×

  رؤا

الوجود العسكري الأمريكي في العراق: هل بات انهاؤه مطروحاً على الطاولة؟

19/02/2024

مركز الامارات للسياسات

مركز الإمارات للسياسات هو مركز تفكير أُسِّس في مدينة أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة في سبتمبر 2013، أي خلال الفترة التي شهدت اضطرابات ما يسمى "الربيع العربي"، ليدرس مهدِّدات الدولة الوطنية في المنطقة العربية والخليجية، سواء أكانت نابعة من الداخل أم من التفاعلات الإقليمية والدولية؛ وليستشرف مستقبل المنطقة، وتأثير المشاريع الجيوسياسية المختلفة فيها؛ وليرسم خريطة توزيع القوة في العالم والمنطقة وموقع دولة الإمارات في هذه الخريطة. https://epc.ae/ar/home

عمر تاشبينار:

 

 

أي قرار بطرد القوات الأمريكية سيقوض الأهداف الاستراتيجية الأمريكية

تدرك واشنطن أن الحرب في غزة أدت إلى تغيير الوضع في العراق

 الحرب في غزة أدت إلى إعادة وضع مسألة الوجود العسكري الأمريكي

خروج الولايات المتحدة من العراق ليس وشيكاً

 ستكون هناك حرية أقل للعمل والمناورة للقوات الأمريكية في العراق

ترى الولايات المتحدة أن وجودها في العراق مهم لمنع داعش ومواجهة ايران

تحرص واشنطن على أن يكون لديها قنوات اتصال قوية مع حكومة السوداني

تجنب إطاحة السوداني ضرورة استراتيجية رئيسة بالنسبة للولايات المتحدة

26-01-2024

 رَدَّتْ الحكومة العراقية بسرعة على الهجوم الأمريكي الذي أدى إلى مصرع أحد قادة المليشيات العراقية الموالية لإيران في بغداد في 4 يناير 2024، حيث طالبت بإنهاء وجود القوات الأمريكية في البلاد. وتواجه حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني حالياً ضغطاً داخلياً متزايداً، إلى جانب ضغط إيراني، لإخراج التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة من العراق. وقالت الحكومة العراقية إن قائد المليشيات المقتول تابع لقوات الحشد الشعبي التي تتألف بشكل رئيس من مجموعات شيعية مسلحة تشكلت عام 2014 لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية". واعترفت الحكومة العراقية لاحقاً بهذه القوات على أنها جهاز أمني رسمي.[1] ويُعَدُّ مشتاق طالب السعيدي، المعروف باسم "أبو تقوى"، أحد القادة العسكريين البارزين في "حركة النجباء" المرتبطة بإيران، والتي تُشَكِّل اللواء الثاني عشر في قوات الحشد الشعبي.

وجاء في بيان صدر عن مكتب رئيس الوزراء العراقي أن الحكومة العراقية أعلنت عن تشكيل لجنة ثنائية لوضع ترتيبات "إنهاء وجود قوات التحالف الدولي في العراق بشكل نهائي".  وجاء على لسان السوداني قوله "نؤكد موقفنا الثابت والمبدئي في إنهاء وجود التحالف الدولي بعد أن انتهت مسوغات وجوده". وقال مسؤول في الحكومة العراقية إن اللجنة الثنائية ستضم ممثلين عن التحالف العسكري الذي تقوده واشنطن. وتحتفظ الولايات المتحدة بنحو 2,500 جندي في العراق ضمن مهمة مساعدة القوات العراقية التي تحاول منع عودة تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي سيطر عام 2014 على مساحات واسعة من العراق وسورية قبل هزيمته.

 

لماذا شنَّت الولايات المتحدة الهجوم في العراق؟

شنَّ الجيش الأمريكي هجوم 4 يناير الجاري رداً على الهجمات الأخيرة ضد القوات الأمريكية في العراق وسورية. فقد شنت المليشيات المدعومة من إيران ما لا يقل عن 120 هجوماً ضد القوات الأمريكية في العراق وسورية منذ 17 أكتوبر 2023، حيث أدى أحد هذه الهجمات إلى إلْحاق جروح خطيرة بأحد عناصر هذه القوات. وكان أبو تقوى يتولى منصب نائب قائد عمليات حزام بغداد في الحشد الشعبي. وبحسب المعلومات الاستخباراتية الأمريكية فإن أبو تقوى و"حركة النجباء" مسؤولين عن ثلثي الهجمات ضد القواعد الأمريكية في العراق وسورية منذ 17 أكتوبر 2023. وتعتقد واشنطن أن أبو تقوى كان متورطاً في توزيع الأسلحة الإيرانية المخزنة في بغداد، إلى جانب مسؤوليته عن عمليات "حركة النجباء" الأخيرة ضد القواعد الأمريكية في العراق وسورية. وأشارت التقارير إلى أن أبو تقوى كان قد زار سورية قبل أيام فقط من مصرعه.

كما حظي أبو تقوى بعلاقات وثيقة مع زعيم الحشد الشعبي السابق أبو مهدي المهندس الذي لقى مصرعه في هجوم أمريكي إلى جانب قاسم سليماني، قائد قوة القدس الإيرانية، في يناير 2020. وتَعتبر واشنطن "حركة النجباء" الأكثر تشدداً في قوات الحشد الشعبي، حيث وضعتها عام 2019 ضمن التنظيمات الإرهابية. وتضم "حركة النجباء" نحو 11,000 مقاتل، وتحظى بروابط وثيقة مع قائد قوة القدس إسماعيل قاآني.

ولعل من الأهمية هنا تحليل توقيت الضربة الأمريكية ضد أبو تقوى. فقد كانت القوات الأمريكية تتوخى الحذر في ردها تجاه الهجمات المبكرة ضدها في أكتوبر 2023 من جانب المليشيات المدعومة من إيران، وجاءت الضربات الأمريكية الأولى في سورية ضد مواقع تخزين الأسلحة وميادين تدريب تستخدمها المليشيات المدعومة من إيران والحرس الثوري الإيراني. ونجم عن الضربات الأمريكية، التي كانت تتوخى تقليص مخاطر التصعيد، عددٌ قليل من الإصابات في صفوف الميلشيات الشيعية، غير أن كل هجوم أمريكي كان يتبعه مزيد من الهجمات من جانب المليشيات باستخدام الصواريخ والمسيرات.

وامتنعت إدارة بايدن بادئ الأمر عن ضرب المليشيات في العراق خشية إثارة نقاش في تلك الدولة حول وجود القوات الأمريكية هناك. لكنَّ هذا الأمر تَغيَّر في نوفمبر 2023 عندما هاجمت طائرة أمريكية من طراز "أيه سي-130" موقعاً لـ "حركة النجباء" رداً على هجوم ضد قاعدة الأسد الجوية غرب العراق التي توجد فيها قوات أمريكية. ورَدَّتْ القوات الأمريكية على هجمات "حركة النجباء" بشن هجومين اثنين ضد المليشيات العراقية قبل هجوم المسيرة في بغداد في 4 يناير 2024 الذي أدى إلى مصرع أبو تقوى. ويبدو أن إخفاق بغداد في كبح جماح المليشيات على ضوء الهجمات المتصاعدة ضد القوات الأمريكية، بما في ذلك الهجوم بقذائف الهاون ضد السفارة الأمريكية في بغداد، دفع واشنطن إلى تبني مقاربة أكثر حزماً.

وكان الهجوم الأمريكي ضد أبو تقوى قد حصل على تفويض مسبق من الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير دفاعه لويد أوستن قبل دخوله المستشفى يوم رأس السنة الميلادية الجديدة. واختلف الهجوم -الذي أدى إلى مصرع أبو تقوى وأحد مرافقيه خلال وجودهما في سيارة شرق بغداد– عن الضربات الأمريكية السابقة في العراق في عهد بايدن، والتي سعت إلى مواجهة التهديدات الإقليمية في الوقت الذي عملت فيه على تقليص مخاطر التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران. ويُعَدُّ الهجوم ضد أبو تقوى أول عملية قتل مستهدفة معروفة لزعيم مليشيا مدعوم من إيران في عهد إدارة بايدن، ما يُمثل مسعىً أكثر حزماً لمنع الهجمات الجارية ضد القوات الأمريكية في المنطقة.

 

رَدّ فعل بغداد

يَتَمَثَّلُ الكابوس بالنسبة للعراق في اندلاع حرب واسعة النطاق بين الولايات المتحدة وإيران على أراضيها وتكون فيها بغداد مجرد مراقب ضعيف. ولعل من الواضح أن السوداني، الذي يحظى بدعم معظم مليشيات الحشد الشعبي، يرغب في تجنب استخدام بلاده ميداناً جيوسياسياً، إضافة إلى حرصه على حماية سيادة العراق الوطنية في مواجهة الانتهاكات الأمريكية والإيرانية. وكان السوداني قد حذّر المليشيات الشيعية من مهاجمة القوات أو المصالح الأمريكية، مشيراً إلى أن مثل هذه الأفعال تُضر بمصالح العراق وسيادته.

وترددت الدعوات العراقية لسحب القوات الأمريكية منذ سنوات دون أي تغيير يُذكَر لغاية الآن؛ فقد صوَّتَ البرلمان العراقي عام 2020 لصالح رحيل القوات الأمريكية بعد أيام على قيام واشنطن باغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في هجوم خارج مطار بغداد. وأعلنت واشنطن في السنة التالية عن انتهاء مهمتها القتالية في العراق، والتحول إلى تقديم المشورة والدعم لقوات الأمن العراقية، وهي خطوة لم تُغير الكثير على الأرض.

وسعى السوداني منذ توليه مهام منصبه في أكتوبر 2022 جاهداً لتحقيق توازن بين المصالح المتنافسة في العراق، ما تطلب توخي الحذر بين التحالف الداعم له -"الإطار التنسيقي" المؤلف من مجموعة من الأحزاب السياسية العراقية التي يهيمن عليها رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي وقوات الحشد الشعبي - والمتحالف مع إيران من جهة والمصالح الكردية والسُنية والأمريكية من جهة أخرى. ولعل الحفاظ على هذا التوازن الحساس كان سهلاً قبل الأحداث التي أعقبت هجوم حركة حماس ضد إسرائيل في 7 أكتوبر. وكان السوداني حتى صيف عام 2023 يدافع علناً عن وجود القوات الأمريكية بقوله إنها موجودة في العراق بناءً على دعوة من الحكومة العراقية لمحاربة الإرهاب بشكل فاعل. كما اتبعت بغداد وواشنطن منذ انتخاب السوداني مساراً لتعميق التعاون العسكري بينهما. وعلى سبيل المثال، توقفت الهجمات ضد المنشآت الأمريكية من جانب قوات الحشد الشعبي والمجموعات المتحالفة مع إيران في سورية على مدى شهور، قبل اندلاع الحرب التي تشنها إسرائيل ضد "حماس" في قطاع غزة، وذلك في إطار اتجاه لخفض التصعيد بين إيران والولايات المتحدة وشركائها في المنطقة.

وتُدرك واشنطن بشكل واضح أن الحرب ضد "حماس" أدت إلى تغيير الوضع في العراق، حيث أدت إلى إعادة وضع مسألة الوجود العسكري الأمريكي في العراق على الأجندة. وتُعارض المليشيات المتحالفة مع إيران في العراق وسورية الحربَ الإسرائيلية على قطاع غزة، وتحمّل واشنطن المسؤولية بسبب دعمها لإسرائيل. ويمتلك السوداني سيطرة محدودة على بعض الفصائل المدعومة من إيران، ويحتاج إلى دعمها للبقاء في السلطة، لأن هذه الفصائل تُشَكِّل كتلةً قوية داخل الائتلاف الحاكم في العراق.            

كما يتعيّن على السوداني أن يأخذ في الاعتبار مُقتدى الصدر، الذي لا يزال يُمثّل قوة هائلة على الساحة السياسية العراقية بسبب قوة التعبئة الجماهيرية التي يمتلكها في الشارع. ولم يكن الصدر مؤيداً لطرد جميع القوات الأمريكية في العراق فحسب، بل دعا مؤخراً إلى إغلاق السفارة الأمريكية في بغداد بسبب دعم واشنطن لإسرائيل خلال الحرب في غزة. وفي ظل هذه الظروف، ليس من المُستغرب أن يُصبح تحقيق التوازن الداخلي بالنسبة للسوداني أكثر صعوبة بعد 4 يناير، مع تزايد الضغوط عليه لاتخاذ إجراءات ضد القوات الأمريكية. وفي مُقابلة مع وكالة رويترز مؤخراً، قدّم السوداني التفاصيل الأولى عن تفكيره بشأن مُستقبل وجود قوات التحالف منذ إعلانه في 5 يناير، حيث أشار إلى أن العراق سيبدأ عملية إنهاء وجود تلك القوات في البلاد.  وشدّد السوداني على أنه يجب أن يتم التفاوض حول خروج القوات الأمريكية في إطار "عملية تفاهم وحوار". وقال بهذا الخصوص: "دعونا نتّفق على إطار زمني (لخروج قوات التحالف) والذي يجب أن يكون سريعاً بصراحة حتى لا تبقى تلك القوات لفترة طويلة وتستمر الهجمات ضدها"، مُشيراً إلى أن إنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة هو وحده الذي سيوقف خطر التصعيد الإقليمي.

وقال السوداني إنه يسعى لخروج قوات التحالف الأمريكي من البلاد، لأن العراق يستطيع الآن الدفاع عن نفسه ضد الإرهاب، ويجب أن يُمارس السيادة الكاملة على أراضيه؛ وبالتالي تجنّب إعطاء أي طرف ذريعة لجر العراق إلى صراع إقليمي. وأضاف أن "إنهاء وجود تلك القوات في البلاد سيمنع المزيد من التوتّرات وتشابك القضايا الأمنية الداخلية والإقليمية".  ولم يغب عن مسؤولي إدارة بايدن في واشنطن أن السوداني ترك الباب مفتوحاً لبعض المرونة عندما ذكر أن العراق مُنفتحٌ على إقامة علاقات ثنائية والانخراط في التعاون الأمني مع دول التحالف، بما في ذلك الولايات المتحدة. ويُمكن أن يشمل ذلك تدريب قوات الأمن العراقية، وتقديم الاستشارة لها، فضلاً عن شراء الأسلحة. وأضاف أن الولايات المتحدة "ليست عدوّاً لنا ولسنا في حالة حرب معها، ولكن إذا استمرت هذه التوتّرات فإنها ستؤثّر بالتأكيد وتخلق فجوة في هذه العلاقة".

 

تقييم واشنطن لرد فعل بغداد

من وجهة نظر إدارة بايدن، جاءت دعوة السوداني حالياً إلى خروج القوات الأمريكية من البلاد نتيجةَ تعرّضه لضغوط كبيرة من الأحزاب الشيعية العراقية القويّة، وقوات الحشد الشعبي، والزعيم الشيعي مقتدى الصدر، وأخيراً طهران. ومع ذلك، ثمة ميل إلى رؤية دعواته العلنية وخطواته الرسمية كاستراتيجية استرضاء لتلك القوى. وبعبارة أخرى، فإن الاتجاه السائد في البنتاغون ووزارة الخارجية هو النظر إلى رد الفعل الرسمي في بغداد على أنه موقف مُصمَّم بشكل أساسي لأغراض داخلية وسياسية أكثر من كونه تغييراً حقيقياً من شأنه أن يُطلق عملية قوية لإنهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق.

ومع ذلك، لا ينبغي أن يكون هناك أي وهم بأن مُستقبل وجود القوات الأمريكية في العراق سيكون سهلاً؛ فقد أدّى الوضع بعد 4 يناير إلى تعقيد مُهمّة حكومة السوداني بشكل كبير، وخلق ضغوطاً إضافية عليها لاتخاذ إجراءات ضد القوات الأمريكية في البلاد؛ فثمة اعتراف واضح في واشنطن بأنه على الرغم من أن خروج الولايات المتحدة من العراق ليس وشيكاً، إلا أنه ستكون هناك حرية أقل للعمل والمناورة للقوات الأمريكية في العراق في المستقبل القريب.

وباختصار، سيكون هناك حضور عسكري أمريكي أقل على المديين القصير إلى المتوسط.  ويشمل هذا الاعتراف أيضاً فَهماً واضحاً بأن واشنطن تجاوزت الحدّ من خلال اتخاذ خطوة محفوفة بالمخاطر وتصعيدية مع توجيهها الضربة العسكرية في 4 يناير. ومع ذلك، اُعتبرت تلك الإجراءات ضرورية لإرسال رسالة مفادها أن هناك حدوداً لما هو مقبول بالنسبة للبنتاغون من حيث استهداف القوات الأمريكية في سورية والعراق من قبل الميليشيات الموالية لإيران.

إن أحد الأسباب الرئيسة وراء اعتقاد واشنطن بأنه يُمكن احتواء الزخم وراء التحرّك لطرد القوات الأمريكية من العراق هو الرسائل الخاصة الصادرة من بغداد؛ فقد أوضح كبار مُستشاري رئيس الوزراء العراقي، للمسؤولين الأمريكيين أن إعلان السوداني كان "محاولة لإرضاء القوى السياسية المحليّة"، وأن السوداني نفسه "ظل مُلتزماً" بالتفاوض على الوجود المستقبلي لقوات التحالف في العراق، وفقاً لبرقية تلقّتها وزارة الخارجية الأمريكية في 6 يناير الجاري والتي حصلت عليها وسائل الإعلام الأمريكية.

ومع ذلك، من المُهم ملاحظة أن إدارة بايدن ليست راضية عن الموقف. وفي حين قيل للمسؤولين الأمريكيين إن بغداد مُستعدّة لمناقشة إبقاء القوات الأمريكية في البلاد، فمن المُمكن أن تؤدّي الصراعات السياسية داخل البرلمان العراقي إلى تحريك عملية تتطلّب اتخاذ خطوات ملموسة لإنهاء وجود تلك القوات في العراق. وهذا هو السبب في أنه سيكون من الأهمية بمكان بالنسبة لواشنطن أن يكون لديها قنوات اتصال قويّة مع حكومة السوداني، وأن تضمن بقاء رئيس الوزراء العراقي الحالي في منصبه؛ وبالتالي فإن تجنّب إطاحة السوداني من قبل الفصائل المتشددة القويّة في الساحة السياسية العراقية يُعدّ ضرورةً استراتيجية رئيسة بالنسبة لواشنطن.

 

 

الاستنتاجات

لا تزال واشنطن واثقة من أنها ستجد طُرقاً للحفاظ على وجودها العسكري في العراق، لأن هذه ليست المرة الأولى التي تزعم فيها الحكومة العراقية أنها ستطرد القوات الأمريكية؛ فلم يتم تطبيق دعوة يناير 2020 لطرد القوات الأمريكية إلى حد كبير بسبب تحوّل هذا الوجود الأمريكي إلى دور استشاري بحت، ما يُمثّل النهاية الرسمية للمُهمّة القتالية للجيش الأمريكي في البلاد.

ويعتقد مُعظم المسؤولين العسكريين والمدنيين رفيعي المستوى الذين يتعاملون مع العراق في واشنطن أنه من مصلحة العراق الوطنية وجود قوات أمريكية في البلاد لموازنة قوة الفصائل المُتطرّفة الموالية لإيران في البلاد ونفوذ طهران نفسها.

ترى الولايات المتحدة أن وجودها في العراق مُهم ليس فقط لمنع عودة ظهور "داعش"، ولكن أيضاً لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة؛ لذا، فإن أي قرار تتّخذه بغداد بطرد القوات الأمريكية من البلاد من شأنه أن يُقوِّض بشكل خطير الأهداف الاستراتيجية للإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط؛ بدءاً من احتواء إيران إلى مُحاربة الإرهاب الجهادي. وهذا هو السبب الذي سيدفع واشنطن إلى المحاولة جاهدة لإيجاد طرق للبقاء في العراق على الرغم من الضغط الهائل الذي تُسبّبه ديناميات الحرب في غزة، من حيث مُمارسة المزيد من الضغوط على العلاقات العراقية-الأمريكية.

إن إحدى القضايا الحاسمة التي يجب مُراقبتها هي فيما إذا كان الصراع في غزة سيتوسّع ليشمل المنطقة بِمُشاركة مُباشرة، وعلى نحو أكثر، من حزب الله اللبناني؛ ففي 5 يناير، قال حسن نصر الله، زعيم الحزب، إن الضربات الأمريكية في العراق يجب أن تُمهّد الطريق للانسحاب النهائي للقوات الأمريكية من العراق، الأمر الذي سيجعل من غير الممُكن بالنسبة لواشنطن الدفاع عن قواتها الموجودة في شمال شرقي سورية. ومن الواضح لجميع في المسؤولين إدارة بايدن الذين يراقبون الوضع في المنطقة، أنه في حالة توسّع الحرب إلى لبنان، سيكون من الصعب جداً منع وكلاء إيران في العراق من شن المزيد من الهجمات ضد القوات الأمريكية، إذ إن أي عملية انتقامية أمريكية ضد وكلاء إيران على الأراضي العراقية، مثل تلك التي حدثت في 4 يناير، ستزيد من تعقيد جهود بايدن لإبقاء القوات الأمريكية في البلاد.

[1] تتألف قوات الحشد الشعبي - التي تُعَدُّ مظلة تحظى برعاية الدولة العراقية - من نحو 40 مليشيا شيعية في معظمها، وترتبط بعلاقات وثيقة مع إيران.

عمر تاشبينار، باحث غير مقيم في مركز الإمارات للسياسات، وأستاذ الدراسات الأمنية في كلية الحرب الوطنية بالعاصمة الأمريكية واشنطن، وزميل بحث أول في معهد بروكينجز.

  مواضيع أخرى للمؤلف