بعين الاعتبار حقيقة التفوق العسكري لإسرائيل، والذي ساعدها على إلحاق مستوى أعلى من الدمار بالطرف الإيراني، وهذا ما يتضح في الآتي:
1- حسابات إسرائيل:
حددت تل أبيب منذ البداية أهداف عمليتها العسكرية ضد إيران في القضاء على البرنامج النووي الإيراني الذي يشكل تهديدا وجوديا بالنسبة لها، وفقا لما يروج له المسؤولون الإسرائيليون، إلى جانب تدمير أو إضعاف برنامج الصواريخ البالستية لطهران. وعند تقييم نتائج الحرب في ضوء هذه الأهداف، يمكن القول إن إسرائيل حققت نجاحا غير مكتمل، حيث نجحت، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، في توجيه ضربات قد تكون مؤثرة للبرنامج النووي الإيراني، وربما ستؤدي إلى تأخير تطوير السلاح النووي، فضلا عن إلحاق أضرار جسيمة بترسانة إيران من الصواريخ البالستية.
وعلى الرغم من حجم الدمار الذي لحق بالمفاعلات النووية الإيرانية، ولا سيّما بعد الضربات التي نفذتها الولايات المتحدة بأسلحتها الضخمة ضد مفاعل فوردو عالي التحصين وغيره من المفاعلات؛ فإن التقييمات الأولية، بما في ذلك الأمريكية، تشير إلى أن العمليات العسكرية الأمريكية الإسرائيلية لم تقض على البرنامج النووي الإيراني.
فعلى سبيل المثال، ذكرت وسائل إعلام أمريكية، يوم 24 يونيو الجاري، أن تقييما أمريكيا أوليا أعدته وكالة الاستخبارات التابعة لوزارة الدفاع (البنتاغون) أشار إلى أن الضربات التي شنتها واشنطن على ثلاث منشآت نووية إيرانية لم تدمر المكونات الأساسية للبرنامج النووي لطهران، بل على الأرجح أعادته إلى الوراء عدة أشهر فقط، وهو ما يتعارض مع تصريحات ترامب المتكررة بأن الضربات "دمرت تماما" منشآت تخصيب اليورانيوم الإيرانية، وتصريحات وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغسيث، التي قال فيها إن طموحات إيران النووية "قُضي عليها". كما نقلت صحيفة "الغارديان" البريطانية عن نائب الرئيس الأمريكي، جيه دي فانس، قوله إن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب الذي يُقدر بنحو 400 كيلوغرام، والذي يقل قليلا عن درجة التخصيب اللازمة لإنتاج السلاح النووي، لا يزال سليما على الرغم من حملة القصف الأمريكية الأخيرة ضد إيران، مشيرا إلى أن القصف كان ناجحا؛ لكن التقارير تشير إلى أن المخزون ربما تم نقله إلى مكان آخر. ويتفق ذلك مع تصريحات إيرانية ذكرت أن معظم اليورانيوم عالي التخصيب في منشأة فوردو النووية الإيرانية تم نقله إلى مكان غير مُعلن قبل الهجوم الأمريكي.
وفيما يتعلق بملف الصواريخ البالستية، وعلى الرغم من نجاح إسرائيل في استهداف العديد من منصات إطلاق الصواريخ الإيرانية، حيث ذكرت بعض التقديرات الإسرائيلية أن سلاح الجو دمر نحو 60% من منصات الإطلاق ومصانع تصنيع الصواريخ؛ ما قلَّص ترسانة إيران الصاروخية؛ فإن الحرب ربما كشفت الحرب عن هشاشة الدفاع الإسرائيلي في مواجهة الصواريخ الإيرانية. فمن بين نحو 550 صاروخا إيرانيا، وأكثر من 1000 طائرة مُسيَّرة، تم إطلاقها نحو إسرائيل، وصل عدد من هذه الأسلحة إلى أهدافه؛ مما ألحق دمارا ليس معتادا في عدد من المدن الإسرائيلية. كما كشفت الحرب عن ضعف في البنية التحتية للجبهة الداخلية الإسرائيلية، في ظل نقص الملاجئ والحماية المدنية، إضافة إلى التحديات التي فرضها إغلاق المجال الجوي.
2- حسابات إيران:
كشفت الحرب عن ثغرات عميقة في الجسد الإيراني، لعل أهمها حالة الاختراق الخطرة للنظام الإيراني من قِبل عملاء إسرائيل، والذي أسهم في تسهيل ضرب القدرات العسكرية الإيرانية وربما منح الأفضلية لإسرائيل عسكريا. فقد بدا واضحا منذ بداية الحرب، أن إسرائيل لديها معلومات تفصيلية ودقيقة عن مواقع القيادات العسكرية والعلماء النوويين في إيران؛ ما سهل عملية استهدافهم والقضاء عليهم، ناهيك عن المعلومات الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني.
وخسائر إيران كبيرة بلا شك، حيث خسرت عددا كبيرا من القادة العسكريين من الصف الأول خاصة في اليوم الأول للهجمات الإسرائيلية، وعلى رأسهم رئيس الأركان وقائد الحرس الثوري، كما قُتل عدد من كبار العلماء النوويين، الذين كانت طهران تعتمد عليهم في تطوير برنامجها النووي. وتضررت المنشآت النووية الإيرانية، وربما تعرضت للتدمير بشكل جزئي أو كامل، حسب الرواية الإسرائيلية، خاصة مع الضربات التي وجهتها الولايات المتحدة لتلك المنشآت. ويُضاف إلى ذلك، الخسائر الاقتصادية الكبيرة في إيران والدمار في البنية التحتية نتيجة الهجمات الإسرائيلية.
ومع ذلك، فإن ثمة نجاحات استراتيجية حققتها إيران، بدأت تستغلها لإعلان تحقيق النصر وفق مفهومها، ومن ذلك نجاح ضرباتها الصاروخية في إلحاق خسائر بشرية ومادية كبيرة في إسرائيل، حيث أسفرت عن 28 قتيلا إسرائيليا، بينهم خمسة قُتلوا بصاروخ إيراني على مدينة بئر السبع قبل لحظات من وقف الحرب، فضلا عن مئات الجرحى؛ ومن ثم فقد كشفت الحرب عن ثغرات في نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي، حيث فشلت منظومات الاعتراض في صد بعض الصواريخ البالستية الإيرانية التي أصابت مناطق مأهولة ومواقع حساسة، مسببة أضرارا جسيمة بمئات المنازل، فضلا عن منشآت حيوية مثل بازان في حيفا ومعهد وايزمان في رحوفوت. كما أدت الهجمات الصاروخية إلى إغلاق كامل للمجال الجوي الإسرائيلي، بما في ذلك مطار بن غوريون؛ مما أدى إلى وجود أكثر من 150 ألف إسرائيلي عالقين في الخارج.
بيد أن البعض يرى أن إيران خرجت من هذه الحرب أضعف من الناحيتين العسكرية والاستراتيجية؛ الأمر الذي قد يؤثر نسبيا في موازين القوى الإقليمية بمنطقة الشرق الأوسط.
نتائج الحرب:
يمكن الإشارة هنا بشكل عام إلى مجموعة من الخلاصات الاستراتيجية المهمة بشأن نتائج حرب إسرائيل وإيران، وتأثيراتها المتوقعة، كما يلي:
1- الدور الأمريكي الحاسم في الحرب:
منذ البداية، كان لواشنطن دورها الرئيسي في مجرى العمليات العسكرية، حيث وقفت في البداية بقوة داعمة لإسرائيل في تحقيق أهدافها سواء على مستوى التصريحات الرسمية الداعمة والتنسيق المستمر بين ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بشأن مسار العمليات العسكرية أم مسار تقديم الأسلحة الحديثة وصولا إلى مشاركة القوات الأمريكية نفسها في العمل العسكري من خلال تنفيذ ضربات عسكرية لتدمير المنشآت النووية في فوردو ومناطق أخرى؛ مما كان له تأثيره الواضح في مسار الحرب؛ ولكن هذا الدور انتقل من دعم العمل العسكري الإسرائيلي والمشاركة المباشرة في الحرب، إلى دعم السلام عبر فرض اتفاق لوقف إطلاق النار بين الطرفين؛ ما أدى بالفعل إلى توقف الحرب. وهذا الدور الأمريكي أعاد التذكير مرة أخرى بمكانة الولايات المتحدة بوصفها القوة الأكبر عالميا التي يتم التعويل عليها لتحقيق الاستقرار الإقليمي.
2- حدود تحالفات إيران:
بدت طهران كأنها وحيدة في حربها ضد إسرائيل والولايات المتحدة ومن خلفهما الكتلة الغربية، حيث اقتصر الدعم الروسي والصيني على التصريحات السياسية دون تقديم دعم عسكري فعلي لطهران؛ وهو أمر قد يؤثر مستقبلا في رؤية إيران لحدود تحالفاتها مع هذه الدول، أو على الأقل توقعاتها منهم. كما كان لذلك دور في موافقة طهران على وقف إطلاق النار بل والسعي له.
3- احتمالية تأثر العلاقات الخليجية الإيرانية:
قد يكون للهجمات الإيرانية على القاعدة الأمريكية في قطر ردا على الهجمات الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية، تأثيراتها في حالة الثقة بين دول الخليج وإيران. فهذه الهجمات الإيرانية شكلت تهديدا مباشرا لحالة الأمن الإقليمي الخليجي حتى بالرغم من كونها تم التنسيق المسبق لها، وهي تحمل رسالة بأن إيران يمكن في أي وقت أن تحاول أن تجعل أمن هذه المنطقة رهينة لصراعاتها مع الغرب عامة، والولايات المتحدة خاصة. فالهجمات تمت بالرغم من الموقف الخليجي الرافض للحرب على إيران؛ ومن ثم لم يكن لها أي مبرر.
4- غياب اتفاق ملزم للتهدئة:
لم يستند وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، برعاية أمريكية، إلى اتفاق واضح وملزم؛ وهو ما يثير المخاوف من خرق هذا الاتفاق وتجدد الهجمات المتبادلة بين طرفي الحرب، كما أن ذلك يجعل استئناف إيران نشاطها النووي والصاروخي أمرا محتملا، بل إن هناك من يرى أن طهران ستعمل بقوة على الحصول على سلاح نووي حتى تستطيع ردع مثل هذه الاعتداءات الإسرائيلية الأمريكية مستقبلا. ويفرض ذلك العودة سريعا إلى مائدة المفاوضات للوصول إلى اتفاق ملزم بشأن البرنامج النووي الإيراني.
*كاتبة إماراتية