×

  رؤا

تهديد المنصات..مآلات الصدام العالمي المتصاعد بين الحكومات ومواقع التواصل الاجتماعي

25/08/2024

إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

“إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية”، شركة استشارات عامة، متعددة المهام، تم تأسيسها في 20 يناير 2021، بأبو ظبي، دولة الإمارات العربية المتحدة،

 

*إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

أضحى الصدام هو السمة المميزة للعلاقة بين منصات التواصل الاجتماعي والحكومات في الآونة الأخيرة، خاصةً بعد الدور الذي اكتسبته تلك المنصات في تحريك المشهد السياسي في العديد من الدول بصورة صارخة تجاوزت بها كل الحدود والقدرة على التحكم فيها. ومن ثم لجأت العديد من الدول إلى التفاعل مع تلك المنصات، سواء من خلال الحظر الكامل لوجودها أو منعها لفترات محددة تتمكن من خلالها الدولة من إعادة ضبط الأمور أو فرض الغرامات أو توجيه الاتهامات ومساءلة أصحاب تلك المنصات. وعلى الرغم من كل ما سبق تظل تلك المنصات تلعب دوراً بارزاً في توجيه دفة الأمور في العديد من الدول؛ حيث تعد بمنزلة أدوات اتصال حيوية لأكثر من 4.6 مليار شخص في جميع أنحاء العالم.

 

صراع متواصل

تزايدت مؤشرات الصراع بين منصات التواصل الاجتماعي والحكومات في السنوات الأخيرة، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1– استمرار عدة دول في فرض الحظر الكامل لبعض "التطبيقات الغربية":

يعد ذلك النمط هو الأكثر اتباعاً من جانب الدول غير الديمقراطية؛ حيث عمدت كل الصين وإيران وكوريا الشمالية وتركمانستان وبيلاروسيا إلى فرض حظر كامل على منصات التواصل الاجتماعي الرئيسية، ومنها فيسبوك وإكس وواتساب وإنستجرام وغيرها. في مقابل طرح بدائل لتطبيقات محلية في بعضها، وفرض الرقابة والتنظيم على تلك التطبيقات. وفي حين تتعدد الأسباب التي دفعت تلك الدول إلى حظر تلك المنصات؛ حيث أتت في معظمها استجابةً للحد من الدور الذي حاولت تلك المنصات أن تلعبه في التأثير على مجريات الأحداث السياسية، فإنها تأتي كذلك ضمن توجه أكبر لتلك الدول نحو السيطرة على الأفكار التي يتم تداولها بين المواطنين وتقييد حرية التعبير.

 

2– الصدام المتواصل بين روسيا ومنصات التواصل الرئيسية:

 فخلال الفترة التي تلت اندلاع حرب أوكرانيا، شددت روسيا من حظرها عدداً كبيراً من منصات التواصل الاجتماعي الرئيسية، بالإضافة إلى انسحاب الشركات الأجنبية من السوق الروسية. علاوة على ذلك، صدرت أحكام قضائية بفرض غرامات على شركات وتطبيقات غربية – وفي مقدمتها تطبيق واتساب المملوك لشركة ميتا بلاتفورمز، وسناب تشات المملوك لشركة سناب – وذلك لرفضها تخزين بيانات المستخدمين الروس محلياً، وهو الأمر الذي عزز الاعتماد على المنصات الروسية البديلة.

 

3– مواصلة فرض الهند إجراءات تنظيمية لبعض التطبيقات:

 فقد قامت الهند منذ يونيو 2020، بحظر تيك توك و58 تطبيقاً صينياً أخرى، على الرغم من الشعبية الهائلة التي يتمتع بها تيك توك في البلاد؛ بسبب المخاوف الأمنية عقب الاشتباكات الحدودية مع الصين على الحدود في جبال الهيمالايا، كما فرضت الحكومة الهندية لوائح جديدة يجب على منصات التواصل الاجتماعي اتباعها لتجنب الحظر؛ حيث تعمل منصات مثل فيسبوك وتويتر وإنستجرام في الهند تحت التدقيق.

 

4– الحظر المؤقت لبعض التطبيقات في بنجلاديش:

حيث تلجأ بعض الدول إلى فرض حظر مؤقت على بعض التطبيقات لتجاوز بعض الأحداث السياسية ومحاولة السيطرة على الأمور. وفي هذا الصدد، فرضت بنجلاديش مؤخراً حظراً على كل من إنستجرام وفيسبوك وواتساب وتويتر ويوتيوب وتيك توك وسناب شات؛ وذلك بدعوى الحفاظ على النظام العام والتحكم في المحتوى الذي يعتبر غير مناسب؛ وذلك خلال موجة الاحتجاجات السياسية التي شهدتها البلاد وأدت إلى الإطاحة برئيسة الوزراء الشيخة حسينة.

 

5– ضغط تركيا على منصات التواصل:

 تتمتع أنقرة بتاريخ من حظر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مؤقت؛ فقد سبق أن حظرت تويتر في عام 2014 لمدة أسبوعين؛ لأن بعض المنشورات التي تمت مشاركتها عبر المنصة اتهمت الحكومة بالفساد، كما تم حظرها مرة أخرى في عام 2020، وانضم إليه فيسبوك ويوتيوب؛ حيث أصدرت الدولة تشريعاً جديداً للإنترنت، طالبت فيه المنصات العالمية بتخزين بيانات المستخدم داخل تركيا، وتعيين ممثل محلي والاستجابة بسرعة لأوامر المحكمة بحظر المحتوى أو إزالته.

وفي الثاني من أغسطس 2024، تم حظر إنستجرام على مستوى البلاد بدون إبداء أسباب، بينما أعلن مسؤولون في وقت لاحق أن الحظر فُرض لأن منصة التواصل الاجتماعي فشلت في الالتزام بالقوانين التركية، وأنه سيتم رفع الحظر بمجرد تحقيق الامتثال للوائح الوطنية، وهو ما تم بالفعل؛ حيث تم رفع الحظر في 12 أغسطس 2024؛ وذلك بعد وعود تلقتها الدولة من المنصة بأن جميع الحسابات المملوكة للمنظمات "الإرهابية" ستُحظر، وستُزال جميع المحتويات التي تروج لهذه المنظمات، مع تحديد حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي ومنظمة فتح الله كولن الإرهابية.

 

6– تزايد التوترات بين منصة إكس والحكومة الفنزويلية:

فقد أعلن الرئيس الفنزويلي "نيكولاس مادورو" في 8 أغسطس 2024 أنه أمر بحظر الوصول إلى إكس في فنزويلا لمدة 10 أيام، بناءً على الاقتراح الذي قدمته كوناتيل؛ اللجنة الوطنية للاتصالات، حتى تتمكن المنصة من تقديم وثائقها، متهماً المالك "إيلون ماسك" باستخدام الشبكة الاجتماعية للترويج للكراهية بعد الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في البلاد، واستخدامها من قبل خصومه لخلق اضطرابات سياسية؛ فقد استخدم ماسك منصته لاتهام مادورو بـإجراء "احتيال انتخابي كبير"، وقال: "عار على الدكتاتور مادورو". وتأتي تلك الخطوة ضمن الإجراءات التي من المتوقع أن يقدم عليها مادورو لتنظيم عمل منصات التواصل الاجتماعي في فنزويلا.

 

7– إغلاق منصة إكس عملياتها المحلية في البرازيل:

 بلغ الخلاف ذروته بين "إيلون ماسك" و"ألكسندر دي مورايس" قاضي المحكمة العليا البرازيلية الذي أشرف على التحقيقات مع الرئيس السابق "بولسونارو" الذي يدعمه ماسك وأنصاره؛ حيث أعلن ماسك في 18 أغسطس 2024 عن إغلاق المنصة عملياتها المحلية في البرازيل من أجل "سلامة" الموظفين؛ وذلك بعد معركة قانونية في المحكمة العليا بشأن حقوق ومسؤوليات المنصة، بينما أعلنت الشركة أن الموقع سيظل متاحاً للمستخدمين في البرازيل.

 

8– دراسة الحكومة الأيرلندية فرض غرامات على شركات التواصل:

تدرس الحكومة الأيرلندية فرض الغرامات على شركات التواصل الاجتماعي ضمن إجراءات صارمة يتم إعدادها لمواجهة نشر خطاب الكراهية عبر الإنترنت والمحتوى الضار كجزء من مشروع قانون العدالة الجنائية الذي يسعى إلى تحديث قانون حظر التحريض على الكراهية لعام 1989. وبموجب التشريع المقترح، سيتحمل المسؤولون التنفيذيون لشركات وسائل التواصل الاجتماعي المسؤولية الشخصية عن التأخير في إزالة المحتوى المحرض على الكراهية من منصاتهم الرقمية. ومن المتوقع أن يصبح المقترح قانوناً في الأشهر المقبلة؛ حيث ستواجه الشركات غرامات بملايين اليوروات بسبب الخروقات.

 

9– توسع مساءلة مالكي منصات التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة:

 تزايدت مؤخراً موجة الاتهامات الموجهة لمنصات التواصل الاجتماعي في ضوء التداعيات السلبية لعمل تلك المنصات؛ حيث يخضع الرؤساء التنفيذيون لتلك المنصات لجلسات استماع متكررة في الكونجرس الأمريكي، واتهامهم بالفشل في حماية الأطفال من الاستغلال، كما تم اتهام شركة ميتا المالكة لفيسبوك خلال شهر أغسطس 2024 بالسماح بإعلانات تروج لبيع المخدرات غير المشروعة؛ حيث أعربت مجموعة من 19 مشرعاً أمريكياً من الحزبين عن مخاوف جدية بشأن تعامل ميتا مع إعلانات المخدرات غير المشروعة التي استهدفت المراهقين والأطفال على منصاتها.

ولم يكن تطبيق تيك توك بعيداً عن هذا المشهد؛ حيث تزايدت الضغوط الأمريكية على التطبيق المحسوب على الصين في ضوء اتهامات أمريكية للتطبيق بتهديد الأمن القومي الأمريكي. هذه الضغوط نتج عنها إقرار تشريع من جانب الكونجرس، في شهر أبريل 2024، وهو مشروع قانون يقضي بحظر تطبيق تيك توك في الولايات المتحدة، إذا رفضت شركة "بايت دانس" الصينية المالكة للتطبيق، بيع حصتها في غضون عام. ومن ثم، رفعت الشركة، في شهر مايو 2024، دعوى قضائية ضد حكومة الولايات المتحدة، في محاولة لوقف تنفيذ مشروع القانون.

 

10– انتقادات بريطانية متزايدة لأدوار منصات التواصل:

فبعد موجة الاضطرابات التي شهدتها المملكة المتحدة، على خلفية حادث الطعن الذي أفضى إلى مقتل ثلاث فتيات في ساوثبورت في 29 يوليو 2024، اتهمت الحكومة البريطانية منصات التواصل الاجتماعي بالمساهمة في إشعال الاحتجاجات الأخيرة، ودعتها إلى تحمل المسؤولية. وتسعى بريطانيا في الوقت ذاته إلى تفعيل قانون السلامة عبر الإنترنت الذي يتضمن أيضاً فرض الغرامات؛ حيث تسود التوقعات من جانب الخبراء بأن فرض غرامات مالية كبيرة على شركات وسائل التواصل الاجتماعي من المرجح أن يؤدي إلى نتائج إيجابية في السنوات القادمة.

 

محفزات رئيسية

يرتبط الصدام بين الحكومات ومنصات التواصل الاجتماعي بعدد من المحفزات الرئيسية المتمثلة فيما يلي:

 

1– التأثير المتصاعد للمنصات على مجريات الأحداث السياسية في الدول:

 ارتبطت معظم حالات الصدام بين الحكومات ومنصات التواصل الاجتماعي، بمحاولة تلك الحكومات الحد من الدور الذي تلعبه تلك المنصات في التأثير على مجريات الأحداث السياسية داخلها، سواء كانت انتخابات أو احتجاجات أو غيرهما؛ وذلك اعترافاً من تلك الحكومات بالدور الكبير والمؤثر الذي باتت تلعبه تلك المنصات على الساحة السياسية. ومن ثم، جاء الحفاظ على الاستقرار السياسي في مقدمة الأسباب التي طرحتها الدول التي قامت بحظر كلي أو مؤقت لمنصات التواصل الاجتماعي الرئيسية.

 

2– تزايد الاتهامات لمنصات التواصل بتحدي إرادة الحكومات:

 بعدما كانت منصات التواصل الاجتماعي في السابق أكثر استجابةً للضغوط التي كانت تمارسها الحكومات لفرض المزيد من الرقابة على المحتوى الذي يتم بثه من خلالها، وبذل جهود مضنية للمساهمة في الحد من نشر الأخبار الكاذبة، وإزالة المحتوى المحرض على الكراهية؛ فإن أصحاب تلك المنصات ذاتها اليوم باتوا يساهمون بأنفسهم في نشر الأخبار الكاذبة، وتسهيل نشر المحتوى الذي يحمل خطاب الكراهية، في تحدّ صارخ لإرادة الحكومات.

وأبرز مثال على ذلك الدور الذي أضحى يقوم به "إيلون ماسك" الرئيس التنفيذي الحالي لمنصة (X)؛ حيث تم توجيه الاتهامات له ولمنصته بلعب دور بارز في المساهمة في إشعال احتجاجات اليمين المتطرف في بريطانيا؛ الأمر الذي واجهه ماسك بتوجيه الانتقادات الصريحة للحكومة نفسها، كما اتهمه الرئيس الفنزويلي "نيكولاس مادورو" باستخدام الشبكة الاجتماعية للترويج للكراهية بعد الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في البلاد.

 

3– دور منصات التواصل في تضخيم أصوات القوى المعارضة للأنظمة:

 وفي حقيقة الأمر فإن منصات التواصل الاجتماعي أضحت تلعب دوراً كبيراً في تضخيم وبلورة الأصوات المعارضة للحكومات؛ ففي حالة بريطانيا على سبيل المثال، تشير العديد من التحليلات إلى أن أحد الأسباب الرئيسية لظهور اليمين المتطرف على الواجهة هو قيام "إيلون ماسك" برفع الحظر عن العديد من الشخصيات اليمينية المتطرفة، الذين تم حظرهم سابقاً من X (تويتر سابقاً) لانتهاك قواعد الموقع حول خطاب الكراهية.

 

4– استخدام منصات التواصل الاجتماعي لطرح أجندات مالكيها:

بخلاف مالكي منصات التواصل الاجتماعي الآخرين، فإن "إيلون ماسك" أضحى يستخدم منصة إكس (X) بشكل متزايد كمكبر صوت لتضخيم آرائه السياسية؛ حيث إنه يتنافس مع أولئك الذين يختلفون معه، سواء كانوا حكومات أو أشخاصاً مصابين بما يسميه "فيروس العقل المستيقظ". وفي حقيقة الأمر، فإن ماسك يدرك قوة وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل السرد السياسي، ومن ثم فهو يحاول أن يطرح السردية الخاصة به، والدفع بأجندته السياسية الخاصة؛ الأمر الذي أدخله في عداوة مع كبار المسؤولين في أستراليا والبرازيل والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بشأن التوازن بين حرية التعبير وانتشار المعلومات المضللة الضارة، كما اتهم حزباً سياسياً في جنوب أفريقيا "بالدفع علناً نحو الإبادة الجماعية للبيض".

 

5– التحيزات المتزايدة لمنصات التواصل الاجتماعي:

وهو الأمر الذي يظهر بوضوح في حالة الانقسام الحالي لوادي السليكون نحو دعم مرشحي الرئاسة الأمريكية، وانعكاس ذلك على الدعم المادي لحملات المرشحين؛ حيث نسجت تلك الشركات التكنولوجية نفسها بعمق في نسيج الحملات الانتخابية للمرشحين، بل داخل المناقشات الجيوسياسية المرتبطة بالانتخابات. ولم يعد التركيز منصباً على دورها في مواجهة التضليل والأخبار الكاذبة فقط، وإنما امتد لإمكانية ترجيح فرص فوز أحد المرشحين على الآخر، والتأثير المباشر على الواقع الفعلي للعملية الانتخابية.

 

6– انعكاسات الصراع المتواصل على قيادة وبنية النظام الدولي:

 لا يمكن إغفال أن الصدام بين الحكومات ومنصات التواصل الاجتماعي يرتبط في جانب منه باستمرار الصراع على قيادة النظام الدولي وبنيته، في ضوء دفع بعض القوى نحو تغيير هذه البنية. ويظهر ذلك في حالة روسيا والصين وتعاملهما مع منصات التواصل العالمية المحسوبة على الغرب؛ حيث تتعامل الدولتان مع هذه المنصات باعتبارها أدوات للغرب لتعزيز السيطرة على النظام الدولي، ومن ثم تتسارع تحركات الدولتين لتطوير منصات وتكنولوجيا خاصة بهما. وفي المقابل ترفض الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، إفساح مجال واسع للمنصات التابعة للقوى المنافسة، وخاصةً تطبيق تيك توك الصيني.

 

تداعيات خطيرة

يحمل الصدام بين الحكومات ومنصات التواصل الاجتماعي عدداً من التداعيات الرئيسية، وهي التداعيات التي يمكن تناولها على النحو التالي:

 

1– تزايد الدعوات المطالبة بفرض المزيد من الرقابة الحكومية:

 تجددت تلك الدعوات مؤخراً بصورة أكثر وضوحاً في بريطانيا والاتحاد الأوروبي والبرازيل وغيرها من الدول؛ ففي بريطانيا، أعلنت الحكومة أنها تدرس إدخال التعديلات على قانون السلامة على الإنترنت لعام 2023، (Online Safety Act 2023)؛ حيث أظهر استطلاع للرأي لأكثر من 2000 شخص بالغ ونشرت نتيجتَه مؤخراً مؤسسة (YouGov) لاستطلاعات الرأي، أنه في حين يرى ثلثي البريطانيين أن شركات التواصل الاجتماعي تتحمل المسؤولية عن المنشورات التي تحرض على السلوك الإجرامي، فإن 7 من كل 10 بريطانيين يرون أن شركات التكنولوجيا لا تخضع للتنظيم الكافي؛ الأمر الذي يحمل بين طياته دعوة للحكومة إلى فرض المزيد من التنظيم والرقابة على عمل تلك الشركات.

ففي جميع أنحاء العالم، أدرك المواطنون قبل الساسة أن شركات التكنولوجيا الكبرى ليست راغبة، أو ربما غير قادرة أحياناً، على توفير الحماية الكافية للمستخدمين والمجتمعات، وأن الحكومات يجب أن تتدخل الآن. وفي حقيقة الأمر، فإن انتقال تأثير تلك المنصات من الواقع الافتراضي إلى الحشد الفعلي للاحتجاجات، جعل الأمر يصل إلى حد فرض العقوبات الجنائية على مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي المساهمين في تنظيم تلك الاحتجاجات أو الدعوة إليها؛ ففي بريطانيا، يعد "جوردان بارلور" أول شخص يتم إرساله إلى السجن بسبب منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي أثناء أعمال الشغب الأخيرة؛ الأمر الذي سيكون له أيضاً تداعياته على تقييد الحريات عبر منصات التواصل الاجتماعي.

 

2– قيادة منصات التواصل حركة اضطرابات واسعة ضد الحكومات:

تتزايد المخاوف من انتقال معظم الصدامات التي تشهدها مواقع التواصل الاجتماعي، أو تلك التي تدور بين أصحاب المنصات والحكومات، وتحولها إلى صدامات على أرض الواقع؛ فالاحتجاجات وأعمال الشغب الأخيرة في فنزويلا والبرازيل وأيرلندا الشمالية وإنجلترا ليست سوى مثال واحد على الاضطراب والإرهاب والدمار الذي يمكن أن يتبع ذلك؛ الأمر الذي جعل البعض يتخوف من حجم الاضطرابات التي قد تلحق بالولايات المتحدة، على سبيل المثال، إذا لم يفز "دونالد ترامب" الذي يدعمه ماسك في إشارة إلى حجم النفوذ الذي أضحى يمتلكه من خلال منصة إكس (X)، وعدم التزامها في الأغلب بقواعد ضبط المحتوى.

 

3– التحول نحو المزيد من التحيز في منصات التواصل الاجتماعي:

فبعد عامين من سيطرة "إيلون ماسك" على منصة إكس، أصبحت المنصة ملاذاً لنوع حرية التعبير الذي أصبح ماسك يدافع عنه. ومن ثم، يمكن للمنصة قمع وجهات النظر التي تعارض وجهة نظر ماسك؛ إما عن عمد أو بطبيعة المنصة التي أصبحت أكثر تحيزاً. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى إبعاد المستخدمين الذين يشعرون بالتهميش عن المنصة، وإتاحة الفرصة أمام ظهور منصات أخرى بديلة.

 

4– هجرة المنصات الرئيسية:

حيث تسبب الصدام الحالي بين منصة إكس والحكومة البريطانية إلى إعلان أعضاء حزب العمال البريطاني ترك المنصة؛ نتيجةً لانتشار الأخبار الكاذبة والخطاب المحرض على الكراهية الذي يعتبرونه بمنزلة محرك أساسي للاحتجاجات الأخيرة؛ حيث اختار العديد من الأعضاء الانضمام إلى منصات بديلة، كما حث الرئيس الفنزويلي "مادورو" أنصاره على التخلي عن تطبيق واتساب المملوك لشركة ميتا لصالح تيليجرام أو وي تشات، قائلاً إن تطبيق المراسلة يستخدم لتهديد أسر الجنود وضباط الشرطة.

 

5– التأثير على مستويات الثقة الشعبية بالحكومات:

حيث إن حالة الصدام الحالي وتشكيك منصات التواصل الاجتماعي في بعض الأحيان في الحكومات، قد تجد صدى لها من جانب المواطنين؛ الأمر الذي يؤدي إلى زعزعة مستويات الثقة بالساسة والحكومات؛ فقد نشر ماسك على سبيل المثال منشوراً في يوليو 2024، اتهم فيه المفوضية الأوروبية بتقديم صفقة سرية غير قانونية لـمنصة إكس، تتضمن قيام المنصة بفرض الرقابة على المحتوى دون الإعلان عن ذلك مقابل عدم فرض الغرامات عليها؛ الأمر الذي يثير شكوك المواطن الأوروبي حول دور المفوضية في تقييد الحريات؛ هذا بجانب الصدام الأخير بين إيلون ماسك والاتحاد الأوروبي؛ حيث أرسل "تييري بريتون"، الذي يشرف على تطبيق الكتلة لقواعد وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة، إلى ماسك رسالة نُشرت على (X) حذره فيها من نشر "محتوى ضار"، قبل مقابلة ماسك التي تم بثها مباشرة مع دونالد ترامب؛ الأمر الذي يضع سمعة الاتحاد الأوروبي على المحك، ويوجه الاتهامات إليه بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

 

6– الإضرار المحتمل بحجم التجارة الإلكترونية:

 بعد آخر تؤثر عليه حالة الصدام مع منصات التواصل الاجتماعي، وهو التأثير على حجم التجارة الإلكترونية التي تولدها تلك المنصات؛ ففي حالة الحظر الأخير لإنستجرام في تركيا، أوضحت جمعية مشغلي التجارة الإلكترونية أن إنستجرام ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى تولد يومياً نحو 930 مليون ليرة تركية (27 مليون دولار) من التجارة الإلكترونية؛ الأمر الذي قد يكون عنصراً مهماً في التأثير على قرارات الدول في حالة الصدام مع تلك المنصات، كما كشفت (Businessinsider) في يناير 2024 أن حظر بوتين وسائل التواصل الاجتماعي كلف الاقتصاد الروسي أكثر من (4) مليارات دولار خلال عام 2023.

وختاماً، يمكن القول إن حالة الصدام الحالي بين منصات التواصل الاجتماعي والحكومات ستبلغ ذروتها خلال الفترة القادمة؛ الأمر الذي سيخلق موجات متتابعة من الإجراءات الحكومية العالمية التي تهدف إلى محاولة تقييد دور تلك المنصات، وفرض المزيد من الرقابة من جانب الحكومات على المحتوى الذي يتم نشره، مع التوسع في فرض الغرامات على تلك المنصات حال مخالفة القواعد. وفي حين قد تنجح تلك الإجراءات في بعض الأحيان، فإنها ستنطوي في مجملها على تقييد أكبر للحريات، وربما نشهد حالات هجرة كبيرة من المنصات الرئيسية في مقابل صعود منصات بديلة أخرى.

  مواضيع أخرى للمؤلف
←  تهديد المنصات..مآلات الصدام العالمي المتصاعد بين الحكومات ومواقع التواصل الاجتماعي
←  ردع الحاملات..الحضور العسكري المكثف في الشرق الأوسط
←  مواقع التواصل الاجتماعي وتعزيز موجة العنف اليميني المتطرف في بريطانيا
←  عمرو عبدالعاطي:تداعيات محاولة اغتيال ترامب على فرصه الانتخابية
←  أبعاد توظيف العراق دبلوماسية الوساطة في الصراعات الإقليمية
←  التهديد الكردي..دوافع إعلان اردوغان استعداده للتطبيع مع دمشق
←  مجابهة الخصوم..ملامح استراتيجية الإدارة الأمريكية الجديدة للأمن السيبراني
←  صعود المعارضة..التداعيات المحتملة لنتائج الانتخابات المحلية التركية
←  الصراع الأرميني–الأذربيجاني في ناغورني كاراباخ ​والمعضلة الأمريكية
← 
←  سياسة الممرات:كيف تزايد الاهتمام الدولي بمشروعات الربط بين الأقاليم؟
←  طموح أنقرة..انعكاسات تزايد الحضور التركي في منطقة بحر قزوين
←  شراكات “واشنطن”:أبعاد انعقاد قمة الولايات المتحدة ودول المحيط الهادئ
←  تنافس جيوسياسي...عن تعزيز نفوذ إدارة بايدن في جزر المحيط الهادئ
←  تأجيل الحسم.. دلالات نتائج الانتخابات التركية
←  اتجاهات تطوير القواعد العسكرية في العالم
←  رؤية رسمية: جلسة استماع لرؤساء الاستخبارات الأمريكية حول التهديدات العالمية
←  ورقة “هلسنكي”: لماذا وافقت تركيا على انضمام فنلندا إلى "الناتو"؟
←  تقييم التهديدات: الاتجاهات الرئيسية في التقرير السنوي لمجتمع الاستخبارات الأمريكي
←  تحالف دفاعي: كيف تعمل روسيا وإيران على تعزيز علاقتهما العسكرية؟
←  صدمات جيوسياسية: ما عواقب تراجع العولمة في أقاليم العالم؟
←  صنع السلام: كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُحدث ثورة في المجال الدبلوماسي؟
←  اللحظة الصينية: كيف تعيد بكين بناء صورتها كقوة عظمى عالمياً؟
←  تهديدات الجفاف: ارتدادات أزمة انحسار المياه في العالم
←  عقيدة هجومية: ما الذي تكشف عنه استراتيجية الأمن القومي الجديدة لليابان؟
←  دعم الحلفاء: كيف ترى القيادة المركزية الأمريكية دور واشنطن القادم في الشرق الأوسط؟
←  استعادة الردع: كيف تفكر الولايات المتحدة في استراتيجيتها النووية؟
←  مجابهة الخصوم: السياسات المحتملة لوكيل وزارة الدفاع الأمريكية للشؤون السياسية
←  كيف تعمل روسيا وإيران على تعزيز علاقتهما العسكرية؟
←  الاتجاهات الرئيسية في تقرير ميونخ للأمن لعام 2023‏
←  خارطة المخاطر العالمية المتوقعة بين عامي 2023 و2033
←  آفاق قطاع الطاقة العالمي عام 2023
←  المخاطر المحتملة التي ستُعيد تشكيل السياسة العالمية في 2023