خارطة المخاطر العالمية المتوقعة بين عامي 2023 و2033
“إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية”، شركة استشارات عامة، متعددة المهام، تم تأسيسها في 20 يناير 2021، بأبو ظبي، دولة الإمارات العربية المتحدة،
عرض: د. إيمان أحمد عبدالحليم:يعرض تقرير المخاطر العالمية لعام 2023، الذي نشره “المنتدى الاقتصادي العالمي”، بالتعاون مع “مارش ماكلينان” و”مجموعة زيورخ للتأمين” Marsh McLennan and Zurich Insurance Group؛ نتائج أحدث مسح لتصور المخاطر العالمية (GRPS)، ويحلل المخاطر الشديدة الناشئة حديثاً والمتغيرة بسرعة، التي من المحتمل أن يواجهها العالم على مدى السنوات العشر القادمة، وكيف سيؤدي اتساع الشقوق الجيوسياسية والاقتصادية والمجتمعية إلى إثارة الأزمات القادمة وتفاقمها؛ وذلك بالاعتماد على رؤى أكثر من 1200 خبير وصانع سياسات في جميع أنحاء العالم. ويمكن استعراض أبرز ما جاء في التقرير على النحو التالي:
1– هيمنة أزمة تكلفة المعيشة في العامين المقبلين:
تم تصنيف “أزمة تكلفة المعيشة” باعتبارها من أخطر المخاوف العالمية خلال العامين المقبلين. وفي ظل تفاقم أزمات الضغوط التضخمية التي تواجه الحكومات والبنوك المركزية حتى ما قبل جائحة “كوفيد– 19″، كانت أسعار الأساسيات من غذاء وسكن في ارتفاع. وزادت التكاليف مرة أخرى فيما بعد الوباء في عام 2022 بسبب الاضطرابات المستمرة لتدفقات الطاقة والغذاء من روسيا وأوكرانيا بفعل الحرب. وفاقم من الأزمة فرض نحو 30 دولة قيوداً شملت حظر الصادرات، خصوصاً للغذاء والطاقة في العام الماضي، في محاولة للحد من الأسعار المحلية؛ ما أدى إلى زيادة التضخم العالمي.
2– تفاقم أزمة الديون السيادية على النطاق العالمي:
وفق التقرير، من المرجح أن يؤدي سوء التقدير بين السياسات النقدية والمالية إلى زيادة احتمالية حدوث صدمات في السيولة؛ ما يشير إلى استمرار الانكماش الاقتصادي الذي يفاقم أزمة الديون السيادية على النطاق العالمي، التي قد تمتد بتأثيراتها على مدار العقد القادم بأكمله؛ وذلك في ظل تفاقم مخاطر الركود؛ إذ يمكن أن يكون للتضخم المصحوب بالركود على نطاق عالمي، إلى جانب المستويات المرتفعة تاريخياً للدين العام، عواقب وخيمة، ولتستمر الحكومات في تبني عملية توازن خطرة بين حماية قطاع عريض من مواطنيها من أزمة تكاليف المعيشة المتفاقمة مع التضخم، وتغطية تكاليف خدمة الديون؛ حيث تتعرض الإيرادات لضغوط الانكماش الاقتصادي.
3– تنامي خطر الحروب الاقتصادية بين القوى العالمية:
إن حالة الانقسام الجيوسياسي القائمة على الصعيد الدولي، التي تفاقمت على إثر الحرب الأوكرانية، من شأنها أن تضاعف تهديدات نشوب صراعات متعددة المجالات، وقد أصبحت الحرب الاقتصادية هي القاعدة فيها، مع تزايد الاشتباكات بين القوى العالمية، وتدخل الدولة في الأسواق على مدى العامين المقبلين، وليتم استخدام السياسات الاقتصادية بشكل دفاعي لبناء الاكتفاء الذاتي ولترسيخ السيادة من جانب القوى المتنافسة، ولكن في الوقت نفسه قد يتم توظيفها بشكل عدواني ومتزايد لتقييد صعود الآخرين.
4– توسع مخاطر حدة الاستقطاب المجتمعي داخل الدول:
يُصنَّف “تآكل التماسك الاجتماعي والاستقطاب المجتمعي” في المراتب الخطرة المتصورة في السنوات الأخيرة، وهو يُعرَّف بأنه فقدان رأس المال الاجتماعي وانقسام المجتمعات؛ ما يؤدي إلى تدهور الاستقرار الاجتماعي والرفاهية الفردية والجماعية والإنتاجية الاقتصادية، كما يُنظَر إليه على أنه من أكثر المخاطر العالمية التي نجمت عن العديد من المخاطر المحتملة الأخرى القصيرة والطويلة الأجل، بما في ذلك أزمات الديون وعدم استقرار الدولة، وأزمات تكلفة المعيشة والتضخم، والانكماش الاقتصادي المطول، والهجرة المناخية. ولتشكل الفجوة الآخذة في الاتساع في القيم والمساواة تحدياً وجودياً لكل من الأنظمة الاستبدادية والديمقراطية على السواء، مع تفاقم الاستقطاب حول قضايا مثل الهجرة والجنس والحقوق الإنجابية والعرق والدين والمناخ، وحتى الفوضوية الانتخابية، مع تنامي الاحتجاجات في جميع أنحاء العالم، من الولايات المتحدة الأمريكية والصين إلى إيران.
5– تزايد المخاطر الصحية عالمياً في ظل تفاقم الأوبئة:
مع تفاقم أزمات الدول وتقلص الموارد الحكومية، سيكون لدى عدد أقل من الدول المجال المالي للاستثمار في النمو المستقبلي والتقنيات الخضراء والتعليم والرعاية وأنظمة الصحة على مدى السنوات العشر القادمة؛ وذلك في ظل المخاطر الصحية المزمنة التي تتفاقم بسبب توتر أنظمة الرعاية الصحية التي تواجه الآثار الاجتماعية والاقتصادية والصحية المستمرة لوباء “كوفيد– 19″، والتي ضاعفت المخاطر الناشئة على الصحة البدنية والعقلية، بما في ذلك مقاومة مضادات الميكروبات (AMR)، والأمراض الغذائية والمعدية التي يحركها المناخ، وهذا في حين عطلت الجائحة تقديم خدمات الوقاية والعلاج؛ ما أدى إلى تراكم خدمات الرعاية في المستشفيات والمجتمع الذي قد يكون من الصعب علاجه على المدى القصير وحتى المتوسط، خصوصاً في حال ظهور أوبئة أو متحورات جديدة.
6– تراجع مستويات الأمن الإنساني خلال العقد المقبل:
تشير البيانات إلى أن الحرب الاقتصادية والمعلوماتية ستستمر في تشكيل تهديدات أكثر خطورةً من الصراعات الساخنة خلال العقد المقبل، ومع ذلك تتراجع مستويات الأمن الإنساني مع تزايد تعرض الدول المسلحة نووياً للتكنولوجيات الناشئة عن أسلحة جديدة ونزاعات متعددة المجالات. وفي حين اتسمت العقود الماضية بعدم نشر أقوى أسلحة البشرية وعدم وجود اشتباكات مباشرة بين القوى العالمية، أصبح العالم أقل سلاماً، مع تعدد التظاهرات الأكثر عنفاً، وانتشار الصراعات الخارجية والصراعات الداخلية على السواء، فيما أدى تزايد انعدام الثقة والشك بين القوى العالمية والإقليمية بالفعل إلى إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العسكري.
7– اعتبار مخاطر الأمن السيبراني مصدر قلق دولي مستمر:
بحسب التقرير، فإنه إلى جانب ارتفاع معدلات الجريمة السيبرانية، ستصبح محاولات تعطيل الموارد والخدمات الحيوية المدعومة بالتكنولوجيا أكثر شيوعاً، مع توقع الهجمات على قطاعات الزراعة والمياه والأنظمة المالية والأمن العام والنقل والطاقة والبنية التحتية للاتصالات المحلية والقائمة على الفضاء وتحت سطح البحر.
ولا تقتصر المخاطر التكنولوجية على الجهات المارقة فقط؛ فقد يُمكِّن التحليل المتطور لمجموعات البيانات الأكبر حجماً من إساءة استخدام المعلومات الشخصية من خلال الآليات القانونية المشروعة؛ ما يضعف السيادة الرقمية الفردية والحق في الخصوصية، حتى في الأنظمة الديمقراطية المنظمة، لتظل مخاطر الأمن السيبراني مصدر قلق دائم للشركات والحكومات على السواء، وفي المقابل تتنامى المساعدات الحكومية لهذا القطاع، ويزيد الإنفاق العسكري، فضلاً عن الاستثمار الخاص والبحث والتطوير في التقنيات الناشئة، التي ستستمر بوتيرة متسارعة على مدار العقد المقبل.
8– تفاقم أزمات التغيرات المناخية العالمية على المدى القصير:
كافح النظام الدولي لإحراز التقدم المطلوب بشأن تغير المناخ، لكن مع ذلك يُصنف الفشل في التخفيف من تغير المناخ على أنه أحد أخطر التهديدات على المدى القصير، بل يمثل الخطر العالمي الأخطر على مدار العقد المقبل، في ظل ضعف الاستعدادات العالمية لمواجهة تبعات التغيرات البيئية والمناخية المستقبلية، وآثارها الواسعة المدى على القطاعات الزراعية والاقتصادية المهمة. والأخطر أن التفاعل بين تأثيرات تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والأمن الغذائي واستهلاك الموارد الطبيعية يؤدي إلى تسريع انهيار النظام الإيكولوجي، وتهديد الإمدادات الغذائية وسبل العيش في الاقتصادات المعرضة لتغيرات المناخ، وتضخيم آثار الكوارث الطبيعية، والحد من المزيد من التقدم على صعيد تخفيف أزمات المناخ.
9– تزايد معضلة أزمة سلاسل التوريد على المستوى العالمي:
تبرز الفجوة المتزايدة بين العرض والطلب على الموارد الطبيعية، وأزمات سلاسل التوريد في السنوات الأخيرة، الحاجة إلى المرونة في القطاعات الاستراتيجية التقليدية، وضعاً في الاعتبار أن الوصول الموثوق والسلس إلى أبسط الضروريات –من غذاء وماء وطاقة – يدعم الأداء الحيوي للمجتمعات. وفي ظل أن محددَي غياب التعاون وتغيرات المناخ هما العنصران الرئيسيان للاضطراب الدولي القائم، فإنه في الإطار الزمني لعام 2030، سيحدد العاملان بحسم مسار القدرة على مطابقة العرض والطلب على الموارد، ومواجهة الأزمات المتعددة المرتبطة بها؛ وهذا في ظل درجة التعاون العالمي التي تسمح بتدفق الموارد عبر الحدود الوطنية، وتأثير تغير المناخ على إمدادات الموارد الطبيعية وسرعة التحول المنخفض الكربون. ويؤدي التفاعل بين هذين المحورين معاً إلى تشكيل المستقبل الخاص بعام 2030.
وختاماً،
فقد أكد التقرير أنه لا تزال هناك نافذة لتشكيل مستقبل أكثر أماناً من خلال استعدادات أكثر فاعلية، تتطلب معالجة أسباب تآكل الثقة بالأنشطة المتعددة الأطراف، والقادرة على تعزيز القدرة الجماعية على منع الأزمات الناشئة عبر الحدود، والاستجابة لها، وتقوية الحواجز اللازمة للتصدي للمخاطر الراسخة.
|