عقدت لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، في 14 أبريل 2021، جلسة بعنوان “التهديدات العالمية”، بشأن المخاطر والتهديدات العالمية المتوقعة التي من المحتمل أن تواجهها إدارة الرئيس جو بايدن خلال المرحلة المقبلة، وقد جاءت الجلسة متزامنةً مع إصدار تقرير الاستخبارات حول تقييم مخاطر العام الجاري، الذي تضمن وجهات نظر أجهزة الاستخبارات الأمريكية بشأن التحديات الأمنية الكبرى التي تواجه بايدن، لا سيما المشكلات المتعلقة بالتغير المناخي وتفشي جائحة كورونا. وفي ذات السياق، أصدر المجلس القومي الأمريكي للاستخبارات التابع لوكالة الاستخبارات المركزية، تقريره الاستشرافي الذي يصدر مرة كل أربع سنوات، ويهدف إلى رسم السيناريوهات المستقبلية، وكشف التحديات التي قد تواجهها الإدارات الأمريكية الجديدة عند توليها السلطة. وبالتزامن مع ذلك، ناقش الكونجرس مشروع قانون لمواجهة النفوذ الصيني.

وقد تضمنت الجلسة كلمات لكلٍ من أفريل هاينز مديرة الاستخبارات الوطنية، وويليام بيرنز مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية، وكريستوفر راي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، والجنرال بول ناكسوني مدير وكالة الأمن القومي، وسكوت بيرييه مدير وكالة استخبارات الدفاع.

 

أولًا: خلفيات جلسة الاستماع بمجلس الشيوخ

1- إصدار تقرير الاستخبارات حول تقييم مخاطر 2021

في 9 أبريل 2021، أصدر مكتب مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية التقرير السنوي لتقييم المخاطر لعام 2021، الذي يتضمَّن وجهات نظر أجهزة الاستخبارات الأمريكية بشأن التحديات الأمنية الكبرى التي من المتوقع أن يواجهها الرئيس جو بايدن خلال العام الأول له في المنصب، ولا سيما في ظل تنامي المشكلات الخاصة بالتغير المناخي وتفشي جائحة كورونا.

 

2- نشر تقرير الاستخبارات حول اتجاهات 2040

مؤخرًا، أصدر المجلس القومي الأمريكي للاستخبارات التابع لوكالة الاستخبارات المركزية، تقريره الاستشرافي الذي يصدر مرة كل أربع سنوات، ويهدف إلى رسم السيناريوهات المستقبلية، وكشف التحديات التي قد تواجهها الإدارات الأمريكية الجديدة عند توليها السلطة.

وقد ركز التقرير الذي نشره المجلس بعنوان “الاتجاهات العالمية في 2040.. عالم أكثر تنازعًا”، على كشف التحديات والاتجاهات العالمية التي قد تواجهها الولايات المتحدة بعد عقدين من تاريخ نشر التقرير؛ بهدف استباق هذه المخاطر والتحديات والتعامل معها بأسلوب وقائي، ويعد التقرير هو السابع منذ إطلاقه لأول مرة في عام 1997.

 

3- مناقشة الكونجرس مشروع قانون لمواجهة النفوذ الصيني

تأتي تلك الجلسة في وقت يصوغ فيه أعضاء مجلس الشيوخ مشروع قانون يحظى بتأييد الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) لمواجهة النفوذ الصيني المتنامي، ومنافستها الولايات المتحدة في المجال التكنولوجي.

ومن المقرر أن يُدليَ رؤساء الاستخبارات بشهاداتهم في جلسة استماع ثانية حول التهديدات العالمية أمام لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، يوم الخميس.

 

ثانياً: التهديدات الرئيسية لإدارة بايدن حسب الجلسة:

1- تنامي الصعود الصيني في النظام الدولي

على الرغم من أن المتحدثين تطرقوا إلى العديد من التهديدات التي تواجه الولايات المتحدة، فإنهم ركزوا على التهديدات والمخاطر التي تمثلها تطلعات بكين لتكون القوى العظمى في النظام الدولي، باعتبار أنها تُشكل التهديد الرئيسي على المصالح والأمن القومي الأمريكي.

وفي هذا الإطار، قال كريستوفر راي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، إنه لا يعتقد أن هناك دولةً تمثل خطرًا على القيم الديمقراطية والأمن الاقتصادي والابتكار الأمريكي مثل الصين؛ إذ إنها تمتلك العديد من الأدوات التي تمكنها من التأثير على الحكومة والأعمال الأمريكية، والمؤسسات الأكاديمية على نحو “عميق وواسع ومستمر”.

ووفقًا لأفريل هاينز مديرة مكتب الاستخبارات الوطنية الأمريكية، فإن الصين تمثل دولة “لا مثيل لها” في التهديدات التي تضعها أمام مجتمع الاستخبارات الأمريكية؛ إذ إن “هناك تحولًا جيوسياسيًّا تاريخيًّا” حدث لصالح بكين على حساب الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تحدي الحكومة الأمريكية في عدد من المجالات، وممارسة ضغوط متزايدة لإعادة تعيين المعايير العالمية لتتوافق مع نظامها الاستبدادي.

وحذرت “هاينز” من أن “الصين لديها قدرات إلكترونية كبيرة إذا تم نشرها، على الأقل، يمكن أن تتسبب في اضطرابات محلية ومؤقتة للبنية التحتية الحيوية داخل الولايات المتحدة”.

وأقر “راي” بأن هناك أكثر من 2000 تحقيق مفتوح في وكالته مرتبطة بالحكومة الصينية، مع فتح تحقيق جديد بمعدل كل 10 ساعات بشأن الإجراءات التي تتخذها بكين.

 

2- ارتفاع وتيرة أعمال التجسس الاقتصادي الصيني

أفاد كريستوفر راي بأن قضايا التجسس الاقتصادي من قبل الحكومة الصينية على نظيرتها الأمريكية قد ازدادت بنسبة 1300% على مدار السنوات الماضية؛ وذلك وفقًا لما يسجله مكتب التحقيقات الفيدرالي.

وقال وليام بيرنز مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية، إن الخصومة بين واشنطن وبكين من المتوقع أن تزداد خلال السنوات القادمة، ولا سيما مع تطلع الصين إلى القيادة العالمية؛ حيث ستشكل “المنافسة والتكنولوجيا أساس التنافس بين الدولتين”.

 

3- غياب المعرفة بشأن أصول فيروس كورونا

لا تستطيع الولايات المتحدة حتى الآن تحديد التوقيت والكيفية التي انتقل بها فيروس كورونا إلى البشر؛ فقد أقرَّت “هاينز” بأن هناك سيناريوهَيْن محتملَيْن لتفشي الفيروس: إما أن الفيروس قد انتقل من الحيوانات إلى البشر، أو انتشر نتيجة لحادث بمعمل صيني في مدينة ووهان.

كما أشار “بيرنز” إلى أن بكين لم تلتزم بالشفافية في التعاون مع منظمة الصحة العالمية، ولم تقدم البيانات الأصلية الكاملة حول الفيروس، كما رفضت التواصل مع المسؤولين العالميين المعنيين بالصحة العامة.

وأكد “بيرنز” أيضًا أن الاستخبارات الأمريكية توظف جميع المعلومات المتاحة لديها في محاولة للتوصل إلى الحقيقة بشأن نشأة وتفشي الفيروس حول العالم.

 

4- عدم القدرة على رصد التهديدات الإرهابية بأفغانستان

نظرًا إلى القرار الذي اتخذه الرئيس جو بايدن بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان بشكل نهائي بحلول سبتمبر المقبل؛ أشار “بيرنز” إلى أن قدرة أجهزة الاستخبارات الأمريكية على جمع المعلومات حول التهديدات الإرهابية المنبثقة عن الدولة الأفغانية، والقدرة على التصرف بشأنها؛ ستتضاءل.

ولكن من جانب آخر، أكد “بيرنز” أن وكالة الاستخبارات المركزية “ستحتفظ بمجموعة من القدرات” التي تمكنها من الحصول على المعلومات الاستخباراتية في هذا الإطار، سواء من خلال الاعتماد على تلك الموجودة بالفعل أو تطوير تلك التي تحتاج إلى تحديث؛ لمراقبة ومنع التنظيمات الإرهابية من إعادة بناء نفسها.

وأكد “بيرنز” أن وكالة الاستخبارات المركزية ستبذل الكثير من الجهد لتوفير نوع من “التحذير الاستراتيجي”.

وحذر “بيرنز” من مخاطر تجدد الإرهاب في أفغانستان مرة أخرى كأحد تداعيات انسحاب القوات الأمريكية؛ إذ إن قدرة الاستخبارات المركزية الأمريكية على إبقاء التهديدات النابعة من الإرهاب في أفغانستان تحت السيطرة، اعتمدت بدرجة كبيرة على الوجود الفعلي للقوات الأمريكية وقوات حلف الناتو على الأراضي الأفغانية.

 

5- ضرورة إخطار الحكومة الفيدرالية بالهجمات الإلكترونية

اقترح كل من “هاينز، و”راي” والجنرال بول ناكاسوني مدير وكالة الأمن القومي، دفع مشروع قانون من شأنه أن يُلزم الشركات الخاصة بإخطار الحكومة الفيدرالية عند تعرضها لهجوم إلكتروني؛ وذلك عقب ضغط المشرعين عليهم حول الهجمات السيبرانية التي تعرضت لها المؤسسات الأمريكية مؤخرًا.

وذكر “بيرنز” أن وكالة الاستخبارات المركزية، تركز على القضايا الإلكترونية بالفعل؛ حيث إن ثلث العاملين بها تقريبًا يعملون في هذا المجال.

وعلى الرغم من أن كلًّا من “ناكاسوني” و”راي” رحَّبَا بإمكانية الاعتماد على عدد من الشركات للحصول على معلومات حول التهديدات السيبرانية لإفادة وكالات الاستخبارات الأمريكية، اعترضا على مقترحات أحد الأعضاء لإدراج المزيد من الشركات، مثل شركة تويتر وفيسبوك.

 

6- تفشي تهديد “عدم الاستقرار” حول العالم

تطرقت “هاينز” إلى التحديات التي تثيرها إيران، وزعزعتها الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وتلك النابعة من كوريا الشمالية؛ لمحاولتها تهديد واشنطن وحلفائها، فضلًا عن المخاطر الناجمة عن الإرهاب العالمي، والتغير المناخي، وتداعيات جائحة كورونا باعتبار أنها ستؤدي إلى مزيد من التنافس الدولي، وتساهم في عدم الاستقرار.

ويفرض الواقع الحالي على مجتمع الاستخبارات الأمريكي توسيع مفهوم الأمن القومي الأمريكي، فضلًا عن لفت الانتباه إلى ضرورة استثمار الولايات المتحدة في القوى العاملة والمؤسسات والمعايير الأمريكية.

 

7- المخاطر الناجمة عن وسائل التواصل الاجتماعي

اعتبر “راي” أن وسائل التواصل الاجتماعي بات لها العديد من الآثار السلبية؛ لمساهمتها في السماح للنفوذ الأجنبي والتطرف المحلي أن يلعبا أدوارًا أكثر عنفًا وضخامةً.

وقال كريستوفر راي إن “الأشياء التي تجذب الناس إليها لأسباب وجيهة، هي أيضًا قادرة على التسبب في جميع أنواع الأضرار”.

 

8- الحشد العسكري الروسي على حدود أوكرانيا

انتقد “بيرنز” الحشد العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية، محذرًا من كونها مقدمة “لتوغلات عسكرية محدودة” في أوكرانيا، فضلًا عن إرسال إشارة إلى الولايات المتحدة وتخويف القيادة الأوكرانية. ومن ثم، يجب على واشنطن والحلفاء أخذ الموضوع على محمل الجد، وأعرب عن قلقه في هذا الإطار.

وأكد “بيرنز” أن تجربته في العمل كسفير سابق في روسيا، علَّمته “عدم التقليل من شأن الطرق التي يمكن من خلالها للرئيس بوتين والقيادة الروسية إلقاء ثقلها”، في إشارةٍ إلى تنامي الدور الروسي في الكثير من النزاعات حول العالم.

 

وأخيرًا، أجمع المتحدثون في الجلسة على أن الصين تمثل أكبر تحدٍّ جيوسياسي للولايات المتحدة وللأمن القومي الأمريكي؛ إذ تمتلك القدرات التي تستطيع بموجبها إثارة العديد من التحديات في وجه المصالح الأمريكية، ولا سيما في ظل تطلعاتها الطامحة إلى قيادة النظام الدولي، وتغيير المعايير العالمية؛ لتمرير أجندتها الاستبدادية، وتطورها التكنولوجي، وقدرتها على شن هجمات سيبرانية.

واتفق المتحدثون كذلك على أن روسيا ستستمر في محاولة تقويض النفوذ الأمريكي، فضلًا عن المخاطر التي تمثلها كل من إيران وكوريا الشمالية وغيرها من التهديدات الأخرى، التي تفرض على الاستخبارات الأمريكية توسيع مفهوم الأمن القومي الأمريكي.