عقدت لجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي، جلسة استماع، في 8 فبراير 2022، للجنرال مايكل كوريلا، الذي رشحه الرئيس الأمريكي جون بايدن، لتولي قيادة القيادة المركزية الأمريكية خلفاً للجنرال كينيث ماكنزي، الذي تولى منصبه في أوائل عام 2019. وسيتولى “كوريلا” مهام منصبه في وقت تواجه فيه منطقة الشرق الأوسط العديد من التحديات الأمنية، واستمرار التهديدات الإرهابية التي يُتوقع أن تتزايد مع الانسحاب الفوضوي الأمريكي من أفغانستان، وإعادة حركة طالبان سيطرتها على البلاد مجدداً، وكذلك استمرار الدعم الإيراني لوكلائها الإرهابيين في المنطقة، الذين يهددون حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين. وشددت الجلسة –التي تحدث فيها بجانب الجنرال “كوريلا”، كل من السيناتور جاك ريد رئيس لجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ، والسيناتور جيم إنهوف العضو البارز بلجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ– على ضرورة تقديم الدعم لحلفاء واشنطن في الشرق الأوسط لمواجهة عودة “داعش”، وأهمية الحفاظ على مصالح واشنطن في سوريا، وشراكتها الاستراتيجية مع العراق، بجانب التصدي للتهديدات الإيرانية في المنطقة بالتعاون مع الحلفاء، كما خلصت الجلسة إلى عدم التعويل على الحل العسكري للأزمة اليمنية، والأهمية الخاصة لدعم الجيش اللبناني لمواجهة نفوذ “حزب الله”.

تهديدات مركّبة

أكد كلٌّ من السيناتور جاك ريد والسيناتور جيم إنهوف، خلال حديثهما بالجلسة، التحديات التي يجب على الجنرال “كوريلا” التعامل معها خلال توليه قيادة القيادة المركزية الأمريكية، ومن أبرزها ما يأتي:

1– تصاعُد التهديدات الأمنية والهجمات الإرهابية: ذكر السيناتور “ريد” في كلمته أن المنطقة المسؤولة عنها القيادة المركزية الأمريكية، التي تمتد من شمال شرق إفريقيا عبر الشرق الأوسط إلى وسط وجنوب آسيا؛ تشهد العديد من التهديدات الأمنية الواسعة. ومن جانبه، أكد السيناتور “إنهوف” خلال كلمته، أن القائد الجديد للقيادة المركزية الأمريكية، سيتولى قيادة منطقة تهدد فيها الجماعات الإرهابية بشكل متزايد، الأمريكيين والولايات المتحدة وشركاءها، وأضاف أنه عقب إجراء إدارة “بايدن” عملية الانسحاب الفوضوية للقوات الأمريكية من أفغانستان خلال الصيف الماضي؛ عادت الدولة إلى ما كانت عليه قبل 11 سبتمبر 2001؛ حيث تسيطر حركة طالبان على البلاد، وأشار إلى الهجوم الذي شنه تنظيم داعش–خراسان، الذي قتل 13 جنديّاً أمريكيّاً في 26 أغسطس الماضي، وأضاف أنه يستغل الفراغ الذي خلَّفته إدارة “بايدن” في أفغانستان لإعادة الانتشار مجدداً.

وقد أشار أيضاً إلى الهجمات الإرهابية التي يشنها الحوثيون المدعومون من إيران على السعودية والإمارات، مهددين القوات الأمريكية وحلفاء الولايات المتحدة الاستراتيجيين في المنطقة، وأضاف أن نجاح القوات الأمريكية في اغتيال زعيم تنظيم داعش أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، يؤكد أن مهمة مكافحة داعش لم تنته بعد. وأكد “ريد” خلال كلمته أن تنظيم داعش لا يزال يمثل تهديداً، ولا سيما مع استيلاء مقاتليه على سجن في سوريا يحتجز الآلاف من معتقليه. وفي هذا الشأن تحدث عن أن “كوريلا” سيكون مسؤولاً عن ضمان حصول قوات سوريا الديمقراطية والحكومة العراقية على القدرات والدعم اللازمَيْن لمواجهة تهديد تنظيم داعش واحتجاز عناصره بشكل صحيح.

2– تنامٍ محتمل للتوتر بعد العودة إلى الاتفاق النووي: عبَّر “ريد” و”إنهوف” عن قلقهما من عودة إيران إلى الاتفاق النووي لعام 2015 الذي انسحبت منه الإدارة الأمريكية السابقة في مايو 2018؛ لكونه سيخفف العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، وهو ما سيوفر لها الأموال التي ستستخدمها في دعم وكلائها الإرهابيين، والمزيد من الأسلحة لحزب الله وحماس لمهاجمة إسرائيل، وكذلك المزيد من تدريب الحوثيين، والدعم للميليشيات العراقية التي تستهدف الأمريكيين. وأضاف أن عودة طهران إلى خطة العمل الشاملة المشتركة لن تمنع إيران من امتلاك قدرات نووية.

3– ضرورة إعطاء الأولوية للتهديد الروسي والصيني: مع تأكيد “إنهوف” زيادة التهديدات في منطقة الشرق الأوسط سوءاً، فإنه دعا إلى ضرورة إعطاء الأولوية للتهديدات الصينية والروسية المتصاعدة راهناً، ولا سيما أن كلتا الدولتين استثمرتا بشكل كبير في منافسة القيادة المركزية الأمريكية، في حين أكَّد “كوريلا” أنه سيعمل على تنفيذ استراتيجية الدفاع الوطني الأمريكية التي أعلن عنها البنتاجون في عام 2018، والاستراتيجية المؤقتة للأمن القومي التي أعلنتها إدارة “بايدن”، وهما الاستراتيجيتان اللتان تعتبِران الصين وروسيا من المهددات الرئيسية الطويلة المدى للولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن ضرورة مواجهة الأنظمة المارقة مثل إيران وكوريا الشمالية، والتوجه إلى نهج أكثر استدامةً لمكافحة الإرهاب.

مسؤوليات واشنطن

تناول الجنرال مايكل كوريلا، في شهادته خلال جلسة الاستماع، أبرز أدوار ومسؤوليات القيادة المركزية الأمريكية تجاه التحديات المتزايدة في منطقة الشرق الأوسط؛ وذلك على النحو التالي:

1– تقديم الدعم لحلفاء واشنطن لمواجهة عودة “داعش”: أكَّد كوريلا أن تنظيم داعش لا يزال يمثل تهديداً للمصالح الأمريكية من خلال العمليات المختلفة التي نفذتها فروعه في مختلف البلدان، وأبرزها الهجوم على سجن الحسكة في سوريا، ومن خلال مساعيه إلى استغلال اللاجئين والنازحين واستغلال الوضع في أفغانستان لصالحه؛ لذلك من الضروري أن تعمل واشنطن على تقديم الدعم لقوات الأمن العراقية، وقوات سوريا الديمقراطية، وحلفائها للتصدي لمساعي تنظيم داعش لتهديد العراق وسوريا.

ويرى “كوريلا” أن مكافحة الإرهاب تتطلب مواجهة التهديدات الواقعة على الولايات المتحدة وحلفائها داخل منطقة الشرق الأوسط، وخاصةً التهديدات الناجمة عن تنظيم “القاعدة” و”داعش” وفروعهما وجماعة الإخوان المسلمين، في ظل حفاظ “داعش” على التسويق الإعلامي لنفسها عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي للحفاظ على جاذبيتها؛ لذلك شدَّد على أنه سيعمل على تنفيذ الجانب العسكري الخاص باستراتيجية مكافحة الإرهاب في المنطقة بالتشاور مع وزير الدفاع الأمريكي ورئيس هيئة الأركان المشتركة. وبالإضافة إلى إجراء تقييم لمعرفة إذا ما كانت الموارد التي يتم تقديمها للقيادة المركزية ملائمة لتنفيذ استراتيجية مكافحة الإرهاب أم لا داخل منطقة الشرق الأوسط، ومعرفة إذا ما كانت توجهات استراتيجية 2018 للتركيز على الصين وروسيا على المدى الطويل ستؤثر على مواجهة التهديدات الإرهابية داخل منطقة الشرق الأوسط، أو ستؤثر على الشراكات الأمريكية مع الحلفاء. وقد أكَّد “كوريلا” ضرورة مشاركة المعلومات والتحلي بالشفافية في العلاقات مع الحلفاء فيما يتعلق بعمليات مكافحة الإرهاب.

2– الحفاظ على مصالح واشنطن في سوريا وشراكتها مع العراق: أشار “كوريلا” إلى هشاشة الوضع الأمني في سوريا، مؤكداً تفوُّق الجيش السوري والقوات الموالية للنظام على جماعات المعارضة عسكرياً، لكن ذلك غير كافٍ لإنهاء الحرب الأهلية وتحقيق الاستقرار، خاصةً مع استمرار معاناة الشعب السوري من ندرة المياه، والفقر، والعوز الاقتصادي، والتهميش السياسي، وبقاء التهديد الذي يمثله تنظيم داعش على المصالح الأمريكية؛ لذلك فبقاء القوات الأمريكية داخل سوريا أمر حيوي وضروري لمواجهة النفوذ الروسي والإيراني، وتهديدات تنظيم داعش، وحماية مصالح حلفاء واشنطن، لا سيَّما إسرائيل والأردن، وتقديم المساعدة للمنظمات الدولية والإقليمية الإنسانية. ومن جانب آخر، لفت “كوريلا” الانتباه إلى أن تغيير حجم القوات الأمريكية داخل سوريا مرهون بقدرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على التصدي لتهديدات داعش، وستظل القوات الأمريكية ضرورية لتوفير الغطاء الأمني ضد داعش بسوريا لحين بلورة هياكل حكم محلية قوية.

وسلَّط “كوريلا” الضوء على الوضع الأمني الهش داخل العراق وفقاً لتقديره، مشيراً إلى أن تشكيل الحكومة هو الأولوية الوطنية بعد انتخابات أكتوبر 2021 التي أدت إلى سيطرة الكتلة الصدرية على أغلبية البرلمان، مشيراً إلى استمرار النفوذ الإيراني داخل العراق، وقدرة طهران على دفع الأحزاب والميليشيات نحو استخدام العنف، كما أن “داعش” لا تزال قادرة على تقويض أمن العراق؛ لذلك من المهم الحفاظ على الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والحكومة العراقية لتطوير قدرات قوات الأمن العراقية وضمان هزيمة تنظيم داعش؛ وذلك بما يتماشى مع توجهات المؤسسات الأمريكية الأمنية والدبلوماسية.

3– التصدي للتهديدات الإيرانية بالتعاون مع الحلفاء: حذَّر “كوريلا” من التهديدات العسكرية التي تمثلها طهران من خلال شبكة وكلائها في المنطقة، واستعدادها لتسخير قوتها كاملة ضد الولايات المتحدة وحلفائها، فضلاً عن التهديدات التي تمثلها على التجارة الدولية، واستغلال الاضطرابات داخل المنطقة؛ وذلك عبر استغلالها مخزونها من الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية المتوسطة والقصيرة المدى، وتوجهها حاليّاً نحو تعزيز تقنيات صواريخ كروز البحرية. وفي ضوء ذلك، أكَّد “كوريلا” أنه إذا جرى تأكيد ترشيحه، فسيعمل على تقييم حجم القوات الأمريكية الموجودة في المنطقة لقياس مدى قدرتها على التصدي للتهديدات الإيرانية. وكذلك تقييم الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل للولايات المتحدة وشركائها لقياس القدرة على مواجهة تهديدات الصواريخ الباليستية الإيرانية على المدى القصير.

وتطرق “كوريلا” إلى إمكانية عودة الولايات المتحدة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، مشيراً إلى أن طهران هي السبب الأكبر في الاضطرابات داخل منطقة الشرق الأوسط؛ لذلك يجب أن تمنع أي اتفاقية طهران من امتلاك سلاح نووي قادر على الإخلال بتوازن القوى داخل المنطقة، مع ضرورة أخذ الاتفاق في الاعتبار، التطورات التي طرأت على البيئة الأمنية والجيوسياسية منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني في عام 2018، كما أن واشنطن سيكون عليها تعزيز علاقتها بحلفائها لمواجهة التهديدات الإيرانية الناجمة عن استخدام شبكة الوكلاء وإدارتهم عبر فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الذي يدير الوكلاء في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، مع مواصلة تحسين القدرات الأمريكية التكنولوجية لزيادة القدرة على الاستجابة للتهديدات الإيرانية العسكرية التقليدية.

4– عدم التعويل على الحل العسكري للأزمة اليمنية: نوَّه “كوريلا” بتراجع تهديدات تنظيمَي القاعدة وداعش في اليمن، لكنه أشار إلى قدرتهما على إلهام مختلف الفاعلين لشن هجمات ضد المصالح الأمريكية، وأكَّد أن هذا الأمر إذا تم تأكيده فسيعمل على تقييم استراتيجية الولايات المتحدة داخل اليمن لزيادة التنسيق مع الحلفاء والمؤسسات الأمريكية المعنية بالأمر، بما في ذلك مجتمع الاستخبارات الأمريكي؛ لحماية مصالح الأمن القومي الأمريكي في اليمن المتمثلة في منع هجوم الحوثيين على واشنطن وحلفائها في المنطقة، خاصةً الرياض وأبوظبي، والحد من المعاناة الإنسانية للشعب اليمني، وتعزيز الاستقرار الإقليمي، وحماية طرق التجارة العالمية. وأضاف “كوريلا” أن الأزمة اليمنية لن يكون حلها عسكريّاً بحتاً، مشيراً إلى أنه سيعمل على تقييم وضع قوات التحالف التي تقودها السعودية، مشيراً إلى جهود الإدارة الأمريكية للتعاون مع الأمم المتحدة لدعم الجهود الدبلوماسية الرامية إلى إنهاء الصراع اليمني.

5– دعم الجيش اللبناني لمواجهة نفوذ “حزب الله”: شرح “كوريلا” أسباب الأزمة اللبنانية من وجهة نظره، مشيراً إلى أن الأزمات الاقتصادية والسياسية المتوالية منذ عام 2019 قد ساهمت في التأثير على أعداد القوات المسلحة اللبنانية، وإضعاف قدرات القوات المسلحة على ضبط الأوضاع الداخلية. وأشار كوريلا إلى أن الجيش الأمريكي يمكنه المساهمة في توفير الأمن داخل لبنان من خلال الشراكة مع الجيش اللبناني الذي يعمل على حماية المعدات العسكرية التي يحصل عليها من واشنطن، مضيفاً أن الشراكة مع الجيش اللبناني يجب أن تزداد لمواجهة نفوذ حزب الله والمساعي الإيرانية والروسية والصينية للحضور داخل الدولة، مؤكداً أن الجيش اللبناني لم يدخل في شراكة مع ميليشيا حزب الله، لكنه ينسق معه لمنع حدوث تضارب أو عداء مباشر بينهما، مؤكداً أن الجيش اللبناني سيبقى المؤسسة الدفاعية الأكثر موثوقيةً التي تخدم جميع الطوائف اللبنانية.

وختاماً، شدد “كوريلا” على ضرورة تعزيز قدرات الشركاء الذاتية؛ لمساعدتهم على مواجهة التهديدات الإرهابية، كما أكَّد أن على الشركاء أن يظهروا قدرتهم على الالتزام بالموارد المطلوبة والتغييرات التنظيمية المناسبة لتعزيز قدراتهم التكتيكية والتشغيلية والمؤسسية والوزارية، مشيراً إلى أن مشروطية التعاون الأمني الأمريكي أمر معقد يتعلق بصانعي السياسات داخل واشنطن؛ لذلك سيحرص على تنفيذ التوجيهات التي سيتلقاها من القيادات العليا، لكنه مع ذلك سيحرص على تقديم المشورة العسكرية لصانعي السياسات لتعزيز القدرة على حماية المصالح الأمريكية. وبالإضافة إلى ما سبق، تعهَّد “كوريلا” بالعمل على تطوير قدرات الحلفاء والشركاء بشأن الردع لتعزيز الاستقرار الإقليمي والتصدي لممارسات بكين وموسكو وطهران، ومواجهة التحديات التي تفرضها جائحة كوفيد–19ـ والتغير المناخي، وهذا سيتطلب العمل أولاً على فضح الأنشطة الروسية الخبيثة للتصدي للنفوذ الروسي المتنامي داخل منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن تعزيز التحالفات والشراكات القائمة لمواجهة الطموح الصيني الذي يستغل العلاقات العسكرية والدبلوماسية الصينية مع دول المنطقة.