عبر قنواته الاعلامية "الورقية والمرئية والسمعية والمواقع والصفحات" نشر مكتب الاعلام والتوعية للاتحاد الوطني الكوردستاني سلسلة افتتاحيات تحت هذا العنوان ،وذلك كبادرة مسؤولة في خضم الاوضاع الراهنة وتضمنت سبع ركائز كالاتي:
1-اعادة البريق الى النضال الوطني..لماذا؟
2-الإقليم امام الفرص والتحديات..- النظام الفدرالي نموذجا-
3- وحدة الصف الموقف للحاضر والمستقبل
4-مشكلة الرواتب والتحرك الدبلوماسي الجديد
5-حماية الوطن، مسؤولية جماعية
6-الاتحاد الوطني الكوردستاني ودوره في حل مشكلة رواتب شعب كوردستان
7-حكومة خدماتية وبرلمان فعال
وفيما ياتي نص الافتتاحيات السبعة ضمن ملف واحد :
1- لماذا اعادة البريق الى النضال الوطني؟
لماذا من المهم الآن، بعد ظهور كل هذه الأزمات، أن نوجه أنظارنا نحو اعادة البريق الى النضال الوطني؟
مع تحول المشاكل في إقليم كوردستان إلى أزمة شاملة وصلت الى كافة مفاصل وطننا ،من واجبنا جميعا من المواطنين، إلى القوى السياسية، إلى منظمات المجتمع المدني – أن نقوم بتحمل المسؤولية بالتكاتف والانخراط في نضال حقيقي وهادف من أجل معالجة هذه الأزمات، فبدون النضال الوطني وبغياب الارادة الشعبية والخطط العلمية والواقعية، ومن دون ثقة ودعم جماهير شعب كوردستان، من المستحيل خروج إقليم كوردستان سالما من هذا المسار المظلم والخطير.
ان النضال المستمر من أجل الإصلاح، والحكم الرشيد، وتعزيز مؤسسات الحوكمة في الإقليم، يشكل واجبا وطنيا مقدسا على عاتق كل فرد في إقليم كوردستان، دون استثناء.
قد يُقال: “ألم يكن من الافضل إطلاق هذا النداء في وقت سابق؟” نقول: نعم، كان من الافضل ولكن لم يفت الاوان ولم يخرج الامر عن سياقه ، وما زال النداء المتاخر من اجل الحل خلسة أفضل من خيار الصمت!
لا شك أن إقليم كوردستان يعاني من مجموعة من الأزمات المالية والسياسية والاجتماعية، وهي نتاج السياسات والمواقف الخاطئة على مدار سنوات من قبل جميع الأطراف، وخاصة القوى الرئيسية في إدارة إقليم كوردستان والعراق الفيدرالي.
وهذه ليست المرة الاولى التي يتعرض فيها اقليم كوردستان الى المشاكل والازمات بسبب هذه السياسات والمواقف .
صحيح أن تاريخنا مليء بالمآسي والمحن والكوارث، لكن شعبنا، في كل الظروف القاسية، أثبت دوما أنه يمتلك الإرادة الصلبة وكثيرا ما نهض بسرعة بعد الكبوات ولحظات التراجع .
وكما يقول الحكماء فان كل مشكلة تحمل في طياتها بذور حلها، والفن يكمن في القدرة على اكتشاف ذلك الحل في خضم المشكلة وفي الحقيقة،إن تشخيص المشكلة، وفتح نقاش جاد حولها، ووضع خطط مدروسة لمواجهتها، يمثل في جوهره نصف الحل الفعلي.
وبناء على هذه الحقائق، فإننا، في إعلام الاتحاد الوطني الكوردستاني، سنخصص سلسلة من افتتاحيات لصحيفة"كوردستاني نوى" كي لا تصبح خطواتنا وسط هذا الوضع السياسي الفوضوي مماثلا لخطوات عملية الاستفتاء وتبعاتها حيث لايزال مواطني الاقليم يدفعون ثمن الخطوات المبطنة والمتعثرة للاطراف السياسية الاساسية .
من هذا المنطلق ولمعالجة الأزمات الجسيمة لهذه المرحلة، يجب على جميع الأطراف السياسية في إقليم كوردستان أن تتحمل مسؤولياتها بشجاعة، وتكون مشاركا حقيقيا في هذا المسار، وأن تتعامل مع مهامها الوطني بصورة جادة بعيدا عن المجاملات والمزايدات.
نأمل أن تكون جهودنا هذه، التي تنبع من إخلاصنا للإقليم وشعبه، لبنة تضيف إلى حصاد الكفاح والنضال المسؤول للاتحاد الوطني الكوردستاني، الذي يسعى لحماية الإقليم، وتحقيق إنجازات الثورة والانتفاضة، وخدمة شعبنا الكادح بكل تفانٍ وإخلاص.
نحن في إعلام الاتحاد الوطني الكوردستاني، ومن أجل إنجاح هذه المبادرة، ننتظر استجابة جميع الأطراف في العراق الاتحادي وإقليم كوردستان، آملين أن ينبري كل منهم، من منطلق وطني ومسؤول، ليكون شريكا حقيقيا في إنجاح هذا المسعى الذي يخدم المواطنين، ويعزز العملية السياسية، ويُسعد أرواح الشهداء، ويصون تضحيات البيشمركة والمناضلين وأبناء شعبنا المخلصين من أن تذهب هباء.
2-الإقليم امام الفرص والتحديات..- النظام الفدرالي نموذجا-
بعد سقوط النظام البعثي، دخل العراق مرحلة جديدة تمثلت في إقرار النظام الفيدرالي، الذي مكن إقليم كوردستان لأول مرة من الانتقال من واقع الأمر (دي فاكتو) إلى وضع دستوري معترف به ضمن الدستور العراقي. كان ذلك بمثابة فرصة تاريخية أمام شعب كوردستان لينال جزءا من حقوقه المشروعة، ويضع حدا لعقود من التهميش والاضطهاد.
لكن هذه الفرصة لم تخلُ من تحديات جدية لاتزال قائمة حتى اليوم، ويعود ذلك إلى عدة أسباب مترابطة:
أولا: إن إحدى الخصائص الأساسية للنظام الفيدرالي هي توزيع السلطات بين الحكومة الفيدرالية والأقاليم، لكن توزيع السلطات بين الحكومة الفيدرالية والإقليم تجديدا حول بعض المسائل المصيرية غيرواضحة حتى الآن.
ثانيا: الدستور في النظام الفيدرالي هو السلطة العليا التي تستمد منه الدولة سلطاتها، لكن الحكومة الفيدرالية والإقليم لم يتفقا كثيرا على تطبيق جميع فقرات ومواد الدستور العراقي، وأحيانا يعبران عن التزامهما الانتقائي بتلك الفقرات والمواد التي تخدم مصالحهما. والذي يُعتبر سببا عميقا في تقويض أسس الفيدرالية العراقية.
ثالثا: غياب التنفيذ الفاعل لقرارات المحكمة الاتحادية، يجب أن تكون السلطة القضائية مستقلة ولها القدرة على اتخاذ قرار إلغاء أي قانون يتعارض مع مضمون الدستور، لكن في العراق في كثير من الأحيان اهملت قرارات المحكمة الفيدرالية ولم تنفذ.
رابعا: الفيدرالية في جوهرها تعني وحدة طوعية وتعايش مشترك ، لكن في العراق بدلا من التحالف، يتم التعامل مع بعضهم البعض بنظرة عدائية والعمل على تقوية الذات والسعي لإضعاف الطرف المقابل. إن اتباع هذه السياسة يضع النظام الفيدرالي تحت المساءلة.
خامسا: منذ البداية لم يكن هناك تعريف مشترك بين مكونات العراق لمفهوم الفيدرالية؛ فغالبا ما اعتُبرت حكرا على إقليم كوردستان، وهذا ما خلق فجوة نفسية وسياسية، تُستخدم كلما نشب خلاف بين بغداد وأربيل.
سادسا: وجود إقليم واحد فقط ضمن الهيكل الفيدرالي العراقي أوجد نوعا من عدم التوازن، خاصة مع غياب مجالس الأقاليم الأخرى التي كان يُفترض تشكيلها بموجب الدستورممما انعكس سلبا على إقليم كوردستان .
سابعا: عدم حسم قضايا محورية مثل حدود الإقليم، وقانون النفط والغاز، وتعقيدات القوانين المتضاربة، ترك الباب مفتوحا أمام الأزمات المتكررة.
ثامنا: إلى جانب الدستور والنظام الفيدرالي، كان مبدأ الشراكة الحقيقية والبناء الوطني أساسا قويا للاستقرار والثقة باستمرار، لكن هذا المبدأ تراجع إلى حد كبيرويعود هذا إلى أن التفكير الأحادي في بغداد وفي الإقليم على حد سواء والذي انتشر على نطاق واسع مما أدى إلى إحداث شرخ واسع بين الإقليم وبغداد من جهة وداخل الإقليم نفسه من جهة أخرى، لذلك لم يتمكن النظام الفيدرالي في العراق من أن يكون ضمانا للتعايش القومي والديني والمذهبي والسياسي في جميع أنحاء العراق وإنهاء التمييز والظلم، كما أن الوسائل التي اتُخذت لحل المشاكل بين الطرفين لم تكن في المستوى المطلوب، لذلك الحل الافضل لهذه المشكلة هو العودة إلى تطبيق الدستور العراقي والالتزام بمبدأ الشراكة الحقيقية والبناء الوطني
تاسعا: في النظام الفيدرالي، تمتلك الأقاليم دستورا خاصا، شرط ألا يتناقض مع الدستور الفيدرالي، إقليم كوردستان في مرحلة واقع الامر وبعد ذلك في مرحلة الاعتراف الدستوري لم يكن يمتلك دستورا خاصا به، وهذا يبقى كتحدٍ أمام الإقليم وسلطاته.
بالنسبة لإقليم كوردستان أيضا، الاستقرار والوحدة والتخلي عن الفكر التفردي وحده يقود الإقليم نحو برِ الامان ولا شيء غير ذلك .
كما ان هناك حقيقة أخرى وهي أن حكومة قوية في بغداد لا يمكن لها ان تقوم دون وجود إقليم مستقر ، كما أن إقليما قويا بدون بغداد مستقرة و هادئة لن يكون ممكنا.
وعليه، فإن أولوية المرحلة يجب أن تنصب في تفعيل الحوارات والمفاوضات الجادة والمستمرة على مستوى عال حتى التوصل إلى اتفاق شامل يُنهي القضايا العالقة، مع الإسراع بتأسيس المجلس الاتحادي الذي نص عليه الدستور، باعتباره صمام الأمان لحفظ التوازن ومنع احتكار السلطة، ومعالجة الخلافات بين الحكومة الاتحادية والإقليم ضمن إطار قانوني ودستوري واضح.
إن أي خيار آخر خارج هذا الإطار سيزيد من تعقيد الأوضاع، ويضر بمصالح الجميع، وهو ما لا يحتمله العراق اليوم في ظل تحديات إقليمية ودولية دقيقة.
الفرصة ما تزال قائمة، لكنها تتطلب إرادة سياسية صادقة، وإعادة الاعتبار لمبدأ الشراكة الوطنية كحجر أساس لبناء عراق ديمقراطي اتحادي حقيقي.
3- وحدة الصف الموقف للحاضر والمستقبل
كان أكبر مشكلة لشعبنا على مدى التاريخ، هو انعدام وحدة الصف والموقف، وكان داء أمتنا الموغل في القدم، هو التفرقة والقطيعة وعدم قبول الآخر. هذا الداء المميت قد انعكس أيضا في نتاجات شعرائنا وأدبائنا منذ القدم، بحيث كتب العشرات من الكتاب والشعراء آلاف الأسطر عن ضرورة وحدة صوت شعبنا كما أرجعوا سبب كل المعاناة إلى ذلك الداء أيضا.
قد يكون هناك من يقول: إنها الأحزاب التي لم تكن تتمتع بوحدة الموقف والصوت ولم تزل! إن هذه الرؤية ليست صحيحة؛ لأن هذا الداء كان موجودا بين الكورد حتى قبل وجود الأحزاب والجماعات السياسية، لكن أضراره وانعكاسه السلبي كان أكثر تبلورا وبروزا في زمن وجود الأحزاب السياسية. إن تاريخ شعبنا مليء بنماذج عن أضرار انعدام الوئام والتفرقة وقد عاد ذلك بأضرار جسيمة على نضال شعبنا، لاسيما وأن جميع تلك المراحل قد شهدت من قبل الجماعات والفئات السياسية فضلا عن المنافسة الحزبية واختلاف البرامج والرؤى، العداوة بين بعضها لبعض، فانتفع منها مناوئونا ومنافسونا واعداؤنا لإضعاف الثورة في زمن الثورة وكذلك لضرب تجربة حكمنا الحالية.
من الطبيعي أن تختلف برامج ورؤى الأحزاب والحركات السياسية لمعالجة المشكلات والمسائل وأن يدير كل واحد منها نضاله بطريقة مختلفة، ولكن لايمكن أن تقود باتجهات مختلفة وتعارض بعضها البعض في المسائل القومية والوطنية المصيرية. فمثلما شاهدنا في تاريخنا أضرار التفرقة والقطيعة، فإن منفعة وحدة الصوت والموقف ماثلة أمام أعيننا أيضا وخير مثال هو تشكيل الجبهة الكوردستانية أواسط الثمانينات من القرن الماضي وقد رأينا جميعا كيف حصد شعبنا نتاج وحدة الصوت والصف تلك خلال الانتفاضة وبعد ذلك في انتخابات البرلمان وتشكيل حكومة الإقليم.
ومن الأمثلة الأقرب والأكثر حيوية، هو الإصرار الدائم للرئيس مام جلال على وحدة موقف وصوت الأطراف الكوردستانية في المسائل المصيرية والدور الكبير الذي كان يؤديه في تقريب الأطراف وتشكيل إجماع بينها في المسائل الكوردستانية والوطنية.
دور الرئيس مام جلال هذا كان كذلك للعراق أيضا حين كان يجمع الأطراف العراقية حول مسألة ما فيها منفعة شعوب البلاد.
ويمر إقليم كوردستان الآن بظرف صعب، فإن عدم إرسال الموازنة التي تشكل رواتب الموظفين والمتقاعدين جزءا مهما منها، أصبح مشكلة كبيرة تواجه مواطني الإقليم والحكومة أيضا. بينما تصر الحكومة الاتحادية شيئا فشيئا على أنها لن ترسل الرواتب! ويبدو أن بغداد تأتي بمبرراتها، سواء أكانت حقة أم غير حقة، فذلك موضوع آخر، ولكن ما يلاحظ أن الأمر أخذ قالبا سياسيا، وليس ماليا وفنيا فحسب ما يشكل خطرا كبيرا على الإقليم ويمكن أن تكون عاقبته سيئة!
وما يدعو للأسف أن الأحزاب والحركات السياسية في الإقليم متباعدة حتى الآن أمام موقف الحكومة الاتحادية هذا، حتى أن بعضها تعبر عن سرورها بموقف بغداد بشكل غير مباشر! إن ما ينبغي فعله في هذه اللحظة الحساسة والمصيرية ولايمكن تأجيله هو اجتماع جميع الأطراف على موقف قانوني ودستوري متين للدفاع عن حقوق الإقليم وشعب كوردستان دون استخدام لغة التهديد والوعيد، بل عبر حوار صريح مع الحكومة الاتحادية، لحل مشكلة الرواتب في البداية ثم بعد ذلك لحل المشكلات الآخرى العالقة. ولايمكن أن ننسى أن أحد الأسباب الرئيسة لظهور هذا الوضع السيء للإقليم هو انعدام الوئام بين الأطراف ووحدة الموقف حول المشكلات الوطنية. قد يكون هناك من يقول: لماذا نتذكر وحدة الصف في أوقات الأزمات والمشكلات فقط؟ وهذا سؤال منطقي، ولكن من المعلوم أن وحدة الموقف والصف ضروري ومهم عند الشدائد قبل أي وقت آخر وإن كان من الأفضل أن نكون دوما موحدي الصوت والصف لكي لاينال منا أحد.
4-مشكلة الرواتب والتحرك الدبلوماسي الجديد
في مجال ادارة الدولة وعملها، احدى اعمدة العمل السياسي الحديث تكمن في تفعيل العلاقات السياسية وتوظيف التحالفات لتحقيق الاهداف الوطنية العليا، فيما لو مرت الدولة بمرحلة من الازمات، واخفقت في تطوير قطاعاتها المختلفة وتفعيل تلك العلاقات والتحالفات والصداقات، عند ذاك يكون اللجوء لتحقيق الاستفادة من تلك التحالفات جزء من المهام الاساسية، وفي بعض الاحيان توظيفها كجزء من اوراق الضغط يصبح ضرورة ملحة.
مع بداية بروز ازمة الرواتب التي دخلت شهرها الثاني، وما خلفه عدم التوصل الى اتفاق بين حكومتى بغداد والاقليم من تداعيات، تمثلت سياسية الاتحاد الوطني الكوردستاني بالابقاء على ابواب الحوار مفتوحة بين الاقليم والحكومة الاتحادية كاحد ابرز الخيارات المتاحة على الساحة، وفي هذا الاطار وعلى لسان مسؤولين رفيعي المستوى او عبر وسائل اعلام الاتحاد الوطني، فان الاتحاد قدم اليات فاعلة لنجاح تلك الحوارات، والذي يقف في مقدمتها ايجاد اكبر عدد من النقاط المشتركة مع بغداد، والتصدي لاية عقبات او خلافات تلحق الضرر بالملاكات الوظيفية في الاقليم، وتنعكس سلبا على حساب ضمان مستحقاتهم.
الالية الاخرى التي اعتمدها الاتحاد الوطني في السنوات الاخيرة، التي استفحلت فيها ازمة الرواتب، كانت تكمن في عدم الصمت ازاء الاستياء اواي سخط يتولد لدى الشارع الكوردي.
وفي هذا الاطار سعى الاتحاد الوطني بكل جد لمعالجة الازمات، هذا الى جانب الجهود التي بذلها ممثلوا الاتحاد في حكومة الاقليم، وتحديدا المساعي التي بذلها نائب رئيس حكومة الاقليم قباد طالباني وفريقه، في اية مهمة تفاوضية كان يكلف بها مع المسؤولين في الحكومة الاتحادية، اذ كان يضطلع بها بكل حرص وصبر وتأنِ، ورغم تجاوبه مع مطالب وشروط حكومة السوداني من منطلق حرصه على الحقوق المشروعة للمواطنين، الا انه لم يفرط في ذات الوقت بمدى حرصه على ضمان كيان الاقليم ومكانته، منعا لاي استهداف سياسي يرافق سير وتنفيذ ادوات التفاوض الناجح.
عدا عن تلك الاليات والسبل، فان الاتحاد الوطني يؤمن ايضا بضرورة الاستفادة من العلاقات السياسية والتحالفات والصداقات مع دول العالم والمنطقة والقوى الوطنية العراقية، وفي هذا السياق بذل رئيس الاتحاد الوطني بافل طالباني في الفترة السابقة جهودا دبلوماسية مضنية وقام بطرق مختلف الابواب لمعالجة الازمات السياسية والحياتية لشعب كوردستان، والتقى في هذا الاطار بممثلي وسفراء وقناصل اغلب الدول عبر استقبالهم او زيارتهم، ولم يتوانى عن طلب العون منهم بكل صراحة للتدخل باتجاه حل المشاكل بين اربيل وبغداد، وخصوصا في قضية الرواتب.
الان وبعد ان اخذت الازمة ابعادا ومنعطفات اخرى، وتم حرمان الموظفين في الاقليم منذ شهرين من الحصول على حقوقهم المشروعة، فان السبيل الاخر وطريق حل هذه الازمة لدى الاتحاد الوطني يتمثل باعادة تفعيل التحالفات والصداقات مع الداخل والخارج، ورغم قيام مكتب العلاقات في الاتحاد الوطني باداء دوره بنحو جيد عبر المبادرة وبذل الجهود، الا انه يرى في الوقت ذاته وعقب دخول الازمة بين الحكومتين الى مرحلة من التشنج التي ادت الى تدهور اوضاع الموظفين في الاقليم، فانها تقتضي بذل المزيد من الجهود وتوسيع نطاقها.
فحكومة الاقليم والقوى والاحزاب السياسية عليهم مجتمعين او بنحو مستقل الاضطلاع بهذا العبئ السياسي والوطني،عبر ارسال وفود الى العواصم المختلفة للدول الفاعلة والمؤثرة، الى جانب زيارة القوى العراقية والسفارات والقنصليات بهدف تنويع وسائل الضغط لتقريب وجهات النظر بين بغداد واربيل، باتجاه التوصل الى اتفاق مؤقت او دائم لصرف رواتب الموظفين المتأخرة لشهري ايار وحزيران، والابقاء على ابواب الحوار مفتوحة لمتابعة نقاط الاتفاق والتوصل الى حلول جذرية للمشاكل منعا لبروزها ثانية بين الجانبين.
5-حماية الوطن، مسؤولية جماعية
كوردستان لم تنشأ الآن، فعمرها طويل ولها جذور عميقة في القدم، وشعبها يعيش فيها منذ عشرات آلاف السنين، وكأي مجتمع إنساني آخر، مرت بمراحل التطور، ولكن كانت هناك قفزات فوق المراحل، ولم تكن كغيرها من الشعوب، خاصة في أوروبا وشرق آسيا بل وحتى بعض الجيران.
الأمر الأكثر تأثيرا وإيلاما لشعبنا في كوردستان هو عدم وجود دولة سياسية، ذات حدود وعلم ودستور وجميع أدوات الدولة، إن تجربة إقليم كوردستان العراق بعد الانتفاضة هي بمثابة نموذج لهذه الحالة، ولكنها تشبه النموذج الاولي في خياطة الملابس، وخاصة السترة، في النموذج الأولي يكون قد تم إعداد خمسة وعشرين في المائة من البدلة، والإقليم كذلك، وبهذا الربع، تظل أعين الأعداء والمتربصين والمناوئين عليه تبحث دائما عن فرصة او ذريعة لإضعافه وتقليم أجنحته وفي النهاية إجهاضه.
كوردستان وهذا الإقليم كانا ملكا لاجدادنا، واليوم هي ملك لنا جميعا، وفي المستقبل البعيد، ستكون ملكا للأجيال القادمة، وفي كثير من الأحيان، في الأزمات والمشاكل، ترتفع بعض الأصوات قائلة: "مهما حدث لكوردستان، فليحدث، فهي ليست ملكا لي". قد يكون هذا نتيجة اليأس من الظلم والفساد وغياب التخطيط وانعدام الثقة بالسلطة في إقليمنا، أو عدم الرضا على طريقة الإدارة وتسيير شؤون الإقليم، أو الشكوى من السلوك غير اللائق لبعض الأطراف التي لا تفكر إلا في مصالحها الخاصة ولا تفكر في مصالح الشعب، ولكن هذا النوع من التعبير عن عدم الرضا لا يصدر من مواطني أمة وشعب قدم مئات الآلاف من الضحايا على مر تاريخ نضاله، وليس من صفات إنسان امتزج تاريخه بنضال لا يكل، وليس شكوى شخص فتحت أذناه منذ الطفولة على أناشيد "أي رقيب" و"نوروز" و"خوايه وةتن ئاواكةى ."
لا يوجد أحد منا ليس لديه شكوى وملاحظات وانتقادات على كل هذه الانحرافات الموجودة في حكم الإقليم، ولكننا جميعا، رجالا ونساء، شبابا وشابات، شيوخا وعجائز، أبناء وطن نعيش في ظله، وكما قال الشاعر الكبير كوران: "نشأنا عند سفوح الجبال وتربينا على قممها".. ومن الممكن ومن حقنا أن تكون لدينا شكاوى، ولكن لتكن شكاوانا وملاحظاتنا من أجل الإصلاح ومعالجة الخلل، ومن الممكن أن نتذمر، ولكن ليكن ذلك من أجل تصحيح المسارات والتوجهات، كوردستان ملك لنا جميعا، وهي لنا جميعا، لا أحد منا زائد عليها، ونحن أيضا لسنا زائدين عليها، ومعا نشكل وطن كوردستان، هذه ليست كلمات فضفاضة ورنانة ومخادعة، بل هي كلمات صريحة وواقعية، يجب علينا جميعا أن نفكر بهذه الطريقة في أعماق أنفسنا، وفي هذا الزمن العاصف بالأزمات، الطريق الصحيح والسليم هو ألا نصغي لأقاويل وأحاديث الأعداء والمناوئين والانتهازيين، وألا نجعلهم يشوهون صورة كوردستان في أعيننا بكلام هذا وذاك، وألا ننخدع بشعارات بعض الحاقدين المحليين، كوردستان لنا جميعا وهي للجميع، وإذا انتصر عليها الأعداء والمناوئون فسنكون جميعا خاسرين، وحينها لن يبقى "وطن" لنقول: "يا رب عمره.!".
6-الاتحاد الوطني الكوردستاني ودوره في حل مشكلة رواتب شعب كوردستان
عند أي حدث طارئ أو مستجد، متعلق بالمصلحة العامة ومصير اقليم كوردستان، ينبري الاتحاد الوطني الكوردستاني لتحمل المسؤولية، برؤية وستراتيجية وطنية مسؤولة، وكان دوما جزءا فاعلا ومؤثرا في حل المشكلات.
واليوم أيضا، إزاء المستجدات الدولية والاقليمية، التحديات، المشكلات بين الاقليم وبغداد، حرمان شعب كوردستان من رواتبهم، التحركات العسكرية المشبوهة للقوات العراقية في بعض المناطق الكوردستانية خارج إدارة الاقليم، يعمل الاتحاد الوطني كعهده دوما، على حل المشكلات بهدوء، بعيدا عن لغة التخوين والتهديد وإذكاء الخلافات والجروح، وبعيدا عن عدسات وسائل الاعلام.
يشدد رئيس وقيادة الاتحاد الوطني على توحيد القوى والطاقات، وفق مبادئه وقراءته للواقع الراهن، بهدف تجسيد وحدة الصف والخطاب الوطني الكوردستاني، في سبيل تحقيق وحماية حق الشراكة للكورد في العراق، المستند الى رؤية المسؤولية الوطنية العليا، بعيدا عن النظرة الحزبية، والتغلب على المشكلات والعراقيل والتفرد.
وهذا الهدف يمثل مسألة وطنية وستراتيجية مشتركة بالنسبة للاتحاد الوطني، في سبيل تحقيق المزيد من الرفاهية لجماهير الشعب وحماية وتقوية كيان اقليم كوردستان.
كما إن احترام الاتفاقات والمبادئ السياسية المتفق عليها بين الكورد والأطراف السياسية العراقية، والالتزام بها للوصول الى الحل الجذري والحقيقي للمشكلات العالقة، وفق الدستور والشراكة الحقيقية والتوافق من أجل ضمان الحقوق، يمثل مبدأ راسخا لدى الاتحاد الوطني الكوردستاني، ويعتبره السبيل الوحيد لحل المشكلات، لأن الشراكة الحقيقية هي الركيزة الأساس لاستقرار البلاد.
إن ما يمثل أهمية بالنسبة للاتحاد الوطني، هو الالتزام بقانون الموازنة الاتحادية وإرسال الاستحقاقات المالية للاقليم ورواتب موظفيه، لقطع الطريق أمام خلط الصراعات السياسية بمعيشة المواطنين والمصلحة العامة.
إن الاتحاد الوطني الكوردستاني، كقوة سياسية مؤثرة، يؤكد دوما حرصه على الحل السياسي للمشكلات وضمان الحقوق الدستورية لشعب كوردستان في بغداد، حيث يدعو أن تكون المصلحة الوطنية والعمل المشترك أساسا للتعامل بين الاقليم والعراق الاتحادي، وخاصة القوى السياسية، لا أن يتم تعميق الخلافات بالتنافر والتخوين.
كما يشدد على ترسيخ الأمن والا ستقرار وسيادة القانون ومؤسسات الحكم، ومكافحة الفساد ومنع هدر المال العام، ونجاح خطوات الاصلاح الحقيقي.
يقدر الاتحاد الوطني الكوردستاني عاليا، دور القوى الوطنية المناضلة العراقية، التي كانت ومازالت تدعم تحقيق وصون حقوق الكورد، لكي ندير البلد مع أصدقائنا وحلفائنا، بالسير على السياسة الحكيمة للرئيس مام جلال واتباع رؤية وطنية وأخوية وسلمية مشتركة، بحيث تكون خدمة المصلحة العامة أولوية العمل في الاقليم والعراق على حد سواء.
إن تهيئة الأجواء الملائمة لإجراء انتخابات مجلس النواب العراقي بشفافية ونزاهة، في الموعد المحدد لها، بعيدا عن التدخلات، وحماية أمن الانتخابات عن طريق المشاركة الفاعلة للمنظمات الدولية، من أجل ضمان حقوق الجميع وحماية أسس الديمقراطية في البلد، تمثل أولوية وجزءا من سياسة الاتحاد الوطني الكوردستاني.
وعلى صعيد المجتمع الدولي والسفارات والبعثات الدبلوماسية، ينبغي العمل الجاد على ضمان دعمهم لحماية تجربة اقليم كوردستان والمساعدة في تطوير الاقليم وحل مشكلاتنا، لا أن يكونوا متفرجين فقط.
خلاصة القول، إن الاتحاد الوطني كقوة حريصة، مسؤولة، وصاحبة القرار والموقع السياسي، سيبذل قصارى جهده للتوصل الى الحلول السياسية للمشكلات وضمان الحقوق الدستورية لشعب كوردستان، لتكون المصالح الوطنية ونقاط الاتفاق والمصير المشترك، أساسا لعملنا، فهذا هو طريق الصواب، والشعب يبتغي ذلك فقط.
7-حكومة خدماتية وبرلمان فعال
"لم تتضح بعد ملامح المعادلة السياسية وإمكانية التغيير الشامل في المنطقة، رغم وجود حراك إقليمي ودولي واسع لا تزال اتجاهاته وأهدافه غامضة. وفي النهاية، يبقى التساؤل الأهم: إلى أي مدى ستخدم هذه التحولات مصالح شعوب الشرق الأوسط المسلوبة حقوقهم لا سيما شعب كوردستان ؟
في هذه المرحلة، ما يُلاحظ بوضوح في سياق الحراك السياسي والعسكري المتصاعد في المنطقة، هو وجود ضغط ممنهج يُمارس على الشعب الكوردي، سواء في جنوب كوردستان أو في روجافا. وكأن هناك توجها مقصودا لتقويض الحضور الكوردي، وإطفاء نجم نهوضه السياسي والوطني.
اللاعبون المباشرون في هذا الحراك باتوا معروفين إلى حد كبير، غير أن من يقف خلف الكواليس – أولئك الذين منحوا الضوء الأخضر ومهدوا الطريق – لم يكشفوا بعد عن أنفسهم أو عن مواقفهم الحقيقية بشكلٍ صريح وكامل.
منذ سنوات طويلة، يواجه إقليم كوردستان العراق – المعترف به دستوريا – ومعه المناطق الكوردستانية المستقطعة، أشكالا متعددة من المعاناة والمضايقات. فقد تحولت قرارات المحكمة الاتحادية وبعض المواد الدستورية الفضفاضة إلى أدوات ضغط تُستخدم لخدمة أجندات سياسية ضيقة.
وبالإضافة إلى حرمان الإقليم من مستحقاته المالية وتأخير صرف الرواتب، ما أدى إلى خنق الحياة المعيشية لسكانه، تتواصل محاولات تعريب المناطق الكوردستانية الواقعة خارج إدارة الإقليم بوسائل متعددة وكثافة متزايدة. ولتحقيق هذه الغايات، جرى تسخير السلطات الإدارية والعسكرية العليا في الدولة لخدمة هذا التوجه، في انتهاك واضح لمبدأ الشراكة والتوازن الذي يفترض أن يحكم العلاقة بين المركز والإقليم .
من خلال المنافذ الحدودية ونقاط التفتيش، تُفرض أحيانا إجراءات تُشبه العقوبات الاقتصادية على سكان إقليم كوردستان، حيث يُمنعون من تسويق منتجاتهم الزراعية في مناطق وسط وجنوب العراق، في الوقت الذي تلجأ فيه بغداد إلى استيراد هذه المنتجات من الخارج.
وفي السياق ذاته، يشكل التنافس على حقول الغاز والنفط في الإقليم أحد الدوافع الأساسية وراء محاولات التمدد شمالا، في إطار صراع متشابك على الموارد والسيادة.
"في خضم الاضطرابات السياسية والعسكرية والتغيرات الديموغرافية المتسارعة، يواجه إقليم كوردستان – بشعبه، وحكومته، ومؤسساته، ومكتسباته التي تحققت بتضحيات الشهداء – خطرا وجوديا داهما يُهدد ما تحقق من إنجازات عبر عقود من النضال."
على الصعيد الداخلي وفي إقليم كوردستان، لا يزال البرلمان عاجزا عن أداء مهامه، رغم مرور ما يقارب ثمانية أشهر على إجراء الانتخابات، دون التوصل إلى تشكيل حكومة جديدة. وفي ظل هذا الجمود السياسي، تفشى الإهمال الإداري، واستشرى الفساد في بعض القطاعات، حتى باتت مظاهره لا تكاد تُخفى."
تسبب نقص الخدمات الأساسية في معاناة شريحة واسعة من المواطنين، فيما شُلت حركة الأسواق في إقليم كوردستان نتيجة تأخر صرف الرواتب واستمرار حالة عدم الاستقرار السياسي. وقد أدى ذلك إلى انحسار فرص العمل وتراجع مصادر الرزق، مما فاقم من حجم المخاطر التي تهدد الإقليم وسكانه."
بالإضافة إلى ذلك، يُعد ضعف أداء وقدرات شريحة كبيرة من الممثلين الكورد في البرلمان ومؤسسات الدولة في بغداد، وعدم إتقانهم للغة العربية وضعف مهاراتهم الدبلوماسية والتفاوضية، أحد الأسباب الرئيسية للأزمات التي يواجهها الإقليم. ويعكس ذلك عدم تعيين الأشخاص المناسبين في المناصب الحيوية بالعاصمة، مما يحول دون قدرة ممثلي الكورد على التصدي لتلك الأزمات، وفرض مطالبهم وحقوقهم الدستورية في بغداد
في ظل هذا الوضع الصعب، تقع على عاتق الأطراف السياسية في كوردستان، وخصوصا الاتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني، مسؤولية تشكيل حكومة قوية، خدماتية وشفافة، تعمل على إحياء البرلمان، وتعيين الكفاءات المؤهلة في المناصب الحكومية والبرلمانية، سواء في بغداد أو إقليم كوردستان. كما يتوجب إعادة تنظيم الموارد الداخلية والنفطية والمنافذ الحدودية، إلى جانب التصدي للفساد والظواهر السلبية في كافة المؤسسات، وذلك بهدف إنقاذ المواطنين ومؤازرتهم، وتخفيف معاناتهم في هذه المرحلة الحرجة.
وتظل أنظار الشعب الكوردي شاخصة نحو الأطراف الرئيسية في المشهد السياسي والحكومة المستقبلية، مترقبة اتخاذ خطوات جريئة تهدف إلى تحسين الظروف المعيشية ورفع مستوى الخدمات. فهم يدركون أن تحقيق هذه الأهداف الحيوية لا يتم إلا بجهود الكورد أنفسهم.
من خلال هذه الخطوات، ستُستعاد الثقة أولا وقبل كل شيء، وبالتزامن مع ذلك يمكن التصدي لبعض الأزمات وتعزيز مكانة الإقليم ودوره الإقليمي.