×

  رؤا

تفجير إسطنبول لا يوحّد تركيا.. تشكيكٌ في رواية السلطة

24/11/2022

يُبدي بعض المعلّقين والكتّاب في تركيا، شكوكاً حيال الرواية الرسمية لحادثة التفجير التي ضربت إسطنبول.

وإذ يكتفي بعضهم بنفي «حزب العمّال الكردستاني» تورُّطه في العمليّة، لإبعاد التهمة عنه، ينظر آخرون إلى الحادثة باعتبارها فرصةً لتعويم حزب «العدالة والتنمية» في الانتخابات المقبلة، عبر الاستفادة، كما في عام 2015، من نتائج الحرب التي أطلقها الحزب على الإرهاب. وبين هذا وذاك، ثمّة مَن يضفي بعداً داخليّاً على الواقعة، عبر ربطها بفشل مشروع ما يُطلق عليه «العثمانية الجديدة» و«الإسلام المعتدل»

طُوي الجانب الميداني من عملية شارع الاستقلال في إسطنبول، وبدأ يُحكى عن كيفيّة حصولها، وطريقة وصول المرأة المتَّهمة بالتنفيذ من عفرين إلى المدينة التركية.

ويَبرز في هذا الإطار، ما قاله رئيس «حزب النصر»، أوميت أوزداغ، من أن المعلومات التي بحوزته تختلف كلّياً عمّا أدلى به وزير الداخلية، سليمان صويلو، مشيراً إلى أن ضبْط الأمن الحدودي مع سوريا وغيرها، من شأنه أن يمنع هجمات مِن مِثل الذي ضرب إسطنبول.

 كذلك، تمحورت النقاشات الداخلية وتعليقات الخبراء الأمنيّين والكتّاب حول مسألة تورُّط «حزب العمّال الكردستاني» من عدمه، مع التشكيك في الرواية الرسمية.

وعلى رغم أن «العمّال الكردستاني ليس غريباً عن مِثل هذه العمليات»، إلّا أنه في ظلّ غياب المعلومات الدقيقة، «لا يمكن التحقُّق من ذلك»، وفق فهيم طاشتكين، في صحيفة «غازيتيه دوار».

ويتساءل طاشتكين عن الرسائل التي أراد المهاجِم إيصالها، مطالباً صويلو بتوضيحها، مشكّكاً أن يكون «المتّهم قد مرّ بمخرطة حزب العمّال الكردستاني».

 ويَلفت إلى أن الحادثة يُنظر إليها باعتبارها فرصةً لتكرار سيناريو عام 2015، حين أُلغيت انتخابات حزيران التي خسرها حزب «العدالة والتنمية»، وأُجريت انتخابات أخرى بعد خمسة أشهر، أعادت الحزب الحاكم إلى السلطة، بالاستفادة من نتائج الحرب التي أطلقها على «الإرهاب».

 ويطرح الكاتب علامات استفهام حول مقولة أن «المنطقة الآمنة تمنع الإرهاب»، مشيراً إلى أن عفرين تقع ضمن «المناطق التركية الآمنة»، ومع هذا، قال وزير الداخلية إن المتّهَمة جاءت من هناك، مشدّداً على أنه «سيكون من الخطأ النظر إلى قنبلة شارع الاستقلال بمعزل عن النتائج التي أسفرت عنها السياسة التركية تجاه سوريا.

 فالهجمات في الريحانية وأنقرة وديار بكر ومطار إسطنبول وسلطان أحمد، كانت كلّها نتيجة تلك السياسات».

في السياق نفسه، يذهب الكاتب المعروف، فهمي قورو، إلى القول إنه «لا يمكن تصديق أن حزب العمّال الكردستاني لم يَقُم يمثل هذا العمل الإرهابي، ولكن لماذا يُصدر الحزب بياناً ينفي فيه تورّطه؟».

 ويتساءل عن معنى «وجود امرأتَين إلى جانب المتّهَمة قبل وضْع العبوة الناسفة، وذهابهما بعد ذلك مباشرة إلى المطار وعودتهما إلى بلادهما، وقد تَبيّن أنهما إسرائيليتان لم تكشف عنهما تل أبيب إلّا بعدما كشفت وكالة الأنباء الإيرانية عن جنسيّتهما؟»، خالصاً إلى أنه «لا ينبغي حصْر الاتّهام بطرف واحد.

 كلّ الأطراف يجب أن تكون موضع شكّ». أمّا تونجاي موللا فيس أوغلو، في صحيفة «جمهورييات»، فيرى أن تفجير إسطنبول «يعكس ضعفاً استخبارياً واضحاً، إذ إن «نجاح السلطة في اعتقال المتّهَمة بسرعة، يطرح سؤالاً عن سبب عدم اعتقالها مسبقاً ومنعها من القيام بهذه العملية، وخصوصاً أن وزير الداخلية يقول إن الدولة تعرف الإرهابيين واحداً واحداً، وتعرف أين هم، وتعرف رقم الأحذية التي ينتعلونها».

وفيما يذكّر بأن «الكردستاني» نفى تورّطه بالتفجير، يتساءل: «ألا يمكن أن يكون ذلك صحيحاً؟ ولماذا لم يتبنَّ الحزب العملية؟ ألا يخلق هذا الضعف الأمني القلق من أمن العملية الانتخابية من الآن وحتى موعدها في حزيران المقبل؟».

من جهتها، تتساءل إيلاي آقصوي، مسؤولة الهجرة والسياسات الاجتماعية في «الحزب الديموقراطي»، عن السبب الذي يدعو وزير الداخلية «ليأتي إلى إدلب ويوزّع مفاتيح بيوت على السوريين هناك، وهل هي مسؤولية الحكومة التركية أم الدولة السورية؟»، مشيرةً إلى «خلل كبير في التدابير الأمنية، وخصوصاً أن تركيا لم تأخذ بصمات السوريين الذين دخلوا إليها حتى عام 2014، كما أنها طبّقت سياسة الباب المفتوح حتى عام 2016».

وبالتالي، لا أحد يعرف «مَن هو الإرهابي، ومَن هو غير الإرهابي». وفيما يشدّد الكاتب منصور آق غون، في صحيفة «قرار»، على أنه لا يمكن استبعاد الاحتمالات الأخرى في المسؤولية عن التفجير، داعياً تركيا إلى «التعقّل»، يستغرب عثمان أوز أرصلان أن يكون الرئيس رجب طيب إردوغان على وشْك السفر إلى إندونيسيا لدى وقوع الحادثة، ولكن «الأكثر غرابة أن يكون وزير الداخلية في شمال سوريا في الوقت نفسه ليوزّع مفاتيح لبيوت جاهزة»، معتبراً أن «الرواية التركية تفتقر إلى الصدقية».

من جانبه، يتساءل باريش دوستر، في «جمهورييات»، عن مدى صدقيّة الولايات المتحدة في إدانة التفجير، في وقت تدعم فيه «العمّال الكردستاني»، و«تُتاجر مع التنظيمات المسلّحة بالوقود وتمدّها بالسلاح والتدريب»، معتبراً أن «البحث عن البعد السياسي في العملية هو الأهمّ، لأنه في السياسة لا صداقات ولا عداوات، بل مصالح متغيّرة».

ويرى أن «للتفجير بعداً داخليّاً لا شكّ، وهو جاء نتيجة فشل مشروع العثمانية الجديدة والإخوان المسلمين والإسلام المعتدل، ودخول تركيا في حروب مباشرة أو بالوكالة في سوريا والدول الجارة، وفشلها في سياساتها العرقية الكردية في العراق، وتلك المذهبية السُنّية في سوريا، وفي سياسة الصفر مشكلات التي تحوّلت إلى صفر أصدقاء». وعليه، يقول دوستر إنه «لتنجح المعركة ضدّ الإرهاب، يجب تعزيز الجبهة الداخلية، واتّباع سياسات خارجيّة تعطي الأولوية لعلاقات جيّدة مع المحيط».

في المقابل، يرى رئيس فرع الجريمة المنظّمة السابق في إسطنبول، عادل سردار ساتشان، أن «أمن البلاد يأتي من خلال تعزيز الأمن الحدودي»، معتبراً أن «إنكار حزب العمال الكردستاني المسؤولية عن التفجير، يأتي لاستمرار الدعم الدولي له، وهي استراتيجية معروفة لدى الحزب عندما يسقط قتلى مدنيون لا يستطيع الاعتراف بمسؤوليّته عن مقتلهم».

لكن أونال أتاباي، رئيس «مركز دراسات مكافحة الإرهاب»، يَعتبر أن «ما يَلفت هو توقيت العمليّة في ظلّ توتّر العلاقات مع اليونان، والمعارك في شمال العراق مع حزب العمّال الكردستاني، والتوتّر مع أميركا في سوريا».

 ووفق الكاتب، فإن «تقييم الحادثة على هذا النحو يُظهر أنها عمليّة إرهابية استخبارية على وقْع الديناميات الداخلية».

 وفي حين يعتقد قان قوتلو أتاتش، الأستاذ في جامعة مرسين، فإن الهجوم مرتبط بأهميّة الصوت الكردي في معركة الانتخابات الرئاسية، «وما يُعمل عليه الآن هو محاولة تفكيك الارتباط بين حزب الشعوب الديموقراطي وحزب العمال الكردستاني»، يقدّر برهان الدين دوران، في صحيفة «صباح» الموالية، أن المعركة بين تركيا و«حزب العمّال الكردستاني» دخلت بعد تفجير إسطنبول «مرحلة جديدة.

يجب أن تعمل تركيا بكلّ إصرار لدى روسيا وأميركا لإقامة منطقة آمنة بعمق ثلاثين كيلومتراً في شمال سوريا»، داعياً موسكو وطهران والعواصم الغربية إلى عدم التمييز بين «إرهابي جيّد وآخر سيّئ».

 

*صحيفة"الاخبار"اللبنانية 18-11-2022

  مواضيع أخرى للمؤلف
←  مناكفة غربية لتركيا.. محظور التطبيع مع سوريا
←  تركيا وسوريا.. أوهام في طريق المصالحة
←  إردوغان ينعى مسار المصالحة.. تحالفنا مع القومية أَوْلى
←  تركيا و تأجيل انتخابات مناطق قسدالمحلية
←  غضب أرميني على ترسيم الحدود
←  كيف اكتشفت بيرقدار اكنجي موقع المروحية المنكوبة؟
←  أحكام قاسية ضدّ قادة الحركة الكردية.. إردوغان يفخّخ مسار المصالحة
←  أرمينيا - أذربيجان.. ترسيم تاريخي للحدود
←  الأرمن في ذكرى الإبادة: باشينيان يضحي بـالسردية
←  تقلبات المشهد السياسي في تركيا
←  مفاجآت الانتخابات البلدية في تركيا
←  إردوغان بعد الهزيمة التاريخية هل هذه النهاية؟
←  النخبة الحاكمة في تركيا والقضية الكردية
←  هاكان فيدان: ديبلوماسية الاستخبارات... تَخرج من الظلّ
←  الكرد محبَطون.. بيضة القبان تفقد ثقلها
←  المعارضة تحت الصدمة: إردوغان يشقّ طريق الولاية الثالثة
←  إردوغان يرفع التحدّي.. الهزيمة غير واردة!
←  تخليد الإردوغانية أو إحياء الأتاتوركية
←  أرانبُ متكاثرة أمام كيليتشدار أوغلو: آمال المعارضة تتضاءل
←  التزكية الكردية لـكمال بك تستنفر إردوغان
←  واشنطن-انقرة ..ما بعد دبلوماسية الزلزال
←  تركيا والعام الجديد
←  من «لوزان» إلى «الإردوغانية».. كرد تركيا لا يستقرّون
←  تفجير إسطنبول لا يوحّد تركيا.. تشكيكٌ في رواية السلطة
←  تذبذب تركيّ حيال سوريا: عودةٌ إلى لغة التهديد
←  أصوات تركية مؤيدة: حان وقت «تصفير المشكلات»
←  مطالَبات متجدّدة بإنصاف العلويّين
←  مجزرة دهوك بعيونٍ تركية: «نقطة انكسار» لأنقرة
←  مئويّة «لوزان»: لا أحد راضياً
←  ما بين الشرق والغرب... تركيا التائهة في تموضعها
←  قلق كرديّ جماعيّ... الخسارات تتكاثر
←  قراءات في الاتفاق الثُلاثي: «الناتو» أَوقع بتركيا
←  ​تركيا تعزّز موقعها «الأطلسي»
←  عن الانتخابات الرئاسية التركية
←  ابن سلمان في أحضان إردوغان.. المال يتكلّم
←  ما وراء الخطى الإردوغانية.. النزعة العثمانية لا تزال حية
←  تركيا في الزمن الانتخابي: لُعبة إردوغان الأخيرة
←  تردّد تركي في سوريا: الخوف من إيران... لا من روسيا!
←  لماذا «المنطقة الآمنة» في شمال سوريا؟
←  الحرب الخامسة في سوريا: تركيا تغامر بالتفاهمات
←  أنقرة وواشنطن تُجدّدان شراكتهما
←  شرارات الحصار تطاول الحلفاء.. خسائر بالجملة تنتظر تركيا
←  تركـــيا تغلــق المضائـــــق
←  تركيا تغلق المضائق: مجازفة معلَنة بالمصالح الروسية
←  أوكرانيا.. تركيا والوساطة المستحيلة
←  تركيا و «عاصفة الشمال»: نحو وساطة «أوكرانية» لتلافي الأسوأ
←  إردوغان يكرّر لُعبة 2019: استمالة الكرد بتشتيت صفوفهم
←  عام المصالحة التركية- العربية
←  نافذة فرص تنفتح لموسكو: قنبلة كازاخستان... بوجه أنقرة؟
←  تركيا أمام التغيير
←  شتاء «المعجزة التركية» انهيار بلا قاع
←  تحوّلات إردوغان في ميزان خصومه
←  المعارضة تسعّر معركتها.. لا إجماع على القتال في سوريا
←  بايدن – أردوغان: المواجهة 2023 !
←  إردوغان «يُموَّت» مرّة أخرى: مَن سيَخلف «السلطان»؟
←  إردوغان «يُموَّت» مرّة أخرى: مَن سيَخلف «السلطان»؟
←  قمم «الصديقَين اللدودَين»