×


  رؤى حول العراق

  العراق ومرحلة تشكيل الحكومة الجديدة



*نيان خسرو

 بين ضغط واشنطن وتربص طهران وتقاطعات البيت الداخلي

تدخل مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة مرحلة شديدة التعقيد، في لحظة تتزاحم فيها الحسابات الداخلية المتشابكة مع ضغوط خارجية تتصدرها الولايات المتحدة وإيران. وبينما تواصل القوى السياسية محاولاتها لتأسيس ائتلاف حكومي قادر على الصمود، يبدو واضحا أن ولادة هذه الحكومة لن تكون عملية تقنية مرتبطة بالطرف الفائز في الانتخابات فحسب، بل معركة توازن دقيقة بين مراكز النفوذ الداخلية وکذلك المدعومة خارجيا.

أفرزت الانتخابات الأخيرة برلمانا موزعا بين قوى شيعية متنافسة، وكتل سنية تبحث عن تعزيز وزنها في معادلة السلطة، وقوى كردية تواجه تحديات داخلية في إقليم كردستان. هذا التعدد زاد من صعوبة تشكيل ائتلاف واضح، خصوصا في ظل تراجع قدرة أي طرف على فرض هيمنة منفردة.

البيت الشيعي، بوصفه الكتلة الأكبر عددا وتأثيرا، يواجه انقساما بين أحزاب تملك خبرة طويلة في إدارة الدولة وبين فصائل مسلحة دخلت العملية السياسية بثقل متصاعد. ورغم تكرار شعار “وحدة الموقف”، فإن الخلافات حول من يكون رئيسا للوزراء في الحكومة الجديدة تجعل من التوافق أمرا بالغ الصعوبة وذلك لتعدد الأسماء. وفي هذا المشهد، يبقى موقف القوى السنية والكردية جزءا أساسيا من معادلة التوازن.

تقدم واشنطن مجموعة مطالب تعتبرها ضرورية لشكل التعاون مع الحكومة المقبلة، أبرزها:توسيع الحكومة الجديدة مسافاتها مع إيران وكذلك تقليص نفوذ الفصائل المسلحة في القرار الأمني،وضمان استمرار الشراكة الأمنية في مكافحة الإرهاب، خصوصا في ظل نشاط بقايا داعش،وحماية المصالح الأمريكية في العراق ومنع أي نشاط معاد من الأراضي العراقية تجاه القواعد الأمريكية أو شركائها في المنطقة.

على المستوى العملي، تمارس واشنطن هذه الضغوط من خلال لقاءات رسمية، وتنسيق مع شركائها المحليين، ونقل رسائل واضحة حول ضرورة “استقرار الدولة” بعيدا عن نفوذ الجماعات المسلحة. وتعلم العاصمة العراقية أن تجاهل هذه المطالب قد يؤدي إلى قيود اقتصادية وعسكرية، ما سيضعف الحكومة منذ لحظتها الأولى.

على الجانب الآخر، تنظر طهران إلى العراق باعتباره أحد أعمدة أمنها الإقليمي ومحورا أساسيا في شبكة تحالفات تمتد إلى سوريا ولبنان واليمن. لذلك تفضل حكومة لا تتعارض مع مصالحها، أو على الأقل لا تتصادم مع حلفائها المحليين.

تستخدم إيران مجموعة أدوات تأثير، أبرزها:

الدعم السياسي للقوى والحركات المتحالفة معها داخل البرلمان،والعلاقات مع الفصائل المسلحة التي تعتبر نفسها جزءا من “محور المقاومة”والتبادل الاقتصادي الواسع الذي يجعل أي توتر ينعكس على الطرفين،والتواصل الأمني والدبلوماسي لضمان أن الحكومة المقبلة لن تتخذ خطوات تعتبرها طهران تهديدا مباشرا لنفوذها.

تدرك القوى العراقية أن إقصاء نفوذ إيران بشكل مفاجئ سيقود إلى ردود فعل سياسية وربما أمنية، بينما يفتح التماهي الكامل مع رغباتها الباب أمام ضغوط أمريكية تجعل العراق في قلب صراع المحاور.

القوى السنية، التي تطمح إلى استعادة دورها السياسي بعد سنوات من الاضطراب، تدخل مفاوضات تشكيل الحكومة بعين على الوزارات الخدمية والاقتصادية، وبعين أخرى على إعادة بناء مناطقها المحررة من تنظيم داعش.

تسعى الكتل السنية إلى ضمان حصصها التقليدية في رئاسة البرلمان وبعض الوزارات، لكنها في هذه الدورة تتطلع أكثر إلى حقائب ذات ثقل اقتصادي، مع إدراكها لأهمية عدم إغضاب المحورين الأمريكي والإيراني.

في خلفية المشهد، يبرز تنافس داخلي بين زعامات سنية كلاسيكية وشخصيات جديدة صاعدة، ما يزيد من صعوبة توحيد صوتهم خلال مفاوضات الائتلاف.

تمثل الأطراف الكردية عاملا حاسما في تشكيل الحكومة، وغالبا ما يكون موقفها المشترك “بيضة القبان” في ترجيح كفة أي تحالف. لكن الانقسام السياسي بين الحزبين الرئيسيين -  الاتحاد الوطني الكردستاني — وحزب الديموقراطي الكردستاني -يجعل ملف المشاركة الكردية جزءا آخر من تعقيد المشهد.

إن وحدة الموقف الكردي تمنح أربيل والسليمانية وزنا تفاوضيا كبيرا، بينما يؤدي الانقسام إلى تقليل قدرة الطرفين على التأثير في شكل الحكومة المقبلة.

إن تشكيل الحكومة العراقية الجديدة ليس ممارسة دستورية عابرة، بل امتحان لمستقبل الدولة نفسها. فالعراق اليوم يقف على مفترق طرق: إما حكومة قادرة على إدارة التوازن الإقليمي وحماية القرار الوطني، أو الدخول في دورة جديدة من الأزمات والارتهان للمحاور.

وبين واشنطن وطهران، لا تزال الكلمة الأخيرة بيد الأطراف العراقية، إن أرادت أن تعيد للدولة هيبتها وللمواطن ثقته بمؤسسات الحكم.


14/12/2025