حذَّر منسق مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض للاتصالات الاستراتيجية جون كيربي، في ديسمبر الماضي، من أن روسيا عرضت على إيران “مستوى غير مسبوق من الدعم العسكري والتقني”؛ ما حوَّل العلاقة إلى “شراكة دفاعية كاملة”. وزعم كيربي أن إيران تخطط لإنشاء خط إنتاج مشترك للمسيَّرات في روسيا، فيما أفادت تقارير أخرى بأن روسيا تعتزم تصدير طائرات سوخوي–35 إلى إيران وتدريب الطيارين الإيرانيين على تشغيلها. وقد عكست هذه التحذيرات قلق الولايات المتحدة بشأن استخدام روسيا المسيَّرات شهيد 136 ومهاجر 6 في أوكرانيا واحتمال حصولها على صواريخ باليستية إيرانية.
وعلى الرغم من أن روسيا تعاونت مع إيران في سوريا منذ عام 2015 على نطاق واسع، ودعمت السماح بانتهاء حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران في أكتوبر 2020، فإن الحرب في أوكرانيا رفعت التعاون العسكري الثنائي إلى مستوى جديد. هذا التعاون ينبع في الأساس من رغبة البلدين في تقويض النظام الاقتصادي الذي تقوده الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن قدرة أوكرانيا المتزايدة على تحييد التهديد الذي تشكله المسيَّرات الإيرانية، ورغبة روسيا في الحفاظ على علاقات ودية مع خصوم إيران الإقليميين، ومخاوف إيران بشأن العقوبات؛ كل ذلك قد يحد في النهاية من نطاق هذا التعاون.
قوة دافعة
يُمكِّن التعاون الدفاعي الموسع بين روسيا وإيران كلا البلدين من سد الثغرات في ترساناتهما العسكرية؛ وذلك على النحو التالي:
1- افتقار روسيا إلى تطوير مُسيَّرات طويلة المدى: تمتلك روسيا – نظرياً – القدرة على إنتاج ما يعادل بعض أنواع المسيَّرات الإيرانية، لكنها تفتقر إلى القدرة على تصنيع مسيَّرات طويلة المدى مثل شاهد 136 بسبب العقوبات الغربية. وكانت المسيَّرات الإيرانية تحتوي في السابق على محركات ألمانية وهولندية صغيرة دقيقة الهندسة لم تعد متاحة للمصنعين الروس؛ إذ إن النضوب السريع لمخزون الصواريخ الروسية، الذي يتضح من استخدامها صواريخ كروز التي تعود إلى حقبة الثمانينيات مجردةً من رؤوسها النووية، سيدفع موسكو إلى التفكير في تجديد مخزونها بتكنولوجيا الصواريخ الإيرانية.
2- حاجة طهران إلى تحديث أسطولها الجوي: من خلال استيراد طائرات سوخوي 35 من روسيا، تتخذ إيران خطوة نحو تنشيط قوتها الجوية القديمة والمستنفدة؛ إذ تعتمد القوات الجوية لجمهورية إيران الإسلامية بشكل كبير على الطائرات التي تعود إلى حقبة الحرب الباردة، مثل الطائرات الأمريكية من طراز إف 14، وسوخوي 25 الروسية، وميج 29، وتشنجدو جيه 7 الصينية. ومن جانب آخر لم تستعد طهران بعد القدرة القتالية التي فقدتها خلال الحرب العراقية الإيرانية 1980–1988.
لكن إذا أعادت روسيا توجيه سوخوي سو–35 إلى إيران، وساعدت إيران في إنتاج طائرة سوخوي سو–35 إس محلياً، ستبدأ إيران في تقليل عجز قوتها الجوية مقارنةً بخصومها في المنطقة، كما أن روسيا إذا باعت لإيران نظامي دفاع جوي من طراز إس–400، كما كان متوقعاً في الأسابيع الأخيرة، فإن الحرس الثوري الإسلامي والميليشيات التابعة له ستكون قادرة على مواجهة الضربات الجوية الإسرائيلية المتزايدة في سوريا بشكل أكثر فاعلية.
3- التعاون الثنائي في مقاومة العقوبات الغربية: يؤكد التوسع في مبيعات الأسلحة بين روسيا وإيران على التزامهما المشترك بمقاومة العقوبات الغربية. وقد تعهد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في مارس الماضي بالعمل مع إيران على مواجهة “العقوبات الأحادية غير الشرعية”، التي تشير إليها موسكو بشكل روتيني على أنها “حرب هجينة” وغالباً ما تصفها طهران بالإرهاب الاقتصادي. وعلى الرغم من أن الآمال الروسية في استخدام إيران كطريق خلفي لصادرات النفط قد تبددت بسبب الجمود في مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة، فإن مبيعات الأسلحة ستحسن التعاون بين المؤسسات المالية الروسية والإيرانية في مكافحة غسيل الأموال. وتسعى روسيا أيضاً إلى التعلم من خبرة إيران التي امتدت لعقود في التغلب على العقوبات الغربية.
معوقات مختلفة
على الرغم من النمو الملحوظ للتعاون العسكري الروسي الإيراني في الأشهر الأخيرة، من المهم عدم المبالغة في تقدير الإمكانات الطويلة المدى لهذه الشراكة؛ لعدة أسباب على النحو التالي:
1- عدم تحقيق المسيَّرات الإيرانية التفوق الجوي لروسيا: ساعد استخدام روسيا المسيَّرات الإيرانية في مهاجمة البنية التحتية للكهرباء الأوكرانية، لكنه لم يمكِّن روسيا من تأمين تفوق جوي فوق سماء أوكرانيا. علاوة على ذلك، أصبحت أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية التي أرسلها الناتو فعالة بشكل متزايد في الحد من الأضرار التي تسببها المسيَّرات الإيرانية؛ ففي منتصف ديسمبر 2022، زعمت أوكرانيا أنها أسقطت جميع المسيَّرات الـ13 التي أطلقتها روسيا على كييف، كما أن حصول أوكرانيا الوشيك على أنظمة باتريوت سيؤدي إلى تعزيز الاستعداد العسكري الأوكراني ضد المسيَّرات الإيرانية. وأشارت قناة ريبار الروسية على تيليجرام مؤخراً إلى أن أوكرانيا كانت تستخدم مكافئاً لـمسيَّرة شاهد 136 الإيرانية في زاباروجيا، وهو ما يشير إلى أن المسيَّرات الإيرانية لا تمنح روسيا بالضرورة ميزة حاسمة في حرب المسيَّرات.
2- صعوبة الإفلات التام من العقوبات المتزايدة: من المرجح أن تؤدي الاعتبارات الاقتصادية والجيوسياسية إلى تقييد نطاق التعاون العسكري الروسي الإيراني مستقبلاً. فالدول الغربية لا تصدق مزاعم إيران بأن الأخيرة زودت روسيا بـ”عدد صغير” فقط من المسيَّرات قبل حرب أوكرانيا، ولا تأكيدات روسيا بأنها لا تستخدم سوى المسيَّرات المنتجة محلياً في أوكرانيا. وبدلاً من ذلك، فرضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على إيران لتزويدها روسيا بمسيَّرات. وعلى الرغم من أن إيران شحنت مؤخراً مجموعة جديدة من المسيَّرات إلى روسيا، فإن هذه العقوبات قد تغير حساباتها فيما يتعلق بنقل الصواريخ الباليستية إلى موسكو. وقد أفادت الأنباء بأن إيران استبعدت بيع صواريخ ذو الفقار التي تصل مداها إلى 700 كيلومتر لروسيا، وخططت لتعديل صادرات نظام صاروخ فاتح 110 الذي يصل مداه إلى 300 كيلومتر.
3- تفهُّم موسكو قلق بعض دول المنطقة من طهران: على الرغم من الإحباط الروسي من موقف إسرائيل المؤيد بحذر لأوكرانيا، تواصل روسيا وإسرائيل التنسيق بشأن تفادي الصراع في سوريا، كما قاومت إسرائيل الضغوط لفرض عقوبات على روسيا. وقد سلطت خطة وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس لمساعدة أوكرانيا على تطوير نظام إنذار صاروخي، الضوء على رد الفعل العكسي المحتمل لشراء روسيا معدات إيرانية. وستأخذ موسكو في الاعتبار التحذير الأخير من بعض دول الشرق الأوسط بشأن تهديد المسيَّرات الإيرانية؛ حيث تسعى روسيا إلى توسيع العلاقات التجارية مع بعض دول المنطقة على المدى الطويل، لا سيما فيما يتعلق بالحدود القصوى لأسعار النفط الغربية. ومن المحتمل أن يكون عدم رغبة روسيا في بيع صواريخ إس–400 لإيران بعد تعبيراً علنياً عن ذلك مدفوعاً بالرغبة المستمرة في إرضاء شركائها في العالم العربي.
وختاماً، صحيح أن العلاقات الروسية الإيرانية تتحسن في عام 2023، لكن قد يصل نطاق التعاون بشأن الطائرات المسيَّرة والصواريخ الباليستية إلى حدود معينة، وستلعب التأثيرات الطويلة المدى للضربات الروسية على البنية التحتية المدنية في أوكرانيا، وسرعة تسليم الناتو الدفاع الجوي لأوكرانيا، وشدة العقوبات ضد إيران؛ دوراً حاسماً في تحديد المدى المستقبلي للشراكة الأمنية بين موسكو وطهران.