عمرو عبدالعاطي:تداعيات محاولة اغتيال ترامب على فرصه الانتخابية
“إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية”، شركة استشارات عامة، متعددة المهام، تم تأسيسها في 20 يناير 2021، بأبو ظبي، دولة الإمارات العربية المتحدة،
تعرض الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية دونالد ترامب لإطلاق نار خلال تجمع انتخابي في باتلر، بنسلفانيا، في 13 يوليو 2024، وقد اعتبره مكتب التحقيقات الفيدرالية محاولة اغتيال لترامب. ويعد هذا الهجوم أول إطلاق نار على رئيس أمريكي أو مرشح للانتخابات الرئاسية منذ محاولة اغتيال الرئيس الجمهوري الأسبق رونالد ريجان في عام 1981. وجاءت محاولة اغتيال ترامب قبل يومين من المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في ميلووكي في 15 يوليو 2024 للموافقة على ترشحه رسميّاً لتمثيل الحزب في الانتخابات الرئاسية القادمة التي ستجري في الخامس من نوفمبر 2024. ويتوقع أن يعيد الحادث تشكيل تلك الانتخابات.
تداعيات عديدة
تثير محاولة الاغتيال الفاشلة للرئيس الأمريكي السابق جملة من التداعيات، التي تأتي قبل نحو أربعة أشهر من تصويت الناخبين الأمريكيين لاختيار الرئيس الأمريكي السابق، ومن أبرز تلك التداعيات ما يلي:
1- إثارة التساؤلات حول الأمن المقدم للمرشح الجمهوري:
أثارت محاولة اغتيال ترامب التساؤلات بين الجمهوريين وقاعدته الانتخابية حول الإخفاقات الأمنية من قبل الخدمة السرية المكلفة بحماية الرؤساء الأمريكيين السابقين لمدى الحياة. فقد أكد رئيس لجنة الرقابة في مجلس النواب، جيمس كومر، أنه يخطط لعقد جلسات استماع حول الحادث، على الرغم من وجود انقسام بين الجمهوريين حول ما إذا كان يجب توجيه أصابع الاتهام إلى الخدمة السرية للسماح للمهاجم بإطلاق النار على ترامب، أو الانتظار لمعرفة ما يقوله التحقيق الرسمي.
2- زيادة المخاوف من تصاعد العنف السياسي قبل الانتخابات:
تزيد محاولة اغتيال المرشح الجمهوري من المخاوف المثارة منذ فترة في الأوساط السياسية الأمريكية من تزايد عمليات العنف السياسي خلال الحملات الانتخابية، ولا سيما مع رفض قطاع عريض من الناخبين الجمهوريين الاتهامات الجنائية الموجهة للرئيس الأمريكي السابق.
وكذلك في أعقاب الانتخابات التي ستجري في نوفمبر 2024، على غرار أحداث السادس من يناير 2021، في حال خسارة ترامب الانتخابات وترويجه وأنصاره إلى أنها سرقت منه على غرار ما فعل في أعقاب خسارته الانتخابات الرئاسية السابقة التي أُجريت في نوفمبر 2020، ولا سيما مع تزايد حالة الاستقطاب السياسي والحزبية بين الديمقراطيين والجمهوريين، وانقسام الأمريكيين إلى معسكرين رئيسيين برؤى سياسية، واجتماعية متباينة.
وتُظهر استطلاعات الرأي أن هناك مخاوف بين الناخبين الأمريكيين من ارتفاع العنف السياسي. فقد أظهر استطلاع لوكالة رويترز وإيبسوس في مايو 2024 أن اثنين من كل ثلاثة من الأمريكيين قلقان من العنف في أعقاب الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل.
3- تصاعد التوظيف السياسي لحادث إطلاق النار:
في أعقاب محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي بدأ عديد من أعضاء الحزب الجمهوري مشاركة صور الرئيس السابق وأذنه اليمنى ملطخة بالدماء وهو يرفع قبضته في الهواء، للترويج لنظريات المؤامرة وإثارة التوترات السياسية. فقد روج المتطرفون من اليسار واليمين لمعلومات مغلوطة وأكاذيب على شبكات التواصل الاجتماعي، والتي من شأنها التشجع على مزيدٍ من العنف والتطرف، وهو ما دفع إلى تصاعد الحديث عن الحرب الأهلية، وفرص اندلاعها، وكيفية العمل على منعها.
4- دعم جهود الرئيس بايدن لفرض قيود على حق حمل السلاح:
يرفض العديد من المشرعين الجمهوريين جهود الإدارات الديمقراطية، والمشرعين الديمقراطيين، لفرض قيود على حق حمل السلاح الذي يكفله الدستور الأمريكي، بتوسيع نطاق التحقق من خلفية مشتري الأسلحة لتشمل جميع مبيعات الأسلحة؛ حيث يرون أن فرض قيود على الأسلحة يتعارض مع التعديل الثاني للدستور الأمريكي، الذي يضمن حق الأفراد في حيازة الأسلحة. ولكن محاولة اغتيال الرئيس الجمهوري السابق ستدعم من محاولات الرئيس بايدن والمشرعين الديمقراطيين بمجلسي الكونجرس لفرض قيود على حق حمل السلاح.
5- مواجهة الديمقراطيين مزيداً من الأزمات قبل الانتخابات القادمة:
يأتي حادث إطلاق النار على الرئيس الأمريكي السابق في وقت يشهد فيه الحزب الديمقراطي نقاشات حول استمرار بايدن في الانتخابات الرئاسية، ولا سيما بعد أدائه الكارثي في المناظرة الرئاسية الأولى مع منافسه الجمهوري دونالد ترامب، التي أظهرت تأثير تقدم عمر بايدن على أدائه، وتصاعد التساؤلات حول ما إذا كان بايدن هو المرشح الأفضل لهزيمة ترامب في الخامس من نوفمبر، وتعزيز أغلبية الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، واستعادتهم الأغلبية في مجلس النواب، ولا سيما مع تقدم ترامب على بايدن في معظم استطلاعات الرأي.
وعلى الرغم من أن الحادث قد يقلل من تركيز وسائل الإعلام والناخبين على أداء بايدن وعثراته، إلا أنه سيصبح موضوعاً رئيسياً في وسائل الإعلام، مما يؤدي إلى تغطية مكثفة وتحليلات متواصلة له، وهو ما من شأنه تعزيز شعبية ترامب وإظهاره بالضحية لخطاب الديمقراطيين المحرض على العنف، حسبما يروج العديد من الجمهوريين. وقد تضطر حملة بايدن الانتخابية إلى تعديل تكتيكاتها الانتخابية، والتركيز على قضايا الأمن والاستقرار الوطني بشكل أكبر، مما قد يؤثر على الرسائل الانتخابية والخطط الاستراتيجية للحملة الانتخابية التي كانت تركز على الإنجازات التي حققتها الإدارة الديمقراطية، وقدرات بايدن على إعادة إحياء التحالفات التي قوضها ترامب خلال سنوات حكمه الأربع، واستعادة الولايات المتحدة تحت قيادة بايدن مكانتها الدولية التي فقدتها تحت حكم ترامب، إضافة إلى تراجع الحملة الانتخابية لبايدن عن الترويج لأن فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة يمثل تهديداً للديمقراطية الأمريكية.
فرص ترامب
يستغل الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، والجمهوريون محاولة اغتياله للتعزيز من فرصه في الفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة، وسيكون للحادث العديد من التأثيرات الإيجابية التي تصب في صالح المرشح الجمهوري، ومن أبرزها ما يلي:
1- تسهيل فرص فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة:
بينما يكافح الديمقراطيون للفوز بمنصب الرئاسة بعد الأداء الكارثي للرئيس جو بايدن في المناظرة الرئاسية الأولى التي أُجريت في 27 يونيو 2024، والشكوك حول قدرة الديمقراطيين على الحفاظ على أغلبيتهم الهشة في مجلس الشيوخ، يرى العديد من الجمهوريين أن محاولة اغتيال الرئيس الجمهوري السابق، تسهل من محاولته الفوز بمنصب الرئاسة في الخامس من نوفمبر 2024، وكذلك سيطرة الجمهوريين على مجلسي الكونجرس (مجلس النواب والشيوخ)، حيث يتوقع أن تدفع محاولة اغتيال ترامب إلى استنفار القاعدة الانتخابية الجمهورية للنزول للتصويت في نوفمبر، وزيادة الناخبين المستقلين الذي سيصوتون للمرشح الجمهوري.
2- وقف الديمقراطيين انتقاداتهم لترامب:
دفعت محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي السابق الديمقراطيين الذين كانوا متحدين في انتقاد المرشح الجمهوري خلال الأسبوعين الماضيين في محاولة للتغطية على الأداء الكارثي لبايدن في المناظرة الانتخابية إلى التوقف عن مهاجمة ترامب، والترويج لأن فوزه لفترة رئاسية ثانية سيكون نهاية الديمقراطية الأمريكية. فبعد الهجوم أصدر العديد من الديمقراطيين الذي كانوا ينتقدون الرئيس السابق، بما في ذلك جو بايدن ونانسي بيلوسي وباراك أوباما وحكيم جيفريز وتشاك شومر، بيانات تدين العنف وتعبر عن التعاطف مع ترامب، وقد أضحى الديمقراطيون أكثر حذراً في توجيه الانتقادات لترامب بعد محاولة اغتياله.
3- ممارسة ضغوط على بايدن لإسقاط التهم الجنائية عن ترامب:
طالب السيناتور الجمهوري مايك لي وروبرت أوبراين، مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق بإدارة ترامب، في بيان جو بايدن أن يأمر المدعين الفيدراليين بإسقاط التهم الجنائية الفيدرالية ضد المرشح الجمهوري، وأن يطلب من حكام نيويورك وجورجيا أن يفعلوا الشيء ذاته، لتهدئة العنف السياسي المتزايد الذي تشهده الساحة الأمريكية راهناً، والذي تزايدت مستوياته في أعقاب الأزمات القضائية التي يواجهها المرشح الجمهوري.
4- اتهام الجمهوريين لبايدن والديمقراطيين بالوقوف وراء الحادث:
اتهم عدد من المشرعين الجمهوريين الإدارة الأمريكية بأنها من يقف وراء مهاجمة الرئيس الأمريكي السابق من خلال خطابها الذي يؤجج العنف السياسي بين الأمريكيين. فقد قالت النائبة مارجوري تايلور جرين على منصة إكس، إن "الديمقراطيين هم المسؤولون عن كل قطرة دم أُسِيْلَت اليوم. لسنوات وسنوات، قاموا بتشويه سمعته وسمعة مؤيديه". وبعد ساعات قليلة من الحادث، ألقى زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب ستيف سكاليز بياناً قال فيه: "إن اليسار المتطرف يتصرف بناءً على خطاب العنف في الماضي. يجب أن يتوقف هذا الخطاب المحرض".
5- تعزيز تقدم ترامب في استطلاعات الرأي:
تكشف عديد من استطلاعات الرأي العام الوطنية أن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بعد المناظرة الرئاسية الأولى، والأداء الكارثي للمرشح الديمقراطي، جو بايدن، يتفوق على بايدن في الولايات الحاسمة التي تحدد الفائز في الانتخابات الرئاسية. ويتوقع بعد محاولة اغتيال ترامب، أن تتزايد نسب تقدمه على بايدن، ليكون المرشح الأوفر حظاً للفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة.
صدمات متتالية
بينما لا تزال الولايات المتحدة تحاول التعافي من أحداث السادس من يناير 2021، ومحاولات أنصار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب منع الكونجرس من التصديق على فوز المرشح الديمقراطي آنذاك جو بايدن، بعد مزاعم ترامب بأن الانتخابات الأمريكية السابقة سُرقت منه؛ فإنها تعاني من سلسلة من الصدمات في أعقاب عزل رئيس مجلس النواب، واتهام ترامب بأربع قضايا جنائية، ورغم ذلك سيفوز بترشيح حزبه للعودة إلى البيت الأبيض، في ظل رئيس متقدم في السن يعاني من صعوبة في التعبير، ولديه مشكلات صحية وعقلية، ولكنه مصمم على خوض الانتخابات الرئاسية القادمة، وهو الأمر الذي من شأنه زيادة موجات العنف السياسي خلال الانتخابات وبعدها بسبب إحباط العديد من الأمريكيين -بحسب كثير من استطلاعات الرأي– من الساسة الأمريكيين وتوجهاتهم ومواقفهم على الصعيد الداخلي وكذلك الخارجي.
|